رفيع الشااان
مشرف سابق
- إنضم
- 28 أبريل 2007
- المشاركات
- 1,510
- مستوى التفاعل
- 24
- النقاط
- 38
السرو الماثرون
قال ابن جبير : أن قبائل من اليمن تعرف بالسرو، وهم أهل جبال حصينة باليمن تعرف بالسرة، كأنها مضافة لسراة الرجال، على ما أخبرني به فقيه من أهل اليمن يعرف بابن أبي الصيف، فاشتق الناس لهم هذا الاسم المذكور من اسم بلادهم، وهم قبائل شتى كبجيلة وسواها، يستعدون للوصول هذه البلدة المبالاكة قبل حلولها بعشرة أيام، فيجتمعون بين النية في العمرة وميرة البلد بضروب من الأطعمة كالحنطة وسائر الحبوب اللوبياء مادونها، ويجلبون السمن والسعل والزبيب واللوز. فتجمع ميرتهم بين الطعام والإدام والفاكهة. ويصلون في آلاف من العدد رجالاً وجمالاً موقرة بجميع ماذكر. فيرغدون معايس أهل البلد والمجاورين فيه يتقوتون ويدخرون، وترخص الأسعار، وتعم المرافق. فيعد منها الناس مايكفيهم لعامهم ميرة اخرى. ولولا هذه الميرة لكان أهل مكة في شظف من العيش.
ومن العجب في أمر هؤلاء المائرين أنهم لايبيعون من جميع ماذكرناه بدينار ولا بدرهم، إنما يبيونه بالخرق والعباءات والشمل، فأهل مكة يعدون لهم من ذلك مع الأقنعة والملاحف المتان وما أشبه ذلك مما يلبسه الأعراق ويبايعونهم به ويشارونهم. ويذكر أنهم متى اقاموا عن هذه الميرة ببلادهم تجب ويقع الموتان في مواشيهم وانعامهم، وبوصولهم بها تخصب بلادهم وتقع البركة أموالهم فمتى في قرب الوقت ووقعت منهم بعض غفلة في التأهب للخروج اجتمع نساؤهم فأخرجنهم. وكل هذا لطف من الله تع لحرمه البلد الأمين.
وبلادهم على ماذكر لنا خصيبة متسعة كثير التين والعنب واسعة المحرث وافرة الغلات، وقد اعتقدوا اعتقاداً صحيحاً أن البركة كلها في هذه الميرة التي يجلبونها، فهم من ذلك في تجارة رابحة مع الله عز وجل.
والقوم عرب صرحاء فصحاء جفاة أصحاء، لم تغذهم الرقة الحضرية ولا هذبتهم السير المدنية ولاسددت مقاصدهم السنن الشرعية، فلا تجد لديهم من أعمال العبادات سوى صدق النية، فهم اذا طافوا بالكعبة المقدسة يتطارحون عليها تطارح البنين على الام المشفقة لائذين بجوارها متعلقين بأستارها فحيثما علقت أأيديهم منها تمزق لشدة اجتذابهم لها وانكبابهم عليها، وفي اثناء ذلك تصدع لسنتهم بأدعية تتصدع لها القلوب وتتفجر لها الأعين والجوامد فتصوب. فترى الناس حولهم باسطي ايديهم مؤمنين على أدعيتهم متلقنين لها من السنتهم، على أنهم طول مقامهم لايتمكن منهم طواف ولا يوجد سبيل استلام الحجر.
واذا فتح الباب الكريم فهم الداخلون بسلام، فتراهم في محاولة دخولهم يتسللون كأنهم بعض ببعض مرتبطون، يتصل منهم على هذه الصفة الثلاثون والأربعون أزيد من ذلك، والسلاسل منهم يتبع بعضهم بعضاً، وربما انفصمت بواحد منهم، فيقع الكل لوقوعه، وهم أهل بأس ونجدة، لهم القسي العربية الكبار كأنها في القطانين لاتفارقهم في أسفارهم، فمتى رحلوا الزيارة هاب أعراب الطريق الممسكون للحاج مقدمهم وتجنبوا اعتراضهم وخلوا لهم عن الطريق. ويصحبهم الحجاج الزائرون فيحمدون صحبتهم. وعلى ماوصفنا من أحوالهم فهم أهل اعتقاد للإيمان صحيح، وذكر أن النبي، صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، ذكرهم واثنى عليهم خيراً، وقال: علموهم الصلاة يعلموكم الدعاء. وكفى بأن دخلوا في عموم قوله، صلى الله عليه وسلم، : الإيمان يمان غير ذلك من الأحاديث الواردة في اليمن واهله.وذكر أن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، كان يحترم وقت طوافهم ويتحرى الدخول في جملتهم تبركاً بأدعيتهم. فشأنهم عجيب كله.
وشاهدنا منهم صبياً في الحجر قد جلس احد الحجاج يعلمه فاتحة الكتاب وسورة الإخلاص. فكان يقول له: قل هو الله أحد فيقول الصبي: هو الله أحد فيعيد عليه المعلم، فيقول له: ألم تأمرني بأن أقول: هو الله أحد؟ قد قلت. فكابد في تلقينه مشقة، وبعد لأي ماعلقت بلسانه. وكان يقول له: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، فيقول الصبي: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله. فيعيد عليه المعلم، ويقول له: لاتقل: والحمد لله انما قل: الحمد لله فيقول الصبي: اذا قلت بسم الله الرحمن الرحيم، أقول: والحمد لله، للاتصال، واذا لم أقل بسم الله، وبدأبت قلت: الحمد لله، فعجبنا من أمره ومن معرفته طبعاً بصلة الكلام وفصله دون تعلم.
وأما فصاحتهم فبديعة جداً، ودعاؤهم كثير التخشيع للنفوس، والله يصلح أحوالهم وأحوال جميع عباده بمنه.
ومن العجب في أمر هؤلاء المائرين أنهم لايبيعون من جميع ماذكرناه بدينار ولا بدرهم، إنما يبيونه بالخرق والعباءات والشمل، فأهل مكة يعدون لهم من ذلك مع الأقنعة والملاحف المتان وما أشبه ذلك مما يلبسه الأعراق ويبايعونهم به ويشارونهم. ويذكر أنهم متى اقاموا عن هذه الميرة ببلادهم تجب ويقع الموتان في مواشيهم وانعامهم، وبوصولهم بها تخصب بلادهم وتقع البركة أموالهم فمتى في قرب الوقت ووقعت منهم بعض غفلة في التأهب للخروج اجتمع نساؤهم فأخرجنهم. وكل هذا لطف من الله تع لحرمه البلد الأمين.
وبلادهم على ماذكر لنا خصيبة متسعة كثير التين والعنب واسعة المحرث وافرة الغلات، وقد اعتقدوا اعتقاداً صحيحاً أن البركة كلها في هذه الميرة التي يجلبونها، فهم من ذلك في تجارة رابحة مع الله عز وجل.
والقوم عرب صرحاء فصحاء جفاة أصحاء، لم تغذهم الرقة الحضرية ولا هذبتهم السير المدنية ولاسددت مقاصدهم السنن الشرعية، فلا تجد لديهم من أعمال العبادات سوى صدق النية، فهم اذا طافوا بالكعبة المقدسة يتطارحون عليها تطارح البنين على الام المشفقة لائذين بجوارها متعلقين بأستارها فحيثما علقت أأيديهم منها تمزق لشدة اجتذابهم لها وانكبابهم عليها، وفي اثناء ذلك تصدع لسنتهم بأدعية تتصدع لها القلوب وتتفجر لها الأعين والجوامد فتصوب. فترى الناس حولهم باسطي ايديهم مؤمنين على أدعيتهم متلقنين لها من السنتهم، على أنهم طول مقامهم لايتمكن منهم طواف ولا يوجد سبيل استلام الحجر.
واذا فتح الباب الكريم فهم الداخلون بسلام، فتراهم في محاولة دخولهم يتسللون كأنهم بعض ببعض مرتبطون، يتصل منهم على هذه الصفة الثلاثون والأربعون أزيد من ذلك، والسلاسل منهم يتبع بعضهم بعضاً، وربما انفصمت بواحد منهم، فيقع الكل لوقوعه، وهم أهل بأس ونجدة، لهم القسي العربية الكبار كأنها في القطانين لاتفارقهم في أسفارهم، فمتى رحلوا الزيارة هاب أعراب الطريق الممسكون للحاج مقدمهم وتجنبوا اعتراضهم وخلوا لهم عن الطريق. ويصحبهم الحجاج الزائرون فيحمدون صحبتهم. وعلى ماوصفنا من أحوالهم فهم أهل اعتقاد للإيمان صحيح، وذكر أن النبي، صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، ذكرهم واثنى عليهم خيراً، وقال: علموهم الصلاة يعلموكم الدعاء. وكفى بأن دخلوا في عموم قوله، صلى الله عليه وسلم، : الإيمان يمان غير ذلك من الأحاديث الواردة في اليمن واهله.وذكر أن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، كان يحترم وقت طوافهم ويتحرى الدخول في جملتهم تبركاً بأدعيتهم. فشأنهم عجيب كله.
وشاهدنا منهم صبياً في الحجر قد جلس احد الحجاج يعلمه فاتحة الكتاب وسورة الإخلاص. فكان يقول له: قل هو الله أحد فيقول الصبي: هو الله أحد فيعيد عليه المعلم، فيقول له: ألم تأمرني بأن أقول: هو الله أحد؟ قد قلت. فكابد في تلقينه مشقة، وبعد لأي ماعلقت بلسانه. وكان يقول له: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، فيقول الصبي: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله. فيعيد عليه المعلم، ويقول له: لاتقل: والحمد لله انما قل: الحمد لله فيقول الصبي: اذا قلت بسم الله الرحمن الرحيم، أقول: والحمد لله، للاتصال، واذا لم أقل بسم الله، وبدأبت قلت: الحمد لله، فعجبنا من أمره ومن معرفته طبعاً بصلة الكلام وفصله دون تعلم.
وأما فصاحتهم فبديعة جداً، ودعاؤهم كثير التخشيع للنفوس، والله يصلح أحوالهم وأحوال جميع عباده بمنه.
ناقله لكم من كتاب
رحلة ابن جبير
المؤلف : ابن جبير ، محمد بن أحمد (المتوفى : 614هـ)
رحلة ابن جبير
المؤلف : ابن جبير ، محمد بن أحمد (المتوفى : 614هـ)