غربة الحنين إلى أعماق القرية ١٣٨٠-١٣٩٥

ابو يوسف الشوقبي

مراقب بوابة الشعراء
إنضم
31 ديسمبر 2008
المشاركات
7,215
مستوى التفاعل
70
النقاط
48
الإقامة
عروس المصايف

(غربة الحنين إلى أعماق القرية )
١٣٨٠-١٣٩٥
كانت الناس في ثمانينات القرن الهجري الماضي - خاصة في معظم قرى السعودية -تدور في محيط قبائلها ، تحرث مزارعها ، وتبني ديارها، يسكن الولد -إذا تزوج -مع والده ... ويعيش الجميع بمفهوم الأسرة الواحدة .... وهكذا

عاش الناس ردحاً من الزمن
ثم ماذا .... ثم فتحت المدينة ذراعيها لأهل القرى ، تغريهم
بالوظائف ، ورغد العيش ؛ فذهب من كل قبيلة ثُلَّة لتحسين الوضع سنتين أو ثلاث ، ثم العودة والاستقرار في مسقط الرأس، ولكن القادم من المدينة كان يعود لقبيلته وقريته بهيَُّّ الطلعة ، جميل الملبس ، لديه المال والسلاح .... فتحيي القبيلة والقرية لاستقباله الأفراح ، والليالي الملاح ، وما درت أنها بهذا الاحتفاء تبذر حب الرحلة في قلوب الجيل الصاعد ، وتقطع من لحم ذراعيها لتطعم المدينة بأغلى مقوماتها وعدتها ... "فلذات أكبادها" ...
لكِ اللهُ أيتها القبيلة والقرية ، كم كنت كريمة وأصيلة ... تغذين المدينة بقمحك ودُخْنك وبُنِّك ... تمدينها بالسمن والسمين ، وبالجِلد المدبوغ والمرَس المربوع ... ولكنك بالغتي في الكرم ؛ فمددتِ المدينة بالسواعد السمراء المفتولة ، التي كانت تحرث وتقلع وتقطف البن وتزرع ، وتحطب وتسرح ، وتذرِّي وتمرح ، وتحفر وتنثل وتبني وتكْحل ..
عندها أيتها القرية والقبيلة فقدتِ أعظم مقوماتك ...
فهل ياترى ستستعيدين من المدينة ما أخذت منك ، وهل تعودين لعصرك الذهبي ، متوشحة بزينة العلم وقوة المال وصلابة الرجال ؟!
هل ستعودين بمزارع منتجة وأجيال متوثبة ، وقلوب صافية نقيه ،
كلما تأملت التجاذبات بين المكانين والمكونين الاجتماعيين يتوهج الحنين وتنثال عليَّ أسئلةٌ شتّى تقول :
أين القرية التي كانت تستيقظ مع الفجر ولها دوي كدوي النحل ؟
أين القرية التي كانت تتمتع باكتفائها الذاتي ؛ فتأكل من حَبٍ بذرته ، ثم حصدته ، سمنها من حلال مراعيها
لا من شركة المراعي ، والعسل من مناحل نحّالة محليين ، وجرّامة أصليين .
أين القرية التي تستقي ماءها في قربة من صنع نسائها ، وتحرث أرضها بمحراث قُطع من سدرة قريبة أو سيالةٍ مجاورة لها ثم صُنع محلياً وبأيدي أبنائها .
أين القرية التي تخرج سوارحها ضحىً كأنها قِطعٌ من نوِّ الخريف تتمازج أصواتها ببدوع رعاتها لتؤلف أعذب أغنية بين القرية ومراعيها ؟

أين القرية التي تسمع للعَمَّالة فيها أصواتاً وزملات ، فهذا يقترع ضمدَه ويفدّي ، وذا يدمس ليجلّب ، وثالث يوسّد ويبدّع .. وربة دار تلحقهم في الغدوة بزنبيل تتطاول مع جوانبه قرصان البر وتتمايل ، وبراد الشاي المحجل بالسواد يوحي بجلسة استراحة لا أروع ولا أهنأ منها ، نشم فيها رائحة الطين المحروث في بساطة وتآلف لا تجد لهما مثيلا .

أيتها القرية أين صلاة العيد التي كانت لها فرحة تطرد النوم من ليلته ؟!

أين التزاور يوم العيد والمرور على كل بيت ، وأين طلائل البرك والشيح والريحان التي كانت تزين رؤوس الشيبان وجيوب الشباب .

أين مهرجان العرضة الخفيفة بعده ابتهاجاً بالانجاز وادخالاً للسرور في كل مكان لقد كانت القرية تغنَّي رغم التعب والإجهاد ، إنها تصنع الفرح رغم قسوة الحياة .
أين المناصع البعيدة التي يتبارى فرسان الرماية في كسرها في إشارة على الاستعداد للحرب وكسر العدو ؟
أين لقيمات من الظهرة والورك من لحم التقطيعة التي يظفر بها كل من يوشي و ينزع ويقطِّع ؟

أين الطفاه ، أين النُّصده ، أين الصحفة ، أين أقداح المرق التي كُنَّا نتسلّى بها في " الجرين" بعدما نُدْني الضيوف ؟
أين أكرمْ يا مضيفنا ، وأكرم الله ضيفاننا وجماعتنا
.. واخلف الله عليك .

ياسقى الله تلك الأيام على ما فيها من صعوبات ومشقة ، فلها في القلب حنين ، وتذكارها ينتزع من الصدر الأنين .. المنبيء عن حب دفين .

سلامٌ عليك أيتها القرية والقبيلة ، وتحية أبعثها - ا رغم غُربة هذا الزمن - ، وفاءً لك ، مسلِّماً عليك ، وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي.
منقول​
 

ريحانة بجيله

Active Member
إنضم
18 فبراير 2018
المشاركات
5,428
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
موضوع قيم



جزاك الله خير

وأحسن إليك فيما قدمت
دمت برضى الله وإحسانه وفضله
 

أريج الروح

مراقبة المنتديات العامة
إنضم
28 ديسمبر 2017
المشاركات
11,395
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
موضوع جميل جدا عن القرية وعن اصالة القرية وبالاحرى نقول مفهوم اسم ومعنى القرية الحقيقي


لانه القرية زمان ليست هي القرية الان حتى في البنايات والمعمار ..بحيث تجد التصميم في البناء لايختلف عن المدينة ،، ضاعت تلك الحلاوة في مشاهدة البيوت بالطين والقش
والنباتات متفرقه وغير منتظمه .. عشوائيه ،،والدواجن احيانا تجدها داخل البيوت ،،
الناس في القرية تأثرو بالمدينة وبيوتهم لم تعد تفرق عن المدينة بشيئ واصبحت مجهزة احسن تجهيز وكانهم فيلات صغيرات داخل مزارع ،،ربما كما دكرتم في الموضوع الابناء وهجرتهم للمدينه

منهم من ثمر فيهم الخير ولم ينسو القرية ولا الاهل او الاحباب لكن فيهم وللاسف الذين يتنكرون حتى لاهلهم فمجرد ان يدهب للمدينه تنقطع اخباره مع المدة او يقل مجيئه لزيارة دويه
المشكله يااخي ابناء القرية هم الذين كانت تعتمد عليهم المدينة في الفلاحة والزراعه
الان الكل يريد الدراسة والعلام ويقعد على الكرسي في مكتب ،،
ومنهم من اهلهم يبيعون اراضيهم يتبعون اولادهم ويدخل للمدينة ليشتري قفص يسكن فيه ويفتح دكان ليعيش منه
لقد اصبحت التفرقة في القرية فبعد ان كان الناس جميعهم يعيشون حياة بسيطه ويمثلون يدا واحدة في كل شيئ يخصهم الان اصبح العكس ،،فمنهم من اصبحو اغنياء ومنهم من ظلو فقراء لانه لم يعد ذالك التعاون يسود بينهم ولم تعد هيديك الرحمة بين الناس الكل بيشوف نفسه ،، لتصبح القرية بهذا امرها اصعب في ظل مانعيشه الان من العولمة ..
لاتسمع غير انها القريه وكانه اصحاب القرية معدومين ومحكوم عليهم يظلو من غير ان يستفيدو مما وصل له العصر من التطور فمادام ابنائهم خرجو للعلام فلابد ان تصبح القرية احدى الفروع الصغيرة للمدينة وتاخد حقها هي الاخرى في كل مايخص الحياة الاجتماعية
لدعم اقتصادها بمايخص الزراعه الحديثه ..ولو بس شباب القرى الذي يهاجرون يفكرون في انشاء مشاريع بسيطه لقراهم لكن للاسف تاخدهم المدن واضوائها المصنعه هههه
ومنهم من يصبح لاهو ابن المدينه ولا ابن القريه تضيع شخصيته الحقيقية

اسمح لي ربما قد خرجت عن صلب الموضوع وعن معنى الحنين للقريه
ربما كانت قلوب الناس صافية انذاك تجمعهم الحلوة والمره وليس كما الان فقسوة الزمن وضعف الايمان تغير من طباع الناس وخاصة اذا تفاوتو اجتماعيا

شكرا اخي الكريم على تنقيك هذا الموضوع الجميل
وتحياتي لك

 

أسيرالشوق

المراقب العام
إنضم
18 أكتوبر 2007
المشاركات
55,084
مستوى التفاعل
48
النقاط
48
الأخ العزيز أبو يوسف

لقد عشنا تلك المرحلة وحقيقةً كانت من أفضل الأوقات

كانت الناس قي تلك الأيام طيبة القلوب وخفيفة الروح

كان السفري عندما يعود لجماعته من المدن يستقبل استقبال الفاتحين وهو محملاً بالهدايا

كالحمص الأصفر والحلوى وتقوم امه أو زوجته بتوزيعها على الأطفال فتعم الفرحة كل القرية

أشكرك على النقل المميز
 
أعلى