فايز بن عيد
مشرف سابق
- إنضم
- 13 نوفمبر 2007
- المشاركات
- 501
- مستوى التفاعل
- 14
- النقاط
- 18
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد
أحبتي الكرام مرتادي منتدى بني مالك الموقر
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد
أحبتي الكرام مرتادي منتدى بني مالك الموقر
:t1:
لقد كثر الكلام في المنتدى حول اختلاف العلماء واحتد طلب النزال حولها بين شخصيتين نحبهما ... واشتهرت مقولة (( إن اختلاف العلماء رحمة )) فأردت أن أقرر للجميع هذه المسألة ليستنير بها طالب الحق ومريد الهدى المبتعد عن مسايرة الهوى فأقول وبالله التوفيق
أولا : نعلم جميعا أن الحق واحد لا يتعدد ، وأن العالم المجتهد المخطئ في اجتهاده له أجر على اجتهاده وأن خطأه مغفور له وزلته معفو عنها أما المصيب من العلماء في الحكم فله أجران ... أجر لاجتهاده ، وأجر لإصابته الحق في فتواه .
ثانيا : ليعلم أن الخلاف بين العلماء ليس دليلا يحتج به على المسائل والأحكام ... وإنما الحجة تكون في الدليل وهو الذي يجب اتباعه وتحكيمه في مسائل الخلاف ... والقاعدة المقررة أنه لا اجتهاد مع النص
ثالثاً : هل اختلاف العلماء رحمة ؟ هل هذه العبارة صحيحة على إطلاقها ؟
الجواب : ليست هذه العبارة على إطلاقها فليس كل خلاف يطلق على أنه رحمه فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه حين أتم الصلاة أربعا خلف عثمان ابن عفان رضي الله عنه يوم عرفة مع أنها تقصر معللا سبب متابعته لعثمان... قال رضي الله عنه : لولا أن الخلاف شر لما اتبعته ... وقد قال النبي صلى الله عليه سلم لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري حين بعثهما إلى اليمن: (( تطاوعا ولا تختلفا )) لعلمه صلى الله عليه وسلم بخطر الخلاف وأنه شر ولقد ذم الله الأمم السابقة التي اختلفت في كتابها وفي دينها ، وبين سبحانه أن ما دخل الضلال والشك والارتياب للأجيال التي من بعدهم إلا من جراء اختلاف كبرائهم وأهل العلم منهم فقال جل وعلا وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ، ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ) الآية 14 من سورة فصلت . وقد ذكرها الله لنا لنتعظ بها لا لمجرد التسلية والاستمتاع .
فالخلاف في العقائد غير سائغ ... والخلاف الذي يجر إلى فتنة أو يوقع في مفسدة أ, يفتح باب شر ... لا يعتبر بحال من الأحوال رحمة .
رابعا : لسائل أن يقول ما الخلاف السائغ بين العلماء إذا ؟
الجواب : هو الخلاف في الأمور العملية التطبيقية ويكون له حظ من النظر ... ومعنى أن يكون له حظ من النظر ...أي الاجتهاد المبني على دليل ... فيكون الاجتهاد في فهم النص والاستنباط منه ... حيث تختلف فيه أفهام العلماء ... حسب القواعد والأصول التي يتبعها كل عالم في طريقة استنباطه الأحكام ... ومن قرأ كتاب (( المدخل إلى فقه الإمام أحمد )) لابن بدران الدمشقي ... فقه هذه المسألة حق الفقه.
خامسا :قد يزل العالم في الفتوى ويخطئ في فتواه لأنه غير معصوم من الخطأ فهل يجوز متابعته في فتواه والاحتجاج بها أمام الله ويوم الوقوف عليه مع العلم أننا سمعنا وعلمنا فتوى غيره ويكون الحق مع هذا لا ذاك ... فاتبعنا من زل في فتواه لأنها توافق هوى النفس ومرادها ..... هنا أترككم مع هذه النقول لتقرير الجواب على هذه المسألة :
نقل ابن حزم وابن عبد البر الإجماع على منع تتبع الرخص مطلقًا
وقال بعض العلماء عمن يتتبع رخص العلماء : أنه يفسق معللين ذلك بما يلي :
1- أن الله تعالى أمر بالردّ إليه وإلى رسوله، واختيار المقلّد بالهوى والتشهي مضاد للرجوع إلى الله ورسوله.
2- أن تتبع الرخص مؤدٍ إلى إسقاط التكليف في كل مسألة مختلف فيها؛ لأن له أن يفعل ما يشاء ويختار ما يشاء، وهو عين إسقاط التكليف، فيُمنع لذلك.
3- أن القول بتتبع الرخص يترتب عليه مفاسد عظيمة، منها:
أ- الاستهانة بالدين، فلا يكون مانعًا للنفوس من هواها، ومن مقاصد الشرع إخراج الإنسان عن داعية هواه، والقول بإباحة تتبع الرخص فيه حث لإبقاء الإنسان فيما يحقق هواه.
ب- الانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، ثم إنه لا يوجد محرّم إلا وهناك من قال بإباحته إلا ما ندر من المسائل المجمع عليها، وهي نادرة جدًا.
ج- انخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف، فتضيع الحقوق، وتعطّل الحدود، ويجترئ أهل الفساد.
د- إفضاؤه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم.
ومن الآثار المروية عن السلف في ذم تتبع الرخص:
قول الأوزاعي: "من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام"،
وعن سليمان التيمي قال: "لو أخذتَ برخصة كل عالِم اجتمع فيك الشرّ كله".
كذلك فقد روي عن إسماعيل بن إسحاق القاضي قال:" دخلت على المعتضد فدفع إلي كتابًا نظرت فيه، وكان قد جمع له الرخص من زلل العلماء وما احتجّ به كلٌ منهم لنفسه، فقلت له: يا أمير المؤمنين مصنف هذا الكتاب زنديق، فقال: لم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد فأُحرق ذلك الكتاب".
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى : ومن تتبع رخص المذاهب وزلات المجتهدين فقد رق دينه
آخيرا :من هو العالم الذي ينبغي لنا أن نستفتيه وهل يسوغ أن نتبع من نشاء ونحن نستطيع سؤال العلماء الربانيين الأثبات الثقات ؟
وإليكم الجواب : قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
والذي أرى في هذه المسألة أنه يسأل مَن يراه أفضل في دينه وعلمه
فإنه يجب على العامي أن يسأل مَن يراه أوثق في علمه من علماء بلده، لأنه كما أن الإنسان الذي أصيب بمرض في جسمه فإنه يطلب لمرضه مَن يراه أقوى معرفة في أمور الطب فكذلك هنا؛ لأن العلم دواء القلوب، فكما أنك تختار لمرضك مَن تراه أقوى فكذلك هنا يجب أن تختار مَن تراه أقوى علمًا إذ لا فرق
وقال الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله : لا شك أنه يحصل اختلاف كثير في الفتاوى بسبب اختلاف الاجتهاد، وبسبب اختلاف الأفهام في الأدلة، وهو ما حصل بسبب الاختلاف بين الأئمة الأربعة، ولذلك نرى أنه لا يُلتفت إلى الخلاف الذي ليس له حظ من النظر، كما لا يجوز تتبع الرخص وزلات العلماء، ولا يجوز للعالم الفتوى بما يُخالف النصوص، كما لا يجوز له اختيار ما هو مناسب للواقع، والمشتهر بين الناس كإباحة السفور أو السفر للمرأة بدون محرم وإباحة الأغاني وتصوير ذوي الأرواح ونحو ذلك مما هو مُخالف للنصوص، والله أعلم.
أما مجمع الفقه الإسلامي، فقد نصّ على أن الرخص في القضايا العامة تُعامل معاملة المسائل الفقهية الأصلية إذا كانت محقّقة لمصلحة معتبرة شرعًا، وصادرة عن اجتهاد جماعي ممن تتوافر فيهم أهلية الاختيار، ويتصفون بالتقوى والأمانة العلمية.
ونصّوا على أنه لا يجوز الأخذ برخص الفقهاء لمجرد الهوى؛ لأن ذلك يؤدي إلى التحلّل من التكليف، وإنما يجوز الأخذ بالرخص وفق الضوابط الآتية:
أ- أن تكون أقوال الفقهاء التي يُترخّص بها معتبرة شرعًا، ولم توصف بأنها من شواذ الأقوال.
ب- أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرخصة دفعًا للمشقة، سواء أكانت حاجة عامة للمجتمع أم خاصة أم فردية.
ج- أن يكون الآخذ بالرخص ذا قدرة على الاختيار، أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك.
د- ألا يترتب على الأخذ بالرخص الوقوع في التلفيق الممنوع، وألا يكون الأخذ بذلك القول ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع، وأن تطمئن نفس المترخص للأخذ بالرخصة.
وفي الختام ... فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (( اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه)) ... فمن منا يدعو بهذا الدعاء ... ومن أحوج به نحن أم هو صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي .... وكان يكثر في دعاءه من قول : (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )) ... وحين سألته عائشة عن سبب ذلك قال : (( إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .. يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا )) أو كما قال ...
وقد أثنى الله في كتابه الكريم على الذين يدعون الله دائما خائفين على قلوبهم من الزيغ قائلين : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )
فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه إنك سميع مجيب ... آمين
التعديل الأخير: