مواضع يحسن فيها التكرار ومواضع يقبح

أبو سالم

القلـــــم الرصيـــــن
إنضم
7 أبريل 2010
المشاركات
181
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
للتكرار مواضع يحسن فيها ومواضع يقبح فيها فأكثر ما يقع التكرار في الألفاظ دون المعاني وهو في المعاني دون الألفاظ أقل فإذا تكرر اللفظ والمعنى جميعا فذلك الخذلان بعينه . ولا يُحَبُّ للشاعر أن يكرر اسما إلا على جهة التشوق والاستعذاب إن كان في تغزل أو نسيب كقول امرئ القيس ولم يتخلص أحد تخلصه فيما ذكر عبد الكريم النهشلي وغيره ولا سلم سلامته في هذا الباب :
ديار لسلمى عافيات بذي الخال=ألحّ عليها كل أسحم هطال
وتحسب سلمى لا تزال كعهدنا=بوادي الخزامى أو على رأس أوغال
وتحسب سلمى لا تزال ترى طلاً=من الوحش أو بيضاً بميثاء محلال
ليا لي سلمى إذ تريك منصّباً=وجيداً كجيد الريم ليس بمعطال
وكقول قيس بن ذريح :
ألا ليت لبنى لم تكن لي خلة=ولم تلقني لبنى ولم أدر ما هيا

أو على سبيل التنويه به ، والإشادة إليه بذكر إن كان في مدح كقول أبي السد ، ( ويروى لحمزة بن بِيض الحنفي )
ولائمة لامتك يا فيض في الندى=فقلت لها : لن يقدح اللوم في البحر
أرادت لتثني الفيض عن عادة الندى=ومن ذا الذي يثني السحاب عن القطر
كأن وفود الفيض يوم تحملوا=إلى الفيض لاقوا عنده ليلة القدر
مواقع جود الفيض في كل بلدة=مواقع ماء المزن في البلد القفر
فتكرير اسم الممدوح ها هنا تنويه به وإشادة بذكره وتفخيم له في القلوب والأسماع .
وكقول الخنساء :
وإن صخراً لوالينا وسيدنا=وإن صخراً إذا نشتوا لنحار
وإن صخراً لتأتم الهاداة به=كأنه علم في رأسه نار

أو على سبيل التقرير والتوبيخ ، كقول بعضهم :
إلى كم وكم أشياء منكم تريبني؟=أُغمض عنها لست عنها بذي عمى

فأما قول محمد بن منذر الصبيري في معنى التكثير :
كم وكم كم كم وكم كم كم و كم=قال لي : أنجز حر ما وعد
فقد زاد على الواجب وتجاوز الحد

ولما أنشدوا للصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عباد قول أبي الطيب :
عظمتَ فلما لم تُكلَّم مهابة=تواضعتَ وهو العُظْم عُظما على العُظْم
قال : ما أكثر عظام هذا البيت ، مع أنه من قول الطائي :
تعظَّمتَ عن ذاك التعظُّم فيهم=وأوصاك نبل القدر أن تتنبلا

ومن المعجز في هذا النوع قول الله تعالى في سورة الرحمن : { فبأي ِّ آلاء ربكما تكذبان } كلما عدد منَّة أو ذكّر بنعمة كرر هذا . وقد كرر أبو كبير الهذلي قوله :
فإذا ، وذلك ليس إلا ذكره=وإذا مضى شيء كأن لم يفعل
على بعض الروايات في سبعة مواضع من قصيدته التي أولها :
أزهير هل عن شيبة من معدل=أم لا سبيل إلى الشباب الأول؟
كلما وصف فصلا كرر هذا البيت .

أو على سبيل التعظيم للمحكي عنه ن أنشد سيبويه :
لا أرى الموت ، يسبق الموت شيء=نغص الموت ذا الغنى والفقير

أو على جهة الوعيد والتهديد ، إن كان عتاب موجع ، كقول الأعشى ليزيد بن مسهر الشيباني :
أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا=أبا ثابت اقصر وعرضك سالم
وذرنا وقوما إن هم عمدوا لنا=أبا ثابت واقعد فإنك طاعم

أو على وجه التوجع إن كان رثاء أو تأبينا ، نحو قول متمم بن نويرة :
وقالوا : أتبكي كل قبر رأيته=لقبر ثوى بين اللِّوى فالدكاد
فقلت لهم: إن الأسى يبعث البكا=دعوني فهذا كله قبر مالك

وأولى ما تكرر فيه الكلام باب الرثاء ، لمكان الفجيعة ، وشدة القُرحة التي يجدها المتفجع وهو كثير حيث التُمس من الشعر وجد، أو على سبيل الاستغاثة وهي في باب المديح ، نحو قول العليل بن الفرخ :
بني مسمع لولا الإله وأنتم=بني مسمع لم ينكر الناس منكرا
ويقع التكرار في الهجاء على سبيل الشهرة وشدة التوضيع بالمهجو كقول ذي الرمة يهجو المرئي :
تسمى امرأ القيس بن سعد إذا اعتزت=وتأبى السبال الصهب والأُنف الحمر
ولكنما أصل امرئ القيس معشر=يحل لهم لحم الخنازير والخمر
نصاب امرئ القيس العبيد وارضهم=ممر المساحي لا فلاة ولا مصر
تخلى إلى الفقر امرئ القيس إنه=سواء على الضيف امرؤ القيس والقفر
تحب امرؤ القيس القرى أن تناله=وتابى مقاربها إذا طلع النسر
هل الناس إلا يا امرأ القيس غادر=وواف وما فيكم وفاء ولا غدر

وكذلك صنع جرير في قصيدته الدماغة التي هجا به راعي الإبل ،فإنه كرر ( بني نمير ) في كثير من أبياتها

ويقع أيضا على سبيل الازدراء والتهكم والتنقيص كقول حماد عجرد لابن نوح ، وكان يتعرب :
فيا بن نوح يا أخا الْ=حِلس ويا بن القتب
ومن نشأ والده=بين الربا والكتب
يا عربي يا عربي=يا عربي يا عربي

ومن المعيب في التكرار قول ابن الزيات :
أتعزف أم تقيم على التصابي؟=فقد كثرت مناقلة العتاب
إذا ذكر السلو عن التصابي=نفرت من اسمه نفر الصعاب
وكيف يلام مثلك في التصابي=وأنت فتى المجانة والشباب؟
سأعزف إن عزفت عن التصابي =إذا ما لاح شيب بالغراب
ألم ترني عدلت عن التصابي=فأغرتني الملاة بالتصابي
فملأ الدنيا بالتصابي، على التصابي لعنة الله من أحله ، فقد برد به الشعر ولا سيما وقد جاء به كله على معنى واحد من الوزن ، لم يعد به عروض البيت وأين هذا من تكريره على جهة التفخيم في قوله للحسن بن سهل من قصيدة :
إلى الأمير الحسن استجدتُها=أي مزار ومناخ ومحل
أي مزار ومناخ ومحل=لخائف ومستريش ذي أمل
وهذا كقول امرئ القيس :
تقطَّع أسباب اللبانة والهوى=عشية جاوزنا حماة وشيزرا
عشية جاوزنا حماة وشيزرا=أخوالجهد لا يلوي على من تعذرا
ومن تكرير المعاني قول امرئ القيس ، وما رأيت أحدا نبه عليه:
فيا لك من ليل كأن نجومه=بكل مغار الفتل شدت بيذبل
كأن الثريا علقت في مصامها=بأمراس كتان إلى صم جندل
فالبيت الأول يغني عن البيت الثاني والثاني يغني عن الأول ومعناهما واحد لأن النجوم تشتمل على الثريا كما أن يذبل يشتمل على صم الجندل ، وقوله : "شدت بكل مغار الفتل " ، مثل قوله : " علقت بأمراس كتان "
ويقرب من ذلك وليس به ، قول كثير :
وإني وتهامي بعزة بعدما=تخليت مما بيننا وتخلت
لكالمرتجي ظل الغمامة كلما=تبوأ منها للمقيل اضمحلت
كأني وإياها سحابة ممحل=رجاها فلما جاوزت استهلت
إلا أن كثيراً تصرف فجعل رجاء الأول ظل الغمامة : ليقيل تحتها من حرارة الشمس فاضمحلت وتركته ضاحيا ، وجعل الممحل في البيت الثاني يرجو سحابة ذات ماء ، فأمطرت بعد جاوزته ,

ومن مليح هذا الباب ( في تكرير اللفظ) ما أنشد فيه شيخنا أبو عبد الله محمد بن جعفر لابن المعتز ، وهو قوله :
لساني لسري كتوم كتوم=ودمعي بحبي نموم نموم
ولي مالك شفني حبه=بديع الجمال وسيم وسيم
له مقلة شادن أحور=ولفظ سحور رخيم رخيم
فدمعي عليه سجوم سجوم=وجسمي عليه سقيم سقيم
ذكر ابن المعتز أن الجاحظ سمى هذا النوع المذهب الكلامي
قال ابن المعتز : وهذا باب ما علمت أني وجدت منه في القرآن شيئا ، وهو ينسب إلى التكلف ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا .
قال صاحب الكتاب : غير أن ابن المعتز قد ختم بهذا الباب أبواب البديع الخمسة التي خصها بهذه التسمية وقدمها على غيرها ، وأنشد للفرزدق :
لكل امرئ نفسان : نفس كريمة=وأُخرى يعاصيها الفتى ويطيعها
ونفسك من نفسيك تشفع للندى=إذا قل من أحرارهن شفيعها
وأنشد الآخر ولا أظنه إلا إبراهيم بن العباس الصولي:
وعلمتني كيف الهوى وجهلته=وعلمكم صبري على ظلمكم ظلمي
وأعلم مالي عندكم فيميل بي=هواي إلى جهلي وأعرض عن علمي
وعاب على أبي تمام قوله :
فالمجد لا يرضى بأن ترضى بأن=يرضى امرؤ يرجوك إلا بالرضى
وحكى أن إسحاق الموصلي سمع الطائي ينشد ، ويكثر من هذا وأمثاله عند الحسن بن وهب فقال : يا هذا ، لقد شددت على نفسك .
وأنشد ابن المعتز لنفسه :
أسرفت في الكتمان=وذاك مني دهاني
كتمت حبك حتى=كتمته كتماني
فلم يكن لي بد=من ذكره بلساني
وهذه الملاحة نفسها والظرف بعينه

ومن هذا الباب نوع آخر هو أولى بهذه التسمية من كثير مما ذكره المؤلفون ، وذلك نحو قول إبراهيم بن المهدي يعتذر إلى المأمون من وثوبه على الخلافة :
البر بي منك وطّا العذر عندك لي=فيما فعلت فلم تعذل ولم تلم
وقام علمك بي ، فاحتج عندك لي=مقام شاهد عدل غير متهم
وكذلك قول أبي عبد الرحمن العطوي :
فوحق البيان يعضده البر= هان في مأقط ألد الخصام
ما رأينا سوى الحبيبة شيئاً=جمع الحسن كله في نظام
هي تجري مجرى الأصالةفي الرأ=ي ومجرى الأرواح في الأجسام

وقد نقلت هذا الباب نقلا من كتاب عبد الله بن المعتز إلا ما لا خفاء به عن أحدٍ من أهل التمييز واضطرني إلى ذلك قلة الشواهد فيه إلا ما ناسب قول أبي نواس ( هذا الكلام للمحقق) :
سخنت من شدة البرودة حتى=صرت عندي كأنك النار
لا يعجب الناس من صفتي=كذلك الثلج بارد حار
فهذا مذهب كلامي فلسفي ، وقوله أيضاً :
فيك خلاف لخلاف الذي=فيه خلاف لخلاف الجميل
وأشباه ذلك مما في هذا غنى عنه ودال عليه .

.................................................. ...........................

العمدة في محاسن الشعر وآدابه : الحسن بن رشيق القيرواني
 
التعديل الأخير:

أبومهند

مراقب منتديات التعليم والتطوير
إنضم
21 أغسطس 2007
المشاركات
10,826
مستوى التفاعل
67
النقاط
48
صورة مع التحية من هذا الموضوع للأخوة الشعراء , وتسلم أخي مسلم على هذا الاختيار الموفق جدًا.
 

أبو سالم

القلـــــم الرصيـــــن
إنضم
7 أبريل 2010
المشاركات
181
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
شكرا لك أبا مهند على المرور الكريم الذي أسعدني وشرف موضوعي
لك تحياتي
 
أعلى