رمضان زمان ومكان

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
رمضان زمان ومكان

13746962677.gif


غزوة بدر الكبرى 2هـ
كانت قريش قد صادرت أموال المهاجرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتربصت للنيل منهم بكل وسيلة، إمعاناً في الصد عن سبيل الله وإيذاء المؤمنين، فأراد المهاجرون إضعافها والضغط عليها من خلال التعرض لقوافلها التجارية التي تمر بالقرب من المدينة في طريقها إلى الشام، وكان المسلمون قد علموا أن قافلة كبيرة يحرسها ثلاثون رجلاً - كانت تحمل أموالاً عظيمة لقريش - في طريقها من الشام إلى مكة - وأنها ستمر بهم، فندب الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج لأخذها، فخرج ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، معهم سبعون بعيراً يتعاقبون على ركوبها، لكنهم أرادوا شيئا وأراد الله غيره قال سبحانه: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين }(الأنفال:7).

ولما بلغ أبا سفيان - الذي كان يقود القافلة القرشية - خبر خروج المسلمين, سلك بها طريق الساحل, وأرسل يطلب النجدة ويستنفر قريش, فخرجت قريش بقضِّها وقضيضها، ولم يتخلف من فرسانها ورجالها إلا القليل, ومن تخلَّف منهم أرسل بدله رجلاً، حتى بلغ جيش قريش ألف مقاتل معهم القيان يضربن بالدفوف ويغنين بهجاء المسلمين، ولما بلغوا الجحفة علموا بنجاة القافلة, فأصروا على المضي ومقاتلة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بطراً ورئاء الناس فقال أبو جهل لعنه الله: "والله لا نرجع حتى نقدم بدْراً فنقيم بها ونطعم من حضرنا، وتخافنا العرب".

وكان المسلمون قد وصلوا إلى بدر وعلموا بنجاة القافلة وقدوم جيش المشركين، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وكان يهمه معرفة رأي الأنصار على وجه الخصوص لأنهم كانوا قد بايعوه على الدفاع عنه داخل المدينة، ولم يبايعوه على القتال خارجها، فوقف المقداد بن عمرو من المهاجرين وقال: "يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك, والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى : "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون", ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - مكان باليمن - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه"، وقام سعد بن معاذ - زعيم الأوس - فقال: "والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل ، قال: فإنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق, وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت فنحنمعك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك, فسِر على بركة الله".

فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم اجتماعهم على القتال بدأ بتنظيم الجيش ، فأعطى اللواء الأبيض مصعب بن عمير , وأعطى رايتين سوداوين لعلي و سعد بن معاذ رضي الله عنهما، وترك المسلمون مياه بدر وراءهم لئلا يستفيدمنها المشركون.
وقبيل المعركة ، أشار صلى الله عليه وسلم إلى مكان مصارع جماعة من زعماء قريش، فما تحرك أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تعالى في هذه الليلة مطراً طهر به المؤمنين وثبت به الأرض تحت أقدامهم، وجعله وبالاً شديدًا على المشركين.

وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته تلك, فكان يصلي إلى شجرة، فلم يزل يدعو ربه ويتضرع حتى أصبح، وكان من دعائه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد بعدها في الأرض، فما زال يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبوبكر ، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك".

وفي صبيحة يوم السابع عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة, رتب النبي صلى الله عليه وسلم الجيش في صفوف كصفوف الصلاة، وبدأ القتال بين الفريقين بمبارزات فردية ثم كان الهجوم والتحام الصفوف، وأمد الله المسلمين بمدد من الملائكة قال تعالى: { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم }(الأنفال:9-10)، ونصر الله رسوله والمؤمنين رغم قلة عددهم وعدتهم. وكانت نتيجة المعركة مقتل عدد من زعماء المشركين منهم عمرو بن هشام (أبو جهل), و أمية بن خلف ، و العاص بن هشام ، وبلغ عدد قتلى المشركين يومئذ سبعين رجلاً, وأُسِرَ منهم سبعون, وفر من تبقى من المشركين تاركين غنائم كثيرة في ميدان المعركة, وأقام صلى الله عليه وسلم ببدر ثلاثة أيام، ودَفن شهداء المسلمين فيها, وهم أربعة عشر شهيداً، وقد تمت مفاداة الأسرى بالمال, فعاتب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم لقبوله الفداء.

لقد كانت موقعة بدر من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام, ولذا سماها الله تعالى في كتابه بـ "يوم الفرقان" لأنه فرق بها بين الحق والباطل, وكان لها أعظم الأثر في إعلاء شأن الإسلام وإعزاز المسلمين.

منقول عن اسلام ويب
 
التعديل الأخير:

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

رمضان في قطر

EA_1183021_445838.jpg


تحتفل دولة قطر كعادة غالب البلاد الإسلامية حكومة وشعبًا بقدوم شهر رمضان ، وتبرز مظاهر هذا الاحتفال من خلال الخطوات التي تُتخذ على المستويات كافة في الاستعداد لاستقبال رمضان ، فعلى المستوى الإعلامي تكثر الكتابات والتحقيقات والبرامج المتعلّقة بقدوم الشهر المبارك ، وتخصص لهذه المناسبة العزيزة مادة غزيرة ومتنوعة.

وتقوم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتنظيم برنامج وعظي وتثقيفي ، يتم من خلاله تناول الأحكام المتعلّقة بهذا الشهر الفضيل ، وكيفية استغلال الأوقات في هذا الشهر ، وضرورة العمل على استثماره في الطاعات والقربات وصالح المبرّات ، إلى غير ذلك من الأمور المهمة.

ولا تقتصر وزارة الأوقاف القطرية على هذه الجوانب ، بل تقوم بتكوين عدة قوافل دعوية لتغطية المناطق النائية والبعيدة ، وأثر هذه القوافل واضح وملموس خصوصا في المساجد والمدارس وغيرها.

وكان لأبناء الجاليات من الاهتمام والرعاية أوفر النصيب ، فقد تمّ تخصيص العديد من الدروس الشرعية والدورات التعليمية ، والتي كان منها تعليم اللغة العربية والأحكام الشرعية.

وتستضيف الوزارة عددًا من الدعاة والعلماء الأجلاء من خارج البلاد لتفعيل الجانب الوعظي والدعوي خلال هذا الشهر الكريم ، حيث تُنظم عدة دورات تغطّي جوانب مهمة من التربية والدعوة ، ويتم نقل هذه الندوات مباشرة عن طريق الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) لتوسيع نطاق المستمعين لمثل هذه الندوات القيّمة.

ومن ناحية أخرى فإن علاقة الناس بالمساجد تزداد بشكل ملحوظ ، حيث تزدهر المساجد بجموع المصلين ، ويكثر قرّاء القرآن في الأوقات المختلفة ، وينشط الناس لحضور الدروس التي يلقيها الأئمة والوعّاظ في المساجد.

وحرصاً على تفعيل النشاط الدعوي وتنمية الوعي الديني ، فقد قامت جهات عدّيدة بتنظيم مسابقات رمضانية ذات أسئلة دينية ، وعادة ما تُنشر أسئلة هذه المسابقات في المساجد والجرائد المحلّية ، وتقوم كل جهة منظّمة بتخصيص جوائز ثمينة للفائزين وتُنشر أسماؤهم في الجرائد.

أما صلاة التراويح فتلقى حفاوة كبيرة وإقبالاً ملحوظًا من جمهور المصلين، إذ تعيش المساجد في أيام وليالي هذا الشهر أعيادًا لها. ويصلي الناس التراويح ثماني ركعات، وبعض المساجد تصلي عشرين ركعة، وبعضها يقرأ في الصلاة جزءًا كاملاً، وبعضها الآخر يقرأ ما تيسر له من القرآن.

وفي العشر الأخير من الشهر الكريم تقام صلاة الليل في العديد من المساجد القطرية، حيث يحرص فيها الأئمة على قراءة ختمة كاملة من القرآن، ويختلف مقدار هذه الصلاة من مسجد لآخر ، فبعضهم يكتفي بقراءة جزء واحد ، والبعض الآخر يقوم بقراءة ثلاثة أجزاء قراءة هادئة متأنّية.

كما ويحرص العديد على العمل بسُنَّة الاعتكاف ، فتُخَصَّص لهم أماكن خاصة في المساجد للاعتكاف فيها ، وتقوم بعض الجهات الخيرية بتوفير منامات على شكل خيام صغيرة كي ينام فيها المعتكفون.

على الطرف الآخر من المشهد الرمضاني القطري، يستعد الناس بشكل غير عادي لرمضان بتجهيز الأغذية الرمضانية، وشراء المواد الاستهلاكية الخاصة بهذا الشهر. فأنت ترى قبيل رمضان بأيام وقد ازدحمت المجمعات الاستهلاكية، وزاد الطلب على شراء المواد الغذائية، وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس في هذا الشهر الكريم.

ومما يُلاحظ في هذا البلد الكريم انتشار موائد خاصة لإفطار الصائمين في المساجد ومقارّ الجمعيات وغيرها ، حيث يقوم المحسنون من أبناء البلد والجمعيات الخيرية المختلفة بإعداد الموائد الرمضانية المخصّصة للفقراء والمساكين والعمّال في الدولة ، ويمتدّ أثر هذه الأعمال الخيرية ليشمل خدمة المصلّين أثناء صلاة التراويح بتوزيع الماء وبعض القهوة وغيرهما.

ويعم دولة قطر في رمضان على المستوى الشعبي والرسمي والدعوي جو إيماني رمضاني قرآني يُشْعِر بمكانة شهر الصوم ومنزلته.

ويحرص الناس على أداء صلاة العيد في المصليات الخاصة ، كما تقام صلاة العيد في المساجد في المناطق التي لا تتوفر فيها مصليات خاصة للعيد.

ومن العادات المعهودة في صباح اليوم الأول من العيد، وبعد أداء الصلاة، خروج الأطفال بلباس العيد، حيث ينتقلون من بيت إلى بيت ليجمعوا العيدية والهدايا المخصصة لهذه المناسبة العزيزة على قلوب الصغار والكبار ، ويتبادل الناس الزيارات في جو تشعّ منه روح الألفة والمحبة ، وتسود فيه مظاهر الألفة والتقارب.
 
التعديل الأخير:

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

فتح مكة 8 هـ

%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B9%D9%8A%D9%85.jpg


كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف محمد صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أراد الدخول في حلف قريش وعهدهم دخل فيه، فدخلت "خزاعة " في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وكانت بين القبيلتين حروب وثارات، فأراد "بنو بكر" أن يصيبوا من خزاعة ثأراً قديماً، فأغاروا عليهم ليلاً وقتلوا جماعة منهم، وأعانت قريش "بني بكر" بالسلاح والرجال، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بغدر قريش وحلفائها. وعندما شعرت قريش بخطورة الأمر، سارعت إلى إرسال أبي سفيان إلى المدينة لتفادي المشكلة وتجديد الصلح مع المسلمين، ولكن دون جدوى، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتهيؤ والاستعداد، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة، كما أمر بِكَتْم الأمر عن قريش حتى يباغتها في عقر دارها.

وفي يوم الأربعاء العاشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثامنة للهجرة غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في عشرة آلاف من أصحابه بعد أن استخلف عليها أبا ذر الغفاري رضي الله عنه. ولما كان بـ "الجحفة" لقيه عمّه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وكان قد خرج بأهله وعياله مهاجراً..ثم واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير وهو صائم والناس صيام، حتى بلغ "الكُدَيْد"ـ وهو ماء بين عُسْفَان وقُدَيْد ـ فأفطر وأفطر الناس معه، ثم سار حتى نزل بـ "مَرِّ الظهران"، وهناك ركب العباس بغلته البيضاء يبحث عن أحدٍ يبلغ قريشاً لكي تطلب الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل مكة.

وكان أبو سفيان قد خرج يتجسس الأخبار فلقيه العباس فنصحه بأن يأتي معه ليطلب له الأمان من رسول الله، ولما دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟...ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟) ، و العباس يقول له: "ويحك أسلم"، فأسْلَم وشهد شهادة الحق، فقال العباس :‏ "يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً"، قال‏:‏ (‏نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن) .
ثم غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم "مرّ الظهران" متوجها إلى مكة، وقبل أن يتحرّك أمر العباسَ بأن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي، حتى تمرّ به جنود الله فيراها، فمرّت القبائل على أبي سفيان و العباس يخبره بها، حتى مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء ومعه المهاجرون والأنصار، فقال أبو سفيان : سبحان الله؟ ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، ثم أسرع إلى قومه صارخاً بأعلى صوته: "يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به"، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقالوا‏:‏ قاتلك الله وما تغني عنا دارك‏؟‏ قال‏:‏ ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، فتفرّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، وتجمع سفهاء قريش وأوباشها مع عكرمة بن أبي جهل ، و صفوان بن أمية ، و سهيل بن عمرو لمقاتلة المسلمين.

وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار حتى انتهى إلى "ذي طوى"، وهناك وزّع الجيش، فأمَر خالد بن الوليد ومن معه أن يدخل مكة من أسفلها، وأمر الزبير بن العوام - وكان معه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل مكة من أعلاها - من كداء -، وأن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه‏، وأمر أبا عبيدة أن يأخذ بطن الوادي حتى ينصب لمكة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم‏-‏.

فلقي خالد وأصحابه سفهاءَ قريش الذين عزموا على القتال ، فناوشوهم قليلاً ثم لم يلبثوا أن انهزموا ، وقُتِل منهم اثنا عشر رجلاً ، وأقبل خالد يجوس مكة حتى وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا، وأما الزبير فتقدم حتى نصب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون عند مسجد الفتح، وضرب قبة هناك فظلّ هناك حتى جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها من "كداء"، وهو مطأطئ رأسه تواضعاً وخضوعا لله، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل. ثم نهض رسول الله والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله حتى دخل المسجد، فأقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم طاف بالبيت وفي يده قوس، وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنما، فجعل يطعنها بالقوس ويقول: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} (الإسراء 81)، {قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} (سـبأ 49)، والأصنام تتساقط على وجوهها، ثم طاف بالبيت، وكان طوافه على راحلته ولم يكن ُمحْرِما يومئذ، فاقتصر على الطواف، فلما أكمل طوافه، دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة فأمر بها ففتحت، فلما دخلها رأى فيها الصور ورأى صورة إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام يستقسمان بالأزلام، فقال‏:‏ "‏قاتلهم الله، والله ما استقسما بها قط"، ثم أمر بالصور فمحيت، وصلى داخل الكعبة، ودار في نواحي البيت وكبر الله ووحده.
ثم خرج صلى الله عليه وسلم وقريش صفوفاً ينتظرون ما يصنع بهم، فقال: (يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟) ، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: (فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه : {لا تثريب عليكم اليوم} (يوسف:92)، اذهبوا فأنتم الطلقاء) ، ثم أعاد مفتاح البيت إلى عثمان بن طلحة ، وأمر بلالاً أن يصعد فيؤذن.

وفي اليوم الثاني خطب صلى الله عليه وسلم خطبته المشهورة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏: (يا أيها الناس: إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخَّص لقتال رسول الله، فقولوا إنّ الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما حلَّت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب) رواه البخاري ، وخشي الأنصار بعد الفتح أن يفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم الإقامة بمكة فجمعهم وقال لهم: (معاذ الله ، المحيا محياكم، والممات مماتكم) رواه مسلم .
ثم بايع الرجال والنساء من أهل مكة على السمع والطاعة، وأقام بها تسعة عشر يوماً يجدد معالم الإسلام، ويرشد الناس إلى الهدى، ويكسر الأصنام، ثم قفل راجعاً إلى المدينة.

فكان يوم الفتح يوماً عظيماً أعزّ الله الإسلام وأهله، ودحر الكفر وحزبه، واستنقذ البيت العتيق والحرم الآمن من أيدي الكفار والمشركين، وبعده دخل الناس في دين الله أفواجاً وأشرقت الأرض بنور التوحيد والهداية.
 
التعديل الأخير:

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

رمضان في السعودية

Haram.jpg


لرمضان في المملكة العربية السعودية جو روحاني خاص ربما لا يوجد في غيرها من بقاع العالم الإسلامي؛ وذلك لاحتواء تلك الديار على الحرمين الشريفين، وهما من المنزلة في قلوب المؤمنين بمكان.

والناس في المملكة يعتمدون على ما تبثه وسائل الإعلام بخصوص إثبات شهر رمضان، ووسائل الإعلام بدورها تتلقى خبر ذلك عن طريق الهيئات الشرعية والفلكية المكلفة برصد الأهلة القمرية. والعديد من دول العالم الإسلامي تتبع في ثبوت شهر رمضان إثبات المملكة له.

ومع ثبوت هلال رمضان تعم الفرحة قلوب الجميع في المملكة، وتنطلق من الأفواه عبارات التهنئة، من مثل قول: ( الشهر عليكم مبارك ) و( كل عام وأنتم بخير ) و( أسأل الله أن يعيننا وإياك على صيامه وقيامه ) و( رمضان مبارك ).

وعادة أهل المملكة عند الإفطار أن يتناولوا التمر والرطب والماء، ويسمونه ( فكوك الريق ) وبعد وقت قصير من انتهاء أذان المغرب يرفع المؤذن صوته بالإقامة، فيترك الجميع طعامهم ويبادرون إلى الصلاة.

وبعد الانتهاء من صلاة المغرب ينطلق الجميع لتناول وجبة الإفطار الأساسية، التي يتصدرها طبق الفول المدعوم بالسمن البلدي، أو زيت الزيتون، حيث لا ينازعه في هذه الصدارة طعام غيره، ولا يقدم عليه شيء.

وطبق الفول في المملكة ذو فنون وشجون؛ فهناك الفول العادي، والقلابة، وفول باللحم المفروم، والكوكتيل، والفول بالبيض، والفول باللبن. أما أفضل أصنافه فهو الفول المطبوخ بالجمر، والذي توضع فيه جمرة صغيرة فوق السمن، ويغطى بطبق آخر لإعطاء نكهة مميزة.

ومن الأكلات الشائعة التي تضمها مائدة الإفطار إلى جانب طبق الفول ( السمبوسك ) وهي عبارة عن عجين محشو باللحم المفروم، و( الشوربة ) وخبز ( التميس ) وغير ذلك من الأكلات التي اشتهر أهل المملكة بصنعها في هذا الشهر الكريم. وبجوار تلك الأطعمة يتناول الناس شراب ( اللبن الرائب ) وعصير ( الفيمتو ).

وأشهر أنواع الحلويات التي تلقى رواجًا وطلبًا في رمضان خاصة عند أهل المملكة ( الكنافة بالقشدة ) و( القطايف بالقشدة ) و( البسبوسة ) و ( بلح الشام ).

وقبيل صلاة العشاء والتراويح يشرب الناس هناك الشاي الأحمر، ويطوف أحد أفراد البيت - وخاصة عندما يكون في البيت ضيوف - بمبخرة على الحاضرين.

وهناك تقاليد لدى بعض العائلات بأن يُعَيَّن إفطار كل يوم من أيام رمضان عند واحد من أفراد العائلة بشكل دوري بادئين بكبير العائلة.

وبعد تناول طعام الإفطار يتجه الجميع - رجالاً ونساءً - لأداء صلاة العشاء والتراويح في المسجد. وهناك بكل مسجد مكان خاص بالنساء. أما عن عدد ركعات صلاة التراويح، فهي تصلى عشرون ركعة في الحرمين، وفي باقي مساجد المملكة: بعض المساجد تكتفي بصلاة ثمان ركعات، وبعضها الآخر يصليها عشرين ركعة. ويختم بالقرآن في أغلب مساجد المملكة خلال شهر رمضان. ويعقب صلاة التراويح في كثير من المساجد درس ديني يلقيه إمام المسجد، أو يُدعى إليه بعض أهل العلم في المملكة.

والناس هناك يجتمعون عادة كل ليلة في أحد البيوت، يتسامرون لبعض الوقت، ثم ينصرفون للنوم، وينهضون عند موعد السحر لتناول طعام السحور، والذي يتميز بوجود ( الخبز البلدي ) و( السمن العربي ) و( اللبن ) و( الكبدة ) و( الشوربة ) و( التقاطيع ) وأحيانًا ( الرز والدجاج ) وغيرها من الأكلات الشعبية.

وتتغير أوقات العمل والدوام الرسمي في المملكة لتناسب الشهر الكريم، حيث تقلص ساعات العمل مقدار ساعة أو يزيد يوميًا، مراعاة لأحوال الصائمين.

وتنتشر بشكل عام في جميع أنحاء المملكة المناسبات الخيرية ( البازارات ) لجمع التبرعات والصدقات، وتوجه الدعوات للمساهمة في إفطار المحتاجين والمساكين، وتقديم المساعدات والمعونات لهم. كما ويحرص أهل الخير على إقامة الموائد الرمضانية الخيرية، وتقديم الأطعمة على نفقاتهم الخاصة. أما الماء فيوزع في برادات مثلجة.

وبعد أداء صلاة العشاء والتراويح يعود الناس إلى مجالسهم وسهراتهم التي قد تدوم عند البعض - وخاصة الشباب منهم - حتى السحور. والسيدات يسهرن وحدهن في البيوت، والعادة أن تحدد السهرة عند واحدة منهن في الحي أو الأسرة، ويكون ذلك بشكل دوري بين سيدات الحي أو القريبات أو الصديقات، ويسمى مكان السهرة ( الهرجة ). ومن أهم العادات الرمضانية في المملكة تزاور العائلات بعد صلاة العشاء.

وفي النصف الثاني من رمضان يلبس كثير من السعوديين ثياب الإحرام لأداء العمرة، أما في العشر الأواخر منه فإن البعض منهم يشد رحاله للاعتكاف في الحرم النبوي أو المكي.

وتبدأ صلاة التهجد في مساجد المملكة بعد صلاة التراويح، وتصلى عشر ركعات، يُقرأ خلالها في بعض المساجد بثلاثة أجزاء من القرآن الكريم يوميًا، وتستمر تلك الصلاة حتى منتصف الليل أو نحوه.

وبعد يوم السابع والعشرين من رمضان يبدأ الأهالي بتوزيع زكاة الفطر، وصدقاتهم على الفقراء والمساكين وابن السبيل، ويستمرون في ذلك حتى قبيل صلاة العيد.

وقد انتشرت في المملكة وبكثرة عادة طيبة، وهي إقامة موائد إفطار خاصة بالجاليات الإسلامية والعمالة الأجنبية المقيمة في المملكة، وتقام تلك الموائد بالقرب من المساجد، أو في الأماكن التي يكثر فيها تواجد تلك العمالة، كالمناطق الصناعية ونحوها.

ومن العادات المباركة في المملكة أيضًا توزيع وجبات الإفطار الخفيفة عند إشارات المرور للذين أدركهم أذان المغرب وهم بعدُ في الطريق إلى بيوتهم، عملاً بسُنَّة التعجيل بالإفطار.

هذا، ولم يعد شهر رمضان عند بعض الناس هناك شهر المغفرة والجنة والعتق من النار، بل أصبح شهر ( الياميش ) و( الكنافة ) مع ( المشمشية ) و( الجوز ) وصواني ( البسبوسة ) ووو....

ومن العادات التي قد نراها عند البعض، وهي ليست من الإسلام في شيء، عادة البذخ والإسراف في شراء الطعام، الذي ينتهي كثير منه إلى القمامة؛ ويلتحق بهذا قضاء النساء وقتًا طويلاً في إعداد أنواع من الطعام، التي تُعدُّ وتحضر بطلب من الأزواج أو بغير طلب. ناهيك عن الازدحام الشديد في الأسواق على السلع الغذائية قبل رمضان بيوم أو يومين، وكذلك قبل العيد بأيام. كل هذا مما يتنافى مع مقاصد هذا الشهر الفضيل.
 
التعديل الأخير:

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

معركة البويب 13هـ

85957Image1.jpg


كانت هذه المعركة بالعراق نظير معركة اليرموك التي وقعت بالشام، وقد بدأت فصولها عندما انهزم المسلمون أمام الفرس في وقعة "الجسر" وذلك في شعبان سنة 13 للهجرة، فبلغ الخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فندب الناس إلى الانضواء تحت قيادة المثنى بن حارثة الذي انحاز بالمسلمين غربيّ نهر الفرات، وأرسل إلى من بالعراق من أمراء المسلمين يطلب منهم الإمداد، وأرسل إلى عمر فبعث إليه بمدد كثير فيهم جرير بن عبد الله البجلي على رأس قبيلته "بجيلة"، كما أرسل كلاً من هلال بن علقمة و عبدالله بن ذي السهمين ومعهما طائفة من الرباب وأفراد من قبائل خثعم ، ولما وفد إلى عمر ربعيّ بن عامربن خالد و عمر بن ربعيّ بن حنظلة في نفرٍ من قومهما ألحقهما بالعراق، لتتوالى الوفود في نصرة إخوانهم ومدّهم بالقوّة والسلاح.

وترامت الأنباء إلى رستم قائد الفرس بأن المسلمين قد حشدوا له الحشود، فجهّز جيشاً عظيماً بقيادة مهران الهمداني ، ولما سمع المثنى بذلك كتب إلى أطراف الجيش الذين قدموا لنجدته قائلاً لهم: "إنا جاءنا أمرٌ لم نستطع معه المقام حتى تقدموا علينا، فعجّلوا اللحاق بنا، وموعدكم "البويب" - وهو مكان بأرض العراق قريب من الكوفة اليوم ـ"، فتوافوا جميعاً هناك في شهر رمضان سنة 13 للهجرة.

وكان مهران قد وقف في الجهة المقابلة لنهر الفرات، وأرسل إلى المثنى يقول له‏:‏ "إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك"، فقال له المثنى‏:‏ "بل اعبروا إلينا"، فعبر مهران فنزل على شاطىء الفرات، وأقبل الفرس في ثلاثة صفوف مع كل صفٍّ فيل، ولهم زجلٌ وصياح: فقال المثنى لأصحابه‏:‏ "إن الذي تسمعون فشل فالزموا الصمت".‏ ثم عبّأ المثنى جيشه وأمرهم بالإفطار ليتقووا على عدوهم فأفطروا، وطاف بين الصفوف وهو على فرسه، فجعل يمر على كل راية من رايات الأمراء والقبائل يحرضهم، ويرفع معنوياتهم، ويحثهم على الجهاد والصب ، ويثني عليهم بأحسن ما فيهم، وكلما مرّ على صفٍّ قال لهم‏:‏ "إني لأرجو ألا يؤتى الناس من قبلكم بمثل اليوم، والله ما يسرني اليوم لنفسي شيء إلا وهو يسرني لعامَّتِكم"، فيجيبونه بمثل ذلك، وأنصفهم من نفسه في القول والفعل، وخالط الناس فيما يحبون وما يكرهون، فاجتمع الناس عليه ولم يعب له أحد قولاً ولا فعلاً، وفي ذلك دلالة بيّنة على حنكته في قيادة جنده وحسن تدبيره، حيث حرص على استمالة قلوب جنده مما يكون له أثر بالغ في وحدة الصف وقوة التلاحم بين أفراد الجيش.
ثم قال لهم‏:‏ إني مكبر ثلاثًا فتهيّئوا فإذا كبَّرت الرابعة فاحملوا، فلما كبَّر أول تكبيرة عاجلتهم الفرس وحملوا عليهم، فالتحم الفريقان واقتتلوا قتالاً شديداً، وعندها رأى المثنى خللًا في بعض صفوفه فبعث إليهم رجلاً يقول لهم : " الأمير يقرأ عليكم السلام ويقول لكم ‏:‏ " لا تفضحوا المسلمين اليوم " ، فتماسَكُوا واعتَدَلُوا وضحك المثنى إعجاباً منه بصنيعهم، ثم بعث في الناس من يقول: "يا معشر المسلمين عاداتكم ، انصروا الله ينصركم"، فجعلوا يدعون الله بالنصر والظفر.

ولما طال القتال جمع المثنى نفراً من أصحابه الشجعان يحمون ظهره، وحمل هو على مهران فأزاله عن موضعه حتى أدخله في الميمنة، وزاد المثنّى من ضغطه على العدوّ حتى اختلطت الصفوف، واشتدّ القتال. وفي أثناء ذلك أصيب مسعود بن حارثة قائد مشاة المسلمين وأخو المثنى ، ولم تزل جراحه تنزف حتى فارق الحياة، ورأى المثنى ما أصاب أخاه فقال للناس: "يا معشر المسلمين، لا يرعكم مصرع أخي؛ فإن مصارع خياركم هكذا".. ثم تقدّم المسلمون نحو قلب الجيش بما فيهم المثنى وكوكبة من فرسان الجيش، وحمل المنذر بن حسان بن ضرار الضبي على مهران فطعنه، واجتز رأسه جرير بن عبد الله البجلي ، فتضعضع جيش الفرس، وحاولوا الفرار ولحق المسلمون في إثره ، وكان المثنى قد سبق إلى الجسر فوقف عليه ليمنع الفرس من العبور عليه، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى قيل: إنه قتل منهم يومئذ وغرق قريبٌ من مائة ألف، وبقيت جثث القتلى وعظامهم دهراً طويلاً، وسمي هذا اليوم بيوم الأعشار، فقد وجد من المسلمين مائة رجل، كلُّ رجل منهم قَتَل عشرة من الفرس.

وهكذا أذلّ الله رقاب الفرس، واقتصّ منهم المسلمون بعد الهزيمة التي لحقت بهم في معركة "الجسر"، ومهَّدت وقعة "البويب" للفتوحات في بلاد العراق، والقضاء على الإمبراطورية الفارسية.
 
التعديل الأخير:

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

رمضان في مصر

2017_12_27_15_44_24_668.jpg


من بلدٍ يصل تعداده أكثر من (94) مليون نسمة ، تبدأ جولتنا للتعرّف على الأجواء الرمضانية في أرضٍ جمعت بين الحضارة العريقة والتاريخ الإسلامي المشرّف ، فمنذ أن دخل الإسلام على يد القائد الإسلامي العظيم عمرو بن العاص رضي الله عنه ، والمسلمون ينعمون بأداء هذه الشعيرة على مرّ الأعوام.

وعلى الرغم من تعدّد الأنماط الاجتماعية في مصر ـ تبعاً لتنوع مظاهر الحياة من الشمال إلى الجنوب - ، إلا أن الجميع قد أطبق على إبداء البهجة والسرور بدخول هذا الشهر الكريم ، فما إن تبدأ وسائل الإعلام ببيان دخول الشهر وثبوت رؤية الهلال ، حتى يتحوّل الشارع المصري إلى ما يشبه خلايا النحل ، فتزدحم الأسواق ، وتزدان الشوارع ، وتنشط حركة التجارة بشكل ملحوظ ، حيث يتنافسون في توفير اللوازم الرمضانية المختلفة ، وينطلق الأطفال في الشوارع والطرقات ، حاملين معهم فوانيس رمضان التقليدية وهم ينشدون قائلين : " رمضان جانا .... حلّو يا حلّو " ، عدا عبارات التهنئة التي تنطلق من ألسنة الناس لتعبّر عن مشاعر الفرحة التي عمّت الجميع.

ولعلّ من أبرز الأمور التي تُلفت النظر هناك ، زيادة معدّل الزيارات بين الأهل والأقارب ، والأصدقاء والأحباب ، كل هذا في جوٍّ أخوي ومشاعر إنسانيّة فيّاضة ، فرمضان فرصة للتقارب الأسري من جهة وتعميق الروابط الاجتماعية من جهة أخرى.

وحتى نقوم باستعراض يوميّات الصائم في مصر ، فلا بد لنا أن نبدأ جولتنا منذ الصباح الباكر ، ننزل فيها إلى الشارع المصري ، لنلحظ المحال التجارية وقد اعتلى فيها صوت القرآن الكريم يُتلى على ألسنة مشاهير القرّاء المصريين ، ويأتي في مقدّمهم : الشيخ عبدالباسط عبدالصمد و الشيخ محمد صديق المنشاوي و الشيخ محمود خليل الحصري و الشيخ مصطفى إسماعيل ، وبهذا يظهر مدى ارتباط أبناء مصر بالقرآن الكريم لاسيما في هذا الشهر الفضيل.

ومما نلاحظه في هذا الوقت انخفاض معدّل الحركة الصباحية بحيث تكون أقل مما هي في المساء ، وتظل كذلك طيلة الصباح وحتى صلاة العصر ، وهذه هي البداية الحقيقية لليوم هناك ، حيث يبدأ تدفّق الناس إلى الأسواق والمحال التجارية لشراء لوازم الإفطار من تمور وألبان وغيرهما ، ولعل أوّل ما يقفز إلى الذهن هنا شراء الفول ، وهذا الطبق الرمضاني لا تكاد تخلو منه مائدة رمضانية ، إذ إنها أكلة محبّبة لجميع الناس هناك ، على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ، ويمكنك أن تلمس ذلك بملاحظة انتشار باعة الفول في كل مكان ، بصوتهم المميّز الذي يحث الناس على الشراء قائلين : " إن خُلِص الفول....أنا مش مسؤول ". ويقودنا الحديث عن الفول إلى الحديث عن المائدة الرمضانية ، حيث يبدأ الناس بالإفطار بالتمر والرطب ، مع شرب اللبن وقمر الدين ومشروب " الخشاف " ، وقد يحلو للبعض أن يشرب العصيرات الطازجة كالبرتقال أو المانجو أوالشمام ، وبعد العودة من صلاة المغرب ، يبدأ الناس بتناول الملوخيه والشوربة والخضار المشكلة ، والمكرونه بالبشاميل ، وتزدان المائدة بالسلطة الخضراء أو سلطة الزبادي بالخيار ، ومحشي ورق عنب ، والطبق الرئيسي الدجاج المشوي أو بعض المشويات كالكباب والكفتة.

وبعد الانتهاء من الإفطار لا بد من التحلية ببعض الحلويات ، ومن أشهرها : الكنافة والقطايف والبقلاوة ، والمهلّبية وأم علي ، وهذا بطبيعة الحال يتنوّع من مائدة إلى أخرى بحسب ذوق كل أسرة.

وبعد الانتهاء من الإفطار يقوم الجميع بتناول الشاي ، والشاي المصري كما هو معروف أثقل مما هو في الخليج ، ويفضلونه في صعيد مصر أن يكون ثقيلا جدا ، وبعد أن ينتهوا من ذلك يبدأ الناس بالاستعداد للصلاة والتوجّه إلى المساجد.

ينطلق الناس لأداء صلاة التراويح في مختلف المساجد حيث تمتلئ عن آخرها بالمصلين من مختلف المراحل العمريّة ، وللنساء نصيبٌ في هذا الميدان ، فلقد خصّصت كثير من المساجد مكاناً للنساء يؤدّين فيه هذه المشاعر التعبّدية ، وتُصلّى التراويح صلاة متوسّطة الطول ، والبعض يقرأ بجزءٍ أو أقل .. وهناك العديد من المساجد التي يُصلّي فيها المصلّون أكثر من ذلك .. وعلى أية حال ، فإن المساجد في مصر تمتليء بالمصلّين، وتُقام فيها دروسٌ وعظية ومحاضرات إرشاديّة طيلة هذا الشهر ، ويقوم العلماء والدعاة بالتنقل بين المحافظات كي يعظوا الناس ، ويجيبوا عن أسئلتهم وإشكالاتهم .

واعتاد الناس في مصر على السهر بعد التراويح حتى أوقات متأخرة من الليل، يقضونها في الميادين والبيوت والمقاهي، يتسامرون ويتبادلون الأحاديث، ويحلو للبعض التنزّه عند النيل أو ركوب "الفلوكة"، أو السمر عند الشواطئ.

ومن العادات التي تميّز هذا البلد، ما يُعرف بالمسحّراتي، وهو شخص يقوم بالمرور على الأحياء والبيوت كي يوقظهم وقت السحور بندائه الشهير: "اصح يا نايم...وحِّد الدايم...السعي للصوم..خير من النوم...سحور يا عباد الله"، وقد ظهرت عادة المسحّراتي - أو المسحّر كما في بعض الدول - في القرن الثالث الهجري، ومن ثمّ انتشرت في كثير من البلاد العربيّة، وكان المسحّراتي يقوم بالضرب على طبلة معلّقة عليه بحبل ويدقّ أبواب البيوت بعصاه منادياً لهم بأسمائهم، إلا أن هذه العادة قد بدأت بالانحسار نتيجة توافر أدوات الإيقاظ الحديثة من منبّه وغيرها، فلم تعد تتواجد إلا في القرى والأحياء الشعبية.

هذا، وللعشر الأواخر من رمضان طعمٌ آخر يعرفه المتعبّدون، حيث تغدو هذه الأيام الفاضلة ميداناً يتسابق فيه المؤمنون بالعبادة والذكر، ويتنافسون في قراءة القرآن والتهجّد، ومن أهمّ ما يميّز هذه الأيام، إقبال الناس على سنّة الاعتكاف في المساجد، رغبةً في التفرّغ للطاعة، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلّم، ويصل هذا التسابق ذروته في ليلة السابع والعشرين من رمضان التي يلتمس الناس فيها ليلة القدر، فلا عجب إذاً أن تمتليء المساجد فيها بالآلاف، يقفون بين يدي الله ويدعونه بخشوع وانكسار، تتسابق دموعهم على خدودهم في لحظات إيمانيّة عطرة.

وما إن تبدو لوائح العيد بالاقتراب حتى يبدأ الناس بتجهيز لوازم العيد، خصوصاً "كعك العيد" والذي يحتاج إلى جهد كبير في تجهيزه، وهذا الإقبال على الكعك يسبب زحاما شديداً على المخابز، ويضاف إلى ذلك الحلويات والمعجّنات والفطائر المتنوّعة كي تّقدّم إلى الضيوف أيام العيد، كما يخرج الناس إلى الأسواق بكثرة لشراء ملابس العيد والأحذية الجديدة.

وفي صبيحة العيد يتوجّه الناس رجالا ونساء إلى مصلّى العيد، ثم يهنّئ المسلمون بعضهم بختام شهر رمضان والدعاء بتقبّله، وبقدوم العيد وسؤال الله تعالى دوام سعادته وفرحته، وتنطلق جموع الأطفال فرحة مسرورة بقدوم العيد، لتذهب إلى الحدائق والمتنزّهات، حيث المراجيح، ولا يخلو الجوّ من ألعاب ناريّة تضفي على الجوّ مزيداً من البهجة والأنس.
 
التعديل الأخير:

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

فتح الأندلس 92 هـ

b76ac865ed007324ee7d02a50d30a009_XL.jpg


بعد أن ولَّى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك قائده موسى بن نصير على المغرب ، استطاع أن يفتح طنجة ، وترك بها حامية يقودها مولاه طارق بن زياد ، ومنذ ذلك الحين بدأ طارق يتطلع لفتح بلاد الأندلس التي لم يكن بينهم وبينها إلا خليج يسير ، وكان ميناء سبته هو أقرب المدن إليه ، وكان حاكمها هو الكونت يوليان الذي كان نائباً للإمبراطور البيزنطي لذريق حاكم طليطلة ، ولكنه تحرر من سلطان الدولة البيزنطية ، وأصبح كالحاكم المستقل في سبتة وما حولها ، بسبب أحقاد كانت بينهما، وذلك أن لذريق اعتدى على عِرض ابنة يوليان بعد أن بعث بها إليه لتخدمه واستأمنه عليها. وقد استفاد موسى من هذه الخصومة وراسل يوليان حتى كسب وده ، وصار دليلاً لهم في تلك البلاد.

وعندها كتب موسى بن نصير يستأذن الخليفة في أن يوسع دائرة الفتح لتشمل بلاد الأندلس ، فرد عليه الوليد بن عبد الملك قائلاً له : " خضها بالسرايا حتى ترى وتختبر شأنها ، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال"، فكتب إليه موسى مبيِّنا له أنه ليس ببحر خِضَمّ، وإنما هو خليج يبين للناظر منه ما خلفه " ، فرد عليه الوليد بأنه لا بد من اختباره بالسرايا قبل خوضه واقتحامه.

فأرسل موسى رجلاً من البربر يسمى طريفاً في مائة فارس وأربعمائة راجل ، وجاز البحر في أربعة مراكب ، مستعيناً بيوليان ، وكان دخوله في شهر رمضان سنة (91هـ)، فسار حتى نزل ساحل البحر بالأندلس ، فيما يحاذي طنجة ، وهو المعروف اليوم بـ" جزيرة طريف " التي سميت باسمه لنزوله فيها ، فقام بسلسلة من الغارات السريعة على الساحل ، وغنم فيها الشيء الكثير ، ثم رجع سالماً غانماً ، وكان في ذلك تشجيعاً لموسى بن نصير على فتح الأندلس.

وبعدها انتدب موسى لهذه المهمة طارق بن زياد ، فركب البحر في سبعة آلاف من المسلمين ، أكثرهم من البربر ، وتذكر الروايات أنه لما ركب البحر غلبته عينه فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحوله المهاجرون والأنصار ، قد تقلدوا السيوف ، وتنكبوا القِسيّ ، ورسول الله يقول له: " يا طارق تقدم لشأنك" ، ونظر إليه وإلى أصحابه وقد دخلوا الأندلس قدّامه ، فهب من نومه مستبشراً ، وبشَّر بها أصحابه ، ولم يشكوا في الظفر.

ورست السفن عند جبل لا يزال يعرف حتى اليوم بـ " جبل طارق " ، وكان نزوله في رجب سنة (92هـ)، ولما نزل فتح الجزيرة الخضراء وغيرها، وبلغ لذريق نزول المسلمين بأرض الأندلس، فعظم ذلك عليه، وكان غائباً في بعض غزواته، فجمع جيشاً جراراً بلغ مائة ألف.

وكتب طارق إلى موسى يطلب منه المدد ويخبره بما فتح الله عليه ، وأنه قد زحف عليه ملك الأندلس بما لا طاقة له به ، فبعث إليه موسى بخمسة آلاف مقاتل معظمهم من العرب، فتكامل المسلمون اثني عشر ألفاً ومعهم يوليان يدلهم على عورة البلاد ويتجسس لهم الأخبار، فأتاهم لذريق في جنده والتقى الجيشان على نهر لكة ، يوم الأحد لليلتين بقيتا من رمضان سنة (92هـ)، واستمرت المعركة ثمانية أيام، وأخذ يوليان ورجاله يخذلون الناس عن لذريق ويقولون لهم: " إن العرب جاؤوا للقضاء على لذريق فقط ، وإنكم إن خذلتموه اليوم صفت لكم الأندلس بعد ذلك"، وأثر هذا الكلام في الجنود فاضطرب نظام جيشه، وفر الكثير منهم، وخارت قوى لذريق ، لما رأى جنده يفرون أو ينضمون للمسلمين، وهجم طارق على لذريق فضربه بسيفه فقتله ، وقيل: إنه جرحه، ثم رمى لذريق بنفسه في وادي لكة فغرق ، وهزم الله لذريق ومن معه وكتب الغلبة للمسلمين.

وبعد هذه المعركة توسع طارق في الفتح، وتوجه إلى المدن الرئيسية في الأندلس، ففتح شذونة ومدوّرة، وقرمونة، وإشبيلية، واستجة، واستمر في زحفه حتى انتهى إلى عاصمة الأندلس "طليطلة" وتمكن من فتحها، وحينها جاءته الرسائل من موسى بن نصير تأمره بالتوقف.

ودخل موسى الأندلس في رمضان سنة (93هـ) في جمع كثير قوامه ثمانية عشر ألفاً، ففتح المدن التي لم يفتحها طارق كشذونة، وقرمونة، وإشبيلية، وماردة.

وهكذا تُوِّجت هذه الانتصارات التي تحققت في هذا الشهر المبارك ، وكان لها أعظم الأثر في بقاء سلطان المسلمين في الأندلس لمدة ثمانية قرون من الزمان، أقاموا فيها حضارةً لم تعرفها البشرية كلها، حتى حل بهم داء الأمم قبلهم، وفشا فيهم التنازع والاختلاف والأثرة، فانشغلوا بأنفسهم عن أعدائهم، فحقت عليهم سنة الله التي لا تحابي أحداً: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال 46).
 
التعديل الأخير:

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

رمضان في المغرب


635724467427985268.jpg


يمكن لأي مسلم يعيش في المغرب أن يلحظ مدى احتفاء الشعب المغربي بقدوم شهر رمضان المبارك ، ويظهر هذا جليّا في الأيّام الأخيرة من شهر شعبان ، حين يبدأ استعداد المغاربة لاستقبال شهر الصوم في وقت مبكر، ومن تلك المظاهر تحضير بعض أنواع الحلوى الأكثر استهلاكًا، والأشد طلبًا على موائد الإفطار.

وبمجرّد أن يتأكّد دخول الشهر حتى تنطلق ألسنة أهل المغرب بالتهنئات قائلين: (عواشر مبروكة) والعبارة تقال بالعامية المغربية، وتعني (أيام مباركة) مع دخول شهر الصوم بعواشره الثلاثة: عشر الرحمة، وعشر المغفرة، وعشر العتق من النار.

ثم إنك ترى الناس يتبادلون الأدعية والمباركات والتهاني فيما بينهم سرورًا بحلول الضيف الكريم الذي يغير حياة كثير من الناس تغييرًا كُلِيّاً.

وكما هو المعهود فإن رمضان يعدّ فرصة عظيمة للتقارب والصلة بين الأرحام بعد الفراق والانقطاع، فلا عجب أن ترى المحبة ومباهج الفرح والسرور تعلو وجوه الناس، وتغير من تقاسيمها وتعابيرها بعد أن أثقلتها هموم الحياة.

ويستوقفنا التواجد الرمضاني الكثيف داخل المساجد، حيث تمتليء المساجد بالمصلين لا سيما صلاة التراويح وصلاة الجمعة، إلى حدٍّ تكتظ الشوارع القريبة من المساجد بصفوف المصلين، مما يشعرك بالارتباط الوثيق بين هذا الشعب وبين دينه وتمسّكه بقيمه ومبادئه.

هذا وتشرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هناك على ما يسمى بـ (الدروس الحسنية الرمضانية) وهي عبارة عن سلسلة من الدروس اليومية تقام خلال أيام الشهر الكريم بحضور كوكبة من العلماء والدعاة، وتلقى هذه الدروس اهتماما من الأفراد، لما يلمسونه من أهمية هذه الدروس ومدى ارتباطها بواقعهم وإجابتها عن أسئلتهم، وتقوم وزارة الأوقاف بطباعة هذه الدروس وتوزيعها إتماما للفائدة.

ليالي رمضان عند المغاربة تتحول إلى نهار؛ فبعد أداء صلاة العشاء ومن ثمَّ أداء صلاة التراويح، يسارع الناس إلى الاجتماع والالتقاء لتبادل أطراف الحديث. وهنا يبرز "الشاي المغربي" كأهم عنصر من العناصر التقليدية المتوارثة ، ويحكي المهتمون من أهل التاريخ عن عمق هذه العادة وأصالتها في هذا الشعب الكريم، وظلت هذه العادة تتناقل عبر الأجيال.

وفي بعض المدن المغربية تقام الحفلات والسهرات العمومية في الشوارع والحارات ، ويستمر هذا السهر طويلا حتى وقت السحر.

وهنا نقول : إن شخصية (الطبّال) أو (المسحراتي) - كما يسميه أهل المشرق - لا تزال ذات حضور وقبول ، فعلى الرغم من وسائل الإيقاظ التي جاد بها العصر فإن ذلك لم ينل من مكانة تلك الشخصية ، ولم يستطع أن يبعدها عن بؤرة الحدث الرمضاني؛ حيث لا زالت حاضرة في كل حيّ وكل زقاق ، يطوف بين البيوت قارعا طبلته وقت السحر، مما يضفي على هذا الوقت طعماً مميّزا ومحبّبا لدى النفوس هناك.

وبعد صلاة الفجر يبقى بعض الناس في المساجد لقراءة القرآن وتلاوة الأذكار الصباحية، بينما يختار البعض الآخر أن يجلس مع أصحابه في أحاديث شيّقة لا تنتهي إلا عند طلوع الشمس، عندها يذهب الجميع للخلود إلى النوم بعد طول السهر والتعب.

الفترة ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر تشهد فتورًا ملحوظًا وملموسًا ، حيث تخلو الشوارع من المارة والباعة على السواء ؛ لكن سرعان ما تدب الحياة في تلك الشوارع، وينشط الناس بعد دخول وقت العصر - خصوصا في الأسواق - لشراء المستلزمات الخاصة بالإفطار من الحلويات والفواكه وغيرها من المواد التموينية المهمة، مما يسبب زحاما شديدا في المحلات التجارية وعند الباعة المتجولين.

يفضّل أكثر الناس الإفطار في البيوت ، إلا أن هذا لا يمنع من إقامة موائد الإفطار الجماعية في المساجد من قِبَل الأفراد والمؤسسات الخيرية لاسيما في المناطق النائية والقرى والبوادي.

وفيما يتعلّق بالإفطار المغاربي فإن (الحريرة) تأتي في مقدّمه ، بل إنها صارت علامة على رمضان ، ولذلك فإنهم يعدونها الأكلة الرئيسة على مائدة الإفطار، وهي عبارة عن مزيج لعدد من الخضار والتوابل تُقدّم في آنية تقليدية تسمّى "الزلايف" ويُضاف إلى ذلك (الزلابية) والتمر والحليب والبيض ، مع تناول الدجاج مع الزبيب.

وللحلوى الرمضانية حضورٌ مهم في المائدة المغربية ، فهناك (الشباكية) و(البغرير) و(السفوف) والك*** والملوزة والكعب، والكيك بالفلو وحلوى التمر، وبطبيعة الحال فإن تواجد هذه الحلوى يختلف من أسرة إلى أخرى بحسب مستواها المعيشي.

وبالرغم مما يتمتع به هذا الشهر الكريم من مكانة رفيعة، ومنزلة عظيمة في نفوس المغاربة عموماً، إلا أن البعض منهم يرى أن مظاهر الحياة الجديدة ومباهجها ومفاتنها، كالتلفاز والفضائيات وغير ذلك من الوسائل المستجدة، قد أخذت تلقي بظلالها على بركات هذا الشهر الكريم، وتفقده الكثير من روحانيته وتجلياته. ويعبر البعض -وخاصة الكبار منهم- عن هذا التحول بالقول: إن رمضان لم يعد يشكل بالنسبة لي ما كان يشكله من قبل !!

ومع قرب انقضاء أيام هذا الشهر تختلط مشاعر الحزن بالفرح، الحزن لفراق هذه الأيام المباركة بما فيها من البركات ودلائل الخيرات، والفرح بقدوم أيام العيد السعيد، وبين هذه المشاعر المختلطة يظل لهذا الشهر أثره في النفوس والقلوب وقتاً طويلاً.
 
التعديل الأخير:

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

بلاط الشهداء 114 هـ


6153101-1691538899.jpg

الصوره رمزيه

بعد أن فتح المسلمون الأندلس سنة 92 هـ على يد القائدَيْن المسلمَين موسى بن نصير و طارق بن زياد ، أراد موسى أن يتوسع في الفتوحات ويتجه شمالا نحو أوربا، لكن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك لم يطاوعه خشية أن يغامر بالمسلمين في طريق مجهولة لا تعرف عقباها، وظلّ هذا الأمر حلماً يراود الحكام والولاة الذين تعاقبوا على بلاد الأندلس، حتى تولى السمح بن مالك الذي بدأ بالإعداد لهذه المهمة الصعبة، وعبّأ الجيوش لغزو فرنسا، ثم تقدم حتى استولى على ولاية "سبتمانيا "جنوب فرنسا، وهي إحدى المناطق الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وعبر جبال البرانس، متجها نحو الغرب حيث مجرى نهر الجارون، حتى وصل إلى "تولوز" في جنوب فرنسا في التاسع من ذي الحجة 102 هـ.

وهناك نشبت معركة هائلة بينه وبين الفرنج ثبت فيها المسلمون ثباتا عظيما، وسقط السمح بن مالك شهيداً، فأحدث ذلك اضطراباً في صفوف الجيش، مما اضطر قائده عبد الرحمن الغافقي ‏ إلى الانسحاب‏ حفاظاً على ما تبقى من الجيش.
ثم خلف السمح على ولاية الأندلس عنبسة بن سحيم الكلبي وذلك في شهر صفر سنة 103 هـ، فعمل على مواصلة أعمال الفتح، واستكمل ما كان السمح قد بدأه، فخرج في حملة أخرى لفتح فرنسا في أواخر سنة 105 هـ، وأتمّ فتح ما تبقى من إقليم "سبتمانيا"، وتمكّن من الوصول إلى مدينة "أوتان" في أعالي نهر الرون، واستولى على عدة قلاع، ولكنه لم يؤمّن طريق عودته، فتصدت له جموع كبيرة من الفرنجة في أثناء عودته، فأصيب في هذه المعركة، ثم لم يلبث بعدها أن تُوفِّي في شعبان سنة 107 هـ وعاد جيشه مرة أخرى إلى أربونة في ‏"سبتمانيا".

ثم تولى من بعده عبد الرحمن الغافقي أمور الأندلس سنة 112 هـ، في زمن الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك ، وظل قرابة عامين يُعِدُّ العدة لغزو فرنسا، فطاف الأقاليم ينظر في المظالم، ويقتص للضعفاء، ويحرض على الجهاد والشهادة، وأعلن الجهاد في البلاد الإسلامية، حتى جاءته الوفود من كل مكان لمناصرته، واجتمع عنده ما يقدر بحوالي مائة وسبعين ألف مقاتل، جمعهم في مدينة "بنبلونة" شمال الأندلس، ثم خرجت الحملة في أوائل سنة 114 هـ، فعبر بهم جبال البرانس شمال أسبانيا، وانطلقوا كالسيل الهادر يفتحون المدن الواحدة تلو الأخرى، فاتجه شرقاً ليفتح مدينة "آرال" الواقعة على نهر الرون، وفتحها بعد معركة هائلة سقط فيها العديد من القتلى من كلا الطرفين ، ثم اتجه غربا إلى " أقطاينا" ففتحها، ثم تقدم حتى فتح "سانس" ليصبح نصف فرنسا الجنوبي تحت سيطرة المسلمين، حتى وصل إلى بلدة "بواتييه" التي لم تكن تبعد عن باريس سوى سبعين كيلو مترًا فقط، وعندها أحسّ الفرنجة بالخطر الداهم، واهتزت أوروبا كلها لسقوط النصف الجنوبي لفرنسا في يد المسلمين، فاستنجد حاكم "أقطانيا" بـ بشارل مارتل حاكم الدولة الميروفنجية، فلبّى الأخير النداء على الرغم مما كان بينهما من خلافات، وجمع عدداً من المرتزقة المحاربين الذين كانوا يتّشحون بجلود الذئاب، وتنسدل شعورهم على أكتافهم العارية، وتوحّدت القوى النصرانية إحساساً منهم بالخطر الذي يتهددهم.

والتقى الجيشان قرب مدينة "بواتييه" جنوب فرنسا على مسافة عشرين كيلومتراً منها، في منطقة تعرف بالبلاط، وهي تعني - في لغة الأندلس - القصر أو الحصن الذي حوله حدائق، فسميت هذه المعركة ببلاط الشهداء؛ وذلك لكثرة من استشهد فيها من المسلمين. وكان بداية القتال في أواخر شعبان سنة 114هـ، واستمر تسعة أيام حتى أوائل شهر رمضان، وانقضت الأيام الأولى من المعركة دون أن ترجح فيه كفّة على كفّة على الرغم مما أبداه الفريقان من شجاعة واستبسال.
وفي اليوم العاشر استغل المسلمون الإعياء والإجهاد الذي أصاب جيش الفرنج، فحملوا عليهم حملة استطاعوا من خلالها أن يفتحوا ثغرة في صفوف الجيش، ولاحت تباشير النصر، لولا أن أغارت فرقة منهم على غنائم المسلمين التي كانوا يحملونها معهم في مؤخرة الجيش، فانشغل البعض بتخليصها منهم، مما سبب إحداث خلل وارتباك في صفوف الجيش. وبينما كان عبد الرحمن الغافقي يسعى لإعادة نظام الجيش أصابه سهم فسقط شهيداً من فوق جواده, وانتظر المسلمون حتى أقبل الليل فانسحبوا منتهزين فرصة الظلام.

لقد كانت معركة "بلاط الشهداء" آخر خطوات الفتح الإسلامي في أوروبا، ولولا الهزيمة المرّة التي لحقت بالمسلمين لدخلوا أوروبا فاتحين ناشرين للإسلام في تلك الديار التي كانت تعيش حالة من الجهل والتخلف والهمجيّة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
 
التعديل الأخير:

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

رمضان في الجزائر

couverture-18-6-2015-2-alger.jpg

الصوره رمزيه

يبدأ استعداد الجزائريين لاسقبال شهر رمضان بتنظيف المساجد، وفرشها بالسجاد، وتزيينها بالأضواء المتعددة الألوان؛ كما تبدو مظاهر هذا الاستعداد بتنظيف البيوت وتزينيها، إضافة إلى تحضير بعض أنواع الأطعمة الخاصة برمضان كـ " الشوربة " وبعض أنواع الحلوى الرمضانية؛ ويتم فتح محلات خاصة لبيع الحلويات الرمضانية كـ " الزلابية ".

تذيع الإذاعات ( المسموعة والمرئية ) خبر رؤية هلال رمضان، وينتقل الخبر بسرعة بين المجتمعين ليلة الرؤية انتقال النار في الهشيم ، وأحيانًا يقوم إمام المسجد بإبلاغ الناس بدخول الشهر الكريم ، حيث يتلقى الخبر أولاً ثم يذيعه على الناس ، ومن ثم يبدأ الجمع بقراءة القرآن الكريم ، أو إذاعة آيات منه عبر مكبرات الصوت ، ويتبع ذلك إلقاء بعض الدروس الدينية المتعلقة بهذه المناسبة ، ويرافق ذلك إلقاء الأناشيد الدينية ، أو ما يسمى بالتواشيح.

مع الإعلان عن بدء الشهر الكريم تعلو الفرحة والسرور وجوه الجميع ، ويهنّئ الجميع بعضهم البعض بقدوم الشهر المبارك ، متمنين لبعضهم البعض كل الخير وحسن القبول.

تبدو مظاهر السرور والابتهاج بمقدم شهر رمضان لدى الأطفال في الشوارع، وإن كان معظمهم لا يصومون، وإنما يحتفلون بشهر تكثر فيه الحلوى وتقل فيه الشكوى، وتجود به الأيدي بالنقود والعطايا والهبات.

يتحلق الأطفال في الشوارع والساحات العامة، ممسكين أيادي بعضهم يؤدون رقصة شعبية، رافعين أصواتهم بأناشيد ترحب بقدوم الشهر الحبيب؛ كما يرددون بعض الأهازيج التي تتوعد المفرّطين ، مثل: " يا واكل رمضان يا محروق العظام ". ويسمح للأولاد - على غير المعتاد - بالخروج ليلاً في رمضان ، والبقاء خارج المنزل حتى وقت متأخر لمزاولة احتفالاتهم وألعابهم وأناشيدهم ، وهم في غير رمضان لا يسمح لهم بالخروج من منازلهم بعد المغرب.

اتساع رقعة دولة الجزائر ، والتباعد بين أطرافها جعل الإعلام بوقت المغرب يتخذ أشكالاً متعددة ؛ إذ لم يعد يكفي الأذان من فوق منارات المساجد ، لإعلام الناس بدخول وقت المغرب ، بل لجأ الناس إلى وسيلة إضافية للإعلام بدخول وقت الإفطار ، وذلك بالنفخ في بوق في اتجاه التجمعات السكانية في الوديان والقرى ، وإذا صادف وجود مبنى قديم مرتفع فإن بعضهم يصعد إلى ظهر ذلك المبنى ، ويؤذن من فوقه ليصل صوته إلى أسماع الصائمين.

في القرى النائية والبعيدة ، يتابع الصائمون قرص الشمس ساعة المغيب ليتحروا وقت المغرب، ويُعلموا ذويهم بدخول وقت الإفطار ؛ بل إن الكثير من أهل الجزائر يلجأ إلى الاعتماد على الرؤية البصرية لغروب الشمس ، كما يعمد آخرون إلى استخدام آلة تحدث صوتًا تشبه النفير يوم الزحف ، واسمها ( لاسيران ) والكلمة فرنسية الأصل.

ومن الوسائل المستخدمة للإعلام بدخول وقت المغرب - علاوة على ما تقدم - إضاءة مصبابيح خضراء فوق المنارات عند الغروب ، إيذانًا بدخول وقت الإفطار.

وطوال أيام الشهر المبارك تتم إذاعة القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت في المساجد قبل المغرب بنصف ساعة ، والجزائريون غالبًا يفضلون صوت القارئ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله.

أما الإفطار ، فيبدأ عند أهل الجزائر بالتمر والحليب، إما مخلوطان معًا ( أي التمر في الحليب ) أو كل منهما على حدة ، ويتبعون ذلك تناول " الحريرة " وهي من دقيق الشعير، وهي منتشرة بين شرق الجزائر ومغربها.

الوجبة الرئيسة والأساس في كل البيوت تتكون من الخضار واللحم ؛ أي نوع من الخضار يمزج بمرق اللحم المحتوى على قطع اللحم ، وغالبا يطحن الخضار أو يهرس بعد نضجه لتؤكل مخلوطة مع بعض مثل : جزر مع البطاطس مع الطماطم . وهذه الوجبة الأساسية لا يتم تناولها إلا بعد صلاة العشاء والتراويح ، ثم تُتبع بشرب الشاي أو القهوة التركية.

طعام آخر يتناولونه الجزائريون في هذا الشهر وهو " الشوربة بالمعكرونة " وهي معكرونة رقيقة جدًا يضاف إليها اللحم والخضر ، وتقدم لمن حضر ، وهي طعام غالب الناس وأوسطهم معيشة ، وإلى جانب هذه الأكلة توجد السَّلَطات بأنواعها.

ومن عناصر المائدة الجزائرية ، طبق " البربوشة " ـ وهو الك***ي بدون المرق - ، ومن الأكلات المحبّبة هناك " الشخشوخة " ، وهي الثريد الذي يكون مخلوطا مع المرق واللحم ، يُضاف إلى ذلك طبق " الرشتة " وهو الخبز الذي يكون في البيوت ، يُقطّع قطعاً رقيقة ، ويُضاف إليه المرق ، ولاننسى الك***ي بالبيسار - المرق بالفول المفروم ـ و البريوش ـ وهو الخبز الطري المتشبّع بالسمن ، وأهل العاصمة يسمّونه " اسكوبيدو " ـ ويؤكل مع الحليب والزبدة وغيرهما.

ومن المأكولات الشائعة عند أهل الجزائر ( الطاجين ) وتقدم في أيام مختلفة من شهر رمضان، لكن لابد من تواجدها في اليوم الأول من رمضان على مائدة الإفطار. ومن لم يفعل ذلك فكأنه لم يُفطر!! وتصنع من ( البرقوق ) المجفف ، أو ( الزبيب ) مع ( اللوز ) و( لحم الغنم ) أو ( الدجاج ) ويضاف إليهما قليل من السكر ، ويكون مرقة ثخينًا ، في كثافة العسل.

بعد تناول طعام الإفطار ، يأتي دور تناول الحلوى ؛ وأشهرها حضورًا وقبولاً في هذه الشهر حلوى ( قلب اللوز ) وهي على شكل مثلث ، تصنع من الدقيق المخلوط بمسحوق اللوز أو الفول السوداني، ومسحوق الكاكاو ، ويعجن هذا الخليط بزيت الزيتون، وبعد تقطيعه وتقسيمه على شكل مثلثات، توضع على سطحه حبات اللوز، ثم توضع في الفرن حتى تنضج، وبعد أن تبرد تغمس في العسل.

ومن أنواع الحلوى ، " المقروط " ـ وينطقونها أيضا " المقروظ " وهو الأشهرـ وهو السميد الذي يكون فيه التمر ، وكذلك " الزلابية " حلوى لذيذة تقدم في كل بيت ، وفي كل يوم ، ولها أنواع متعددة لا يمكن إدراك حقيقتها بالوصف ، لكن بالأكل !!

وبالنسبة إلى طعام السحور ، يتناول أهل الجزائر طعام " المسفوف " مع الزبيب واللبن ؛ و" المسفوف " هو الك***ي المجفف ، وهذا النوع من الطعام أصبح عادة لكل الجزائريين في سحورهم.

ويقبل الناس على المساجد بكثرة لأداء صلاة التراويح ، حيث يصلونها ثمان ركعات ، وأحيانًا عشر ركعات ؛ يقرأ الإمام فيها جزءاً كاملاً من القرآن الكريم ، أو جزءاً ونصف جزء ، ويتم ختم المصحف عادة ليلة السابع والعشرين. وفي الليالي التالية يبدؤون بالقراءة في صلاة التراويح من أول المصحف.

ثم يأتي العيد ، وهو بهجة الجميع ، وفرحة المسلمين بإتمام الصيام ، ولئن كانت أيام العيد أيام فرحة وأنس وتآلف للأرواح ، فإنه يكون للصغار أيام لعب ولهو ومرح ، حيث يلعب الأطفال ألعاباً شعبية مختلفة ، كلعبة المخرقبة : وهي لعبة تُشبه لعبة الشطرنج ، تلعب على الأرض بين شخصين بواسطة الحصى والنوى ، وهي من الألعاب التراثية الشعبية ، هذا غير السباقات وألعاب الكرة والألعاب النارية التي يشترك في لعبها الأطفال في جميع دول الوطن العربي.


تابعونا:)
 
التعديل الأخير:

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

فتح عمورية 223 هـ

%25D9%2581%25D8%25AA%25D8%25AD%2B%25D8%25B9%25D9%2585%25D9%2588%25D8%25B1%25D9%258A%25D8%25A9.jpg


ظهرت في بلاد فارس وأذربيجان في أواخر القرن الثاني الهجري سنة 192 هـ حركة باطنيّة خبيثة تؤمن بالحلول وتناسخ الأرواح وتدعو إلى الإباحية الجنسية ، وكان زعيم هذه الحركة رجل يُدعى " بابك الخرميّ "، الذي نسبت إليه الحركة فأصبحت تعرف فيما بعد بـ " الخرميَّة " ، وقد شغلت هذه الحركة الخلافة العباسية فترة طويلة على مدى عشرين عاماً ، وتجمّع لديه نحو من عشرين ألف مقاتل من غوغاء الناس والمجرمين وقطّاع الطرق ، وانضمّ إليه من الزنادقة والفسّاق العدد الكبير.

ولما توفي المأمون ، ولي الخلافة بعده أخوه المعتصم فجعل من أولى مهامه القضاء على فتنة " بابك الخرميّ " ، حيث أرسل جيشًا ضخماً بقيادة الإفشين الذي عرف بحنكته وخبرته القتالية ، فاستطاع محاصرة " بابك " وأسره والقضاء على حركته ، ثم أحضره إلى الخليفة المعتصم الذي أمر بقطع رأسه ، وكان ذلك في العاشر من شوال سنة 222 هـ فقطع الله دابر هذه الفتنة ، وأراح الناس من شره.

وكان " بابك الخرميَّ " حين اشتد عليه الحصار وأيقن بالهلاك ، قد اتصل بإمبراطور الروم آنذاك يغريه بغزو بلاد المسلمين ، وانتهاز الفرصة بالهجوم على الثغور وأطراف البلاد ، وكان غرضه شغل الجيش الإسلامي ، وفتح جبهة أخرى تخفف عنه ما يلقاه.

فاستغل إمبراطور الروم الفرصة ، وتوجه بجيش عظيم قوامه مائة ألف ، وهاجم مدينة "زبطرة " ، وارتكب فيها الجرائم البشعة ، فقتل الصغير والكبير ، وسبى من النساء أكثر من ألف امرأة بعد أن ذبح أطفالهن ، ومثَّل بمن وقع في يده من المسلمين وسمل أعينهم وقطع أنوفهم وآذانهم ، ثم أغار على " ملطية " ففعل بها وبأهلها مثل ما فعل بـ " زبطرة".

ولما بلغ المعتصم الخبر هاله ما حدث ، فنادى من ساعته النفير النفير ، وأحضر جماعة من أهل العلم والرأي وأشهدهم على أملاكه ، فجعل ثلثاً منها لولده ، وثلثاً لله ، وثلثاً لمواليه ، ثم بعث بنجدة لأهل الثغور المعتدى عليها يؤَمِّنهم ويُطمئنهم ويطلب منهم العودة إلى قراهم وديارهم التي فروا منها ، وجهّز جيشاً عظيماً لم يجهّزه أحد قبله ، وأخذ معه من آلات الحرب والأحمال والدواب شيئاً لم يسمع بمثله.

‏ثم سأل : أي بلاد الروم أمنع وأحصن ؟ فقيل : " عَمُّورية " ، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام ، وهي عين النصرانية ، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية ، فأمر بالسير إليها ، وكان خروجه في جمادى الأولى سنة 223 هـ.

وواصل السير بالجيش حتى وصل إلى نهر اللامس وهو الحد الفاصل بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية ، وهناك قسم المعتصم جيشه إلى فرقتين فرقة بقيادة الأفشين توجهت شمالاً صوب أنقرة ، وفرقة كان هو على رأسها ، وكان إمبراطور الروم قد خرج لمواجهة الأفشين فتقابلا عند " دزمون " في الخامس والعشرين من شعبان سنة 223 هـ ، وألحق به الأفشين هزيمة قوية ، هرب الإمبراطور على إثرها إلى " القسطنطينية " وترك جزءاً من جيشه في " عمورية " بقيادة " ياطس ".

وجاءت الأخبار إلى المعتصم بهزيمة الإمبراطور فسرَّه ذلك ، ثم ركب من فوره إلى أنقرة وتقابل مع الأفشين هناك ، فدخلها الجيش الإسلامي دون أي مقاومة ، بعد أن فرَّ أهلها عقب هزيمة إمبراطور الروم.

ثم توجه بعدها إلى " عمورية " فوصلها صبيحة الجمعة السادس من شهر رمضان المبارك سنة 223 هـ وضرب عليها حصارًا محكماً ، وفي تلك الأثناء بعث الإمبراطور برسالة إلى المعتصم يطلب منه الصلح ، ويعتذر له عما فعله بـ " زبطرة " ، وتعهّد أن يعيدها كما كانت ، وأن يفرج عن أسرى المسلمين الذين كانوا عنده ، إلا أن المعتصم أبى الصلح ، ولم يطلق سراح الرسول حتى فتح " عمورية ".

وكان المعتصم قد علم من أحد الذين كانوا يقيمون في " عمورية " أن موضعاً من سور المدينة جاءه سيل شديد فانهار ، فلم يحكم الروم بناءه كما كان ، وبقي هذا الجانب من السور ضعيفا ، وعندها ضرب المعتصم خيمته تجاه هذا الموضع ، ونصب عليه المجانيق ، وبدأ يقصفه قصفاً متواصلاً حتى تهدم وانفرج السور ، فهب المسلمون من ساعتهم لدخول المدينة ، ودوَّت الأصوات في جنباتها ، فدخلها المسلمون مكبرين رافعين رايات النصر في السابع عشر من شهر رمضان سنة 223هـ ، بعد أن استسلم قائدهم " ياطس " ، وقُتِل منهم خلق كثير ، وأمر المعتصم بهدم سائر نواحي المدينة وأسوارها ، وأخذ المسلمون أموالاً وغنائم لا تُحَدُّ ولا توصف ، فحملوا منها ما أمكنهم حمله وأحرقوا ما بقي من العتاد وآلات الحرب لئلا يتقوى بها الروم على قتال المسلمين ، ثم انصرف المعتصم راجعاً إلى " طرسوس " في أواخر شوال من هذه السنة ، منتصراً ظافراً ، بعد أن أعاد لدولة الإسلام هيبتها ، ولبَّى نداء الحرائر من المسلمات.
 

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

رمضان في سوريا

%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-660x330.jpg


تبدأ الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان عند أهل الشام مع بداية دخول شهر شعبان؛ إذ يأخذ الناس بالتزود بالمواد الاستهلاكية وما يحتاجون إليه في هذا الشهر الكريم.

ويتزاور الناس قبل أيام قليلة من دخول شهر رمضان، أو في أيامه الأولى ليبارك بعضهم لبعض حلول الشهر الكريم. ومن العبارات المتداولة في هذه المناسبة، قولهم: (ينعاد عليكم بالصحة والسلامة) أو (إن شاء الله تعيشوا لأمثاله) أو (شهركم مبارك) ونحو ذلك من العبارات التي تقال باللهجة الشامية، والتي تعبر عن تمني الناس بعضهم لبعض الخير والبقاء لرمضان قادم.

والعادة عند أهل تلك البلاد في ثبوت هلال رمضان وشوال، أنه قبل يوم أو يومين من دخول رمضان تطلب الجهات الرسمية ممن تثبت لديه رؤية الهلال أن يخبر الجهات المختصة بهذا الشأن. وواقع الحال فإن الذين يخرجون ويلتمسون رؤية الهلال قليل من الناس، وأغلبهم يعتمدون في ثبوت الرؤية على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.

المساجد خلال هذا الشهر الكريم تشهد عمومًا نشاطًا ملحوظًا، فتعقد دروس التفسير والفقه والحديث، بعد صلاة الظهر والعصر، إلى جانب المحاضرات والندوات الدينية.

وصلاة التراويح تشهد إقبالاً من الناس، وأغلب المساجد لا تلتزم بقراءة ختمة كاملة من القرآن خلال صلاة التروايح، لكن بعضها تلتزم هذه العادة وتحرص عليها، وبعضها الآخر - لكنه قليل - يقرأ ختمة من القرآن في صلاة التراويح، وختمة ثانية في قيام العشر الأخير من رمضان. ومن العادات المتبعة أثناء صلاة التراويح عند أهل الشام أنهم بعد السلام من الترويحات الأربعة الأولى يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على أبي بكر رضي الله عنه، وبعد الترويحة الثامنة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على عمر رضي الله عنه، وبعد الترويحة الثانية عشرة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على عثمان رضي الله عنه، وبعد الترويحة السادسة عشرة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على عليٍّ رضي الله عنه، وبعد تمام الترويحة العشرين يقولون بعض الأذكار ومنها: يا حنان يا منان ثبت قلبنا على الإيمان، نرجو عفوك والغفران، وأدخلنا الجنة بسلام. ثم يصلون الوتر.

ومن العادات عند أهل الشام إحياء ليلة السابع والعشرين من رمضان، حيث يعتكف كثير من الناس في المساجد تلك الليلة لإحيائها، ويتناولون طعام السحور جماعة في تلك المساجد. أما الاعتكاف في باقي أيام العشر، أو باقي ليالي رمضان فقل من يفعل ذلك، ويقتصر أغلب الناس على إحياء ليلة السابع والعشرين، والتي تتولى الإذاعة الرسمية نقل بعض وقائعها.

والعادة عند أغلب الناس في بلاد الشام أنهم يفطرون على التمر والماء وبعض أنواع العصير، ثم يتناولون طعام الإفطار مباشرة وقبل أداء صلاة المغرب، وهم في الأغلب يُصَلون في بيوتهم صلاة المغرب بعد أن يكونوا قد تناولوا طعام الإفطار.

وفيما يتعلق بالمائدة الرمضانية الشامية فإن الناس يولون عناية خاصة بالمشروبات والمرطبات فتضم مائدتهم شراب (العرقسوس) وهو من الأشربة المفضلة للصائمين عند أهل الشام، وخاصة أيام الصيف؛ وأيضًا شراب (قمر الدين) ويصنع من المشمش المجفف حيث يُغلى وينقع بالماء الساخن ثم يضاف إليه السكر؛ وأيضًا هناك شراب (التمر هندي) وهو شراب مرغوب ومطلوب في هذا الشهر الكريم.

ولا تخلو المائدة الرمضانية عند أهل الشام من طعام الحساء ( الشوربة ) إضافة إلى أكلة الفول والحمص (الفتة) وبلغة أهل الشام (التسقية)، وينضم إلى هذه الأطعمة -التي لا تخلو منها المائدة الرمضانية الشامية- أطعمة أخرى تتبع أذواق الناس ورغباتهم، تشكل فيها مادة اللحم عنصرًا أساسًا، كـ (الرز بالفول) و(الملوخية) و(البامية) و(الكبة) وغير ذلك من أسماء الأكلات الشامية التي لا يفي المقام بذكرها. وتبقى السَّلَطَات بأنواعها والخضراوات بأصنافها، كالفجل، والبصل الأخضر، لا تخلو منها المائدة الشامية أثناء تناول طعام الفطور خلال هذا الشهر الكريم.

ومن الأطعمة التي تصنع خصيصًا في شهر رمضان طعام يسمى (المعروك) وهو نوع من أنواع المعجنات، يتناوله الناس مع طعام السحور، وهو عبارة عن عجين من القمح، مضاف إليه قليل من السكر والخميرة، ثم يخبز ويوضع عليه قليل من السمسم. وهناك طعام آخر لا يُصنع إلا في شهر رمضان يسمى (ناعم) وهو أيضًا من طائفة المعجنات يباع قبل الإفطار، وهو عبارة عن عجين الطحين بعد أن يرقق عجينه ويقلى بالزيت ثم يوضع عليه مربى الدبس.

سُنَّة السحور من السُنن التي لا يزال يحافظ عليها أهل الشام، وإن بدأ بعض الناس يتهاون بهذه السنة ويفرط فيها. ويتناول الناس عادة في وجبة السحور (البيض) و(الألبان ومشتقاتها) كما أن أكلة (المعكرونة) تلقى حضورًا مميزًا على مائدة السحور.

وتنقل إذاعة دمشق مباشرة ومن مسجد بني أمية وقائع فترة السحور، والتي تشتمل على تلاوة للقرآن، وبعض الأناشيد الدينية المتعلقة برمضان، ثم يُؤذن للإمساك قبل ربع ساعة من أذان الفجر، يتلو ذلك قراءة للقرآن إلى أن يحين وقت أذان الفجر، فيؤذن له، وبه يختم البث الإذاعي لهذه الوقائع. لكن يوم الجمعة من أيام هذا الشهر الفضيل يبثون عبر الإذاعة وقائع صلاة الفجر، حيث يقرأ بها بسورة السجدة وسورة الإنسان.

ومما يتعلق بتناول السحور عند أهل الشام شخصية (المسحراتي) ويسميه البعض (أبو طبلة) وهو رجل من أهل الحي أو غيره يتولى إيقاظ الناس وتنبيههم من نومهم لتناول طعام السحور، يبدأ بجولته تلك قبل أذان الفجر بساعتين تقريبًا كي يتمكن من إيقاظ أكبر عدد من أهل الحي، ويقرع على الطبلة بعصاة صغيرة، ويردد أثناء ذلك عبارة (قوموا يلي ما بدوموا) وقد كان المسحراتي في فترة من الفترات يشكل عنصرًا حيويًا في شهر رمضان، ويعتمد عليه كثير من الناس في استيقاظهم للسحور، حتى إنه كان يوجد نقابة خاصة بمن يمارس هذه المهنة تتولى تنظيم العمل بين أفرادها، وتوزيع المناطق التي يتناوبون عليها. أما في أوقاتنا الحاضرة فقد بدأت هذه العادة تتلاشى وتضمحل، حتى أصبح المسحراتي يأتي في الأيام الأولى من شهر رمضان، ثم يغيب نجمه فلا يظهر إلا مع ظهور هلال شوال يوم العيد، حيث يأتي على البيوت والفرحة تبستم على وجهه من أجل أن يأخذ (العيديَّة) أو ما تجود به أيدي الناس من الأطعمة، ولا يُرى بعد ذلك إلا مع بداية رمضان القادم.

وحلويات بلاد الشام ذات عراقة وأصالة، ومن أنواع الحلوى التي تلقى مزيدًا من الإقبال في هذا الشهر الفضيل نوع يسمى (القطايف)، وإلى جانب هذا النوع من الحلوى يوجد نوع يسمى (الكنافة) وهي نوعان: نوع بالقشدة ويسمى (مدلوقة) والنوع الثاني بالجبن وتسمى (نابلسية). وهذان النوعان من الحلوى من أهم أنواع الحلوى التي تلقى إقبالاً خلال هذا الشهر الكريم. ويتناول الناس هذه الأنواع من الحلوى بعد عودتهم من صلاة التراويح وأثناء اجتماعاتهم المسائية.

وتقلص أوقات الدوام الرسمي خلال شهر رمضان بمقدار ساعة ونصف يوميًّا، ويمارس الناس أعمالهم بشكل طبيعي، ويلاحظ قلة الحركة في الأسواق في الفترة الصباحية أيام رمضان، لكن سرعان ما تبدأ الحركة تنشط وتدب بعد الظهر والعصر، حيث يذهب الناس للتزود ببعض الحاجات التي لا غناء لهم عنها ليومهم.

ومع انتشار المحطات الفضائية وتعدد برامجها وتنوع موادها أخذ كثير من الناس يمضون ليالي هذا الشهر الكريم في متابعة تلك المحطات وما تبثه من غث وسمين، الأمر الذي جعل ظاهرة السهر والذهاب إلى النوم في وقت متأخر أمر عادي عند الكثير من الناس، بل أصبح البعض يتناول طعام السحور قبل أن يذهب إلى فراش نومه، ثم ينام وقد فاتته صلاة الفجر، وبركة ذلك الوقت الفضيل.

وفي الأيام الأواخر من رمضان تستعد العائلات الشامية لتحضير حلوى العيد، ومن أنواع الحلوى المعهودة في هذه المناسبة ما يسمى (المعمول) وهو عجين يدعك بالسمن ثم يحشى بالفستق أو الجوز أو التمر. وقد كانت العائلات تقوم بصنع هذه الحلوى بنفسها، غير أن الكثير منهم الآن بدأ يتخلى عن هذه العادة، ويسعى لإحضارها من المحلات المتخصصة بصنعها.

وعندما يشارف شهر رمضان على المغادرة والفراق يدخل قلوب الناس - وخاصة الكبار منهم - الحزن والأسى، وكأن ضيفًا كريمًا وعزيزًا عليهم سوف يتركهم ويودعهم، حتى إن بعض الناس يذرفون الدموع، ويتحسرون على انتهاء هذا الشهر المبارك، وخاصة لدى سماعهم الأناشيد الدينية التي تعبر عن لحظات الفراق والوداع، والتي تبثها الإذاعة السورية في وقت السَّحَر، ومن تلك الأناشيد التي تقال في هذه المناسبة نشيدة مطلعها: (فودعوه ثم قولوا له: يا شهرنا قد آنستنا...) وتقال هذه النشيدة يومي الثامن والتاسع والعشرين من الشهر الكريم.

تابعونا:)
 

أريج الروح

مراقبة المنتديات العامة
إنضم
28 ديسمبر 2017
المشاركات
11,395
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
تسلم يداااك ياغاليه على المعلومات القيمه
لك كل الود وعبير الورد
11510.gif
 

أسيرالشوق

المراقب العام
إنضم
18 أكتوبر 2007
المشاركات
55,079
مستوى التفاعل
48
النقاط
48
تسلمين أختي الكريمة ريحانة بجيلة

أشكرك على الطرح الرائع​
 

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
معركة الزلاقة 479 هـ

%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%86-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9.jpg



ظلّت الأندلس فترة من الزمان تحت حكم الخلافة الأموية منذ أن فتحها المسلمون في عهد الوليد بن عبد الملك ، وبعد سقوط دولة الأمويين أسس عبد الرحمن الداخل خلافة أموية بالأندلس استمرت قرابة ثلاثة قرون، ثم انقسمت إلى دويلات وأقاليم صغيرة، وانفرد كل حاكم بإقليم منها، فيما عرف بعد ذلك بعصر ملوك الطوائف، وانشغل الحكام بعضهم ببعض، واشتعلت بينهم النزاعات والخلافات، مما أغرى بهم عدوّهم من الأسبان النصارى الذين كانوا يتربصون بهم الدوائر. فسقطت طليطلة التي كان يحكمها بنو ذ النون في يد ألفونسو النصراني ملك "قشتالة"، بعد أن خذلها ملوك الطوائف ولم يهبّوا لنصرتها بسبب خوفهم من ألفونسو ، وبسبب المعاهدات التي أبرموها معه، حتى وصل الحال ببعضهم إلى أن يدفع له الجزية، مقابل أن يكف اليد عنه وعن بلاده.

وفي الوقت الذي كان فيه ملوك الطوائف منقسمون على أنفسهم، يتآمر كل واحد منهم ضد الآخر، ويستعين بالنصارى ضد إخوانه من أجل الحفاظ على ملكه وسلطانه، كان النصارى قد بدؤوا في توحيد صفوفهم والاجتماع على كلمة سواء، من أجل هدف واحد وهو القضاء على الوجود الإسلامي في بلاد الأندلس.
وبعد استيلاء ألفونسو على "طليطلة" أصبح مجاوراً لمملكة "إشبيلة" التي كان يحكمها المعتمد بن عباد ، فبالغ في إذلاله وإهانته، حتى إنه أرسل إليه يهودياً ليأخذ منه الجزية، فرفض تسلُّمها بحجة أنها من عيار ناقص، وهدَّد بأنه إذا لم يقدم له المال من عيار حسن فسوف تُحتل مدائن "إشبيلية"، فضاق المعتمد ذرعاً باليهودي وأمر بصلبه وسجن أصحابه، وبلغ الخبر ألفونسو فازداد حنقاً وغيظاً على المعتمد ، وبعث جنوده للانتقام والقيام بعمليات السلب والنهب، وأغار هو على حدود "إشبيلية" وحاصرها ثلاثة أيام ثم تركها، وفي أثناء ذلك أرسل له رسالة يتهكم فيها ويقول فيها: "كَثُرَ - بطول مقامي - في مجلسي الذباب، واشتدَّ عليّ الحرّ، فأتْحِفْني من قصرك بمروحة أُروِّح بها عن نفسي وأطرد بها الذباب عن وجهي"، فأخذ المعتمد الرسالة وكتب على ظهرها: "قرأت كتابك، وفهمت خُيلاءك وإعجابك، وسأنظر لك في مراوِح من الجلود اللمطية تُروِّح منك لا تروح عليك إن شاء الله تعالى"، فارتاع لذلك وفهم مقصود الرسالة.

وكان المعتمد قد عزم على الاستعانة بدولة المرابطين وأميرها يوسف بن تاشفين لمواجهة ألفونسو ، فاجتمع بأمراء الطوائف وعرض عليهم الأمر، ولكنهم أبدوا تخوفهم من أن يسيطر ابن تاشفين على بلاده وينفرد بالسلطان دونه، فقالوا له: "المُلْك عقي ، والسيفان لا يجتمعان في غِمْد واحد"، وقال له ولده: "يا أبت أتُدخِل علينا في أندلسنا من يسلبنا ملكنا، ويبدّد شملنا" ، فقال المعتمد : "أي بني والله لا يسمع عني أبدًا أني أعدت الأندلس دار كفر ولا تركتها للنصارى فتقوم اللعنة عليّ في الإسلام مثلما قامت على غيري"، وقال: "يا قوم إني من أمري على حالتين: حالة يقين وحالة شك ولا بد لي من إحداهما، أما حالة الشك: فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى الأذفونش فيمكن أن يفي لي ويبقى على وفائه، ويمكن ألا يفعل، فهذه حالة شك، وأما حالة اليقين: فإني إن استندت إلى ابن تاشفين فأنا أرضي الله، وإن استندت إلى الأذفونش أسخطت الله تعالى، فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأي شيء أدع ما يرضي الله وآتي ما يسخطه؟!"، ثم قال كلمته المشهورة التي سجلها التاريخ: "رعي الجمال عندي - والله - خير من رعي الخنازير".

فأجاب ابن تاشفين النداء وقال: "أنا أول منتدِب لنصرة هذا الدين"، وعبر البحر في جيش عظيم، ولما علم ألفونسو بتحرك ابن تاشفين كتب إليه يهدّده ويتوعّده ، فرد عليه ابن تاشفين بقوله: "الذي يكون ستراه".
فلما عاد الكتاب إلى ألفونسو ارتاع لكلامه، فزاد استعداداً وتأهّباً، حتى رأى في منامه كأنه راكبٌ فيلا، وبين يديه طبلٌ صغير، وهو ينقر فيه، فقصّ رؤياه على القسيسين، فلم يعرف تأويلها أحد، فأحضر رجلاً مسلماً، عالماً بتعبير الرؤيا، فقصّها عليه، فاستعفاه من تعبيرها، فلم يعفه، فقال: "تأويل هذه الرؤيا من كتاب الله العزيز، وهو قوله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} ، وقوله تعالى: {فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير} ، ويقتضي هلاك هذا الجيش الذي تجمعه".

ولبث ابن تاشفين في "إشبيلية" ثمانية أيام يرتّب القوات ويعدّ العدّة، وكان مكثراً من التعبّد والصيام والقيام وأعمال البر، ثم غادر "إشبيلية" إلى "بطليوس"، وكان ألفونسو في أثناء ذلك مشغولاً بقتال ابن هود أمير "سرقسطة"، فلما بلغه الخبر استنفر الصغير والكبير للقتال، ولم يدع أحداً في أقاصي مملكته يقدر على القتال إلا استنهضه، وتجمع النصارى من شمالي إسبانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، معهم القسس والرهبان يحرضونهم على القتال. فلما اجتمع جيشه رأى كثرته فأعجبته، فأحضر ذلك المعبّر، وقال له: "بهذا الجيش ألقى إله محمد ، صاحب كتابكم"، فانصرف المعبّر، وقال لبعض المسلمين: هذا الملك هالك وكل من معه، وذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث مهلكات .. وفيه : وإعجاب المرء بنفسه ) .

ثم كان التقاء الفريقين في سهل "الزلاقة" بالقرب من "بطليوس"، وكان جيش المسلمين ثمانيةً وأربعين ألفاً نصفهم من الأندلسيين ونصفهم من المرابطين، وجيش ألفونسو مائةُ ألف من المشاة، وثمانون ألفاً من الفرسان. ولبث الجيشان ثلاثة أيام، تبادل الفريقان فيها الرسائل فكتب ابن تاشفين إلى ألفونسو يدعوه إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، فاختار القتال، وكتب إليه ألفونسو يقول له: "الجمعة لكم ، والسبت لليهود وهم وزراؤنا وكتابنا وأكثر خدم العسكر منهم فلا غنى لنا عنهم، والأحد لنا، فإذا كان يوم الإثنين كان ما نريده من الزحف"، وقصد بذلك مباغت المسلمين والغدر بهم، ولكن الله لم يتم له ما أراد.

فلما كان يوم الجمعة في العشر الأول من رمضان سنة 479 هـ تأهّب المسلمون لصلاة الجمعة، وخرج ابن تاشفين هو وأصحابه في ثياب الزينة للصلاة، أما المعتمد فقد أخذ بالحزم خشية غدر الرجل، فركب هو وأصحابه مسلحين وقال لأمير المسلمين ابن تاشفين : "صلِّ في أصحابك، وأنا من ورائكم وما أظن هذا الخنزير إلا قد أضمر الفتك بالمسلمين"، فأخذوا في الصلاة فلما عقدوا الركعة الأولى ثارت في وجوههم الخيل من جهة النصارى، وحمل ألفونسو لعنة الله في أصحابه، يظنّ أنه انتهز الفرصة، وإذا بالمعتمد وأصحابه من وراء الناس يصدّون هجوم النصارى، وأخذ المرابطون سلاحهم وركبوا خيولهم، واختلط الفريقان، وأظهر المعتمد وأصحابه من الصبر والثبات وحسن البلاء الشيء العظيم، فقاتل بنفسه في مقدّمة الصفوف، وأُثخن بالجراح، وهلك تحته ثلاثة أفراس كلما هلك جواد قدموا له غيره، وقاتل المسلمون قتال من يطلب الشهادة ويتمنى الموت، حتى هزم الله العدو، وأتبعهم المسلمون يقتلونهم في كل اتجاه، ونجا ألفونسو في نفر من أصحابه عند حلول الظلام، بعد أن أصابته طعنة في فخذه. فهزمه الله شر هزيمة وأعز جنده المؤمنين في هذه المعركة، وكُتبت للأندلس بسببها حياة جديدة امتدت أربعة قرون أخرى ، بعد أن كانت على موعد مع الفناء والاستئصال.
 

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

رمضان في السودان

DAxTC4xWsAES-8o.jpg


يبلغ عدد سكان السودان (33) مليون نسمة تقريبًا ـ بعد الانفصال الجنوبي ـ، ونسبة المسلمين تصل إلى (96%)، يتكلمون أكثر من ( 110 ) لغات ولهجات محلية، ويستقبل أهل السودان شهر الخير بالفرح والسرور، ويهنئ الجميع بعضهم بعضًا بقدوم هذا الشهر المبارك، من عبارات التهنئة المتعارف عليها بينهم في هذه المناسبة قولهم: ( رمضان كريم ) وتكون الإجابة بالقول: ( الله أكرم ) أو: ( الشهر مبارك عليكم ) أو: ( تصوموا وتفطروا على خير ).

ويعتمد الناس هناك في إثبات هلال رمضان على ما تبثه وسائل الإعلام الرسمية بهذا الشأن، وقلما تجد من الناس من يخرج طلبًا لالتماس الهلال، لكن ثمة فريق من الناس يعتمد استطلاع الهلال بالطريقة الشرعية، ولا يعتمد فيما وراء ذلك على شيء. وعلى العموم، لا يختلف ثبوت رمضان في هذا البلد المسلم، على امتداد مساحته البالغة ( 2.5 ) مليون كيلو متر مربع تقريًبا، من مكان لآخر.

ويبدأ الاحتفال بشهر رمضان عند أهل السودان قبل مجيئه بفترة طويلة؛ فمع بداية شهر شعبان تنبعث من المنازل السودانية رائحة جميلة، هي رائحة ( الأبري ) أو ( المديدة ). وعند ثبوت رؤيته يحدث ما يُعرف بـ ( الزفة ) إذ تنتظم مسيرة مكونة من رجال الشرطة، والجوقة الموسيقية العسكرية، ويتبعهم موكب رجال الطرق الصوفية، ثم فئات الشعب شبابًا ورجالاً...وتقوم هذه ( الزفة ) بالطواف في شوارع المدن الكبرى، معلنة بدء شهر الصيام.

ومما يلفت النظر عند أهل السودان أن ربّات البيوت اعتدن على تجديد وتغيير كل أواني المطبخ، احتفالاً وابتهاجًا بقدوم شهر رمضان، وحالما يتم الإعلان عن بدء شهر الصوم، تبدأ المساجد في إضاءة المصابيح الملونة على المآذن والأسوار، وتظل الأضواء الخاصة طوال ليالي رمضان، كما تبدأ المدافع في الانطلاق عند كل أذان مغرب، معلنة حلول موعد الإفطار، وقبل الفجر للتنبيه على الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات. ومن المعتاد في هذا البلد تأخير أذان المغرب، وتقديم أذان الفجر، احتياطًا للصيام !

أما المساجد فتظل عامرة طوال هذا الشهر المبارك بالرواد من المصلين والمتعبدين. وذلك منذ خروج المواطنين من أعمالهم وقت الظهيرة، وخاصة بعد صلاة العصر حيث تبدأ دروس العلم، وحلقات القرآن وتستمر إلى قبيل أذان المغرب بقليل.

ومع حلول موعد الإفطار يتم شرب ( الآبريه ) ويُعرف بـ ( الحلو - مر ) وهو شراب يروي الظمآن، ويقضي على العطش الذي تسببه تلك المناطق المرتفعة الحرارة. و( الآبريه ) كما يصفه أهل تلك البلاد، عبارة عن ذرة تنقع بالماء حتى تنبت جذورها، ثم تُعرَّض لأشعة الشمس حتى تجفَّ، ثم تطحن مع البهارات، وتعجن وتوضع على هيئة طبقات في الفرن حتى تنضج.

ويستعد الناس عادة لتحضير هذا الشراب قبل رمضان بأشهر، فإذا جاء الشهر الفضيل تقوم النساء بنقع ( الآبريه ) بالماء فترة حتى يصبح لونه أحمر، ويفطر عليه الصائمون، فيشعرون بالري والارتواء بعد العطش والظمأ طوال النهار.

ومن الأشربة المشهورة عند أهل السودان في هذا الشهر الكريم شراب يُصنع من رقائق دقيق الذرة البيضاء، حيث تطهى على ‏النار، ويُعمل منها مشروب أبيض يُعرف بـ ( الآبري الأبيض ) له خاصية الإرواء والإشباع، إضافة إلى شراب ( ‏المانجو ) و( البرتقال ) و( الكركدي ) ‏و( قمر الدين ) ونحو ذلك.

أما المائدة الرمضانية السودانية فتتم على بسط من سعف النخيل مستطيلة الشكل، يصطف الناس حولها صفين متواجهين. ويبدأ الإفطار بتناول التمر ثم ( البليلة ) وهي عبارة عن الحِمّص المخلوط مع أنواع أخرى من البقول المسلوقة، ومضاف إليها التمر. وهو طعام لا غنى عنه عند الفطور.

ثم يتبع ذلك تناول ( عصير الليمون ) إذا كان الجو حارًا، أو ( الشوربة ) إذا كان الجو بارداً. وتلي ذلك الوجبات العادية، وأشهرها ( الويكة ) وهي نوع من ( البامية ) مع ( العصيدة ) وهناك أيضًا طعام يسمى ( ملاح الروب ) وهو عبارة عن لبن رائب ممزوج بقليل من الفول السوداني. وطعام يسمى ( القرَّاصة ) ويؤكل مع الإدام.

ويُعدُّ طبق ( العصيدة ) من الوجبات التقليدية عند أهل السودان، ويتكون ‏من خليط عجين الذرة المطهي، ويؤكل مع طبيخ ( التقلية ) ذات اللون الأحمر، ومكوناته ‏تتألف من ( البامية ) الجافة المطحونة وتسمى ( الويكة ) مع اللحمة المفرومة. وبعد تناول طعام الإفطار، يحتسي الصائمون شراب الشاي والقهوة.

وأهم مايلفت الانتباه عند أهل السودان خلال هذا الشهر الكريم ظاهرة الإفطار الجماعي، حيث تُفرش البُسط في الشوارع إذا كانت متسعة، أو في الساحات العامة، وتأتي كل عائلة بطعام إفطارها جاهزًا مجهزًا، وتضعه على تلك البسط، وحالما يتم الإعلان عن دخول وقت المغرب يبدأ الجميع في تناول الطعام معًا، ثم يلي ذلك صلاة المغرب جماعة، وبعد تناول شراب القهوة ينصرف الجميع كل إلى شأنه وأمره.

ومن عادات السودانيين في هذا الشهر ولا سيما في القرى، خروج كل واحد من بيته قبل الأذان حاملاً إفطاره وبكمية تزيد على حاجته، ثم يجلس إما في المسجد، وإما في الشارع ناظرًا ومنتظرًا أي شخص غريب ليفطر معه.

ومن العادات الرمضانية عند أهل السودان كثرة التهادي بين الناس في هذا الشهر الكريم، ويكون ذلك بإرسال الطعام والشراب قبل المغرب بين الأُسر، ويقبل الأغنياء من الفقراء هداياهم وأطعمتهم، لئلا يشعروهم بالحرج في قبول ما يرسلونه لهم هم بعد ذلك.

وفي الخميس الأخير من رمضان يعد السودانيون طعامًا خاصًا يعرف بـ ( الرحمات ) يتصدقون به على الفقراء والمساكين، وهم يعتقدون في هذا أن أرواح الموتى تأتي في هذا اليوم لتسلم على أهلها.

ويُقبل الناس من أهل السودان على القرآن الكريم بطريقة تستحق الإعجاب والتقدير، حيث تعقد الحلقات في المساجد من بعد صلاة العصر حتى قبيل المغرب بقليل، وتكثر الدروس الدينية في هذا الشهر، ويتولى الأئمة والدعاة أمر القيام على هذه الدروس والحلقات. ويكون هذا الشهر بالفعل شهرًا إسلاميًا.

أما صلاة التراويح فإن الناس في السودان يهتمون بها جدًا، كما هو الحال عند باقي المسلمين؛ وتُقام هناك صلاة التراويح في المساجد أو في الخلاوي والزوايا التي تجمع بعض أهل الحي فيصلون التراويح، ويسمعون المواعظ التي تتخلل صلاة التراويح.

ويصلي أهل السودان صلاة التراويح عادة ثماني ركعات. وتشهد صلاة التراويح إقبالاً ملحوظًا، وحضورًا مشهودًا؛ حيث تزدحم المساجد بالمصلين من الرجال والنساء والشباب والأطفال في مشهد يُسر الناظرين. ولا تلتزم أغلب المساجد هناك بختم القرآن في هذه الصلاة، لكن بعضها يحرص على ذلك. وفي بعض المساجد يحرصون على قراءة بعض الأذكار عقب كل ركعتين من صلاة التراويح، كقولهم: ( اللهم إنك عفو كريم، تحب العفو فاعفُ عنا ).

وتنتشر في بلاد السودان - كما في العديد من بلاد الإسلام - عادة السهر إلى وقت متأخر من الليل، حيث يمضي الكثير أوقاتهم خلف شاشات التلفزة. وتُلْاحظ أيضًا عادة النوم حتى وقت الظهيرة، وعند البعض قد يستمر النوم إلى الساعة الثانية بعد الظهر. نسأل الله السلامة والعافية.

ومع بداية الشهر الكريم يغير التلفزيون السوداني من طبيعة برامجه، ويعرض برامج خاصة بشهر رمضان، تجعل الناس ينجذبون إليه، ويلتفون حوله، الأمر الذي يؤدي بالبعض إلى الكسل عن القيام ببعض الطاعات والقربات، والتي هي أجزل ثوابًا، وأضعف أجرًا في هذا الشهر الفضيل . وغالبًا ما يذهب الشباب وصغار السن بعد الإفطار والصلاة إلى الأندية الثقافية والاجتماعية التي تحتفل بهذا الشهر، فيمضون شطرًا من الليل في تلك الأندية. ثم هناك الطرق الصوفية، وهي كثيرة ومتعددة ومتنوعة، منها ( الختمية ) و( القادرية ) و( الإسماعلية ) وغيرها، ولكل منها أنشطتها الدينية المختلفة التي تقيمها في زواياها الخاصة، ويؤمها كبار السن بعد المغرب لقراءة قصة المولد النبوي، وسماع المدائح النبوية، وإقامة الأذكار بواسطة ما يُدعى ( النوبات ) وهي طبلة كبيرة من الجلد، تُقرع بالعصا، وتستمر تلك الجلسات والنوبات حتى منتصف الليل !!

أما الأسر السودانية فإنها تتبادل الزيارات العائلية، كما ويُعد شهر رمضان شهر المتعة للأطفال، الذين يمارسون هواياتهم، وخاصة وقت الإفطار الجماعي، فضلاً عن السماح لهم بالسهر إلى وقت متأخر من الليل، الأمر الذي لا يجوز لهم في غير رمضان.

وفي الأيام الأخيرة من شهر الخير، تشهد المنازل السودانية نشاطًا ملحوظًا، وتحركًا ملموسًا؛ إذ تبدأ الاستعدادات الخاصة لتحضير حلوى العيد، وتنشغل النساء في عمل ( الكعك ) و( البسكويت ) وغير ذلك من أنواع الحلوى المعروفة عند أهل السودان.

وعادة ما يتم تحضير ذلك بشكل جماعي وتعاوني بين النساء؛ فكل يوم مثلاً يقوم فريق من النسوة مجتمعات بصنع ما تحتاجه الواحدة منهن في بيتها، وفي اليوم التالي يشترك الجميع أيضًا بتحضير الحلوى لأخرى وهكذا.

وتقام في الأيام الأخيرة من رمضان ليلة تسمى ليلة ( الحنجرة ) يقيمها من توفي له قريب عزيز خلال شهر رمضان، أو قبله بوقت قصير، وفي هذه الليلة يُقدم للمعزين التمر والمشروبات..

وليلة القدر ينتظرها جميع المسلمين في السودان، ويُحتفل بها رسميًا وشعبيًا في السابع والعشرين من رمضان، ويُستقدم لأجلها كبار المقرئين، وتمتلئ المساجد بالعباد والمتقربين إلى الله.

ويحرص أهل السودان أشد الحرص على إخراج زكاة الفطر، وتوزيعها على الفقراء والمساكين المنتشرين على طول البلاد وعرضها، وهم في العادة يتولون بأنفسهم أمر ذلك.

والطوائف غير المسلمة في بلاد السودان لا يعنيها أمر رمضان لا من قريب ولا من بعيد، وهو يمر عليها كمرور غيره من الأيام، وهم في الظاهر يبدون مظاهر الاحترام والتقدير لهذا الشهر، ولا يمنع ذلك من وجود بعض الحالات الشاذة والاستثنائية التي يتعمد فيها البعض القيام ببعض الممارسات التي تخل بحرمة هذا الشهر الكريم، وتسيء لمشاعر أهل الإسلام.

ويتم توديع رمضان عند أهل السودان بإنشاد القصائد الدينية والمدائح النبوية...وعلى كل حال، فلرمضان عند أهل السودان مذاق خاص وطعم مختلف، وعلاقة الناس به علاقة قوية، فهم يحنون إليه أشد الحنين بداية، ويحزنون عليه غاية الحزن نهاية.
 

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

معركة حارم 559 هـ


786_1344428509502259dd6e65c.jpeg


مرت بالمسلمين في تاريخهم فترات من الضعف والفرقة والشتات، كثرت فيها الخلافات وتعدّدت فيها الرايات، وتمزقوا شر ممزق حتى طمع فيهم أعداؤهم، ومن رحمة الله بهذه الأمة أن قيّض لها بين الفينة والأخرى رجالاً يذودون عن حماها ويعيدون لها هيبتها وكرامتها، ومن هؤلاء الملك العادل نور الدين محمود زنكي المشهور بـ نور الدين الشهيد الذي عرف بعدله وتقواه وورعه وعبادته وحبه للجهاد.

وكان نور الدين قد انهزم من الفرنج في سنة 558 هـ في المعركة التي عُرفت بـ "البقيعة"، وسببها أنه رحمه الله جمع عساكره ودخل بلاد الفرنج ونزل في "البقيعة" تحت حصن الأكراد محاصرًا له، عازماً على قصد طرابلس ومحاصرتها، فاتفق الفرنج على مباغتة المسلمين نهاراً وهم آمنون، وبينما الناس في خيامهم وسط النهار لم يرُعْهم إلا ظهور الفرنج من وراء الجبل الذي عليه حصن الأكراد، فأراد المسلمون منعهم فلم يطيقوا ذلك، فأرسلوا إلى نور الدين يُعْلِمونه بما حصل ويطلبون منه النجدة، إلا أن مباغتة الفرنج لهم حالت دون أخذ العدة والاستعداد للقائهم، فهجم عليهم الفرنج قبل أن يتمكنوا من ركوب الخيل أو أخذ السلاح، وأكثروا فيهم القتل والأسر، واستطاع نور الدين أن ينجو بنفسه على فرسه حتى نزل على بحيرة "قدس" بالقرب من حمص في موضع يبعد أربعة فراسخ عن مكان المعركة، ولحق به من سلم من الجند حتى اجتمعوا به وكان مما قاله له بعضهم: "ليس من الرأي أن تقيم هاهنا، فإن الفرنج ربما حملهم الطمع على المجيء إلينا فنؤخذ ونحن على هذه الحال، فقال له ‏:‏ "إذا كان معي ألف فارس لقيتهم ولا أبالي بهم، ووالله لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الإسلام".

وكان الفرنج قد عزموا على التوجه إلى حمص بعد انتصارهم، لأنها كانت أقرب البلاد إليهم، ولما بلغهم نزول نور الدين بينها وبينهم قالوا‏:‏ لم يفعل هذا إلا وعنده قوة يمنعنا بها‏‏، فراسلوه يطلبون منه الصلح فلم يجبهم، وتركوا عند حصن الأكراد من يحميه وعادوا إلى بلادهم.

وبعدها بدأ نور الدين رحمه الله بتجهيز قواته، استعداداً لمواجهة الفرنج والأخذ بالثأر، وكان قد خصص أموالاً من بيت المال ينفقها على العلماء والعباد والفقراء، فقال له بعض أصحابه لما رأى كثرة إنفاقه: "لو استعنت بهذه الأموال في هذا الوقت لكان أصلح، فغضب عليهم وقال: "والله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك، فإنّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم، كيف أقطع صلاة قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطئ، وأصرفها على من لا يقاتل عني إلا إذا رآني بسهام قد تصيب وقد تخطئ؟ وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال، كيف يحل لي أن أعطيه غيرهم".

وفي العام التالي سنة 559 هجرية خرج الفرنج من "عسقلان" لقتال أسد الدين شير*** بمصر، فاستغل نور الدين فرصة خروجهم، وراسل الأمراء يطلب العون والنصرة فجاؤوا من كل فَجّ، وكتب إلى الزُهَّاد والعباد يستمدّ منهم الدعاء، ويطلب أن يحثوا المسلمين على الغزو والجهاد في سبيل الله.

ولما اجتمعت الجيوش سار نحو "حارم" - وهو حصن حصين في بلاد الشام ناحية حلب - في شهر رمضان من هذه السنة فحاصرها ونصب المجانيق عليها، ثم تابع الزحف للقاء الفرنج الذين تجمعوا قريبا من الساحل مع أمرائهم وفرسانهم بزعامة أمير أنطاكية.

وقبيل المعركة انفرد نور الدين بنفسه تحت تل "حارم"، وسجد لله ومرَّغ وجهه وتضرع وقا : "يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك" ..... "أيش فضول محمود في الوسط" وهو يعني أنك إن نصرتنا فدينك نصرت فلا تمنع النصر عن المسلمين بسببي، ثم قال: "اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً ، من محمود الكلب حتى يُنصر" ؟!.

وبدأ القتال والتحمت الصفوف، فهجم الفرنج في البداية على ميمنة الجيش الإسلامي حتى تراجعت الميمنة وبدا وكأنها انهزمت، وكانت تلك خطة من قبل المسلمين اتُّفِق عليها لكي يلحق فرسان الفرنج فلول الميمنة، ومن ثم تنقطع الصلة بينهم وبين المشاة من قواتهم، فيتفرغ المسلمون للقضاء على المشاة، فإذا رجع الفرسان لم يجدوا أحداً من المشاة الذين كانوا يحمون ظهورهم. وبهذه الخطة أحاط بهم المسلمون من كل جانب، وألحقوا بهم هزيمة مدوية، وخسائر فادحة قُدِّرت بعشرة آلاف قتيل، ومثل هذا العدد أو أكثر من الأسرى، وكان من بين الأسرى أمير "أنطاكية" ، وأمير "طرابلس"، وحاكم "قيليقية" البيزنطي، وقد أسر جميع الأمراء عدا أمير "الأرمن".

وفي اليوم التالي استولى نور الدين على "حارم" بعد أن أجلى الفرنج عنها، وكان ذلك فتحاً كبيراً، ونصراً مبيناً أعاد للمسلمين الهيبة في قلوب أعدائهم، وأعز الله جنده وأولياءه في هذا الشهر المبارك.
 

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
رمضان في أندونسيا

%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%A7.jpg


يبلغ عدد السكان في دولة أندونسيا حوالي 250 مليون نسمة، يشكل المسلمون منهم النسبة الأكبر في هذا البلد، إذ تصل نسبتهم إلى (94%) من مجموع السكان، وبذلك تكون من أكبر الدول في عدد السكان المسلمين في العالم.

والحديث عن رمضان في تلك البلاد يبدأ من التماس هلال رمضان، والخبر يقول: إن القليل من الناس يخرج طلبًا لالتماس الهلال، بل يكتفي أغلب الناس هناك بخبر وسائل الإعلام، والبعض قد يتبع في ذلك ما تثبته المملكة العربية السعودية، فيصوم مع صيامها ويفطر مع فطرها.

ونظرًا لسعة تلك البلاد وتعدد جزرها وانتشار رقعتها، فقد تختلف رؤية الهلال من مكان لآخر. وعلى العموم، فعندما تثبت رؤية هلال شهر رمضان يُعلن عن ذلك رسميًا بواسطة وزارة الشؤون الدينية، ويقوم الأفراد بقرع الطبول داخل المساجد حتى السحور، احتفالاً بقدوم الشهر المبارك. وتبدأ التهاني والمباركات وتعم الفرحة والبهجة الجميع، ويجسد تلك المظاهر عبارات تتداولها الألسنة مثل: (أهلاً يا رمضان) و(مرحبًا يا رمضان).

وعادات المسلمين في الإفطار في رمضان أن تجتمع جموعهم في المساجد قبل أذان المغرب لتناول طعام الإفطار، وتوضع الأطعمة على الأرض، بعد أن يتم نقلها من المنازل، ويجلس الجميع قبل الأذان للإفطار جنبًا إلى جنب، الأغنياء والفقراء، والصغار والكبار، وبعد الإفطار يؤدي الجميع صلاة المغرب جماعة.

ومن أشهر الأطعمة الرمضانية التي يفطر عليها مسلمو أندونسيا طعام يسمى (أبهم) وهو عبارة عن نوع من الحلوى أشبه ما يكون بـ (الكعك) ويقدم التمر إلى جانبه. ومن المأكولات الرمضانية أيضًا (الأرز) مع (الخضروات) و(الدجاج) و(اللحوم)، ومن أشهر أنواع الحلوى التي تقدم في هذا الشهر حلوى تسمى (kolak - كولاك) تقدم مع التمر.

وتنشط دروس العلم الشرعي، وحلقات تلاوة القرآن من أول رمضان إلى آخره؛ فترى المساجد تزدحم بالمصلين وطلبة العلم الذين يتسابقون في حضور مجالس العلماء، وهم في أغلبهم من علماء أندونسيا، الذين تلقوا علومهم الإسلامية في بعض الدول العربية، كما وتستضيف الدولة بعض أهل العلم من خارج أندونسيا ليدْلوا بدلْوِهِم في هذا الموسم المبارك، ويُلاحظ تواجد الدعاة بكثافة في تلك البقاع، حيث يتنقلون من مكان إلى آخر داعين إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

وصلاة التراويح في أندونسيا يصليها المسلمون ثماني ركعات في بعض المساجد، وفي بعضها الآخر تصلى عشرين ركعة؛ ولا تلتزم تلك المساجد في أغلبها ختم القرآن كاملاً، بل تقرأ في صلاة التراويح ما تيسر من القرآن؛ وقد تتخلل صلاة التراويح أحيانًا كلمة وعظ، أو درس ديني.

ومن عادة أغلب المساجد أن تقرأ بعض الأذكار بين كل ركعتين من ركعات التراويح، كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والترضي على الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. وتشارك النساء في صلاة التراويح، حيث يصلين من وراء ستائر خاصة بهن، موضوعة في مؤخرة المسجد.

وأغلب الناس يذهبون إلى بيوتهم بعد أداء صلاة التراويح، وعادة السهر ليست منتشرة بين مسلمي تلك البلاد إلا لدى القليل، إذ أغلب المسلمين هناك ينامون باكرًا، ويستيقظون على قرع طبلة (المسحراتي) الذي يجوب الشوارع والأزقة، وينتقل من منزل إلى آخر بطبلته وعصاه يوقظ الناس لتناول طعام السحور.

وتقام في هذا الشهر الفضيل حفلات خاصة بذكرى نزول القرآن الكريم، يتم الترتيب لها في القصر الرئاسي للدولة، وتستمر هذه الحفلات طيلة الشهر الكريم. ويشارك التلفزيون الأندونيسي والإذاعة الرسميان في نقل إحياء ليالي هذا الشهر الفضيل.

ومن التقاليد المرعية في هذا البلد المسلم، أن المسلمين ينتهزون فرصة هذا الشهر المبارك ليتصالح المتخاصمون، ويتسامح المتهاجرون، ويتناسوا ما وقع بينهم من خلاف وشقاق، وتقام حفلات التصالح هذه عادة في المساجد، وتسمى عندهم (حلال بحلال) ويشرف على ترتيب المجالس التصالحية وجهاء الناس وعلماؤهم.

ويحتفل المسلمون الأندونسيون بالعشر الأواخر من رمضان؛ وهم يرون أن ليلة القدر في الليالي المفردة من العشر، لذلك نجدهم ينشطون ويجتهدون في العبادة والطاعة في هذه الليالي الفضيلة، والبعض منهم يلزمون الاعتكاف في المساجد، فلا يخرجون منها؛ ابتغاء مرضات الله، وطلبًا لثوابه.

والمسلمون الأندونسيون حريصون كل الحرص على الالتزام بتعاليم الإسلام، وتطبيق أحكامه، لأجل هذا فهم يسارعون في الخيرات، ويتسابقون في الطاعات، فيقيمون موائد الإفطار للفقراء والمساكين ويدعونهم إليها، ويحتفلون بهم كل الاحتفال، كما ويسارع الجميع لإخراج صدقة الفطر، بشكل فردي أو عن طريق تقديمها للجمعيات الخيرية، التي تتولى توزيعها على الفقراء والمساكين مواساة لهم، وقضاءً لحاجتهم، وإدخالاً للفرحة إلى قلوبهم.

ومع ما هو معروف عن هذا الشعب المسلم من تدين وتمسك بالإسلام، فإن ذلك لم يمنع من وجود بعض الممارسات والسلوكيات التي لا يليق بالمسلم القيام بها؛ فبعض الشباب هناك مثلاً يمضون كثيرًا من أوقاتهم في غير ما يقربهم إلى الله، بل إن هذا البعض قد يُخِلُّ بحرمة هذا الشهر بالإفطار، أو ترك الصلاة، أو إمضاء الوقت في اللهو واللعب. لكن مظاهر الإخلال هذه لا يرضى بها من يراها؛ بل ينكرها وينكر على فاعلها القيام بها. فالشعور الديني في تلك البلاد وخاصة في هذا الشهر هو الأقوى والحمد لله.

وفي ليلة العيد يخرج المسلمون في أندونسيا إلى الشوارع، يطوفون خلالها بسياراتهم أو على أرجلهم، وأصوات الجميع تهتف بالتكبير، ويرافق ذلك القرع على الطبول، والعزف على بعض الآلات الموسيقية؛ تعبيرًا عن فرحة العيد، وابتهاجًا بقدومه. وقد حدثنا بعض أهل تلك البلاد أن ثمة فريق من الناس - وخاصة من أهل القرى - له من العادات والتقاليد في تلك الليلة ما لا يمت إلى الإسلام بصلة.
 

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38

عين جالوت 658 هـ

maxresdefault.jpg


اجتاح التتار في أوائل القرن السابع الهجري - وتحديداً سنة 617 هـ - بلاد الإسلام بقيادة جنكيز خان ، وانطلقوا كالإعصار المدمِّر يغزون القرى والمدن، ويقتلون النساء والشيوخ، ويعيثون في الأرض فساداً، حتى سقطت كبار المدن الإسلامية بالمشرق في أيديهم، وفعلوا فيها الأعاجيب، وسفكوا الدماء، وقتلوا من المسلمين أعداداً لا يحصيهم إلا الله، ثم تقدموا صوب عاصمة الخلافة وقبلة العلم والحضارة "بغداد"، فدخلوها بقيادة هولاكو حفيد جنكيز خان، وأسقطوا الخلافة العباسية، وقتلوا الخليفة المستعصم بالله وذلك سنة 656 هـ، وقتلوا بها عدداً كبيراً من المسلمين وصل إلى مليون، ودمروا مكتباتها، وجرى نهر الفرات بلون الدم والمداد من كثرة القتلى والكتب التي ألقيت فيه، فكانت مصيبة من أعظم المصائب في تاريخ الأمة، حتى إن كثيراً من المؤرخين لم يستطيعوا أن يصفوا تلك الفترة من تاريخ الإسلام، من شدة هول وبشاعة ما ارتكبه التتار من الجرائم.

ثم تقدموا إلى بلاد الشام فاستولوا على "حرا " و"الرُّها" و"البيرة" وغيرها، ووصلوا إلى حلب في صفر من سنة 658 هـ فاستولوا عليها بعد حصار شديد، وفعلوا فيها الأفاعيل، ثم زحفوا على "دمشق" فاستسلمت في ربيع الأول سنة 658 هـ بعد أن فر حاكمها الناصر يوسف بن أيوب في نفر من أصحابه، ثم تقدموا حتى وصلوا إلى "نابلس"، و"الكرك"، ثم بيت المقدس، و"غزة" وذلك دون أي مقاومة تذكر، ثم بدأت أنظارهم تتجه إلى بلاد مصر التي كانت تحت حكم المماليك آنذاك.
وبعدها غادر هولاكو الشام عائداً إلى بلاده بسبب صراع على الحكم جرى بين إخوته، وولى أمور الجيش قائده كتبغانوين، وقبل مغادرته كان قد كتب كتاباً إلى حاكم مصر يهدده ويتوعده ويطلب منه تسليم البلاد، وكان حاكمها هو المنصور بن المعز أيبك الذي كان عمره آنذاك خمسة عشر عاماً، ولم يكن قادرًا على مواجهة التحديات، وقيادة الأمة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها، مما حدا بسيف الدين قطز إلى خلعه وتولي زمام الأمور مكانه وكان ذلك في سنة 657 هـ.

وفي تلك الفترة وصل إلى مصر الشيخ كمال الدين عمر بن العديم أحد العلماء الأعلام، وكان قد أرسله الملك الناصر يوسف بن أيوب صاحب دمشق طالباً من قطز النصرة لمواجهة بغي التتار وطغيانهم.
فجمع قطز العلماء والأمراء وقادة الجند وشاورهم فيما عزم عليه من قتال التتار، وأخْذِ الأموال من الناس لتجهيز الجيش، وكان من ضمن الحاضرين الشيخ الإمام العز بن عبد السلام فكان مما قاله: "إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص - وهي حزام الرجل وحزام الدابة - المذَهَّبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا".

فعقد قطز العزم على قتال التتار، وكان أول شيء قام به هو قتل رُسُلِ هولاكو وتعليقهم على أبواب القاهرة. ثم بدأ بتجهيز الجيش وأخذ العدَّة للقتال، واستدعى بعض أمراء المماليك من الشام ومنهم الأمير بيبرس البندقداري وانضموا إلى جيشه، فاجتمع له قرابة أربعين ألفًا من الجيوش الشامية والمصرية. ثم خرج من مصر في شهر رمضان سنة 658 هـ، فوصل مدينه "غزة" وكانت بها قوات من التتار بقيادة بيدر، فداهمها واستعاد "غزة " من أيديهم، وأقام بها يومًا واحدًا، ثم غادرها شمالاً، وفي هذه الأثناء بلغ كتبغانوين قائد هولاكو على الشام أن قطز قد خرج لقتاله، فاستشار أصحابه في ذلك، فمنهم من رأى أن يتمهل حتى يصل إليه مدد من "هولاكو"، ومنهم من رأى أن يسرع بلقائه، فاختار الرأي الأخير.

وكان قطز عند خروجه قد بعث طلائع من قواته بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس لمناوشة التتار، واختبار قوتهم، فناوشهم حتى التقوا جميعاً عند "عين جالوت" بين "بيسان" و"نابلس".

وفي يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658 هـ ابتدأ القتال بين الجيشين، وكان التتار يحتلون المرتفعات المُطِلَّة على "عين جالوت"، فانقضوا على جيش قطز وتغلغلوا حتى اخترقوا الميسرة، وأحدث ذلك شرخاً في الجيش، فتقدم قطز بقوات القلب التي كان يقودها واقتحم القتال بنفسه حتى استعاد الجيش توازنه.وكان قطز قد أخفى قواته الرئيسية في الشعاب والتلال القريبة من"عين جالوت" ليباغت بها العدو، فلما رأوا اشتداد القتال هجموا على جيش التتار، و قطز أمامهم يصرخ ويصيح: وا إسلاماه .... وا إسلاماه، يا الله انصر عبدك قطز "، وهو يشجع أصحابه ويحسّن لهم الموت حتى قتل فرسه من تحته، وكاد أن يتعرض للقتل لولا أن أسعفه أحد فرسانه فنزل له عن فرسه.
وما هي إلا لحظات حتى انقلبت موازين المعركة لصالح المسلمين، فارتبكت صفوف العدو، وشاع أن قائدهم كتبغانوين قد قُتِل، ففَتَّ ذلك في عضدهم، وولوا الأدبار يجرون أذيال الخيبة والهزيمة.

ولما رأى قطز انكسار التتار نزل عن فرسه، ومرَّغ وجهه بالأرض خضوعاً وتواضعاً لله جل وعلا ثم صلى ركعتين شكرًا لله على هذا النصر المبين.

وهكذا كان شهر رمضان المبارك على موعد مع هذا اليوم الخالد في حياة الأمة، والذي هزم الله فيه التتار لأول مرة في تاريخهم منذ جنكيزخان، وتلاشت بعده آمالهم في السيطرة على بلاد المسلمين.
 
أعلى