أبو معاذ الرباحي
ايقاع القلم
- إنضم
- 4 سبتمبر 2007
- المشاركات
- 402
- مستوى التفاعل
- 12
- النقاط
- 18
- الإقامة
- الريـــــاض
- الموقع الالكتروني
- www.facebook.com
بسم الله الرحمن الرحيم
أزمة التكــفير
تطرقّت في الموضوع السابق "أزمة في التفكير"
إلى الأزمة الفكرية التي يعيشها بعض الكتّاب المعاصرين
والتي أوصلت الكثير من معتنقيها إلى درجة عبادة العقل من دون الله ..
وتقديس الرأي والفكر على قال الله قال رسول الله..
وتقديس الرأي والفكر على قال الله قال رسول الله..
وبيّنت في ذلك الموضوع أسباب تفشي تلك الأزمة وطرق علاجها ويمكن الرجوع لها لمن أراد الفائدة..
***
***
أما هذه المرة..
فسوف أتطرق لأزمة فكرية جريئة في الطرح.. قديمة النشأة وحديثة التطور..
ولدت قديماً على اليد الخوارج القدماء في القرن الأول..وتطورت حديثاً على يد الخوارج الجدد..
نَتجت كـردة فعل مضادة لـ(أزمة تقديس العقل)
واتجهت على تساوي معها في الانحراف الفكري وتعاكس لها في الاتجاه العقدي..
أزمتنا .. هي أزمة التكفير..
أو أزمة من أزمات الفكر التكفيري المعاصر..
تلك الأزمة التي تعاني منها الأمة الإسلامية الأمرّين ،
بدأت عند بعض شباب الأمة بالحماسة والغيرة وانتهت بهم إلى التكفير والتفجير..
أُهدرت بسببها دماء ، وهدمت على رؤوس أصحابها مجمعات ، وعِيث بسببها في الأرض فساداً.
أزمة فكرية .. تعتمد على عدة أصول ومعتقدات أبرزها وأخطرها "تأويل النصوصوالأدلة الشرعية" وتجريدها عن إجماع علماء الأمة وعزلها عن الاعتبارات المرعية من مصالح مرسلة ومفاسد محققة وخلافه..
***
***
لن أطيل عليكم في تشخيص هذه الأزمة ..
ولكن سأختصر الطرح بإيراد قصة حوار دارت بيني وبين أحد الشباب المتأثرين بهذه الأزمة..
وستبيّن تلك القصة الحوارية لك أخي القارئ الكريم
مدى خطورة تلك الأزمة "تأويل النصوص الشرعية" وشناعة التناقض في العقلية التكفيرية وخطر الانتقائية من الأحكام الفقهية والأدلة الشرعية.
***
فقبل عدة سنوات و بجوار المسجد في حينًا..وبدون أي ميعاد..
تحاورت مع أحد الشباب من أبناء الجيران..من ذوي الأفكار المتحمسة والآخذة في الانحراف الفكري..
قررت مناقشة ذلك الشاب ..
بصفتي خريج كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وسبق لي أنبحثت في مواضيع عقدية منها على سبيل المثال"التكفير والتفجير الأسباب والعلاج" ، والذي كان عبارة عن بحث فصلي تحت اشراف استاذ العقيدة في الجامعة أ.د.ناصر العقل - مشرف موقع وسطية
لا أدَّعي بذلك العلم والتعالم..
ولكنه الواجب الشرعي والحس الوطني..
اللذان يُحتّمان عليّ الايجابية وتقديم النصيحة بالحوار والنقاش بالتي هي أحسن..
خاصة لما رأيته في ذلك الشاب من طيبة زائدة وحماسة متوقدة قد تستغل مستقبلاً لأعمال لا تحمد عقباها.
(كان الحوار في بداية توجهاته الفكرية)
***
***
دار الحوار بيني وبينه بكل هدوء ووضوح ..
وكان جُله يدور حول أصول ومبادئ في العقيدة تتمحور حول "تأويل النصوص الشرعية و"الانتقائية في الفتوى" وأثرها على فكر الشباب المسلم
وكنت أذكر له الآيات والأحاديث في ذلك وكان التركيز على الاستدلال من فتوى العلماء المعاصرين وما تحويه من أدلة شرعية واعتبارات عقلية (درء المفاسد، مصالح مرسلة مفاسد محققة ، وخير الخيرين ، وشر الشرين.. إلخ)..
وفي المقابل كان تركيز ذلك الشاب واعتماده على الاستدلال في مسائل حوارنا على تقريرات وفتوى علماء الدعوة النجدية ، فكان يستدل بها بكل تشدّد وانتقائية ويعتبرها هي عمدته ومرجعيته الرئيسية في الفتاوى..
بعد وقت من الحوار
انتقل الحوار بيننا إلى مسائل في التكفير وتركزت على أبرزها "مسألة موانع تكفير معيّن" ( الجهل ، الإكراه ،التأويل ،التقليد)
وكنت من خلال تحاوري معه ألمس منه بوادر التوجه الخطير في تفكيره وذلك عند كلامه على تلك الموانع فكان شديداً لا أراه يعذر أحداً بسهولة لا بتأويل ولا بجهل ولا بغيره إلا بالكاد.
وبعد توسع الحوار وتشتت المواضيع..
تأكدت بأن الحوار معه لن يُجدي..
وقررت فض الحوار والانصراف عنه..
وفجأة..
وبينما نحن واقفون بجانب سيارته عند المسجد..
.. إذ بملصق في زجاج مؤخرة سيارته يحمل عبارة لفتت انتباهي وفتحت لي أفاق في إكمال الحوار معه..
كان ذلك الملصق مكتوب عليه عبارة "وااااااا معتصماه"
تأملت ثم فكرت في ذلك الملصق..
ثم سألته بضع أسئلة عن تلك الجملة..
فقلت له فلان:ما المقصود من الحرف"وا "... عند أهل اللغة؟ فقال لي :حرف نداء واستغاثة
قلت :فمن هو المعتصم؟ : قال: حاكم عباسي.
قلت:أحي هو أم ميت؟ .. قال: بل ميت.
قلت:فما الحكم المتقرر عند أئمة الدعوة النجدية في الاستغاثة بالأموات؟ قال: شرك أكبر.
قلت: إذا كان كذلك فأنت إذاً تستغيث بالأموات؛ والمستغيث بالأموات مشرك!! (1)
قال: أنا جاهل ولا أعلم كلام العلماء في هذه المسألة
قلت له: فمثلك لا يعذر بالجهل(2)(وهذا لازم كلامك السابق ولازم كلام أئمة الدعوة قديماً وحديثا الذي أنت معتمد عليه في الاستدلال) ثم أيضاً كيف تُعذر بالجهل وأنت طالب جامعي وحافظ للقرآن الكريم وللمتفق عليه من الصحيحين.
وبعد أن كثرت عليه الحجج .. وعلم بأنه غُلب وأُخذ بلازم قوله وبلازم فكره..
سكت ..
ثم أدار لي ظهره وركب سيارته وانصرف عنّي بعيداً إلى غير رجعه..
عندها حمدت الله من كل قلبي على نعمة الهداية ..
ودعوت لذلك الشاب بأن يصلح الله قبله ويرده إلى الحق رداً جميلاً
***
***
بعد مرور الأيام والسنين ..
كانت تأتيني أخباره بين الفينة والأخرى..
تخبرني بتفاقم أزمة الفكرية..
حتى أتتني أخباره مؤخراً تخبرني بأنه..
الآن يخضع لبرنامج المناصحة في أحد الجهات الرسمية المتخصصة..
وأنا متأكد كل التأكيد بأنه سيجد هناك من العلماء والمفكرين منهم أكفأ وأكثر علم ودراية منــي بهذه الأمـور..
وفي الختام
أسال الله بمنه وكرمه
أن يصلح قلوبنا وأن يثبتنا على الحق..
إنه ولي ذلك والقادر عليه..
وتقبلوا تحيات
أبو معاذ الربــاحي،،،
_________________________________________
1- "((استعمالها(وامعتصماه) يخشى أن يوقع في الشرك أو يفتح باب الشرك" الشيخ الوزير صالح آل الشيخ- شرحه على ثلاثة الأصول
2- الصحيح أنه يعذر بالجهل ولكن كان الكلام على سبيل المحآجة ومن باب الأخذ بلازم القول