يكتبها ويصورها: محمد اليوسفي
(أنا أطالب الناس جميعا بقتل الذئاب والضباع والنمور والحيوانات المفترسة أينما وجدوها.. اقتلوها أيها الناس فلن ينالكم سوى الأجر والثواب)!
ما بين القوسين نص مقتبس من مقال نشر في 20 محرم 1430ه للكاتب في صحيفة الوطن صالح الشيحي، وسوف أعلق عليه، لكن بعد أن آتي على قصة قديمة وموثقة يُعتقد أنها حدثت خلال الربع الأخير من القرن الثالث عشر الهجري بمكان غير بعيد عن ما يعرف حالياً بمدينة (رفحاء) في شمالي المملكة، وتفسر القصة سر إطلاق لقب (معشي الذيب) على رجل اسمه مكازي بن دغيم الشمري؛ حيث سمع ذات ليلة عواء حزينا قريبا من الحي علم أنه صادر عن ذئب جائع تعمد خادمه طرده من المكان بواسطة الكلاب خشية أن يهجم على أغنامه، فما كان من الشمري إلا أن أمر بربط خروف في مكان قريب من الذئب ليتمكن من افتراسه وأكله منبها الخادم إلى أن الذئب ضيف عليه ما دام لم يعتدِ على الأغنام. ومما رُوي أن أحد أبناء مكازي قال نتيجة معاناته من اعتداء ذئب آخر على (حلاله):
ياذيب مانستاهله منك ياذيب
افعالنا ياذيب نبي الجزا به
ابوي عشا ابوك بالوقت ياذيب
في ليلة غدرا مظل السحابه
يوم العفون مطولين المشاعيب
وكل يصيح ويستديرن كلابه
موقف عجيب لن يصدق أو لن يستوعب بعضنا أن (الشيمة) بلغت عند الشمري حد اعتبار الذئب ضيفا عليه. وعلى أي حال، هذه مفارقة بين منطق بدوي كريم عاش في الميدان الحقيقي للسباع وهو عرضة لأذيتها في وقت كان الجهل مخيماً على الجزيرة العربية، وبين رأي (كاتب) يحث على قتل الذئاب والمفترسات (أينما وجدت) في الوقت الذي يستطيع بضغطة زر وبقليل من التروي أن يجلب كما هائلا من المعلومات والدراسات عن التوازن البيئي وحجم التدمير الذي أصاب الحياة الفطرية في براري المملكة مؤخراً نتيجة ممارسات سلبية وراءها إما المراهقة، أو الجهل والخرافات. والحديث يطول عن الخرافات المتوارثة التي ألصقت بالمفترسات وبخاصة الذئب العربي مثل استخدام أحشائه في الطب الشعبي واستعمال جلده في طرد الجن والزعم بأنه يحفر القبور ليأكل رفات البشر، ولا زالت هذه الخرافات معششة في عقول (البسطاء والسذج)، ولعلها واحدة من محفزات الرغبة في قتل الذئاب أو الحث على قتلها، غير أن أبرز الأخطار التي ستؤدي إلى انقراض الذئب العربي انتشار هواية جديدة لمراهقين يعبثون بهواية الصيد الأصيلة تلك الرياضة التي لا نستطيع نزعها من موروثنا الشعبي. هنا أنا أتحدث من الميدان، فمنذ سنوات بدأت تطفو مجموعات من مراهقي الصيد مسلحين بالبنادق المتطورة وب(الماجلان) يجوبون مناطق برّيّة نائية لا يصل إليها (الجن الأزرق) وليس فيها أثر للماشية باحثين عن الذئاب ليقتلوها ثم ينشرون صوراً فوتوغرافية لعمليات القتل في مشهد استعراضي عبر مواقع ومنتديات على الإنترنت، ويجدون من (يطبل) لهم ويسكب (العبث) على نار المراهقة، ويوهمهم أنهم شجعان بعبارات مثل (كفو يا ذيبان,، وما يجيب الذيب إلا الذيب). طبعاً أستثني في كل الأحوال من يقتلون المفترسات أو
(أنا أطالب الناس جميعا بقتل الذئاب والضباع والنمور والحيوانات المفترسة أينما وجدوها.. اقتلوها أيها الناس فلن ينالكم سوى الأجر والثواب)!
ما بين القوسين نص مقتبس من مقال نشر في 20 محرم 1430ه للكاتب في صحيفة الوطن صالح الشيحي، وسوف أعلق عليه، لكن بعد أن آتي على قصة قديمة وموثقة يُعتقد أنها حدثت خلال الربع الأخير من القرن الثالث عشر الهجري بمكان غير بعيد عن ما يعرف حالياً بمدينة (رفحاء) في شمالي المملكة، وتفسر القصة سر إطلاق لقب (معشي الذيب) على رجل اسمه مكازي بن دغيم الشمري؛ حيث سمع ذات ليلة عواء حزينا قريبا من الحي علم أنه صادر عن ذئب جائع تعمد خادمه طرده من المكان بواسطة الكلاب خشية أن يهجم على أغنامه، فما كان من الشمري إلا أن أمر بربط خروف في مكان قريب من الذئب ليتمكن من افتراسه وأكله منبها الخادم إلى أن الذئب ضيف عليه ما دام لم يعتدِ على الأغنام. ومما رُوي أن أحد أبناء مكازي قال نتيجة معاناته من اعتداء ذئب آخر على (حلاله):
ياذيب مانستاهله منك ياذيب
افعالنا ياذيب نبي الجزا به
ابوي عشا ابوك بالوقت ياذيب
في ليلة غدرا مظل السحابه
يوم العفون مطولين المشاعيب
وكل يصيح ويستديرن كلابه
موقف عجيب لن يصدق أو لن يستوعب بعضنا أن (الشيمة) بلغت عند الشمري حد اعتبار الذئب ضيفا عليه. وعلى أي حال، هذه مفارقة بين منطق بدوي كريم عاش في الميدان الحقيقي للسباع وهو عرضة لأذيتها في وقت كان الجهل مخيماً على الجزيرة العربية، وبين رأي (كاتب) يحث على قتل الذئاب والمفترسات (أينما وجدت) في الوقت الذي يستطيع بضغطة زر وبقليل من التروي أن يجلب كما هائلا من المعلومات والدراسات عن التوازن البيئي وحجم التدمير الذي أصاب الحياة الفطرية في براري المملكة مؤخراً نتيجة ممارسات سلبية وراءها إما المراهقة، أو الجهل والخرافات. والحديث يطول عن الخرافات المتوارثة التي ألصقت بالمفترسات وبخاصة الذئب العربي مثل استخدام أحشائه في الطب الشعبي واستعمال جلده في طرد الجن والزعم بأنه يحفر القبور ليأكل رفات البشر، ولا زالت هذه الخرافات معششة في عقول (البسطاء والسذج)، ولعلها واحدة من محفزات الرغبة في قتل الذئاب أو الحث على قتلها، غير أن أبرز الأخطار التي ستؤدي إلى انقراض الذئب العربي انتشار هواية جديدة لمراهقين يعبثون بهواية الصيد الأصيلة تلك الرياضة التي لا نستطيع نزعها من موروثنا الشعبي. هنا أنا أتحدث من الميدان، فمنذ سنوات بدأت تطفو مجموعات من مراهقي الصيد مسلحين بالبنادق المتطورة وب(الماجلان) يجوبون مناطق برّيّة نائية لا يصل إليها (الجن الأزرق) وليس فيها أثر للماشية باحثين عن الذئاب ليقتلوها ثم ينشرون صوراً فوتوغرافية لعمليات القتل في مشهد استعراضي عبر مواقع ومنتديات على الإنترنت، ويجدون من (يطبل) لهم ويسكب (العبث) على نار المراهقة، ويوهمهم أنهم شجعان بعبارات مثل (كفو يا ذيبان,، وما يجيب الذيب إلا الذيب). طبعاً أستثني في كل الأحوال من يقتلون المفترسات أو
الثعابين السامّة لتلافي خطرها عليهم أو على الماشية التي يملكونها، فالوضع هنا مختلف، والمتضرر لا يلام على قتلها اتقاء أذيتها شريطة ألا يكون ذلك بتعمد البحث عنها وقتلها (عبثا وإدعاء).
تؤكد الدراسات المتخصصة على خطورة تناقص المفترسات، ومنها دراسة حديثة أجراها فريق علمي ياباني على مدى سبعة أعوام ابتداء من عام 1998م على قرود البابون في مناطق متفرقة من العالم، وأمضى الفريق أشهر في دراسة القرود في المملكة، وتوصل بعد تحليل المعلومات بجامعتي كيوتو وميازاكي إلى نتائج خطيرة قد تجر إلى كارثة بيئية، إذ تتكاثر القرود في المرتفعات الجنوبية الغربية بأعداد كبيرة جداً، خاصة إذا ما أُخذ في الاعتبار الإشارة إلى أن أمراضاً خطيرة تنتقل إلى الإنسان عن طريق القرود. وقد كثرت حوادث اعتداء قطعان تلك القرود - مع ما تحمله من أمراض - على القرى والتجمعات السكانية في هذه المنطقة التي كان ينتشر فيها أنواعا من الحيوانات المفترسة (آكلة اللحوم) وهي التي تحد من تكاثر القرود فتوجد التوازن الطبيعي، غير أن المفترسات في براري المملكة كلها مسجلة حالياً ضمن الحيوانات المهددة بالانقراض. تلك حالة خلل تشبه ما يحدث في الصمان - وأيضاً أتحدث من الميدان - حيث تزايد تكاثر الجرذان الصحراوية مع ما تحمله من أمراض يمكن أن تنتقل إلى الثروة الحيوانية المنتشرة في المراعي، يحدث هذا في ظل تناقص أو ندرة أنواع من المفترسات الصغيرة التي لا تسلم من (اقتلوها أينما وجدت).
أعود إلى الكاتب الشيحي، فدعوته أطلقها في تعقيب له على حديث صحفي أدلى به الأمين العام للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها الأمير بندر بن سعود بن محمد لصحيفة عكاظ ونشرته بتاريخ 17 محرم 1430ه، حيث كشف سموه عن جملة أخطاء وأخطار لا زالت قائمة - ومنها القتل المتعمد للمفترسات - وشرح كيف أنها تؤدي إلى نتائج خطيرة تضر بالإنسان جراء عدم وجود توازن بين أنواع الحيوانات الفطرية في براري المملكة، وقال نصّاً: (إمكانيات الهيئة محدودة ولا تساعدها على تنفيذ الحلول بمفردها). وبالمقابل قال الشيحي: (أنا أتصور أن قتل الذئاب واجب ديني واجتماعي وأمني)!
أظن أن الباحثين والمعنيين بالأمر في الهيئة متفهمون لثقل مصطلحات مثل العلاقة بين مكونات الحياة الفطرية، التوازن البيئي، التنوع الأحيائي، وهي عناوين قد لا تقبلها أذهان العامة، وما زال فهم أبعاد تأثيراتها ميدانياً محصورا بين فئات محدودة من المتلقين، كما أن هناك (طرح انترنتي) في معظم المقالات والأخبار الصحفية المتعلقة بالحيوانات آكلة اللحوم، وهو طرح ينطوي على التهويل والمبالغة والتأثر (بسواليف المجالس)، وقد يضرب في عمق جهودهم التوعوية في هذا الجانب.
أرى أن الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، ولكي تحقق أهدافها، بحاجة ملحّة إلى تركيز خططها مرحلياً على النشاط الإعلامي عبر كافة وسائله وما يتطلبه ذلك من وجود جهاز أو إدارة للإعلام تمتلك من الإمكانات البشرية والمادية والفنية ما يؤهلها إلى أن تصل؛ برسائل وبرامج مؤثرة إيجابياً، إلى كافة شرائح المجتمع سعياً إلى تغيير القناعات والممارسات الناشئة عن (ترسبات الجهل)، وبالتالي تواري بالوعي صوت كل من (يهرف بما لا يعرف).
تؤكد الدراسات المتخصصة على خطورة تناقص المفترسات، ومنها دراسة حديثة أجراها فريق علمي ياباني على مدى سبعة أعوام ابتداء من عام 1998م على قرود البابون في مناطق متفرقة من العالم، وأمضى الفريق أشهر في دراسة القرود في المملكة، وتوصل بعد تحليل المعلومات بجامعتي كيوتو وميازاكي إلى نتائج خطيرة قد تجر إلى كارثة بيئية، إذ تتكاثر القرود في المرتفعات الجنوبية الغربية بأعداد كبيرة جداً، خاصة إذا ما أُخذ في الاعتبار الإشارة إلى أن أمراضاً خطيرة تنتقل إلى الإنسان عن طريق القرود. وقد كثرت حوادث اعتداء قطعان تلك القرود - مع ما تحمله من أمراض - على القرى والتجمعات السكانية في هذه المنطقة التي كان ينتشر فيها أنواعا من الحيوانات المفترسة (آكلة اللحوم) وهي التي تحد من تكاثر القرود فتوجد التوازن الطبيعي، غير أن المفترسات في براري المملكة كلها مسجلة حالياً ضمن الحيوانات المهددة بالانقراض. تلك حالة خلل تشبه ما يحدث في الصمان - وأيضاً أتحدث من الميدان - حيث تزايد تكاثر الجرذان الصحراوية مع ما تحمله من أمراض يمكن أن تنتقل إلى الثروة الحيوانية المنتشرة في المراعي، يحدث هذا في ظل تناقص أو ندرة أنواع من المفترسات الصغيرة التي لا تسلم من (اقتلوها أينما وجدت).
أعود إلى الكاتب الشيحي، فدعوته أطلقها في تعقيب له على حديث صحفي أدلى به الأمين العام للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها الأمير بندر بن سعود بن محمد لصحيفة عكاظ ونشرته بتاريخ 17 محرم 1430ه، حيث كشف سموه عن جملة أخطاء وأخطار لا زالت قائمة - ومنها القتل المتعمد للمفترسات - وشرح كيف أنها تؤدي إلى نتائج خطيرة تضر بالإنسان جراء عدم وجود توازن بين أنواع الحيوانات الفطرية في براري المملكة، وقال نصّاً: (إمكانيات الهيئة محدودة ولا تساعدها على تنفيذ الحلول بمفردها). وبالمقابل قال الشيحي: (أنا أتصور أن قتل الذئاب واجب ديني واجتماعي وأمني)!
أظن أن الباحثين والمعنيين بالأمر في الهيئة متفهمون لثقل مصطلحات مثل العلاقة بين مكونات الحياة الفطرية، التوازن البيئي، التنوع الأحيائي، وهي عناوين قد لا تقبلها أذهان العامة، وما زال فهم أبعاد تأثيراتها ميدانياً محصورا بين فئات محدودة من المتلقين، كما أن هناك (طرح انترنتي) في معظم المقالات والأخبار الصحفية المتعلقة بالحيوانات آكلة اللحوم، وهو طرح ينطوي على التهويل والمبالغة والتأثر (بسواليف المجالس)، وقد يضرب في عمق جهودهم التوعوية في هذا الجانب.
أرى أن الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، ولكي تحقق أهدافها، بحاجة ملحّة إلى تركيز خططها مرحلياً على النشاط الإعلامي عبر كافة وسائله وما يتطلبه ذلك من وجود جهاز أو إدارة للإعلام تمتلك من الإمكانات البشرية والمادية والفنية ما يؤهلها إلى أن تصل؛ برسائل وبرامج مؤثرة إيجابياً، إلى كافة شرائح المجتمع سعياً إلى تغيير القناعات والممارسات الناشئة عن (ترسبات الجهل)، وبالتالي تواري بالوعي صوت كل من (يهرف بما لا يعرف).
تقبلوا مني احلى الاماني