نصيحه ابو يوسف القاضي لهارون الرشيد في مقدمه كتاب الخراج

سعيد القسري

عضو شرف
إنضم
2 نوفمبر 2007
المشاركات
1,744
مستوى التفاعل
52
النقاط
48
[COLOR="Red[COLOR="Blue"]"]هو الامام المجتهد (1)، العلامة المحدث، قاضي القضاة، أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الانصاري الكوفي.
وسعد بن بجير له صحبة، وهو سعد ابن حبتة، وهي أمه، وهو بجلي [/COLOR
[/COLOR]]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
(هذا ما كتب به أبو يوسف رَحِمَهُ اللهُ إِلَى أمير المؤمنين هارون الرشيد)
أطال الله بقاء أمير المؤمنين , وأدام لَهُ العز فِي تمام من النعمة , ودوام من الكرامة , وجعل ما أنعم به عليه موصولا بنعيم الآخرة الذي لا ينفذ ولا يزول , ومرافقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
إن أمير المؤمنين أيده الله تعالى سألني أن أضع لَهُ كتابا جامعا يعمل به فِي جباية الخراج , والعشور والصدقات والجوالى , وغير ذلك مما يجب عليه النظر فيه والعمل به , وإنما أراد بذلك رفع الظلم عن رعيته , والصلاح لأمرهم .
وفق الله تعالى أمير المؤمنين , وسدده وأعانه عَلَى ما تولى من ذلك , وسلمه مما يخاف ويحذر , وطلب أن أبين لَهُ ما سألني عنه مما يريد العمل به , وأفسره وأشرحه .
وقد فسرت ذلك وشرحته .
يا أمير المؤمنين، إن الله وله الحمد قد قلدك أمراً عظيماً: ثوابه أعظم الثواب، وعقابه أشد العقاب. قلدك أمر هذه الأمة فأصبحت وأمسيت وأنت تبني لخلق كثير قد استرعاكهم الله وائتمنك عليهم، وابتلاك بهم وولاك أمرهم، وليس يلبث البنيان ـ إِذَا أسس عَلَى غير التقوى ـ أن يأتيه الله من القواعد فيهدمه عَلَى من بناه وأعان عليه. فلا تضيعينَّ ما قلدك الله من أمر هذه الأمة والرعية، فإن القوة فِي العمل بإذن الله.
لا تؤخر عمل اليوم إِلَى غد، فإنك إِذَا فعلت ذلك أضعت، إن الأجل دون الأمل، فبادر الأجل بالعمل، فإنه لا عمل بعد الأجل.
إن الرعاة مؤدون إِلَى ربهم ما يؤدي الراعي إِلَى ربه. فأقم الحق فيما ولاك الله وقلدك ولو ساعة من نهار، فإن أسعد الرعاة عند الله يوم القيامة راع سعدت به رعيته، ولا تزغ فتزيغ رعيتك.
(1/3)
4
وإياك والأمر بالهوى والأخذ بالغضب.
وإذا نظرت إِلَى أمرين أحدهما للآخرة والآخر للدنيا، فاختر أمر الآخرة عَلَى أمر الدنيا، فإن الآخرة تبقى والدنيا تفنى.
وكن من خشية الله عَلَى حذر، واجعل الناس عندك فِي أمر الله سواء القريب والبعيد، ولا تخف فِي الله لومة لائم.
واحذر فإن الحذر بالقلب وليس باللسان، واتق الله فإنما التقوى بالتوقي، ومن يتق الله يقه.
واعمل لأجل مفضوض، وسبيل مسلوك، وطريق مأخوذ، وعمل محفوظ، ومنهل مورود؛ فإن ذلك المورد الحق والموقف الأعظم الذي تطير فيه القلوب، وتنقطع فيه الحجج لعزة ملك قهرهم جبروته، والخلق لَهُ داخرون بين يديه ينتظرون قضاءه، ويخافون عقوبته وكأن ذلك قد كان. فكفى بالحسرة والندامة يومئذ فِي ذلك الموقف العظيم لمن علم ولم يعمل، يومٌ تزل فيه الأقدام، وتتغير فيه الألوان، ويطول فيه القيام، ويشتد فيه الحساب. يقول الله تبارك وتعالى فِي كتابه:{وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ[الحج :47}
وقَالَ تَعَالَى:{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ[المرسلات : 38}
وقَالَ تَعَالَى:{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ [الدخان : 40}
وقَالَ تَعَالَى:{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ[الأحقاف : 35}
وقَالَ:{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا[النازعات:46} فيالها من عثرة لا تُقال، ويالها من ندامة لا تنفع، وإنما هو اختلاف الليل والنهار يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، ويجزي الله كل نفس بما كسبت إن الله سريع الحساب.
فاللهَ اللهَ فإن البقاء قليل والخطب خطير والدنيا هالكة وهالك من فيها، والآخرة هي دار القرار. فلا تلق الله غداً وأنت سالك سبيل المعتدين، فإن ديان يوم الدين إنما يدين العباد
بأعمالهم ولا يدينهم بمنازلهم. وقد حذرك الله فاحذر، فإنك لم تخلق عبثاً، ولن تترك سدى. وإن الله سائلك عما أنت فيه وعما عملت به، فانظر ما الجواب؟‍!
واعلم أنه لن تزول غداً قدما عبد بين يدي الله تبارك وتعالى إلا من بعد المسألة فقد قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حَتَّى يسأل عن أربع: عن علمه ما عمل فيه، وعن عمره فيم أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه،
(1/4)
5
وعن جسده فيما أبلاه)
فأعدد يا أمير المؤمنين للمسألة جوابها، فإن ما عملت فأثبتَّ فهو عليك غدا يقرأ، فاذكر كشف قناعك فيما بينك وبين الله فِي مجمع الأشهاد.
وإني أوصيك يا أمير المؤمنين بحفظ ما استحفظك الله، ورعاية ما استرعاك، وأن لا تنظر فِي ذلك إلا إليه وله. فإنك إن لا تفعل تتوعر عليك سهولة الهدى، وتعمى فِي عينك وتتعفى رسومه ويضيق عليك رحبه، وتنكر منه ما تعرف، وتعرف منه ما تنكر، فخاصم نفسك خصومة من يريد الفلَج لها لا عليها، فإن الراعي المضيع يضمن ما هلك عَلَى يديه مما لو شاء رده عن أماكن الهلكة بإذن الله، وأورده أماكن الحياة والنجاة، فإذا ترك ذلك أضاعه وإن تشاغل بغيره كانت الهلكة عليه أسرع وبه أضر، وإذا أصلح كان أسعد من هنالك بذلك، ووفاه الله أضعاف ما وفى له.
فاحذر أن تضيع رعيتك فيستوفي ربها حقها منك ويضيعك بما أضعت أجرك، وإنما يدعم البنيان قبل أن ينهدم.
وإنما لك من عملك ما عملت فيمن ولاك الله أمره، وعليك ما ضيعت منه، فلا تنس القيام بأمر من ولاك الله أمره فلست تُنسى.
ولا تغفل عنهم وعما يصلحهم فليس يُغفل عنك.
ولا يضيع حظك، من الدنيا فِي هذه الأيام والليالي، من كثرة تحريك لسانك فِي نفسك بذكر الله تسبيحاً وتهليلاً وتحميداً، والصلاة عَلَى رسوله نبي الرحمة وإمام الهدى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإن الله بمنه ورحمته جعل ولاة الأمر خلفاء فِي أرضه، وجعل لهم نوراً يضيء للرعية ما أظلم عليهم من الأمور فيما بينهم وبين ما اشتبه من الحقوق عليهم.
وإضاءة نور ولاة الأمر إقامة الحدود، ورد الحقوق إِلَى أهلها بالتثبت
والأمر البين. وإحياء السنن التي سنها القوم الصالحون أعظم موقعاً، فإن أحياء السنن من الخير الذي يحيا ولا يموت.
وجور الراعي هلاك الرعية، واستعانته بغير أهل الثقة والخير هلاك للعامة. فاستتمَّ ما آتاك الله يا أمير المؤمنين من النعم بحسن مجاورتها، والتمس الزيادة بالشكر عليها، فإن الله تبارك وتعالى يقول فِي كتابه العزيز:{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم : 7}.
وليس شيء أحب إِلَى الله من الإصلاح، ولا أبغض إليه من الفساد، والعملُ بالمعاصي كفر
(1/5)
6
النعم. وقلَّ من كفر قوم قط النعمة ثُمَّ لم يفزعوا إِلَى التوبة إلا سلبوا عزهم، وسلط الله عليهم عدوهم.
وإني أسأل الله يا أمير المؤمنين الذي منَّ عليك بمعرفته فيما أولاك أن لا يكلك فِي شيء من أمرك إِلَى نفسك، وأن يتولى منك ما تولى من أوليائه وأحبائه؛ فإنه وليُّ ذلك والمرغوب إليه فيه.
وقد كتبت لك ما أمرت به وشرحته وبينته، فتفقهْهُ وتدبره وردد قراءته حَتَّى تحفظه، فإني قد اجتهدت لك فِي ذلك ولم آلُك والمسلمين نصحاً ابتغاء وجه الله وثوابه وخوف عقابه.
وإني لأرجو ـ إن عملتَ بما فيه من البيان ـ أن يوفر الله لك خراجك من غير ظلم مسلم ولا معاهَد، ويصلح لك رعيتك فإن صلاحهم بإقامة الحدود عليهم، ورفع الظلم عنهم والتظالم فيما اشتبه من الحقوق عليهم، وكتبت لك أحاديث حسنة، فيها ترغيب وتحضيض عَلَى ما سألت عنه، مما تريد العمل به إن شاء الله. فوفقك الله لما يرضيه عنك، وأصلح بك، وَعَلَى يديك
:i5:
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

صقر تهامة

مراقب منتديات بني مالك
إنضم
11 مايو 2007
المشاركات
14,149
مستوى التفاعل
172
النقاط
63
الإقامة
الجنوب
الموقع الالكتروني
www.banimalk.net
تسلم يابو طارق
وكان ابو يوسف القاضي البجلي من المقربين جدا الى الخليفة هارون الرشيد حتى انه كان يصطحبه معه في الحج كما روى معن بن زائدة حيث قال وبالحرف الواحد (حج هارون الرشيد وزميله أبو يوسف القاضي) .. وابو يوسف القاضي من كبار العلماء المسلمين ماضيا وقد استفاد المسلمون من علمه الى يومنا هذا وهو القائل (ثلاثة لا يسلمون من ثلاثة: من طلب الدِّين بالفلسفة لم يَسلم من الزّنْدَقَة، ومَن طلب "المالَ" بالكِيمياء لم يَسلم من الفَقْر، ومن طلب غرائبَ الحديث لم يَسلم من الكذب) .

وقيل .. كان أبو يوسف القاضي ربما حضر مجلس الرشيد وفيه الغناء، فيجعل مكان السرور به بكاءً؛ كأنه يتذكر به نعيم الآخرة .

ولابي يوسف القاضي كتاب يسمى (الحيَل) .

كما كان ابويوسف حكيما حاضر الفكاهة فقد اختلف الرشيد وأم جعفر في الفالوذج واللوزينج أيهما أطيب فحضر أبو يوسف القاضي فسأله الرشيد عن ذلك فقال: يا أمير المؤمنين لا يقضى على غائب فأحضرهما فأكل حتى اكتفى، فقال له الرشيد: احكم. قال: قد اصطلح الخصمان يا أمير المؤمنين. فضحك الرشيد .

كما كان عابدا زاهدا للدنيا فقد روي انه كان يصلي في اليوم مائتي ركعة .


هذا غيض من فيض من قصص ابو يوسف القاضي رحمه الله تعالى وشكرا يابو طارق .
 

مـحـمـد

Well-Known Member
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
5,273
مستوى التفاعل
103
النقاط
63
كفيت وفيت يابو طارق

سلمت يمناك ولا هنت
 

أسيرالشوق

المراقب العام
إنضم
18 أكتوبر 2007
المشاركات
55,084
مستوى التفاعل
48
النقاط
48
شكراً لصاحب الموضوع ولكل من شارك في النقاش​
 
أعلى