( كتاب ) مرتفعات الجزيرة العربية؟!

جبل عمد

Moderator
إنضم
28 فبراير 2008
المشاركات
1,534
مستوى التفاعل
19
النقاط
38
بسم:

( كتاب ) مرتفعات الجزيرة العربية


لهاري سانت جون فيلبي





بقدر ما كانت فرحتي !! بحصولي على نسخة من هذا الكتاب !!


كانت خيبة أملي ؟!!


عندما اكتشفت أن السيد ( عبدالله فلبي ) ؟! لم يمر بديرتي ـ في تلك الرحلة سنة 1937م ـ وأجزم أنه لو مرّ بوادي بوا وشاهد بيضان وعمد .. وقَالَ بحدّاد .. وبات في مهور .. وأضحى ببثرة .. وانحدر للجائزة وشاهد ينابيعها .. وعرّج على أضم ونخيلها.. لوجد الشيء الكثير مما يقوله .. ويكتبه في مذكراته .. من كرم أهل المنطقة .. وطيبتهم وجميل عاداتهم .. وأجزم أنه لمرّ بها لسُحر بجمال طبيعتها .. ولتوقف كثيراً .. عند منتجات سراة بجيلة من اللوز والرمان والأعناب .. في تلك الفترة ؟!



ولعل من يقرأ الدراسة التحليلية التي ( نقلتها ) عن الأستاذ الدكتور الذي قام بمراجعة وإخراج هذا السفر العظيم .. سيعرف الأسباب التي منعت اليسد فلبي من المرور بمنطقتنا ؟؟!!


( أخوكم إبراهيم العفيفي )


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ـــــــــــــــــــــ


ـــــــــــ


(دراسة تاريخية تحليلية)



[FONT=MCS Hor 1 S_U Normal 2000]إعداد / أ . د . غيثان بن علي بن جريس[/FONT]


أولاً : مقدمة :
إن شبه الجزيرة العربية،جنوبيها بعامة، وبلاد عسير وجازان ونجران بخاصة من المناطق التـي عانت ، عبر العصور الإسلامية ، قصوراً في تدوين تاريخها وتراثها، وربما كان ذلك لعدة أسباب منها :
1- بعدها عن مواطن الحضارات الإسلامية في كل من الشام والعراق وفارس ومصر وبلاد المغرب وغيرها ، فبعد خروج مقر الخلافة الإسلامية من شبه الجزيرة في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) شابها فقر في تدوين تراثها وحضارتها0
2- إن صعوبة التضاريس في أجزاء عديدة من شبه الجزيرة العربية ، مثل : بعض النواحي في جازان ونجران وعسير وما حولها ، مما جعلها في معزل عن بقية بلدان العالم ، كما جعلها منسية في أغلب كتب التراث الإسلامي خلال العصور الإسلامية المبكرة والوسيطة (1).

أما وضع جنوب البلاد السعودية في العصر الحديث والمعاصر فقد كان أحسن حالاً من العهود الإسلامية السابقة ، حيث بدأ الاهتمام بها من الناحية العلمية والفكرية ، فظهر خلال القرنين الماضيين عدد من المؤرخين بدأوا الكتابة عنها وإبراز أهميتها السياسية والحضارية (2) ، ولم يقتصر هذا الاهتمام على المراجع والمصادر العربية فحسب، بل ظهر بعض الأوربيين الذين أدرجوها ضمن بعض مؤلفاتهم (3)، ثم وفد بعض الرحالة الأوربيين إليها، فدونوا عنها كتباً لخصوا فيها رحلاتهم وتجاربهم ومشاهداتهم في تلك الربوع ،كما سجلوا وجهات نظرهم عن تاريخ وآداب وحضارة هذه البلاد . وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء الرحالة الأوربيين جاءوا إلى منطقتنا المعنية بالدراسة لأهداف معينة ، لكنهم بدون شك جمعوا لنا مادة علمية قيمة صورت لنا مظاهر الحياة السياسية والحضارية في عموم جنوب السعودية، ثم إن مدوناتهم التـي وصلتنا تعد حقيقة من المراجع الجيدة التـي دونت تاريخ هذه البلاد في فترة لم يكن قد دون عنها الشيء الكثير (4). ولقد قصرت دراستي في هذه الورقة على كتاب : مرتفعات الجزيرة العربية لهاري سانت جون فيلبي ، وذلك لعدة أهداف منها :ـ

1 ـ صلتنا القديمة بقراءة الكتاب في نسخته الأصلية ( باللغة الإنجليزية ) ثم الحديث عنه بشكل مختصر في ورقة قدمت : لندوة اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة في الفترة الممتدــــة من ( 8 – 10 / شعبان 1420 هـ - الموافق 16 – 18 نوفمبر / 1999 م ) تحت عنوان : (( إقليم عسير في عيون الرحالة الأوربيين )) (5). ثم وصول دعوة إلينا من أستاذنا الكريم الأستاذ الدكتور / سعيد عبد الفتاح عاشور رئيس اتحاد المؤرخين العرب خلال عام ( 1425هـ/2004م ) يخبرنا فيها بأن ندوة هذا العام التـي يقيمها الاتحاد

سوف تكون تحت عنوان : العالم العربي في الكتابات التاريخية المعاصرة ، لهذا قررت الرجوع إلى هذا الكتاب بشكل عام ، لأنه لم يقتصر على إقليم عسير فقط ، وإنما شمل معظم الأجزاء الجنوبية من المملكة العربية السعودية ، والممتدة من السليل شرقاً إلى الطائف ، ثم إلى عسير وجازان ونجران جنوباً بالإضافة إلى المنطقة الساحلية الممتدة من جازان إلى مكة المكرمة (6).

2 ـ رجوعنا هذه المرة إلى هذا الكتاب في نسخته العربية وليس في نسخته الأصلية ، كما حدث معنا من قبل ، لأن مكتبة العبيكان مشكورة قد قامت منذ زمن بالعكوف على ترجمة بعض مؤلفات فيلبي (7)، وهذا الكتاب الذي نحن بصدده في هذا البحث يعد من أفضل كتب ودراسات فيلبي عن شبه الجزيرة العربية ، وقد قام بترجمته على نفقة آل العبيكان الدكتور / حسن مصطفى حسن ، ثم أوكل إلينا مراجعة الكتاب وتدقيق معلوماته وكتابة تقديم له ، لهذا اضطررت العيش مع مادة الكتاب قرابة سنة كاملة راجعت النص الأصلي مع النصوص المترجمة ، ثم ذهبت إلى جميع المناطق التي زارها فيلبي فاتضح لنا الكثير من الأخطاء العلمية واللغوية عند كل من صاحب الكتاب فيلبي ، وكذلك في النسخة المترجمة ، وقد عملنا ما بوسعنا من إصلاحات وتصويبات في معظم متون الكتاب وحواشيه ، مع ذكر العديد من المصادر والمراجع التي رجعنا إليها أثناء مراجعة هذا السفر الكبير الذي يقع في مجلدين ، وفي حوالي ( 1500 ) صفحة (8).

3 ـ الدعم غير المحدود والذي وجده فيلبي من الملك عبد العزيز ، وقد لمسنا ذلك في هذا الكتاب ، وفي كتب أخرى عديدة ، فكان الملك عبد العزيز يعمل جاهداً على تسهيل جميع مهماته المادية والأمنية والاجتماعية بل يحث رجال حكومته في جميع المناطق التي زارها ، على توفير جميع مطالبه ، ودعمه بكل ما يستطيعون (9).

معظم دراسات فيلبي قائمة على الرحلات والتجوال في نواحي الجزيرة العربية ، وهذا بدون شك أمر صعب جداً ، لما يقابل من عقبات جغرافية ، وسياسية ، وأمنية واقتصادية، واجتماعية ، ولكن هذا الرحالة تجاوزها بسبب حماية الملك عبد العزيز له ودعمه الكبير (10)، ثم صبره وعزيمته ، وكذلك سعة معارفه وثقافته وإتقانه اللغة العربية، بالإضافة إلى دبلوماسيته سواء مع الملك عبد العزيز ورجال دولته ، أو مع عامة الناس ، كل هذه الأمور مجتمعة جعلته ينجح في معظم رحلاته ، وبالتالي ترك لنا كنزاً معرفياً كبيراً مثل هذا الكتاب الضخم الذي هو عنوان ورقتنا هذه .

ثانياً : التعريف بهاري سانت جون فيلبي ( H.St.J.B. Philby ) .
صاحب كتاب :مرتفعات الجزيرة العربية، هو هاري سانت جون فيلبي (H.St.J.B. Philby ) الإنجليزي الجنسية ويدعى اختصاراً جاك أو (عبد الله فيلبي ) والمولود في عام ( 1885م ) والمتوفى عام ( 1960م ) ، فهو من معاصري أحداث القرنين (الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، والتاسع عشر والعشرين الميلاديين) . انخرط بداية حياته في وظائف عدة بالحكومة البريطانية ، ثم قدم إلى شبه الجزيرة العربية في اليوم السابع عشر من تشرين الأول سنة ( 1917م ) ، حيث ذهب من البصرة إلى الأحساء ومنها اتجه إلى الرياض ، حيث اجتمع لأول مرة بالملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، وقد فصَّل ذلك في كتابه : أيام بلاد العرب .Arabian Days ، الذي قام بتلخيصه الأستاذ/ خيري حماد في كتابه عبدا لله فيلبي قطعة من تاريخ العرب الحديث ، ونشره في بيروت عام (1381هـ /1961م ) (11).
ويختلف فيلبي عن جميع الرحَّالة الذين قدموا إلى الجزيرة العربية في التاريخ

الحديث والمعاصر؛ وذلك لغزارة مؤلفاته عن شبه الجزيرة العربية ، بل نستطيع القول بأنه امتاز بالريادة في الكتابة التاريخية عن المملكة العربية السعودية بخاصة والجزيرة العربية بعامة ، وقد ذكر عنه الشيخ حمد الجاسر قوله :
(( الحقيقة التي يجب أن تقال هي أن فيلبي أسدى للجزيرة العربية يداً قصَّر عن مدها إليها من سواه )) (12). أيضاً ذكر جورج رنتز ( George Rentz ) في حديثه عن فيلبي (( أنه أكثر الغربيين إنتاجاً عن تاريخ هذه البلاد )) (13)ويقصد بالبلاد ، المملكة العربية السعودية ، منوهاً في ذلك إلى أن السبب في تلك الغزارة يرجع إلى حصول فيلبي على مؤهلات الكتابة التاريخية عن هذه البلاد ، ومن أهمها معرفته التامة بجميع نواحيها ، فقد عاش في شبه الجزيرة العربية متنقلاً بين ربوعها أكثر من أربعين عاماً ، أي منذ أن وطئت قدماه أراضيها لأول مرة عام (1336هـ/1917م) إلى وفاته عام ( 1380هـ/ 1960م ) (14).
وإذا كان ( عبد الله فيلبي ) قد بدأ حياته العملية في خدمة الإمبراطورية البريطانية ككثير من أبناء جلدته ، فإنه بعد أن جاء إلى شبه الجزيرة العربية ، والتقى بالملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ثم دان بالإسلام صار عندئذ حميم العلاقة مع الملك عبد العزيز ، وبالتالي أصبح من المقربين لدى الملك حتى إنه أرسله في عدد من المهام الخاصة بالدولة داخل البلاد وخارجها ، وذكر فيلبي كثيراً من تلك المهام في مذكراته وكتبه ومقالاته الكثير (15).
وقد ترك لنا المؤرخ والرحالة فيلبي عدداً من المؤلفات والمقالات المتنوعة في عناوينها وأطروحاتها ، وجميعها دُوِّنت باللغة الرئيسة التي يتكلمها فيلبي ، وهي اللغة الإنجليزية ، وبعضها قد ترجم إلى اللغة العربية (16)، ومن تلك المؤلفات . (حسب الطبعات التي وقفت عليها) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- كتاب : قلب الجزيرة العربية . طبع في نيويورك سنة (1923م )
2- كتاب : تاريخ الحجاز المعاصر . طبع في لندن سنة (1925م ).
3- كتاب : العربية الوهابية . طبع في لندن سنة (1928م ) .
4- كتاب : الجزيرة العربية . وقد نشرته دار( ارنست لتد ) في سنة (1930م ) .
5- كتاب : الربع الخالي . طبع في لندن سنة (1933م ).
6- كتاب : النقوش في نجران . طبع في لندن سنة (1944م ).
7- كتاب : ثلاثة نقوش في حضرموت . طبع في لندن سنة (1945م )
8- كتاب : أيام عربية . طبع في لندن سنة (1948م ).
9- كتاب : الذكرى العربية . طبع في واشنطن سنة (1952م ).
10- كتاب : العربية السعودية . طبع في لندن سنة (1955م ).
11- كتاب : أرض مدين . طبع في واشنطن سنة (1955م ).
12- كتاب : أربعون عاماً في القفر . طبع في واشنطن سنة (1957م ).
13- كتاب : صفقات الزيت العربي . طبع في واشنطن سنة (1964م )
14- كتاب : بنات سبأ . طبع في لندن سنة (1981م ).
15- كتاب : مرتفعـــــات الجزيرة العربيــة . طبع في نيويورك سنة (1976م )(17).
وهناك كتب ومقالات أخرى عديدة لم نشر إليها، والغالب على معظم الدراسات التي دونها فيلبي تميزها بوفرة المعلومات الجديدة في محتوياتها وطريقة تدوينها، كما أن المشاهدة وتنوع الخبرة عند هذا الرحَّالة جعلته يصبغ كتبه وأبحاثه بصبغة يسودها العمق في التحليل والتدوين . حتى إننا نجده أحياناً يخوض في جزئيات وتفاصيل دقيقة لا تتأتَّى
ـ

إلاَّ لمن كان كثير الرحلة والتجوال، وكان شاهد عيان لتلك التفاصيل ، وعلى الرغم من أن جميع أبحاثه وموضوعاته تدور حول الجزيرة العربية ، فإنها تميزت ـ كما سبق القول ـ بالتنوع (18)، ولذا سوف نقتصر في هذه الدراسة على عرض المؤلف الخامس عشر من مؤلفاته ، الآنفة الذكر، والموسوم بـ : مرتفعات الجزيرة العربية " [ Arabian Highlands ] .

ثالثاً : التعريف بكتاب : مرتفعات الجزيرة العربية ، وأقسامه .
عنوان الكتاب:مرتفعات الجزيرة العربية( Arabian Highlands ) لمؤلفه سانت جون بريجر فيلبي أو " عبد الله فيلبي " كما عُرف بالمنطقة العربية ، وقد طبع الكتاب باللغة الإنجليزية بمطبعة جامعة كورنل أثاكا في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1976م . ويقع في (771) صفحة من القطع المتوسط ، وقامت على نشره جمعية الشرق الأوسط في واشنطن ، دي0سي( Washington , D.C ) (19). وقد اعتمدنا على الطبعة العربية المترجمه من قبل مكتبة العبيكان عام 1426 هـ / 2005 م) والتـي تأتي في مجلدين كبيرين (20).
ونجد في بداية الطبعة الإنجليزية مقدمتين إحداهما مؤرخة بعام (1944م)، والثانية ترجع إلى عام ( 1951م ) (21)، أما المقدمة الأولى فيبدو أن فيلبي قد دونها أثناء انتهائه من جمع ثم تدويـن معلومات هذا الكتاب، وقد أشار فيها إلى فضل جمعية الشرق الأوسط سالفة الذكر لقيامها بالدعم العلمي له ، وتكفلها بنفقات نشر كتابه هذا . كما نلاحظ أنه نوه في ذات المقدمة إلى أهمية كتابه وكونه من أفضل الكتب الأجنبية التي صُنَّفت عن النصف الجنوبيالغربي من البلاد السعودية ، ونحن نوافقه

القول لما احتوى عليه هذا المصنف من معلومات متنوعة وقيمة يندر وجودها في مرجع آخر تناول هذا الجزء من الجزيرة العربية خلال الفترة الزمنية نفسها وهي العقد الرابع من القرن الميلادي الماضي (22).
أما المقدمة الثانية والمؤرخة بعام ( 1951م ) ، فليست سوى تكملة للمقدمة السابقة ، وقد أشار فيها إلى مرور سبع سنوات على كتابة مقدمة الكتاب الأولى وتوضح أنه خلال تلك السنوات بدأت أوضاع البلاد السعودية في التحسن والنمو ، وأنه يتنبأ بمستقبل مشرق لهذه البلاد، كما ينوه إلى تطور العلاقات السياسية والحضاريــــــة بين الحكومتــــين السعودية والأمريكية ، ويوضح تركيز الأمريكيين في دراساتهم وبحوثهم الأكاديمية على شبه الجزيرة العربية (23) .
وهذا الكتاب الضخم ، موضوع الدراسة ، عبارة عن رحلة قام بها عبد الله فيلبي من بلدة السليل في أسفل وادي الدواسر ، وذلك بعد الانتهاء من رحلته في الربع الخالي ، والتي فصَّلها في كتابه : الربع الخالي(The Empty Quarter) الذي صدر في لندن عام (1933م ) (24).
وانطلاقة فيلبي في هذه الرحلة من بلدة السليل نحو بيشة والطائف ومكة المكرمة ، وقد أشار إلى ذلك في الباب الأول من كتابه الذي قسمه إلى ستة أبواب تحتوي على ثلاثة وثلاثين فصلاً خصص لكل باب منطقة جغرافية ، ولكل فصل بلدة أو ناحية من جنوبي المملكة العربية السعودية (25)، كما سوف نذكر في الصفحات التالية ، بالإضافة إلى عدد من الصور والرسوم والخرائط القيمة ، وكذلك عدة ملاحق وفهارس بأسماء الأعلام والأماكن والقبائل (26)، كما يأتي في الصفحات الأولى من الجزء الأول . "كلمة الناشر " للطبعة العربية ( مكتبة العبيكان ) وضح فيها بعض الأسباب التي جعلته يسعى إلى ترجمة هذا الكتاب وغيره من كتب فيلبي الرائدة في موضوعاتها
وتفصيلاتها (27). كما تلي هذه الكلمة سبع صفحات أخرى من تدوين المدقق والمراجع لهذا الكتاب ، أوضح فيها أهمية هذا الكتاب لما احتوى عليه من معلومات دقيقة ورئيسة في جوانب تاريخية وحضارية عديدة (28).

رابعاً : دراسة وصفية للكتاب :

يحتوي الباب الأول : على ثلاثة فصول ناقشت ذهاب فيلبي من أطراف الربع الخالي الشمالية الغربية إلى مكة المكرمة ، وهذه الرحلة عبارة عن نهاية رحلته التي بدأها من الأحساء وانتهاء منها في مكة المكرمة بالحجاز (29). ذكر في الفصل الأول : ما يلي الربع الخالي ، ودون فيه ما شاهده في وادي السليل وبلاد الدواسر من قرى وهجر ، بالإضافة إلى وجود الكثير من النباتات والحيوانات وبعض الطيور المختلفة(30).
أما الفصلان الثاني والثالث : فحصرهما على بيشة ، ثم البلاد الممتدة من شمال بيشة حتى مكة المكرمة ، ذكر فيها ما رأى من قرى ومواطن استيطان ، كما أوضح أهمية بيشة التجارية ، وعلاقاتها الاقتصادية مع ما جاورها من البلدان مثل اليمن ، وعسير ، والحجاز . ولم يغفل ذكر مصبات بعض الأودية الرئيسة في هذه المناطق ، مثل أودية بيشة ، ورنية ، وتربة التـي تأتي مصباتها من قمم جبال السروات الواقعة إلى الغرب من هذه البلاد المشار إليها في هذين الفصلين (31).
الباب الثاني تحت عنوان : " الوادي الثلاثي "، ويشتمل على سبعة فصول ، أولها بعنوان (( الملك في معسكره )) ويقصد بذلك الحديث عن مخيم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي رآه والتقى به في حج عام ( 1936 م ) ، كما ذكر فيلبي بعض الترتيبات التـي قام بها من أجل بداية رحلته في جنوب البلاد السعودية والتـي بدأها في ( 22/ أبريل /1936م ) ، وهي موضوع بحثنا هذا ، كما ذكر أن ذهابه في هذه الرحلة بناء على توجيه من الملك عبد العزيز كي يقوم بدراسة هذه المنطقة التـي تعد حلقة الوصل بين اليمن والحجاز ، كما كان عليه لأن يقف على مواقع الحدود التي رسمت بين حكومتـي اليمن والسعودية في عام ( 1934 م ) (32).
أما الفصول : الخامس ، والسادس ، والسابع ، والثامن ، والتاسع ، والعاشر ، فقد شملت الحديث عن المناطق الشرقية الرئيسة لبلاد السروات الممتدة من الطائف حتى الحدود الشمالية لبلاد نجران ، وهي الخرمة ، ورنية ، وبيشة ، وخميس مشيط ، ومرتفعات عسير وقاعدتها مدينة أبها ، وأخيراً وادي تثليث . تم تدوين هذه الفصول الستة في حوالي ( 227 ) صفحة (33)، ناقش فيها المؤلف كثيراً من التفصيلات الجغرافية : كالتضاريس ، والمناخ ، وأشار إلى كثير من النباتات والحيوانات المتواجدة في هذه المناطق ، كما تعرض لشروحات عديدة عن الزراعة ، والتجارة ، مع ذكر السلع والعملات التـي كانت تتداول في الأسواق الأسبوعية وبخاصة في بيشة ، وخميس مشيط، وأبها ، كما نوه إلى بعض الأحداث العسكرية التي حدثت في منطقة عسير خلال الحكم العثماني وحكم آل عائض على هذه البلاد (34). ولم ينس الإشارة إلى كثير من الحرف والمهن التـي كان يمارسها السكان مع الإشارة إلى كثير من العادات والأعراف التي كان يقوم بها أهل هذه المنطقة ، ومنها ما يتعلق بالطعام والشراب ، واللباس ، والزينة ، والبناء والعمران ، وكذلك الزواج والاحتفالات والفنون العلمية والفكرية والشعبية . كما تعرض لذكر أسماء وأوصاف بعض الأمراء والشيوخ والوجهاء في معظم بلاد عسير (35)، ولم يغفل الحديث عن بعض الآثار والنقوش والرسومات التي شاهدها في نواحي عديدة بالبلاد الممتدة من بيشة إلى أبها وتثليث (36).

الباب الثالث ، بعنوان : بلاد يام(37). ويحتوي على ستة فصول وأرقامها في
فصول الكتاب من ( 11 – 16 ) ، وقد اشتملت جميعها على تاريخ وحضارة نجران في القديم والحديث ، ففي الفصل الأول من هذا الباب والحادي عشر من فصول الكتاب العامة ، والذي أسماه : عتبة نجران ناقش فيه وادي حبونا من الناحيتين الجغرافية والبشرية ، وأشار إلى وجود بعض الآثار الدينية القديمة في هذا الوادي (38).

أما الفصول الخمسة الأخرى : فقد وضع لكل منها عنواناً مستقلاً هي : كعبة نجران ، أولى الخطى إلى نجران ، الأخدود ، الحياة في نجران ، الزيارة الثانية إلى نجران(39). وتحدث في هذه الفصول عن كثير من آثار نجران القديمة ، وتعرض للتاريخ السياسي القديم لهذه البلاد ، وبخاصة أثناء قيام ممالك الجنوب مثل : دولة معين ، وسبأ ، وحمير (40)، كما اهتم بذكر تفصيلات عن قبائل يام وفروعها ومشيخاتها الرئيسة ، ولم يغفل الإشارة إلى بعض النواحي الاجتماعية عند النجرانيين كالأطعمة والأشربة ، وكذلك بعض العادات والأعراف القبلية . وذكر أيضاً بعض المعلومات عن المكارمة الإسماعيلية في بلدة خشيوة بنجران (41).
وفي الفصل الأخير من هذا الباب المدون تحت عنوان : الزيارة الثانية إلى نجران ، وذلك بعد خروجه من نجران حوالي ( 80 ) يوماً ذهب فيها إلى مأرب وحضرموت وشبوة في بلاد اليمن ، وأفرد هذه الرحلة في كتاب آخر سماه : بنات سبأ (42)، ثم عاد إلى نجران مرة ثانية وتحدث عن بعض النواحي التجارية في أسواق نجران ، وأورد في نهاية هذا الفصل ثلاث صفحات تحت اسم (( قرى نجران )) ذكر فيها عدداً من القرى والبيوت والمزارع التـي كانت تابعة للفروع الرئيسة في قبيلة يام (43).
الباب الرابع والموسوم بـ : الهضبة المرتفعة ، ويشتمل على سبعة فصول ، وتحتل الأرقام ( 17 – 23 ) من فصول الكتاب الرئيسة ، وعناوينها على النحو التالي : الطريق إلى حبونا ، وادي حبونا، وطن السفاحين ، وتثليث الأعلى ، المنابع العليا لحبونا، تخوم الهضبة ، عودة إلى شراقب (44).

عمل في تدوين هذه الفصول على نفس المنهج الذي سلكه في الفصول السابقة ، معتمداً على المشاهدة والمقابلات مع أعيان وبعض سكان هذه المناطق ، ولم يغفل الحديث عن بعض الأحداث السياسية والعسكرية التي وقعت في بلاد نجران مع بعض القوى اليمنية خلال العقد الرابع من القرن الميلادي الماضي (45).
الباب الخامس بعنوان : مرتفعات تهامة ويحتوي على خمسة فصول ( 24 - 28) من الفصول الرئيسة للكتاب ، وهي : وادي بيش ، منطقة صبيا ، جازان ، مرتفعات تهامة ، حدود المرتفعات (46). وفي هذه النواحي كان فيلبي قد انتقل من مرتفعات السروات إلى سهول وبعض جبال وهضاب تهامة ، وشاهد الاختلاف بين الأجزاء التهامية والسروية من حيث التضاريس ، والمناخ ، وطبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية . وهذا التباين يعود في الأساس إلى أوضاع واختلاف النواحي الجغرافية الطبيعية في المنطقتين (47).

الباب السادس والأخير الذي يأتي في خمسة فصول ( 29 – 33 ) من فصول الكتاب والموسوم بـ : منخفضات تهامة ذكر فيه هذا الرحالة الكثير من المعلومات الخاصة بالمنطقة الممتدة على حدود اليمن والسعودية في النواحي التهامية ، ثم عاد أدراجه من جازان إلى مكة المكرمة في الحجاز (48). وأشار إلى تفصيلات قيمة عن الطريق الساحلي الذي يربط بين مكة المكرمة وجازان ، مع التوقـف عند بعض المراكز الحضارية على هذا الطريق مثل : صبيا ، وبيش ، والــــــدرب ، والقحمة ، والبرك ، وحلي ، والليث، والقنفذة (49). ومن بلدة الليث اتجه إلى مكة المكرمة ودخلها في (18/2/1937 م ) (50).


خامساً : دراسة تحليلية للكتاب :

إن الموجز الوصفي الذي أرودناه عن هذا الكتاب الضخم يُعَرِّف القارئ الكريم على الإطار العام لمسيرة الرحلة التـي بدأت فعلاً من مكة المكرمة ، وانتهت في مكة ، بعد حوالي عشرة شهور (51)، قضاها هذا الرحالة بين سكان نواحي عديدة من جنوب المملكة العربية السعودية . وفي الصفحات التالية نتوقف مع بعض المعلومات والروايات التاريخية التـي حفظها لنا فيلبي ، وقد نجد صعوبة في العثور عليها في مصادر ومراجع أخرى ، وإن ذكرها غير فيلبي فإنها تكاد تكون مضطربة ، أو ناقصة ، وغير دقيقة. ويجب القول بأن هذا الكتاب جدير لأن يكون موضوع رسالة ماجستير أو دكتوراه ، لما احتواه من معلومات وتفصيلات كثيرة تحتاج إلى التحليل والنقد والمقارنة ، مع مصادر ومراجع معاصرة ، أو متأخرة (52).

وسوف نتحدث عن عناصر عديدة شملها الكتاب وهي على النحو التالي :

1- الأحوال الجغرافية :
اتصف فيلبي بخبرة واسعة في علم الرحلات ، فتراه دقيق الملاحظة عندما يدخل إلى منطقة جديدة فيذكر السمات العامة لتضاريسها ومناخها ، وأشجارها ونباتها ، وحيواناتها وطيورها وحشراتها ، بل كان مولعاً بالخروج إلى الطبيعة وصيد الطيور والحشرات (53)، والتعرف على الأسماء المحلية لبعض الأشجار والنباتات . ويذكر أحياناً المناخ الذي امتازت به بعض المناطق ويقارن الأحوال المناخية في كل من الجبال والسهول وأثناء الليل والنهار ، ويشير إلى بعض المعالم الجغرافية المهمة في كل منطقة مثل : الجبال والأودية والهضاب الكبيرة والهامة ، ويدون تفاصيل دقيقة عن الطرق والمسالك والجداول المائية التـي تتخلل بعض المدن والقرى والأرياف . كما نوه إلى

سكان المناطق التي زارها وكيف كانوا يتكيفون في مساكنهم وملابسهم وطعامهم وشرابهم مع ظروف المناخ ، واختلاف التضاريس ، فالذين يعيشون في السهول التهامية الحارة يلبسون الملابس الخفيفة ، بعكس الذين كانوا في المناطق الباردة في فصل الشتاء مثل : أبها ، وتثليث ، ونجران ، فتجدهم يحرصون على لبس الملابس الثقيلة لمحاربة البرد الذي يحل عليهم عدة شهور من السنة (54).

3- الأوضاع السياسية والتاريخية :
إن القارئ لكتاب فيلبي : مرتفعات الجزيرة العربية ، يجده يتحدث عن التاريخ القديم من خلال الحضارات التي ظهرت في اليمن في عهد دول : معين ، وسبأ ، وحمير ، فذكر أقيالها وملوكها ، وبعض من أعمالهم ، مع أن معلوماته في هذا الجانب يشوبها الكثير من الشكوك والخلط حول عصور وأسماء أولئك الملوك ، ومن يطالع في هذه الجزئية يجب عليه أن يكون حذراً فيما دونه هذا الرحالة (55)، كما أنه في معظم جولاته في أنحاء جنوبي السعودية يحرص على الوقوف على الآثار والنقوش والرسوم المتناثرة في أجزاء عديدة من تلك البلاد فيدرسها ويحللها ، وأحياناً يرسل بعض الآثار إلى المتحف البريطاني ، كما نشر بعض الدراسات عن تلك الآثار والنقوش وبخاصة ما وجده في بلاد نجران وعسير (56).
وهذا الكتاب يعد من المصادر المهمة عن أوضاع جنوب السعودية في فترة حكم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، وبخاصة خلال العقد السادس من القرن الرابع عشر الهجري ( الرابع من العشرين الميلادي ) ، فيما يتعلق بالسيطرة الكاملة لابن سعود على مناطق عسير ، وجازان ، ونجران مع الإشارة إلى الأمراء المعينين على تلك البلاد ، وكيفية اتصالاتهم وعلاقاتهم بالملك عبد العزيز وأبنائه ( سعود

وفيصل ) (57)كما وقف على معظم الحدود السعودية اليمنية الممتدة من الساحل غرباً إلى حدود الربع الخالي شرقاً فذكر مواقعها ، وتحديدها على الخرائط ، وأشار إلى القبائل التي تعيش حولها من الجانبين ( السعودي واليمني ) ، مع توضيح مواقف الدولتين من تلك الحدود والسكان القاطنين حولها . وأشار أيضاً إلى تركيبة القبائل السياسية ، وبخاصة البدوية منها المعتمدة على التنقل والترحال ، وكيفية الأعراف والعادات السائدة بينها ، والتـي كانت الضابط الإداري والسياسي الذي يضبط طريقة التعامل فيما بين أفرادها ، مع ذكر أن حكومة الملك عبد العزيز كانت تسعى جادة إلى أن يكون جميع سكان البلاد يحتكمون إلى ضوابط مالية وإدارية ونظامية قائمة على منهج الشريعة الإسلامية (58).

لم ينس هذا الرحالة من توضيح الأحداث التاريخية السياسية التي مرت على المنطقة الجنوبية ، فذكر إمارة آل عائض ونفوذها في منطقة عسير (59)، ونوه إلى سيطرت الحكم العثماني والإدريسي على بعض أجزاء المنطقة (60)، كما تعرض للحديث عن معارك ابن سعود والأشراف في تربة عام ( 1337 هـ / 1919 م ) ، مع الإشارة إلى موقعها وما خلفت من آثار عمرانية وبشرية حتى أنه شاهد الكثير من الجماجم والعظام المتناثرة في أرض المعركة التـي وقعت قبل عدة سنوات من رحلته هذه (61). وذكر أيضاً بعض الأحداث والحروب التي وقعـــــت بين السعودية واليمن بخصوص الحدود عام ( 1934 م ) ، وتحدث عن حملة الأمير سعود بن عبد العزيز على الجيوش اليمنية ، وذكر بعض الآثار والطرق التـي سلكتها تلـــــك الحملة وما قابلها من مشكلات وصعوبات (62).

3- النواحي الاجتماعية :

أ - طبقات المجتمع :
يغلب الطابع القبلي على البلاد التـي زارها فيلبي ، فيذكر دائماً القبائل الرئيسة التـي تسكن الحواضر والبوادي في جنوب السعودية ومن تلك القبائل السروية والتهامية ، البقوم والسبعان في بلاد رنية والخرمة ، وشهران ، وقحطان ، وقبائل عسير الرئيسة حول مدينة أبها مثل : بني مغيد ،وعلكم ، وربيعة ورفيدة ، وبني مالك . كما تحدث عن قبيلة يام وفروعها وشيوخها وأفخاذها الرئيسة في بلاد نجران (63)، وأشار إلى العديد من القبائل في بلدة ظهران الجنوب بمنطقة عسير ، وفي بلاد فيفا ، وجازان مثل : وادعة ، وآل تليد ، والعبادل ، وبني حريص ، والعليليين ، وبني مران وغيرهم (64). وذكر بعض بيوت الأشراف الموجودة في نجران ومنطقة جازان (65)، ولم ينس ذكر أسماء عشائر أخرى عديدة تقطن البلاد الساحلية الممتدة من صبيا جنوباً إلى القنفذة والليث شمالاً (66).
ونجده أحياناً يتعرض لأنساب بعض القبائل فيذكر بطونها وفروعها وسلالاتها النسبية ، كما فعل مع بعض عشائر شهران ، وعسير ، ويام ، وبني حريص ، والعبادل ، وغيرهم ،ولكنه لم يكن موفقاً في ذكر المعلومات الصحيحة حول أنساب بعض هذه العشائر ، بل خلط بعضها ببعض ، وأحياناً ذكر أنساب خاطئة لفروع بعض القبائل ، وهذا ما لمسناه أثناء مراجعة الكتاب وتدقيق معلوماته مع سكان تلك القبائل في مواطنهم الرئيسة (67).
والشيء الجميل في بعض صفحات الكتاب أن فيلبي ذكر بعض الأرقام والإحصائيات لعدد أفراد القبيلة أو المدينة أو القرية الواحدة ، فقد أشار إلى أن عدد
أفراد قبيلة يام يقدرون بحوالي ستة آلاف ( 6000 ) نسمة ، معتمداً في معلوماته على بعض أعيان ووجهاء القبيلة (68). وعدد سكان وادي حبونا وما جاوره من القرى والأرياف بحوالي أربعة الآف ( 4000 ) نسمة من قبيلـتي وادعة ويام . وتعرض لذكر بعض المواطن في منطقة جازان فأشار إلى أن سكان أبو عريش وما حولها يقدرون بـ (22.000 ) فرد ، وكذلك كل من فيفا وصبيا يقدر عدد سكان كل ناحية من هذه المناطق بـ ( 25000 ) نسمة (69). وهذه الإحصائيات ربما لا تكون دقيقة جداً ، ولكن ذكرها يعود إلى دقة ملاحظة هذا الرحالة واهتمامه في تدوين معلومات دقيقة وهامة .
كما كان العبيد والموالي ضمن طبقات المجتمع ، وهؤلاء في الغالب ليسوا من عناصر عربية ، وإنما قدموا إلى المنطقة مع الجيوش التركية التي جاءت إلى هذه البلاد في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجري ( التاسع عشر والعشرين الميلاديين ) ، ووجدت عناصر أخرى إفريقية جُلبوا إلى هذه البلاد في هيئة خدم ورقيق ، واستقروا في حماية بعض القبائل ، أو الأمراء والوجهاء حتى تم إعتاقهم . وقد شاهد فيلبي العديد من العبيد الذين كانوا يخدمـون في منازل ومزارع وأملاك سادتهم في عسير ، ونجران وجازان (70).
ومجتمع جنوب السعودية كان يتخلله بعض العناصر العربية وغير العربية المختلفة في مذاهبها وعقائدها . فعموم السكان كانوا ولا زالوا يدينون بالدين الإسلامي على مذهب الإمام أحمد بن حنبل . لكن وجد هناك بعض الفئات اليهودية والإسماعيلية وبخاصة في نجران وبعض أجزاء من منطقة قحطان . كظهران الجنوب وما حولها . ونجد أن معظم المصادر والمراجع في التاريخ الحديث تتجاهل الحديث في مثل هذه الموضوعات فلا تُطْرَح ولا تُنَاقش بسبب حساسيتها ، وإن ذكرتها أشارت إليها بطريقة مختصرة جداً (71)، لكن رحالتنا أشار إلى وجودهم . فذكر وجود مجموعة يهودية
من حوالي ثمانين ( 80 ) فرداً يسكن أغلبهم في بعض قرى نجران ، وقد أقاموا في تلك المواطن مستأجرين بسبب رفض ملاك الأراضي المحليين من بيعهم أو تمليكهم أي عقار . وعمل معظم أفراد تلك الفئة في الصناعات الحديدية والفضية ، ويذكر فيلبي أن أحد أفراد اليهود في نجران طلب منه المساعدة في الهجرة إلى فلسطين بسبب تقلص مصادرهم الاقتصادية ، ثم الاستقرار والأمن الذي عم البلاد تحت حكم الملك عبد العزيز ، مما أنتج قلة الطلب على صناعة الحديد التي كانوا يصنعون منه الأسلحة المختلفة (72).
كما ذكر وجود بعض الأسر اليهودية التـي كانت تعيش في بلدة ظهران الجنوب من بلاد وادعة القحطانية ، وكانوا يمارسون نفس المهن التي كان يمارسها اليهود في نجران ، بل كان هذا الرحالة حريصاً على الذهاب إلى منازلهم والالتقاء بهم والسماع لآرائهم ووجهات نظرهم عن حكم الملك عبد العزيز الذي امتد إلى بلاد نجران وما حولها ، ووجدهم متشوقين إلى الجلوس معه والحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي الذي كان جارياً في أرض فلسطين (73).
أما الإسماعيلية فلم يتردد فيلبي في الحديث عن تاريخ قدومهم إلى نجران واستقرارهم ونوعية الأعمال التي يمارسونها ، وخصص الفصل التاسع عشر من كتابه للحديث عن مقر الإسماعيليين المعروفين بالمكارمة في نجران ، والذي أطلق عليه : وطن السفاحين، وكانت مدينة بدر مقر رئاسة طائفة السفاحين من شيعة الإسماعيلية في نجران لأكثر من ثلاثة قرون وسط دعم وتأييد سياسي واقتصادي من قبائل يام العربية (74). قدم أول دعاة الإسماعيلية إلى اليمن من الهند خلال القرن السادس عشر الميلادي . وفي عام (1706م) استقر أحد دعاتهم في بدر من قرى وادي حبونا بعد طردهم من اليمن بواسطة أئمة الزيدية، ونجحوا في فرض سيطرتهم على منطقة نجران خلال فترة حكم العثمانيين ، وقبل أن يضعف نفوذهم الرسمي ويختفي خلال الحكم السعودي (75).

وغالبية طبقات المجتمع في البلاد التـي مر عليها فيلبي يعيشون عيشة الكفاف ، وربما وجد الكثير منهم تحت خط الفقر ، لقلة الموارد الاقتصادية التي يعتمدون عليها ، ومعظمها محلية من زراعة ورعي وصيد وتجارة . إلاّ أنه كان يوجد في هذا المجتمع وبخاصة في المراكز الحضارية الأعيان والوجهاء وموظفو الدولة كالأمراء والقضاة وغيرهم ، وهم يعيشون في مستوى معيشي أفضل من غيرهم ، وقد أشار هذا الرحالة إلى العديد منهم مثل : عبد الله بن معمر أمير بيشة ، ومحمد بن ماضي أمير جازان ، والسديري وحاشيته في أبها ، وإبراهيم النشمي وبعض مرافقيه في نجران (76). كما أشار إلى بعض الوجهاء والأعيان والشيوخ أمثال : عبد الوهاب أبو ملحة ، وسعيد بن مشيط في خميس مشيط ، وابن كدسة في بيشة ، وابن منيف ، وجابر أبو ساق ، وابن سلطان في نجران ، والبهلكي في جازان (77). وهؤلاء الأعيان وأمثالهم كانوا يمثلون طبقة المجتمع الأرستقراطي لما يمتلكونه من وجاهة ومال وصلات اجتماعية مع عامة الناس ، ومع الملك عبد العزيز ورجال حكومته

ب - معيشة المجتمع العامة :
1- وصف القرى والمنازل :
أشار فيلبي إلى طبيعة القرى في عسير وجازان ونجران ، وإلى أنواع المنازل والمرافق المحيطة بها ، وإلى نوعية مواد البناء ، فذكر الطرق المتبعة في البناء والتـي تعتمد على استخدام الطين والحجارة ، أو القش والأخشاب ، وأوضح أن معظم النواحي المرتفعة في نجران وعسير كانت تستخدم الطين والحجارة في بناء منازلها وقراها ، وأحياناً كانت تبنى الأجزاء السفلية للمنزل بالحجارة ثم يستكمل الجزء العلوي من الطين ، أما الأجزاء التهامية الساحلية فكانوا يستخدمون الأخشاب والقش في بناء بيوتهم وذلك

لعدم توفر الأحجار الكافية للبناء ، ثم حرصهم على توفير البرودة التي تلطف الحرارة الشديدة في تلك المناطق (78)، ويتراوح ارتفاع المنازل من دور إلى دورين ، ما عدا الأعيان والأمراء والشيوخ فأحياناً كانت منازلهم أوسع أفقياً ، ويتراوح ارتفاع بعضها ما بين أربعة إلى ستة أدوار ، وقد شاهد ذلك في بيشة ، وخميس مشيط ، وأبها ، ونجران ، وجازان ، وصبيا (79). ولأن فيلبي كان مدعوماً من الملك عبد العزيز آل سعود فقد استطاع دخول الكثير من بيوت أهل المنطقة بجميع شرائحهم ، وبالتالي تمكن من إعطاء تفصيلات دقيقة عن الأقسام الداخلية التي تتكون منها منازلهم ، لا سيما منازل الأعيان والأمراء والوجهاء ، فأوضح تقسيم بعضها إلى عدة أقسام ، مثل : قسم الضيوف ، وآخر لأفراد الأسرة ، وأقسام أخرى تستخدم كمستودعات ، وأماكن للبهائم وغيرها (80). وأشار إلى بعض المنازل والدور التـي كانت تستخدم من قبل بعض المؤسسات الحكومية ، كالإمارة والشرطة ، والقضاء وغيرها ، ومعظمهـا كانت مستأجرة من ملاكها (81). كما شاهد طريقة تأثيث بعض المنازل ، وبخاصة عند علية القوم ، إلى جانب ملاحظته ازدحام هذه البيوت من الداخل بالزخارف المتنوعة ، وقد بهرته هذه اللمسات الجمالية فأثنى عليها ، وذكر تفرد منطقة عسير بهذا النوع من الزخارف المعمارية (82).


2- الأطعمة والأشربة واللباس والزينة :
لقد فاق فيلبي غيره من معاصريه أو ممن سبقوه حول إعطاء تفصيلات عن نوعيات الأطعمة والأشربة التي كان يتناولها سكان المنطقة أثناء زياراته لها ، والسبب الذي مكن هذا الرحالة من مشاهدة الكثير من الأطعمة والأشربة والكتابة عنها ، أن الظروف ساعدته للمكوث بعض الوقت في أجزاء عديدة من هذه البلاد ، كما تم استضافته على أكثر من وجبة ووليمة في بيوت بعض الأمراء والأعيان في المنطقة . ومن ثم أعطى تفصيلاً لا بأس به عن بعض المأكولات التي كان يتم تناولها على موائدهم .

وإذا كان ذكر بعض أسماء الأطعمة والأشربة في بيوت المقتدرين مادياً من الناس ، فإن غالبية سكان المجتمع كانوا فقراء ، وكانت أغلب أطعمتهم من الحبوب التي تنتجها أراضيهم ، أو من منتوجات حيواناتهم التـي يقومون على تربيتها (83).
كما أشار فيلبي إلى نوعية اللباس والزينة التي شاهدها عند سكان المنطقة ، فذكر بعض الألبسة التي يستخدمها النساء والرجال في كل من بيشة ، وخميس مشيط ، وأبها ، وأجزاء عديدة من بلاد تهامة الممتدة من جازان إلى مكة المكرمة (84)، ونوه إلى توفر بعض الأقمشة المختلفة في أنواعها وأشكالها . والتـي كانت تباع في معظم الأسواق الأسبوعية الموجودة في أنحاء البلاد (85). وكذلك توافر العديد من أدوات الزينة المستخدمة عند الرجال والنساء مثل : الحلي ، والخناجر والأسلحة التي يتمنطق بها الرجال ، وأدوات الصباغة كالنيلة وغيرها (86)، وكثير من الأشجار والنباتات المحلية التي يتزين بها الناس في أفراحهم واحتفالاتهم كالكادي ، والريحان ، والبعيثران وما شابهها من هذه الأشجار العطرية (87).

3- بعض العادات والتقاليد :
ذكر فيلبي مشاهداته لعادة الزواج المبكر من الشباب والشابات في مناطق جازان وعسير حتى إن بعضاً منهم قد يتزوج بين ( 12 – 13 ) سنة . كما نوه إلى أن صداق المرأة البكر كان عالياً بعض الشيء ، في حين أن الثيب كان يتراوح مهرها من ( 20 – 30 ) ريالاً . كما أكد على الطابع الاجتماعي للأسواق الأسبوعية في جنوب المملكة العربية السعودية والتـي لم تكن مقتصرة على البيع والشراء ، بل كانت فرصة مناسبة لاجتماع سكان القرى والمستوطنات البعيدة . وشكل انعقاد السوق في نجران ، وربما في عسير وجازان فكان ذلك فرصة للفتيات والفتيان في البحث عن زوجات وأزواج المستقبل ضمن الأعراف والتقاليد المسموح بها ، فكانت الفتيات الصغيرات
أجمل الملابس وينسقن شعورهن بصورة جميلة في إطار البحث عن أزواج المستقبل (88).
وأشار فيلبي إلى الاختلاف الواضح بين السكان في المناطق الجبلية والساحلية ، وبين نساء وسط الجزيرة وجنوبها ، حيث تميزت نساء جنوب المملكة بقدر كبير من الحرية في التنقل والعمل بجانب رجالهن ، وذكر أن عملية التحميل والنقل في جبال فيفا وبني مالك كانت شبه مقصورة على النساء (89).
ووصف هذا الرحالة عادات وتقاليد الضيافة في عدد من المناطق التـي قام بزيارتها مثل حديثه عن مواسم الضيافة التي وجدها عند أمير تربة ، وبيشة ، وخميس مشيط ، وأبها ، وقبائل يام في نجران ، وأمير جازان (90). كما أبدا استغرابه من سكان قرى الدرب وبيش والتي لا يأكل أهلها البيض والدجاج (91). كما شارك في إحدى جلسات تعاطي القات في مدينة جازان ، والتي تستمر لعدة ساعات ، ولكنه لم يستسغ التجربة وقرر الخروج منها باكراً (92).
ويذكر أيضاً أن التعليم بدأ ينتشر في جنوب البلاد السعودية ، والاهتمام بالقرآن وتلاوته كان من أهم الأمور التي يحث عليها السكان ، حتى أنه قد شاهد حفلاً في بيشة يحتفى فيه بختم القرآن الكريم ، وذكر أنه كان يحضره الشباب المحتفى بهم وعليهم ألبسة جميلة ، إلى جانب أنه يحضر مثل تلك المناسبة العديد من الأعيان والوجهاء وعلية القوم في المنطقة ، وذلك تكريماً لكتاب الله ، ثم احتفاءً وفرحة بهؤلاء الشبيبة الذين ختموا كتاب الله (93).
وأشار لعادة الختان التي كانت تنفذ بطريقة قاسية عند بعض سكان المنطقة ، وأورد وصفاً لهذه العملية في وادي الريث ، وذكر أن تقاليد الختان كانت تقام في احتفال عام يسبق زواج الشخص ، يتم خلالها سلخ جلد البطن من أسفل السراة وحتى العانة مع القضيب وحتى باطن الفخذين (94).
وتعرض فيلبي في أماكن عديدة من كتابه إلى المنازعات بين العشائر على بعض الحدود ، وموارد الرعي والمياه ، أو لأمر من الأمور التي يعيشونها في حياتهم اليومية ، وقد يتدخل للإصلاح بين المتخاصمين بعض الأمراء والوجهاء في المجتمع ، وأحياناً تقوم المؤسسات الحكومية بممارسة عملها في الضرب على يدي المعتدي (95)، ولكنه أشار إلى طريقة القَسَمْ الجماعي من قبل أحد الأطراف المتنازعة كأسلوب لحل المشكلات الكبيرة بين المتخاصمين حيث يقوم أفراد العشيرة أو القبيلة التي تقبل القَسَمْ فيختارون أشخاصاً يصل عددهم أحياناً إلى الخمسين فرداً من القبيلة الأخرى لإجراء القسم ، وفي حالة عدم التزام الجميع بالقسم يسقط حق القبيلة المدعية أو المدعي عليها ، وهذا إجراء صعب بسبب قوته والتزام القبائل المتنافسة به في حالة الاحتكام إليه (96).

4- الأحوال الاقتصادية والإدارية والمالية :
إن العنصر الاقتصادي يأتي من أكبر الموضوعات التي ذكرها فيلبي في كتابه ، فلا تخلو أي منطقة زارها من التفصيلات الجيدة في بعض الجوانب الاقتصادية المختلفة ، فتجده يشير على طول طريقه من الطائف حتى نجران إلى بعض البدو الذين يمتهنون حرفة الرعي والصيد ، بل كانت عماد معيشتهم ، فيقومون برعي الإبل والضان والماعز، إلى جانب صيد الطيور والغزلان وما شابهها من الحيوانات . بل كان بعض أولئك البدو يجمعون الحطب من الجبال والأودية ويذهبون به إلى الأسواق القريبة منهم لبيعه والشراء بثمنه سلع أخرى (97).
وذكر الإنتاج الزراعي وبخاصة الحبوب ومواسم زراعتها ومحاصيل كل منطقة ، والزكاة التـي تجبيها الدولة على الحبوب . ففي بلاد عسير تأخذ الدولة نصف العشر فقط ، بسبب صعوبة الزراعة في المنطقة ، وكان دخل الدولة من هذه النواحي يقدر بحوالي ( 300.000 ) صاع سنوياً من القمح والشعير . أما في نجران فقد كانت الدولة تأخذ العشر كاملاً ، والذي يقدر بحوالي ( 360.000 ) صاع في السنة (98).
وكانت الدولة توزع عشر محصول الحبوب في بعض مناطق جنوب المملكة على النحو التالي :
( 20 % ) لشيوخ القبائل الرئيسة والفرعية ، و ( 5 % ) للعاملين على جمع العشور ، ويبقى للدولة حوالي ( 75 % ) من إجمالي العشور . وذكر أن الداخل الصافي للدولة من الحبوب أثناء الفترة التي زار فيها منطقة عسير ، يقدر بحوالي ( 16000 ) ريال فرانسي سنوياً (99).
ونوه إلى بعض المحاصيل الزراعية الرئيسة في المنطقة ، فكانت بلاد عسير الممتدة من بيشة إلى نجران تقوم على زراعة القمح ، والذرة ، والتمور . أما سهل تهامة من جازان إلى مكة فمعظم السكان يشتغل في زراعة الدخن والسمسم والقطن وصناعة الملح وزيت السمسم . أما مرتفعات تهامة فكانت أبرز حاصلاتها الحبوب ، والموز ، والقات ، والبن ، والقطن ، والتبغ (100). وكانت المياه الجوفية والأمطار ، والأودية ، وبعض العيون ، والجداول المائية هي المصادر الرئيسة في ري تلك المحاصيل الزراعية المختلفة (101).
أما التجارة فكانت من أهم المهن التي يمارسها السكان ، وقد أفاض هذا الرحالة في التفصيلات عن أسماء وأماكن الأسواق الأسبوعية فيها ، وما كان يعرض فيها من سلع مختلفة ، والطرق التجارية الداخلية والخارجية التـي تربط أجزاء المنطقة بعضها مع بعض . كما ذكر الأسعار في بعض تلك الأسواق ، وأنواع المكاييل والمقاييس المستخدمة ، ووسائل التعامل التجاري ، مع الإشارة إلى العملات المتداولة بين الناس ، والى نشاط طريقة المقايضة بين مرتادي تلك الأسواق . وإلى دور العشائر والقبائل في حماية الأسواق التي تقام في مواطنها ، وما كان لتلك الأسواق من أنظمة وقوانين لحمايتها ، وتعامل الناس فيها براحة وأمان (102).

توقف فيلبي كثيراً مع بعض الأسواق الرئيسة مثل : أسواق بيشة ، وخميس مشيط ، وأبها ، ونجران ، وظهران الجنوب ، والقنفذة ، فوصف حركة التعامل التجاري في تلك الأسواق ، وأسماء كبار التجار فيها ، وتواجد ممثلي الدولة من أمراء ومحتسبين وشيوخ قبائل يسعون جميعهم على أمن الناس وسير الحركة التجارية في هذه الأسواق بيسر وسهولة (103).
وأشار إلى قرار الدولة في جعل بلدة بيشة المركز الرئيس لتجارة البن القادم من اليمن إلى الجزيرة العربية ، والذي ساعد على نهوض المنطقة اقتصادياً ، ولكنه أثر سلبياً على وادي الدواسر والسليل المركز التقليدي لهذه التجارة . كما أصبح سوق ظهران الجنوب أكبر أسواق المنطقة ، بعد أن قررت الحكومة جعلها المركز الأساسي لتجارة البن القادم من اليمن إلى غرب الجزيرة (104). وذكر أيضاً سوق مدينة القنفذة على ساحل البحر الأحمر ، وكيف أثرت الرسوم الحكومية العالية على تجارة المدينة (105).
وذكر هذا الرحالة الرسوم التي كانت تتقاضاها الدولة على واردات المنطقة من اليمن ، بخاصة واردات البن حيث تصل الرسوم المفروضة إلى ( 50 % ) من قيمة السلع . وبين أن دخل الدولة السنوي للدولة من هذه التجارة يصل إلى حوالي (7000) ريال فرانسي سنوياً في ظهران الجنوب ، وحوالي ( 12000 ) ريال فرانسي سنوياً في سوق الخوبة في منطقة جازان (106). وعند إشارته إلى السوق التجارية في نجران ذكر معارضة الأهالي والتجار محاولة الحكومة جعل التداول المالي قاصراً على الريال السعودي مما أدى إلى إلغاء العمل به (107).
وتحدث في صفحات عديدة من كتابه عن بعض الحرف والصناعات المهنية المحلية المختلفة ، مثل صناعة الفخار ، والأحجار المستخدمة في البناء ، والحبال من ألياف بعض الأشجار (108)، وذكر صناعة صبغ النيلة من نبات الأندقو ، وأضباغاً أخرى من
نبات القرظ والشث في جبال عسير وجازان (109)، وأشار أيضاً إلى صناعة عصر السمسم والملح في الأجزاء التهامية مثل : جازان وما حولها ، وذكر احتكار الدولة لصناعة الملح وتسويقه على التجار المحليين (110). ونوه إلى عدد من الحرف التي كان يمارسها معظم سكان جنوب السعودية ، كالنجارة ، والحدادة ، والصياغة ، وصناعة القطران الذي تطلى به أبواب المنازل ، ويعالج به جرب الإبل. وشاهد في الأسواق الأسبوعية المنتشرة في معظم البلاد التي زارها بعض الحرفيين كالحمالين الذين ينقلون السلع لمسافات بعيدة قد تصل عشرات الكيلومترات. بل كان في الأسواق من يمارس مهن البيع والشراء ، والخياطة ، والسمسرة وغيرها من الحرف ، والجوانب الاقتصادية الأخرى التـي يصعب حصرها في أوراق معدودة(111).
وفي طيات الكتاب أشار فيلبي في مواقع كثيرة إلى سيطرة أمراء المناطق على النواحي السياسية والإدارية والاقتصادية في البلاد ، وهذا مما يدل على نفوذ دولة ابن سعود وسيطرتها على جميع البلاد التـي زارها هذا الرحالة بل بدأ الوضع يحول البلاد من التفكك والتشرذم والصراعات القبلية إلى نظام سياسي إداري حديث تشرف عليه الدولة من خلال مؤسساتها وأنظمتها الإدارية الحديثة (112). وصار هناك نظاماً مالياً جيداً تشرف عليه وزارة المالية ، ويمثلها في أغلب المناطق التـي زارها فرع الوزارة في مدينة أبها ، وعلى رأس هذا الفرع أحد رجالات المنطقة الذين اتصفوا بالحكمة والدقة في تسيير أعمال المال في هذا الجزء الجنوبي من السعودية ، ألا وهو الشيخ / عبد الوهاب بن محمد أبو ملحة الذي كان على صلات مستمرة ومباشرة وقوية مع الملك عبد العزيز وأبنيه سعود وفيصل ، وكان يعمل معه نخبة من الرجال المخلصينأمثال عبد الله بن عبد الرحمن الملقب بـ ( إبن الياس ) وغيره من الأشخاص الذين ذكر فيلبي بعضهم واحتفظت الوثائق الموجودة في وزارة المالية بأسماء العشرات منهم (113).
ولم يغفل فيلبي ذكر أسماء بعض المسؤولـــــين الآخرين في إدارة البلاد كأصحاب الشرطة في بعض الحواضر ، وكذلك القضاة ، والمرشدين والدعاة ، والقائمين على جمع العشور والضرائب من المواطنين ، وأشار إلى رواتب بعضهم ، وإلى أجور البيوت التي كانت تستأجر لانشاء بعض المؤسسات وغيرها . وفصل الحديث أحياناً عن أسعار بعض السلع في الأسواق ، وفي بعض التجمعات السكانية ، كالمدن والقرى وغيرها (114).

5- بعض جوانب الحياة العلمية والفكرية :
من النواحي التـي أشار إليها هذا الرحالة وجود المواقع الأثرية والنقوش المتناثرة في بلاد عسير ونجران ، وبعض الأجزاء الساحلية التهامية . وكان من اهتماماته أيضاً جمع كثير من الطيور والحشرات وأنواع من الصخور والمواد الآثارية وأرسلها إلى المتاحف البريطانية ، وقد أرسل في إحدى المرات (17) صندوقاً حصيلة ما جمعه خلال خمسة شهور (115). وامتاز باهتمامه بحركة النجوم وتتبعه للأنواء ، وغالباً كان يحرص على النوم خارج المنزل كي يشاهد حركة الأفلاك عن طريق أجهزة الرصد والمشاهدة التـي كان يصطحبها معه في جميع رحلاته.
أما الحياة العلمية والفكرية عند سكان البلاد التي زارها فيذكر أنها كانت شبه معدومة ، فلا يوجد إلاّ عدد قليل من المتعلمين التعليم الشرعي ، الذين يقومون بإرشاد الناس، وإمامتهم في الجمع والجماعات ، ولم يكونوا متضلعين في العلوم التـي يعرفونها، وإنما أغلبهم يغلب عليه السطحية ، وكثيراً ما يقعون في أخطاء علمية وثقافية نتيجة الجهل الذي يسود البلاد (116). وفي أثناء زيارته كانت المدارس النظامية قد بدأت رحلتها في بيشة وأبها وجازان ، وبدأ الناس يرسلون أولادهم إلى هذه المدارس كي ينهلوا من العلوم والمعارف التـي تدرسها وتشرف عليها هذه المدارس ، وكان معظم القائمين على هذه المدارس قد قدموا إلى المنطقة من مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وضموا إليهم بعض
المتعلمين في المنطقة ، وبخاصة من كان يقوم على إرشاد الناس ، أو يعمل في بعض الكتاتيب الفردية التـي كانت موجودة في بعض المراكز الحضارية من قبل مجيء الحكم السعودي الحالي (117).
ولم يغفل ذكر لمحة عن الحياة الصحية في البلاد فأشار إلى وجود مستوصف في أبها يعمل فيه طبيب هندي يعالج الأمراض البسيطة مثل : الحمى والجروح الصغيرة وغيرها ، ويذكر أن إمكانات ذلك المستوصف كانت بسيطة جداً (118) ، وأشار إلى بعض الأمراض التي كانت تصيب الناس هناك ، ومن أشدها أمراض الحمى التـي أصيب بها هو نفسه أكثر من مرة أثناء إقامته في عسير ، ونجران ، وجازان ، وكاد أن يفقد حياته مرات عديدة على أثر الإصابة بها (119).

سادساً : الخاتمة :

والخلاصة إننا قد خرجنا من دراسة ومراجعة وتدقيق معلومات هذا الكتاب ، بالعديد من النتائج ، والانطباعات ، والتوصيات نورد أهمها على النحو التالي :

1- أن هذا الكتاب غطى منطقة واسعة جداً تقدر بحوالي ( 150000 ) ميل مربع، كما ذكر فيلبي نفسه ، حيث شملت البلاد الممتدة من الدواسر شرقاً إلى مكة المكرمة غرباً ، ثم إلى الأطراف الجنوبية لبلاد نجران وجازان جنوباً ، والشريط الساحلي الممتد من جازان إلى جدة ، وهذه في اعتقادي مساحة تقدر بتسع مساحة المملكة العربية السعودية (120). وإذا قللنا من أهمية المساحة الجغرافية التي قطعها فيلبي ، فإنه لا يمكن أن نتجاهل ما يوجد على هذه المساحة من تباينات واختلافات في التضاريس الجغرافية ، والأحوال المناخية ، والعناصر البشرية ، والنواحي الحضارية الأخرى سواء كانت اجتماعية، أو اقتصادية ، أو فكرية ودينية وثقافية. وهذا يؤكد على صعوبة المهمة التي قام بها هذا الرحالة.

2- من ينظر في الكتاب ويدرسه يلاحظ الجهد الضخم الذي بذله مؤلفه ، فهو لم يركز على ناحية علمية معينة ، وإنما كان شديد الملاحظة ، فـإذا نزل منطقة معينة فهو يتحدث عن قضايا عديدة تشمل الملامح التاريخية والجغرافية لتلك البلاد ، كما أنه يذكر الأخبار والقضايا المعاصرة التي شاهدها ، وبالتالي فهو يدون الكثير من المعلومات الحضارية المتنوعة التـي يصعب أن تجدها في مرجع آخر . ومن خلال تجوالنا في البلاد التي زارها ومقارنة أقواله وشروحاته بما شاهدنا وسمعنا تبين لنا شدة ملاحظته ، ودقة معلوماته ومصداقيته في تدوين كثير من الأخبار والروايات .


3- من يطالع هذه المساحة الشاسعة التي زارها فيلبي في هذا الكتاب ، فإنه يتضح أن هناك مناطق عديدة لم يزرها رجل أوربي من قبل ، بل لم يكتب عنها أحد من الأوربيين أو العرب على الإطلاق . وأخص بذلك بعض أجزاء من مناطق قحطان مثل : طريب ، والعرين ، وأجزاء من وادي تثليث ، وبلاد ظهران الجنوب ، وعقبة شراقب الواصلة بين ظهران ووادي بيش في منطقة جازان ، وبلاد بني مالك وفيفا ، وأجزاء من وادي حبونا في نجران ، ومناطق حدودية بين السعودية واليمن ، وغيرها مناطق عديدة . وان ذكرت بعض هذه المناطق في مصادر ومراجع أخرى ، فذكرها كان مختصراً جداً يختلف عن الكيفية والتفصيلات التي أوردها فيلبي في هذا الكتاب الكبير . ولا أجانب الحقيقة لو قلت إن هذا الكتاب يُعد اشمل وأفضل دراسة تكلمت عن الأجزاء الجنوبية للبلاد السعودية ، وحتى هذه اللحظــة لم تظهر دراسة أدق وأشمــل منه .

4- مما يظهر في صفحات كثيرة من الكتاب ، أن من أهدافه رسم النقاط الحدودية بين السعودية واليمن ، وهذا مما شجع الملك عبد العزيز على دعم فيلبي وتشجيعه ، بل قدم لـه بعض الآراء والنصائح التي يتبعها أثناء ذهابه إلى تلك المناطق الحدودية . وقد عمل فيلبي كل ما في وسعه على رسم أغلب الحدود الممتدة من ساحل البحر الأحمر غرباً إلى أطراف الجبال الشرقية في نجران وبلاد قحطان ، ولكن من يقارن فيلبي مع ما ورد في بعض الوثائق والمراجع الأخرى يجد بعض الاختلافات في تسمية بعض المواطن ، وكذلك القرى والقبائل والعشائر التـي تعيش على جانبي بعض النقاط الحدودية . وقد صححنا كثيراً من تلك الأسماء ، وبخاصة أثناء زيارتنا لعدد من المناطق في عام ( 1425 هـ / 2004 م ) .
ونجد فيلبي يتميز على غيره ، ممن كتبوا عن النقاط الحدودية بين السعودية واليمن ، فهو لم يقتصر على ذكر مواقع تلك النقاط ومسمياتها وإنما ذكر كثيراً من المعلومات عن طبيعة السكان الذين يعيشون حول تلك الحدود سواء كانوا من السعودية أو اليمن ، فذكر أسماء قبائلهم وعشائرهم ، وأشار إلى بعض أعرافهم وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية والدينية والفكرية ، بل ذكر أحياناً نوعية ملابسهم وأطعمتهم ، ومساكنهم ، بالإضافة إلى أنه كثيراً ما يذكر بعض التفصيلات عن حياتهم الاقتصادية وبخاصة التجارية مثل الأسواق الأسبوعية التي كانوا يرتادونها ، وأنواع السلع والأسعار والعملات التـي كان يتم التعامل بها في تلك الأسواق ، وأحياناً يذكر الطرق التجارية وطبيعتها الجغرافيــة ، التي تربط بين بعض النواحي الداخلية والخارجية في تلك الجهات .

5- إن السائد على معظم الكتاب التنوع في مادته العلمية ، إلا أن هناك جوانب عديدة تميز فيلبي في دراستها عن غيره ، مثل : ذكر أنواع الطيور والنباتات التي كان يشاهدها في أغلب المناطق التي زارها ، كما أنه كان حريصاً على دراسة النقوش والرسوم والآثار التـي تقع عينه عليها ، بالإضافة إلى أنه يشير إلى الأعيان والشخصيات البارزة في كل بلدة يزورها ، كما أنه لم ينس ذكر حالة الفقراء والبؤساء الذين كان يشاهدهم من وقت لآخر ، كما نوه إلى وجود بعض الأساطير والخرافات التي كانت سائدة في البلاد . والحقيقة أن هذا الكتاب جدير بالدراسة والتأمل إلى كل ما ورد فيه من معلومات قيمة ، وبخاصة أنه يعالج تاريخ وحضارة بلاد طواها النسيان والفقر العلمي لقرون طويلة .

6- إن ضخامة الكتاب ، وتنوع معلوماته جعلت مؤلفه أحياناً لا يواصل شروحاته في بعض الجوانب بتسلسل وانسيابية ولكنه في مواطن عديدة يقطع الموضوع الذي يتحدث عنه ، ويخرج للحديث عن جزئية صغيرة شاهدها ، كحشرة ، أو حيوان ، أو طائر ، أو نقش ، وقد تأخذ هذه الجزئية سطوراً عديدة ، ثم يعود إلى الموضوع الرئيس الذي كان يتكلم عنه . وهذه الطريقة تقطع أفكار القارئ ، وتشوش عليه ، وربما يجد صعوبة في لملمة نفسه والرجوع إلى صلب الموضوع الأساسي . غير أن هذه السلبية وهي محدودة لا تنقص من حسن الكتاب وقيمته العلمية .

7- من المعلوم أن فيلبي قد أعلن إسلامه ، فتراه في كثير من ثنايا الكتاب يتحدث عن نفسه مسلماً يؤدي شعائر الصلاة والحج وغيرها من ركائز الإسلام . لكنه يتحدث أحياناً عن بعض مشاهداته متأثراً بثقافته وتربيته الأوربية . فمثلاُ :
8- رأى أحد رفاقه ومرشديه عند وصولهم إلى ناحية يوجد بها خطيبته وزوج المستقبل ، وبعد رؤيتها ومقابلتها لم يسلم عليها بالتقبيل والجلوس معها . ومثل هذا الأمر يعد طبيعياً في الثقافة الغربية ، ويختلف تماماً في العادات والأعراف بالبلاد العربية ، وخاصة المناطق البدوية والريفية المحافظة التي لا تُمكّن الرجل من خطيبته أو زوجته إلاّ بعد المرور بالعديد من القوانين الاجتماعية المبني بعضها على منهج الشريعة الإسلامية ، والبعض الآخر على مبادئ الإرث الاجتماعي . كما ذكر أن بعض البدو يختفي بنفسه في شهر رمضان فيأكل ويشرب في النهار معتقداً أنه لا يراه أحد . يورد أمثلة من هذا النوع دون أن ينوه إلى أن الله يرى الظاهر والخافي ، وأن من يقوم بمثل هذه الأعمال ربما يدل على ضعف إيمانه وأحياناً إلى جهله بالدين ، ومواطن أخرى وردت في الكتاب ولها علاقة ببعض الأعراف والنظم الحضارية ، كما لها صلات بالنواحي الشرعية ، وأخطأ فيلبي في تفسيرها وتوضيحها ، وقد عالجنا مثل هذه الأمور في حواشي الكتاب وأوضحنا الخطأ والصواب .

9- إن هذه الدراسة التي نطرحها في هذه الأوراق ليست إلاّ مساهمة بسيطة عن أهمية هذا الكتاب ، وأنه يحتاج إلى تظافر جهود كبيرة تقوم بدراسته وتحليله ومقارنة معلوماته مع العصور السابقة واللاحقة التي مرت على هذه البلاد الواسعة . وإنني من على صفحات هذا البحث أنادي الجامعات السعودية ، أو المراكز والمؤسسات البحثية والعلمية ، كدارة الملك عبد العزيز ، أو مكتبة الملك فهد الوطنية ، أو مكتبة الملك عبد العزيز العامة وغيرها ، أن تسعى إلى عقد ندوة علمية عن إنجازات فيلبي العلمية عن الجزيرة العربية بشكل عام وعن المملكة العربية السعودية بشكل خاص ، ومن يقوم بهذا المشــروع فإنه
سوف يضيف إلى المكتبة العربية والإسلامية والعالمية جهود علمية جيدة حول هذه البلاد من خلال التراث الذي تركه لنا هذا المؤرخ والآثاري والرحالة الكبير .

10- كما سبقت الإشارة – إلى أن فيلبي ذهب من السليل ووادي الدواسر ، إلى الحجاز ، ثم عاد إلى مناطق عسير ، وجازان ، ونجران ، وساحل البحر الأحمر الممتد من جازان إلى مكة المكرمة . والشيء المؤسف حقاً أن ذهابه من الطائف إلى نجران كان عبر الأجزاء الشرقية لبلاد السروات ماراً بمدينتي بيشة وأبها في بلاد عسير ، ثم عاد من نجران إلى ظهران الجنوب وسلك عقبة شراقب التي أوصلته إلى صبيا وجازان ، وعند عودته إلى مكة المكرمة رجع من الطريق المحاذية لساحل البحر الأحمر . وبهذه الكيفية فإن أعالي السروات وسفوحها الغربية الممتدة من ظهران الجنوب في بلاد قحطان جنوباً ( ما عدا مدينة أبها وما حولها ) إلى مدينة الطائف شمالاً ، قد خسرت وخسر أهلها الشيء الكثير لعدم مرور هذا الرحالة القدير على هذه المواطن . ومن يذهب في هذه البلاد قديماً وحديثاً فإنه يشاهد العديد من الجوانب العلمية والفكرية والحضارية الكثيرة ، ويكفي أنها مكتظة بالقرى والسكان الذين نزلوا بها وعاشوا منذ الآف السنين ، وكانوا ضمن المشاركين في التاريخ الحديث أثناء قيام الدولة السعودية الحديثة ، ويوم زيارة فيلبي المعنية في هذا البحث . ومن خلال استقرائي تاريخ هذه المنطقة والسير في جنباتها لسنوات طويلة ، وجدتها منسية ، فلا تكاد تجد شيئاً مدوناً عن تاريخها القديم والوسيط ، وأحياناً الحديث ، وإن وجد بعض الإشارات البسيطة في الكتب الكلاسيكية القديمة ، أو مصادر التراث الإسلامي المبكرة فهي في الواقع محدودة جــــــــداً ، وكثيراً
ما يطَّلع الباحث على مئات المصادر فلا يخرج إلاّ بمادة علمية غامضة . وربما وعورة أرضها في الماضي ، وصعوبة التعامل مع عشائرها وقبائلها لانغلاقهم على أنفسهم كانت من الأسباب التـي تجعل العلماء وأرباب القلم والجيوش والحجاج بين اليمن والحجاز يسلكون الطرق الشرقية أو الساحلية العربية لهذه المرتفعات السروية (121). أما عدم مرور فيلبي بها فربما كان لديه سيارات تنقله من مكان لآخر ، كما حدث معه من الطائف إلى بيشة ، وكذلك في أبها، ونجران ، وجازان ، والقنفذة . وعند مجيئه إلى المنطقة في هذه الرحلة ، لم يكن هناك طرق للسيارات في هذه المرتفعات الآنفة الذكر . ثم إن الملك عبد العزيز هو الذي رسم له خطة السير وقدم له العون مادياً ومعنوياً في جميع النواحي التي مر بها .

11- أما طريقتنا في مراجعة هذه الدراسة فقد ارتكزت على تصحيح أسماء الأعلام ( سواء كانت مكانية ، أو زمانية ، أو إنسانية أو حيوانية ) وهي كثيرة جداً ، واعتمدنا في التصحيح على عدة أمور مثل :
أ ـ زيارة أغلب المناطق التي جاءها فيلبي ، والالتقاء بأعيان ومتعلمي تلك النواحي ، ثم السماع منهم حول ما أورد هذا الرحالة عن بلادهم وتصحيح ما وقع فيه من أخطـــــــاء . ب ـ الرجوع إلى أكثر من مائة مصدر ومرجع لمقارنة بعض ما ذكر فيلبي في كثير من القضايا، أو للقراءة والاستزادة من هذه المصادر والمراجع التي تعرضت لبعض الجوانب العلمية الخاصة بهذه البلاد المذكورة في هذه الدراسة . وطريقة رجوعنا إلى هذه المصادر والمراجع ثم توثيقها ، ولذلك فإننا نورد المصدر أو المرجع بمعلومات كاملة عند أول مرة يرد معنا ، وفي حالة تكراره نذكره باختصار .

وفي الختام فإنني أشكر القائمين على مكتبة العبيكان ، وعلى رأسهم الأخ الأستاذ / محمد العبيكان ، المدير العام للمطبعة والمكتبات ، والعاملين معه في إدارة النشر أمثال : الأستاذ / عماد الريحاوي ، والأستاذ / سارية الخطيب ، والأستاذ / خالد البحيري الذين وثقوا في فمنحوني مراجعة هذا الكتاب القيم الذي استفدت منه كثيراً ، بل تعاونوا معي بشكل كبير قرابة عام من الزمان أثناء مراجعته ، وتدقيق معلوماته ، وإعادة إصلاح ما ورد به من أخطاء . كما أشكر القائمين على اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة وعلى رأسهم رئيسه الأستاذ الدكتور/ سعيد عبد الفتاح عاشور الذين سمحوا لي للحديث عن موضوع هذا الكتاب أمام نخبة متخصصة من المؤرخين العرب الأفاضل في بلاد مصر العظيمة ، ثم نشره في مداولات الندوة التـي عقدة تحت شعار : العالم العربي في الكتابات التاريخية المعاصرة .
ولا يفوتني أن أشكر كل من تعاون معي في جميع المناطق التـي زرتها وزارها فيلبي قبل سبعين عاماً : في كل من بلاد عسير ، وجازان ، ونجران ، فلقد قابلت عشرات الأشخاص منهم ، وهم يتفاوتون في مناصبهم الاجتماعية، وألقابهم الوظيفية ، وكذلك في سنوات أعمارهم ، وقد قدموا لي مساعدات كثيرة يصعب حصرها وحصر أسمائهم في هذه الأوراق المحدودة ، فلهم مني جزيل الشكر والعرفان .
كما لا أنسى شكر طلابي في برنامج الدراسات العليا الذين تعاونوا معي في تصحيح كثير من الأخطاء التي وردت في هذا الكتاب ، وبخاصة في أسماء الأماكن والأشخاص والقبائل . ولا يفوتني شكر جميع الأخوة الزملاء في قسم العلوم الاجتماعية بجامعة الملك خالد ، الذين حددوا لي محاضرة في القسم حول هذا الكتاب بعنوان : وقفة مع جنوب الجزيرة العربية في كتاب مرتفعات الجزيرة العربية لهاري سانت جون فيلبي ، وأشكر أيضاً الأخ الزميل الدكتور / عبد الله بن حميِّد الذي قدم لي بعض الملاحظات الجيدة أثناء قراءة هذا البحث قبل نشره .

وأخيراً إنني لا أجامل أحداً ، وإنما أقول كلمة الحق ، فهذا الكتاب يعد من أفضل الكتب التـي رجعت إليها على مدار ثلاثين عاماً عن هذه البلاد ( جنوب البلاد السعودية ) ، من حيث شموليته ودقة معلوماته إلى حد ما . والله أسأل أن يجزي من قام على ترجمته ثم طباعته ونشره خير الجزاء ، وأن يجعل أعمالنا وأعمالهم خالصة لوجهه الكريم ، كما أسأله السداد والتوفيق ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
 

صقر تهامة

مراقب منتديات بني مالك
إنضم
11 مايو 2007
المشاركات
14,149
مستوى التفاعل
172
النقاط
63
الإقامة
الجنوب
الموقع الالكتروني
www.banimalk.net
شكرا جبل عمد ومنطقتنا مغيبة دائما فمثلا الشيخ حمد الجاسر ذهب الى منطقة غامد وزهران وكتب عن تاريخهم وهم يستاهلون ولكنه لم يعط منطقتنا وقبيلتنا حقها الذي تستحقه
اعتقد اننا مسئولون في المقام الاول وقبل ان نلوم غيرنا ياليت نلوم انفسنا وعلى كل حال جهدك كبير في التعريف
بهذا الكتاب


شكرا
 

الغريب

Member
إنضم
12 نوفمبر 2008
المشاركات
801
مستوى التفاعل
8
النقاط
18
الاستاذ الكبير والمؤرخ القدير /جبل عمد


اسمح لي ابدي اعجابي بقلمك وتميزك واسلوبك الراقي وتالقك

 

اسد بنكرز البجلي

المنتدى عريني
إنضم
3 ديسمبر 2007
المشاركات
2,654
مستوى التفاعل
115
النقاط
63
الإقامة
بني مالك - السراة
السلام عليكم ورحمة الله

مرحبا اخونا الفاضل الباحث الفذ المدقق جبل عمد . بارك الله فيك وفي اطلالتك . ومرحبا بمؤرخ بني مالك الكبير ( الاخ سعيد القسري) ؛ و بكل الاخوة .

تقول حفظك الله :

بقدر ما كانت فرحتي !! بحصولي على نسخة من هذا الكتاب !!


كانت خيبة أملي ؟!!



عندما اكتشفت أن السيد ( عبدالله فلبي ) ؟! لم يمر بديرتي ـ في تلك الرحلة سنة 1937م

-------------

وفي الواقع فخيبات الامل كثيرة لا تتوقف عند حد ومنها :

( أنني) سبقتك - فخيبت املي التي هي ربما اقدم بكثير كانت اكبر من خيبة املك ؛ فمنذ عقود عثرت على ما اعتبرته كنز مفقود لن اجده ولكني وجدته في القاهرة .

كانت فرحتي لا توصف ولذلك اتجهت الى شقتي من اقرب طريق لافك هذا الكنز العظيم .

وكان كنزي الذي احمله بفرح شديد هو : نسخة من كتاب ( صفة جزيرة العرب ) للسان اليمن ابن الحائك بتحقيق ابن الاكوع ( الجاني الاثيم ) الذي له بصمات ملوثة على كتب الهمداني .. والكتاب ايضا عمل فيه الشيخ الجاسر بما يعلمه الله .

here.gif

( كانت خيبة املي كبيرة عندما وصف جزيرة العرب بدقة ) في القرون الاولى ( وحدر و سند ) و قرب وبعد و رفع و خفض .ولم يذكر دياري بقليل من التفصيل .؟؟

فاتا يسير من واد الى واد و جبل الى جبل من الجنوب حتى قرب من ديارنا ( وبقدرة قادر ) قفز من جنوب الحجاز و وقع في الطائف وكأنه استقل طائرة من هناك عبر بها من اعالي الجو بعيدا عن ارضنا ( ارض بجيلة ) .

here.gif


ولم تهز هذه الملاحظة الهامة فضول الشيخ الجاسر او تعجبه و استغرابه .

بل ان الجاسر كتب عن ديارنا من خلف حدودها ولم يكلف نفسه بالمرور منها . وفي الحقيقة انه اختار ( درب المشرق ) - درب شمرخ - غزايل - الطائف - و ( ذاك الطريق الذي اسميه درب القوافل ) - درب الابل - لان الابل لا تستسهل جبال السروات بأحمالها .

ثم بعد ذلك شق الطريق المعبد من نفس الجادة تلك ( او هي المفازة ) للتتواصل المسيرة ( لأمر ما يريده الله ) لايزال تفسيره في علم الغيب عنده الى حين .

ولقد تتبعت طريق سير بعض الرحالة الاجانب ( المستشرقين ) و بعض مؤرخي الترك فوجدتهم ساروا من هناك .
( من درب القوافل ) الذي يسميه اجدادنا ( درب الجمالة ) .

و ( درب الجمالة ) هو موازي لــ ( درب الحاج ) .

ذاك من السهول الشرقية الفسيحة .. و هذا من فوق جبال السراة ( و يمر في ديارنا ) ..وقد كتبت عنه في هذا المنتدى ضمن احد الجزئين عند حديثي عن وادي مهور .

لا غرابة اذا عندما يتفق الجميع ( بحسن نية ) على تجنب ديارنا .

لاكن الغريب ان تكون ديارنا كأنها ليست هناك .


linkicon.gif
linkicon.gif
linkicon.gif
linkicon.gif
linkicon.gif

-------------------

في الحقيقة - انني اتقدم بوافر شكري و تقديري لــ( الانترنت ) العظيمة التي كشفت لي ان هناك من كتب عن ديارنا في كتب لاتزال مخطوطة ( لم يأذن الله ) حتى هذه الساعة بخروجها الى النور .

لكنها اعادت لنا الامل الضائع المنشود .

linkicon.gif
linkicon.gif
linkicon.gif

ولكن خيبة الامل الكبرى هي فينا نحن عندما لا نكرم احد ممن يبحث في تاريخ هذه الديار .. ربما لا يتمنى الجميع كشف الصفحة البيضاء و ابقاءها تحت الركام .


here.gif


حتى الاكثر اصالة والاكثر وجاهة والاكثر ثراءا ( ربما كرموا السيارات و الدراجات ) وتناسوا الاهم ؛

تناسوا صناع المجد الحقيقي ومنعشي القيم الاصيلة لابناء جلدتنا .

football.gif
football.gif
football.gif

التاريخ دوما لا يرضي الا اهله الأصلاء .. و يقاتله الدخلاء و المستوطنين ويحجبونه عن النور.

انظروا كيف يطمس الصهيوني تاريخ المسلم العربي على ثرى بلاده .

وماذا صنع الرجل الابيض بالهندي الاحمر .. وكذلك بالاسود في جنوب الكرة الارضية وفي وسطها و غربها .



و عندما نكرم الباحثين عن تراثنا نكون قد استيقضنا من سباتنا .. فهل هناك من يريدنا ان لا نستيقض.

--

والسلام عليكم ورحمة الله
 
التعديل الأخير:

جبل عمد

Moderator
إنضم
28 فبراير 2008
المشاركات
1,534
مستوى التفاعل
19
النقاط
38
حيا الله .. سراة ربعي .. كلاً باسمه .
سعادتي بمروركم وتعليقاتكم .. أنستني خيبة الأمل التي شعرت بها .. عندما اكتشفت عدم مرور المستشرق ( فيلبي)
بمنطقتنا !
( فهذه .. بتلك ) !

والذي أو أن أقوله : أن هذا الكتاب ذو أهمية كبيرة .. لا يستغني عنه الباحث
في تاريخ المنطقة وجغرافيتها وحياة أهلها من كافة النواحي الاجتماعية والفكرية . وإن لم تشمل رحلة المستشرق ( فيلبي ) جميع أنحاء المنطقة
.. فما دونه عن عادات وتقاليد سكان المناطق التي زارها .. ينسحب على بقية المناطق مع اختلاف يسير ؟!
 
أعلى