الشيخ الشريم والمظاهرات

إنضم
26 ديسمبر 2007
المشاركات
202
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
Taif
خطبة صلاة الجمعة للشيخ الدكتور سعود الشريم


الحمدلله رب العالمين , ولي المتقين , واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله , وصفيه وخليله وخيرته من خلقه بلغ الرساله وادى الامانه ونصح الامه وجاهد في الله حق جهاده ..

وصلوات الله وسلامه عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين وعلى اصحابه والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا ,

اما بعد :

فاتقوا الله عباد الله واعلموا ان اصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعه وكل بدعة ضلاله

عباد الله :

الأمم والمجتمعات المعاصره تعيش اوج حضارتها حتى اكلت منها وشبعت فاصابها القيء بعد التخمه والجوع بعد القيء , ومن المعلوم بداهة ان التخمه لاتقل شرا عن الجوع ونحن في هذا الزمن لدينا مخزون هائل في مجال العلم والفقه والاعلام والسياسة والا قتصاد والفكر وحياة الناس بعامة مليئة بالمدلهمات والخطوب ونوازل المجتمعات والامم بين مد وجزر لايسلم منهما مجتمع ولايكاد , الا من رحم الله ,

وان من اعظم النوازل واخطرها تهديدا في استقرار المجتمعات هي تلكم النوازل الفكرية والمدلهمات الثقافية والحراك السياسي والتي اعترت المجتمعات المسلمة على حين فترة من الوفاق وقوة المرجعية , ومتانة الانتماء للدين والمجتمع المتدين , ماسبب تعارك الثقافات والسياسات . وبرود الطارحات تلو المطارحات , دون ولا في فوضى خصومة ثائرة ليس فيها من اطراف الخلاف الا المدعي والمدعى عليه وحضور الخصومة كل يدلي بدعواه ويرى انه الحق في ظل تشويش وتهميش . ومالظن يارعاكم الله , بخصومة تفتقد قاضيها , نعم عباد الله اذ في الليلة الظلماء يفتقد البدر وماهو هذا البدر الذي سيمحو ظلمة التحارش والتهارش واللمز والهمز , ان هذا البدر عباد الله هو الحكمة ,
نعم الحكمة غائبة , في ظل الخلافات المتفتقه , الحكمة التي تقود الركب الى بر الامان والنجاة من الهلكة , الحكمة التي يفتقر اليها , كل مجتمع الفلاح , لترتب له قائمة الاولويات ودرجات المصالح ودركات المفاسد ,
الحكمة التي لاتوجد الا في مستودع المرء الصفي النقي الصادق العامل والعالم الواعي والسياسي المحنك , العارف بواقعه وحال مجتمعه , المخلص لربه المتبع لنبيه صلى الله عليه وسلم , الحريص على استقرار مجتمعه و وطنه ,

الحكمة عباد الله مأخوذة من الحكم وهو المنع , فكأن الحكمة تمنع المرء من الشين وتقوده الى الزين يقال حكمت الدابة اذا امتنعت عن السير , والحكمة كلها خير ولاتاتي الا بخير , ولم ياتي ذكرها على وجه الذم قط , لا في كتاب الله ولاسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , ولا في كلام السابقين , والناس ثلاثه حكيم و نبق وجاهل فالحكيم الدين شريعته والراي الحسن سجيته واما النبق فان تكلم عجل وان تحدث اخطأ ,

واما الجاهل فان حدثته شانك وان وثقت به لم يرعك وللحكمة في الكتاب والسنة معان كثيرة ولقد ورد لفظها في القران عشرين مره , وقد سمى الله نفسه الحكيم ومن صفاه جل وعلا الحكمة , ومما قيل عن الحكمة انها وضع الشيء في موضعه اللائق به , وقيل هي فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي , وهذا هو اظرف معاني الحكمة وهي مكملة العلم والفقه , حيث اثنى الله على نبيه سليمان عليه السلام حين آتاه هذه المنه ,

فقال سبحانه <{ ففهمناها سليمان و كلا اتيناه حكما وعلما }>
ولقد وهب لقمان الحكمة منة منه سبحانه وفضلا فقال جل وعلا <{ ولقد اتينا لقمان الحكمة }>
فالحكمة منّة من الله سبحانه لعباده اذ ما اعطي العبد شيئا بعد الايمان بالله والخلق الحسن اغلى من الحكمة ,
كيف لا وهي منحة يختص الله بها من يشاء من عباده فقد قال سبحانه <{ يؤتي الحكمة من يشاء }>

والحكمة خير كثير تجمع للمرءر مكارم الاخلاق والتصرفات , فهي مهبط وحاها وخصها الحاكم ,
ولقد صدق الله ,<{ ومن يؤتى الحكمة فقد اؤتي خيرا كثيرا وما يتذكر الا اولو الالباب }>

فكم هو مفرط من لم يفعل الحكمة , وكم هو احمق من لم يرد الحكمة وكم هو عبد لهواه من استنكف عنها
الحكمة عباد الله لاتشترى بالمال , ولا بالذهب ولا بالمرجان والابريق , واستخراجها يفوق استخراج اللالئ من اعماق البحار , فيا لله ماذ يصنع فاقد الحكمة , ويا لله ماذا يخشى من اؤتيها ,

الحكيم عباد الله يعرف متى يتكلم , ومتى يصمت لان من الناس من لايكْرم الا بلسانه ولا يهان الا به ,

والحكيم يعرف مواضع الاكرام ويعرف مواضع الاهانه , لانه يدرك انه اذا قال ربما ندم , وان لم يقل لم يندم , وهو على رد ما لم يقل اقدر منه على رد ما قال , والكلمه اذا تكلم بها ملكته وان لم يتكلم بها ملكها .

وربما صار حكيما بالصمت تاره , وربما صار حكيما بالنطق تارات , وعند المدلهمات , يعرف الحكماء , الذين لاتحكمهم النظرة الشخصية والاهواء فيها , ولا تقودهم الشبهة والسعوة اليها ,

ورضي الله عن معاوية مثلا يحتذى في الحكمة , من خلال مبدأ الشعرة التي عرف بها , عند السابق واللاحق ,
ولقد ضرب لنا شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله , مثلا رائعا يتجلى من خلال مفهوم الحكمة في واقعه وتعامله مع مخالفين للصواب , حيث قال , كنت اقول للجهمية من الحلولية والبكاء , الذين نفوا ان الله فوق العرش , لما وقعت محنتهم , انا لو وافقتكم كنت كافرا , لاني اعلم ان قولكم كفر , وانتم عندي لاتكفرون , لأنكم جهال ,,

فالله اكبر ما اعظم هذا العلم المعبر بالحكمة المتينة , ولذا عندما يكون الحدث مشوشا متنازع الهوية غامض المعاناة , فإن البسطاء هم اول من يتبعه ويسيروا في ركابه , ويبحثوا وراءه , فيطيرون كاثواب طير يتبع بعضهم بعضا , يفتقرون الى الحكمة التي هي مزيج يتفاعل معه العلم مع الواقع المتفتح على حركة المجتمعات في الحياة ,لتصبح عنصرا متجددا يلاحق الحياة في آفاقها وخطواتها ليتبلور من خلالها الراي السديد والاسلوب العملي الذي يتلاءم مع التقنية العامة للمجتمع بكافة مسئولياته , ومن هنا تبرز الشخصية الحكيمة التي تفكر بحساب وتعمل بحساب وتلزم الانفعال والحماس , والخمول والاتكاله , بلجام من عقل وفكر , و اتزان ..

الحكمة عباد الله معدن نفيس لايلام بليس ولا لعل , ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
حيث قال (( الناس كإبل مئة لاتكاد تجد فيها راشية )) هذا نص البخاري وقد رواه مسلم ايضا
فالحكمة اذن هي ضالة المؤمن انى وجدها اخذ بها , ولم يجدها من لم يكن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , هما من يقودان فؤاده لانها ذكرت في القران تالية لكتاب الله كما قال تعالى : <{ فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة }> ,

كان في ذلكم اشارة الى ان الحكمة لاتكون بمفاهيمها وقطرها في معزل عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , كي لا تفتقد قيمتها , لان العقل البشري وحده غير كاف في تحصيل لباب الحكمة والظفر بها ,

ورسولنا صلى الله عليه وسلم بإجماع العقلاء , انه كان اعقل الناس , واكمل الناس دينا وعقلا غير ان ذلك لم يكن كافيا وحده دون أمر من الله وهدى ولذلك قال الله تعالى عنه ,<{ وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ماكنت تدري مالكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم }>

ولقد احسن من قال :
ولا خير في عقل اذا العلم غارب........... ولا خير في علم يكون بلا عقل
..فلابد من عقل وعلم كلاهما................. يقوداننا نحو الرزانة والفضل


بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعني واياكم بما فيهما من الايات والذكر والحكمة ,
قد قلت ما قلت , فإن صوابا من الله , وان خطأ فمن نفسي والشيطان , واستغفروا الله انه كان غفارا ,,,,


الخطبة الثانية :

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهداه
اما بعد

فاتقوا الله عباد الله , واعلموا ان كثيرا من المهتمين تناوشوا الحكمة على اختلاف مشارفهم وانتماءاتهم حتى التقى في هذه المناوشة الفقيه والسياسي والاقتصادي والصحفي والاعلامي والمرجف والمخدر ونحوهم ,

فظلمها كثير منهم حتى اصبحت الحكمة بين الغالي فيها والجافي عنها وقل من توسط في ذلك

ولقد بلغت الحكمة من التحويل مبلغا جعلت الرابط ببصيرته من بعيد لايخرجها من خلال ما يطرح عن دائرة الغلو تارة و التفلت تارة اخرى والمصادرة لها ونقض العرى بها تارة اخرى ,
ليدع الحليم حيران حتى حجب كثرة صراخهم اصوات الحكماء فاضحت غير مسموعة وسط اهازيج البسطاء
حتى باتت تلك الاصوات حبيسة حناجر الحكماء فحسب , والا فما ظنكم بمجتمع ترتفع فيه اصوات الحكماء ,
أترونه يعاني من تهارش بني مجتمعه , أترونه يضل طريقه اترونه يكثر فيه الطلاق والغش والظلم والاثرة والنزاع , كـــلا وألـــــــف لا ,

وفي الطرف المقابل لذلك كله , فانه ينبغي التوقي والحذر من الوقوع في الحكمة الذائبة المزوقة التي لاتستند الى علم ولاهدى ولا منطق وانما تنطلق من مواقف ضعف مثبطة , او من دوافع عرف مرجفة بغض النظر عن العواقب والمآلات , وان لاتغرينا العقول والأفهام , لتجعلنا حكّاما على كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم , لا محكومين بهما , وان لاتكون عقولنا ايضا قاعدة واحدة في فرز ما يصح وما لايصح ,

وحذار الحذار من الحكمة المقنعة التي تصافح عقول البسطاء , بخفات ليس مخيطا لها ,

ولنلتمس الحكمة التي ارادها الله لنا في قوله :
<{ ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن , فذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم }>,

ولنلتمس الحكماء الذين يجيدون فرز المصالح والمفاسد الحكماء الذين يعون قيمة المصلحة العلياء المؤسسة للتوافق لا للتنافر والتقابل لا التدابر الحكماء الذين يلزمون اعلى المصلحتين و ينتقون اعلى المفسدتين , وعند تعارض السرب لايساورهم شك البتة في ان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح , ولذا قيل ليس الحكيم الذي يعلم الشر من الخير ولكن الحكيم هو الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين , لا ان يكون كالريشه في مهب الريح ان شرّقت شرّق وان غرّبت غرّب , ولسان حاله يقول :
يوما يمان اذا لاقيت ذا يمن .......... وان لقيت معدين فعدنان

ولقد احسن من قال :
واذا رأيت الناس في لغط الهوى ....... ورأيت جل النطق للدهماء
.. ورأيت كلا يدعي بمقاله.................. والخلف اضحى حلة الخصماء
. ورايت فيهم نفرة وعداوة................. فالامر محتاج الى الحكماء


هذا وصلوا رحمكم الله على خير البرية وازكى البشرية محمد بن عبداالله صاحب الحوض والشفاعه ,
صلى الله عليه وسلم ...



للشيخ الدكتور
سعود بن إبراهيم الشريم
إمام وخطيب الحرم المكي الشريف ..

الجمعة 29 / 3 / 1432 هـ


تسجيل وكتابة :
الـ ســـعـدي


اثابنا الله وإياكم ونفعنا بالعلم الصالح

دعواتكـم لـي ولوالـديّ
 
التعديل الأخير:
إنضم
22 مايو 2008
المشاركات
7,129
مستوى التفاعل
50
النقاط
48
الإقامة
الطائف
اشكرك اخي الحبيب ال سعدي على نقل خطبة الجمعة للشيخ سعود الشريم التي تحمل الكثير من الأهات على ما آل اليه حال الدول العربية 0000 نسأل الله أن تمر هذه الأزمات على خير وأن يتحقق للشعوب العربية المظلومة ما تصبوا اليه 0
 

حفيد البجلي

مشرف سابق
إنضم
15 سبتمبر 2009
المشاركات
19,429
مستوى التفاعل
774
النقاط
113
الإقامة
بجــيــلة
جزاك الله خير وبارك الله فيك
والله يجعلها في موازين حسناتك يارب
ونفعك بك الأسلام والمسلمين
خالص ودي وأحترامي
 

سعد البركات

Well-Known Member
إنضم
26 أغسطس 2008
المشاركات
3,874
مستوى التفاعل
39
النقاط
48
images
 
إنضم
30 أكتوبر 2007
المشاركات
14,346
مستوى التفاعل
112
النقاط
63
الموقع الالكتروني
www.banimalk.net
حقاً خطبه مؤثره لكل ذي لب

اللهم احفظ بلادنامن كيد الكائدين الاشرار

بارك الله فيك اخي
 
أعلى