جرير بن عبد الله البجلي السفير القائد (بقلم اللواء الركن: محمود شيت خطاب .)

جبل عمد

Moderator
إنضم
28 فبراير 2008
المشاركات
1,534
مستوى التفاعل
19
النقاط
38
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


جرير بن عبد الله البجلي
السفير القائد
(اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا)محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

بقلم اللواء الركن: محمود شيت خطاب .


نسبه. . أيامه الأولى:
هو جرير بن عبد الله بن جابر وهو الشليل، بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب بن علي بن مالك بن سعد بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. وبنو عمرو بن الغوث بن نبت هم أخو الأزد بن الغوث بن نبت بن زيد بن كهلان بن سبأ ( 2).
والأزد وبجيلة من قبائل قحطان، وكذلك خثعم وبنو همدان وبنو الهان وبنو الأشعر وبنو طيئ وهو مذحج، وبنو خولان وبنو المغافر وبنو عاملة وبنو جذام وبنو لخم وبنو كندة وبنو حمير: لأن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، من قبائل اليمن ( 3).
نسب بنو بجيلة إلى أمهم بجيلة بنت صعب بن علي بن سعد العشيرة ( 4).
وقد اختلف النسابون في بجيلة فمنهم من جعلهم من اليمن: أنمار بن إراش بن عمرو الذي هو أخو الأزد، وهو قول الكلبي وأكثر أهل النسب، ومنهم من قال: أغار بن نزار بن معد، كما ذكر ابن إسحاق ( 1) ولكن ابن هشام استدرك على ابن إسحاق، فذكر نسب بجيلة: أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد كهلان بن سبأ ( 2) كالنسب الذي ذكرناه، فهو الصواب لإجماع المصادر المعتمدة كافة عليه.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جريرا إلى اليمن مقاتلا ( 3) وداعيا ( 4) وسفيرا، مما يدل على معرفته التفصيلية باليمن، فبجيلة يمانية ( 5) دون شك.
كان سيدا في الجاهلية ( 6) وسيد قومه ( 7)، واختلفوا في موعد إسلامه، فهناك من يذكر أنه أسلم قبل أربعين يوما من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ( 8)، وهذا خطأ لما ثبت في الصحيحين: البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجرير: «استنصت الناس ( 9)» في حجة الوداع، وذلك قبل التحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى بأكثر من ثمانين يوما ( 10).
وجزم الواقدي، بأن جريرا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة عشر الهجرية؛ وهذا خطأ أيضا، لأن جريرا يروي أنه «سمع الرسول صلى الله عليه وسلم ينعى النجاشي»، وهذا يدل على أن إسلام جرير كان قبل سنة عشر الهجرية ( 11) لأن النجاشي مات قبل ذلك.
والنجاشي لقب لكل من ملك الحبشة ( 1). والصحيح أن جريرا أسلم سنة تسع الهجرية، وهي سنة الوفود.
لقد كان جرير موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم قال جرير: «ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك ( 2)»، ونال شرف الصحبة، ولكنه لم ينل شرف الجهاد تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم فلا ذكر له في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه.
هدم ذي الخلصة
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم جريرا لهدم ذي الخلصة وهي من الأصنام: بيضاء منقوشة، عليها كهيئة التاج، وكانت بـ (تبالة) بين مكة واليمن، على مسيرة سبع ليال من مكة، وكان سدنتها بنو أمامة من باهلة بن أعقر، وكانت تعظمها وتهدي لها خثعم وبجيلة وأزد السراة ومن قاربهن من بطون العرب - من هوازن ( 1).
وذو الخلصة الذي فيه هذا الصنم، بيت كان يطلق عليه في الجاهلية
اسم: الكعبة اليمانية ( 1) وقال رجل من العرب في ذي الخلصة:
لو كنت يا ذا الخلص الموتورا
مثلي وكان شيخك المقبورا
لم تنه عن قتل العداة زورا
وكان أبوه قتل، فأراد الطلب بثأره، فأتى ذا الخلصة، فاستقسم عنده بالأزلام، فخرج السهم بنهيه عن ذلك فقال هذه الأبيات، ومن الناس من ينحلها امرأ القيس بن حجر الكندي ( 2).
وسار جرير إلى ذي الخلصة، على رأس مائة وخمسين فارسا، فهدم الصنم والبيت وحرقهما وعاد سالما، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم ( 3) ودعا للذين كانوا معه ( 4)، وسجد شكرا لله تعالى ( 5).
وعن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تكفيني ذا الخلصة؟ فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني رجل لا أثبت على الخيل، فصك في صدري، فقال: اللهم ثبته، واجعله هاديا مهديا، فخرجت في مائة وخمسين من قومي، أتيناها، فأحرقناها ( 6)».
وإرسال النبي صلى الله عليه وسلم جريرا لهدم صنم قومه وحرقه، دليل على ثقته بإيمانه العميق، لأن قوم جرير كانوا من القبائل العربية التي كانت تعظم هذا الصنم في الجاهلية، كما أن تنفيذ جرير هذا الواجب دليل على تخليه نهائيا عن عقيدته التي كان عليها قبل إسلامه، وتمسكه بالإسلام تمسكا قويا صادقا.
وهكذا اقتلع جرير بذور الشرك من أصوله في تلك المنطقة، فدخل الناس في دين الله أفواجا.

السفير
بعث رسول الله جريرا إلى ذي الكلاع بن ناكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع ( 1) وذي عمرو ( 2) باليمن يدعوهما إلى الإسلام، فأسلما، وأسلمت ضريبة بنت أبرهة بن الصباح امرأة ذي الكلاع ( 3) ويبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جريرا إلى اليمن سنة إحدى عشرة الهجرية.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى ذي الكلاع مع جرير ( 4)، ولم يرو نص الكتاب، وكان ذو عمرو يهوديا، ووفد ذو الكلاع على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأغزاه الشام، فلم يزل بها حتى قتل بصفين مع معاوية بن أبي سفيان ( 5)، ومعركة صفين كانت سنة سبع وثلاثين الهجرية ( 6) (657 م).
وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرير في اليمن، فأخبره ذو عمرو بوفاته صلى الله عليه وسلم، فخرج جرير إلى المدينة المنورة ( 7).
وهكذا نهض جرير بواجبه سفيرا بنجاح، كما نهض بواجبه داعيا بنجاح أيضا.

المجاهد

1 - في ردة اليمن:
عاد جرير إلى المدينة المنورة بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، فأخبر أبا بكر الصديق بارتداد من ارتد وثبات من ثبت على الإسلام.
ورد أبو بكر جريرا إلى بجيلة قومه، وأمره أن يستنفر من قومه من ثبت على الإسلام، ويقاتل بهم من ارتد عن الإسلام، وأن يأتي خثعم فيقاتل من خرج غضبة لذي الخلصة، فخرج جرير وفعل ما أمره، فلم يقم له أحد إلا نفر يسير، فقتلهم وتتبعهم ( 1).
ولم يقتصر نشاط جرير خلال هذه السنة - سنة اثنتي عشرة الهجرية - على الجهاد، بل شمل الإدارة أيضا، فبعث خالد بن الوليد عماله لقبض الجزية، وكان جرير عامله على بانقيا وبسما، فنزل على المنعة وقبض الجزية ( 2)، واكتتب عمال الخراج، وكتبوا البراءات لأهل الخراج من نسخة واحدة وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
براءة لمن كان في كذا وكذا من الجزية، التي صالحهم عليها الأمير خالد بن الوليد، وقد قبضت الذي صالحهم عليه خالد، وخالد والمسلمون لكم يد على من بدل صلح خالد، ما أقررتم بالجزية، وكففتم. أمانكم أمان، وصلحكم صلح، نحن لكم على الوفاء.
وأشهدوا لهم النفر من الصحابة الذي كان خالد أشهدهم: وكان جرير أحد الشهود على هذه الوثيقة ( 1).
2 - في العراق:
ونزل خالد الحيرة، واستقام له أمر ما بين الفلاليج إلى أسفل السواد، وفرق سواد الحيرة يومئذ على جماعة من رجاله، كان بينهم جرير ( 1).
وشهد جرير معارك الفتح بعد الحيرة، وفي معركة (المصيخ) التي كانت بقيادة خالد بن الوليد، قتل جرير عبد العزى بن أبي رهم بن قراوش أخا أوس مناة، من النمر، وكان معه كتاب من أبي بكر الصديق بإسلامه، فوداه أبو بكر وأوصى بأولاده ( 2)، ومن الواضح أن جريرا قتله خطأ، إذ لم يكن يعلم بإسلامه ولا بكتاب أبي بكر الصديق الذي معه.
3 - في أرض الشام:
لما غادر خالد بن الوليد العراق إلى أرض الشام، كان أحد الذين استصحبهم معه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين كانوا بإمرته في العراق، جريرا، فشهد معه معارك خالد كافة في طريقه إلى الشام.
وفي معركة اليرموك الحاسمة التي كانت سنة ثلاث عشرة الهجرية ( 1)، برز
اسم جرير أحد الفدائيين الفرسان من المهاجرين والأنصار، وهم مائة فارس، انتخبهم خالد من بين أفراد جيش المسلمين في اليرموك، كل فارس منهم يرد جيشا وحده ( 1)، للتأثير بهم في معنويات الروم قبيل معركة اليرموك الحاسمة. ولم يذكر المؤرخون شيئا عن دور جرير في معركة اليرموك، ويبدو أنه كان دورا مشرفا.
4 - في العراق ثانية:
عاد جرير من أرض الشام إلى المدينة مبشرا بانتصار المسلمين على الروم في معركة اليرموك ( 1).
وكان أبو بكر الصديق قد مضى إلى ربه، وكان عمر بن الخطاب قد خلفه، فطلب منه جرير أن يجمع له بجيلة قومه تحقيقا لوعد النبي صلى الله عليه وسلم بجمع بجيلة لجرير. وكتب عمر إلى عماله: " إنه من كان ينسب إلى بجيلة في الجاهلية، وثبت عليه في الإسلام، فأخرجوه إلى جرير، ففعلوا ذلك. ولما اجتمعوا أمرهم عمر بالعراق، فأبوا إلا الشام، فعزم عمر على العراق وينفلهم ربع الخمس، فأجابوا، فسيرهم عمر إلى المثنى بن حارثة الشيباني ( 2) بالعراق، لأن عمر ندب الناس إلى المثنى لما بلغه خبر وقعة أبي عبيد الثقفي في الجسر ( 3) وكان فيمن ندب بجيلة ( 4).
وتوجه جرير على رأس بجيلة إلى المثنى في العراق، فكتب المثنى إلى جرير: " إنا جاءنا أمر لم نستطع معه المقام حتى تقدموا علينا، فعجلوا اللحاق بنا، وموعدكم البويب ( 5) وكان جرير ممدا له
وانتهى جرير إلى المثنى، فشهد تحت لواء المثنى معركة البويب التي انتصر فيها المسلمون على الفرس انتصارا عظيما ( 1).
وبعد معركة البويب استأذن جرير المثنى في مطاردة الفرس المنهزمين، فكتب جرير إلى المثنى: " إن الله عز وجل قد سلم وكفى، ووجه لنا ما رأيت، وليس دون القوم شيء، فأذن لنا بالإقدام "، فأذن المثنى لجرير ولآخرين في مطاردة المنهزمين، فأغار حتى بلغ (ساباط) ( 2)، فتحصن أهل ساباط منهم واستباحوا (القريات) ( 3) دونها، ورماهم أهل الحصن بساباط عن حصنهم، وكان أول من دخل حصنهم ثلاثة قواد، أحدهم جرير، وقد تبعهم أوزاع من الناس، ثم عادوا إلى المثنى ( 4).
ويبدو أن بعض الخلافات نشبت بين المثنى وجرير بعد معركة البويب. فقد أقبل جرير حتى إذا مر قريبا من المثنى، كتب إليه جرير: " إني لست فاعلا إلا أن يأمرني بذلك أمير المؤمنين، أنت أمير وأنا أمير ". ثم سار جرير فلقيه مهران بن باذان - وكان من عظماء فارس - عند النخيلة ( 5)، قد قطع إليه الجسر، فاقتتلا قتالا شديدا. فشد أحد المسلمين ( 6) على مهران فطعنه، فوقع عن دابته، فاقتحم عليه جرير واجتز رأسه، واختصما في سلبه، ثم اصطلحا، فأخذ جرير سلاح مهران، وأخد الثاني منطقته ( 7).
وحين اصطدم مهران بجرير في ساحة القتال، وأصبحا في تماس شديد،
قال مهران:
إن تسألوا عني فإني مهران ... أنا لمن أنكرني ابن باذان
وكان باذان عاملا لكسرى على اليمن، وكان ابنه مهران معه في اليمن، فأتقن العربية هناك ( 1).
وجاب المثنى السواد، وأرسل جريرا إلى ميسان، وخاض المثنى معركة (الخنافس) ( 2) التي انتصر المسلمون فيها على الفرس في هذه المعركة ( 3).
واجتمع الفرس على يزدجرد فمل*** عليهم، وتبارى رؤساؤهم في طاعته ومعونته، فسمى الجنود لكل مسلخة كانت لكسرى أو موضع ثغر. وبلغ ذلك المثنى والمسلمين، فكتبوا إلى عمر بن الخطاب، فلم يصل الكتاب إلى عمر حتى كفر أهل السواد: من كان له منهم عهد ومن لم يكن له منهم عهد، فخرج المثنى برجاله حتى نزل بذي قار، وتنزل الناس بالطف، حتى جاءهم كتاب عمر: " أما بعد. . فاخرجوا من بين ظهري الأعاجم، وتفرقوا في المياه التي تلي الأعاجم على حدود أرضكم، ولا تدعوا في ربيعة أحدا ولا مضر ولا حلفائهم أحدا من أهل النجدات ولا فارسا إلا اجتلبتموه، فإن جاء طائعا وإلا حشرتموه. احملوا العرب على الجد إذ جد العجم، فتلقوا جدهم بجدكم ".
ونزل المثنى بذي قار، ونزل الناس بالجل ( 1) وشراف إلى غضى ( 2)، وغضى حيال البصرة، فكان جرير بغضى. فكانوا في أمواه الطف من أولها إلى آخرها مسالح بعضهم ينظر إلى بعض، ويغيث بعضهم بعضا إن كان قتال، وذلك في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة الهجرية ( 3).
وكان المثنى قد كتب إلى عمر يمحل ( 4) بجرير، فكتب عمر إلى المثنى: " إني لم أكن لأستعملك على رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يعني جريرا "، وقد وجه عمر سعد بن أبي وقاص ( 5) إلى العراق في ستة آلاف أمره عليهم، وكتب إلى المثنى وجرير أن يجتمعا إلى سعد بن أبي وقاص، وأمر سعدا عليهما فسار سعد حتى نزل شراف ( 6)، وسار المثنى وجرير حتى نزلا عليه، فشتا بها سعد، واجتمع إليه الناس، ومات المثنى بن حارثة رحمه الله ( 7).
ولم يكن الخلاف بين الرجلين لنوازع شخصية، فانتهى الخلاف بينهما بموت المثنى وتأمير سعد بن أبي وقاص عليهما، وكثيرا ما تحدث مثل هذه الخلافات في أيام القتال بين القادة، لظروف الحرب الصعبة أولا ولاختلاف الاجتهادات في معالجة مشاكل القتال ثانيا.
لقد كان جرير أحد قادة المثنى المقربين إليه، وقد أعانه وعاونه في تحمل أعباء قيادته، وكان التعاون بين القائدين اللامعين وثيقا والاختلاف في الرأي من أجل المصلحة العامة، ليس كالاختلاف في الرأي من أجل المصلحة الخاصة، وما اختلاف القائدين إلا اختلاف في الاجتهاد.
5 - في القادسية:
وقاتلت بجيلة بقيادة جرير تحت لواء سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية الحاسمة التي فتحت أبواب العراق للمسلمين بعد انتصارهم على الفرس، وكان تعداد بجيلة يومئذ يقدر بألفي مقاتل ( 1) وكان بسعد عرق النسا ودماميل، فاستخلف خالد بن عرفطة ( 2) على الناس، فاختلف عليه الناس، فقال: " احملوني وأشرفوا بي على الناس " فارتقوا به، فأكب مطلعا عليهم: يأمر خالدا، فيأمر خالد الناس، وكان ممن شغب على سعد وجوه من وجوه الناس، فهم بهم سعد وأراد معاقبتهم عقابا صارما، ولكنه اكتفى بحبسهم في القصر. فقال جرير: " أما إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أسمع وأطيع لمن ولاه الله الأمر وإن كان عبدا حبشيا " ( 3) فما وافق على الفتنة، وعمل جاهدا على إطفاء نارها.
وجعل سعد على ميمنة الناس جريرا ( 4) في ترتيباته التعبوية للمعركة، كما جعل على الميسرة قائدا من قادته الآخرين، مما يدل على أن جريرا كان قائدا بارزا من قادة سعد في القادسية.
وكان لجرير وبجيلة قومه أثر عظيم في انتصار المسلمين على الفرس في هذه المعركة الحاسمة، ففي الأول من أيام القادسية (يوم أرماث). وجه الفرس ثلاثة عشر فيلا، وفي رواية أخرى ستة عشر فيلا إلى مواقع بجيلة، ففرقت بين الكتائب وأذعرت الخيل، وكادت بجيلة أن تفنى عن بكرة أبيها
بعد فرار خيلها ذعرا من الفيلة، ولكن مشاة (الرجالة) بجيلة ثبتوا في مواضعهم ثبات الأبطال، وأعانهم على الثبات تدارك سعد لهم ببني أسد الذين هاجموا الفيلة وحماتها هجوما عنيفا بقيادة طليحة الأسدي، فاستطاعوا بمعاونة ربيعة بقيادة الأشعث بن قيس الكندي بعد جهد جهيد وعناء شديد أن يجعلوا الفيلة والقوات الفارسية التي تساندها تولي الأدبار ( 1).
وتركت بجيلة كثيرا من الشهداء في ساحة المعركة، ولكن ثباتها المدهش العنيد، أتاح للمسلمين تدارك الموقف الخطير الذي كان نتيجة من نتائج هجوم فيلة الفرس على قواتهم.
وفي ليلة اليوم الرابع من أيام القادسية (ليلة الهرير) حملت بجيلة على القوات الفارسية مع من حمل عليها من القبائل العربية، غير منتظرة أمر سعد بالحملة، فعذرها سعد قائلا: " اللهم اغفرها لهم وانصرهم " فقضوا في تلك الليلة على عدد ضخم من الفرس، وفي بلاء بجيلة بقيادة جرير، قال سعد:
وما أرجو بجيلة غير أني ... أؤمل أجرهم يوم الحساب
فقد لقيت خيولهم خيولا ... وقد وقع الفوارس في ضراب
وقد دلفت بعرصتهم فيول ... كأن زهاءها إبل جراب ( 2)
وكان سعد في شعره هذا يرد على قول جرير:
أنا جرير كنيتي أبو عمرو ... قد نصر الله وسعد في القصر
ولما فر الفرس من ساحة المعركة، وجه سعد عياض بن غنم ( 3)، وجعل على مقدمته هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ( 4) وعلى ميمنته جرير وعلى ميسرته
زهرة بن حوية التميمي ( 1)، وتخلف سعد لما به من الوجع، فطارد المسلمون الفرس إلى (ساباط) قريبا من المدائن، فأشفق الناس من أن يكون للعدو كمين، ولكن هاشم بن عتبة تغلغل في مطاردته للفرس حتى وصل إلى (جلولاء) وكان بها جماعة من الفرس استطاع المسلمون تشتيتهم ( 2).

لقد كان لبجيلة وعلى رأسها جرير، آثار باقية في معركة القادسية الحاسمة التي دارت رحاها بين المسلمين من جهة والفرس من جهة أخرى سنة أربع عشرة الهجرية، فكانت بجيلة بين القبائل العربية التي أحسنت غاية الإحسان في ذلك اليوم، وأبلت فيه أحسن البلاء. كما كان جرير بين القادة الآخرين الذين أحسنوا غاية الإحسان في ذلك اليوم، وأبلوا فيه أحسن البلاء، مما زين صفحات التاريخ ولا يزال يزينها حتى اليوم، وستبقى تلك الصفحات المشرفة ما بقي التاريخ.
6 - الفاتح:

وشهد جرير مع قومه معركة فتح (المدائن) عاصمة كسرى تحت لواء سعد بن أبي وقاص، كما شهد معركة فتح جلولاء تحت راية هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري، فلما استطاع المسلمون إحراز النصر على القوات الفارسية في جلولاء ضم هاشم إلى بجيلة خيلا كثيفة وجعلهم بقيادة جرير، وأبقاهم قوة ساترة في جلولاء لتكون بين المسلمين والفرس حماية للمسلمين فهاجم جرير (خانقين) وكان فيها فلول من الفرس، فقتل بعضهم وفر الباقي ( 1).
وأمد سعد جريرا بنحو ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين، وأمره أن يسير لفتح (حلوان)، فلما كان بالقرب منها، هرب (يزدجرد) ملك الفرس إلى (أصبهان)، ففتح جرير حلوان صلحا، ثم سار إلى (قرميسين)، ففتحها صلحا أيضا، وبقي جرير واليا على حلوان، حتى أمره عمار بن ياسر والي الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص أن يتحرك مددا لأبي موسى الأشعري ( 1) في (خوزستان)، فغادرها جرير مخلفا عليها عزرة بن قيس البجلي، وقد نزل حلوان قوم من ولد جرير، فأعقابهم بها.
ولا تزال في منطقة خانقين وحلوان قبيلة باسم: (باجلان) وهي بمعنى: (بجلي) نسبة إلى بجيلة القبيلة العربية المعروفة.
7 - في بلاد فارس:
شهد جرير سنة سبع عشرة الهجرية فتح رامهرمز ( 1) والسوس وتستر تحت لواء أبي سبرة بن أبي رهم فقد كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص: (أن ابعث إلى الأهواز بعثا كثيفا مع النعمان بن مقرن المزني، وعجل، وابعث (وذكر أسماء القادة) وجرير بن عبد الله البجلي، فلينزلوا بإزاء الهرمزان حتى يتبينوا أمره، كما كتب إلى أبي موسى الأشعري: " أن ابعث إلى الأهواز جندا كثيفا ثم قال: وعلى أهل الكوفة وأهل البصرة جميعا أبو سبرة بن أبي رهم، وكل من أتاه فمدد له ( 2)، وكان ذلك سنة سبع عشرة الهجرية ( 3).
وبرز اسم جرير من جديد في معركة (نهاوند) الحاسمة، فكان من بين أشراف العرب وأبطالهم المعدودين الذين خاضوا تلك المعركة ( 4) تحت لواء النعمان بن مقرن المزني، فأبلى جرير في هذه المعركة أعظم البلاء.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قد كتب إلى النعمان بن مقرن المزني: " إن أصبت فالأمير حذيفة بن اليمان، فإن أصيب فجرير بن عبد الله
البجلي، فإن أصيب فالمغيرة بن شعبة، ثم الأشعث بن قيس ( 1)، مما يدل على منزلة جرير الرفيعة عند عمر بن الخطاب.
وفي رواية، أن المغيرة بن شعبة حين كان واليا على الكوفة، أرسل جرير لفتح (همذان) ( 2)، فقاتل أهلها فأصيبت عينه بسهم، فقال: " احتسبتها عند الله الذي زين بها وجهي، ونور لي ما شاء، ثم سلبنيها في سبيله "، ثم فتحها على مثل صلح نهاوند، وغلب على أرضها قسرا ( 3).
وكان فتح نهاوند سنة إحدى وعشرين الهجرية ( 4) وكان فتح همذان سنة اثنتين وعشرين الهجرية ( 5).
وفي رواية أن الذي فتح همذان هو: نعيم بن مقرن المزني والقعقاع بن عمرو التميمي ( 6)، ولا أرى تضاربا بين الروايتين، لأن فتح نعيم لها كان بقواته الخفيفة، أما فتح جرير فكان بقواته الضاربة، حيث ثبت فتحها وضمها نهائيا إلى بلاد المسلمين، فأصبحت جزءا لا يتجزأ من تلك البلاد.
وفي أيام عثمان بن عفان، افتتح جرير إرمينية ( 7)، ولا يصح ذلك في المصادر العربية الإسلامية المعتمدة.
لقد امتدت ساحة جهاد جرير من بلاد الشام غربا، إلى العراق بخاصة إلى إيران شرقا، قائدا مرءوسا تارة، وقائدا مستقلا تارة أخرى، فأحسن في قيادته في الحالتين، وأثبت عمليا أنه قائد متميز.
الإنسان
كان جرير من عمال أبي بكر الصديق على نجران ( 1)، ويبدو أنه تولى نجران بعد حرب الردة، فلما بدأ المجاهدون يتدفقون على ساحة قتال أرض الشام والعراق، آثر جرير أن يكون غازيا على أن يبقى واليا.
وسكن جرير الكوفة وابتنى بها دارا في القسم المخصص لسكنى قبيلة بجيلة ( 2) قوم جرير.
وقد ولاه عثمان بن عفان رضي الله عنه (قرقيسياء) ( 3)، وبقي عليها حتى توفي عثمان ( 4). وفي رواية أخرى، أن عثمان ولاه همذان، فبقي واليا عليها حتى استدعاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد منصرفه من البصرة إلى الكوفة، وفراغه من معركة (الجمل) ( 5)، لذلك لم يشهد جرير تلك المعركة.
وغادر جرير همذان بعد أخذ البيعة من أهلها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما وصل إلى الكوفة، أوفده علي إلى معاوية بن أبي سفيان يدعوه إلى الدخول في طاعته، وكتب معه كتابا يعلم معاوية فيه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار.
وانتهى جرير إلى معاوية فكلمه ووعظه وألح عليه في الكلام والوعظ، ولكن معاوية جعل يسمع منه ولا يقول شيئا، وإنما يطاوله ويسرف في مطاولته، ويدعو مع ذلك وجوه أهل الشام وقادة الجيش مظهرا استشارتهم فيما
يطلب إليه علي بن أبي طالب ويعظم لهم قتل عثمان ويحرضهم على المطالبة بدمه.
وأخيرا عاد جرير إلى الكوفة ليخبر عليا خبر معاوية واجتماع أهل الشام على قتاله، فلم يرض علي على نتائج سفارة جرير، كما أن جماعة من أصحاب علي، وعلى رأسهم الأشتر النخعي، أسمعوا جرير ما يكره من نقد سفارته، فغضب جرير وارتحل بأهله إلى قرقيسياء معتزلا ( 1) الفريقين ( 2)، مع أنه كان من الموالين لعلي، ومن أبرز شيعته ( 3).
وفي معركة (صفين) بين علي ومعاوية، انقسمت القبائل العربية المسلمة على نفسها، فكان من الطرفين قسم من كل قبيلة عربية عدا بجيلة، فقد كانت كلها مع علي بن أبي طالب، ولم يشهد منها أحد هذه المعركة مع قوات معاوية ( 4). وهذا يثبت أن جريرا اعتزل الطرفين، ولم يلتحق بمعاوية كما يزعم بعض الرواة.
والدليل القاطع على أن جريرا لم يلتحق بمعاوية، أنه بقي مغمورا في خلافته، لا ذكر له في ولاية أو قيادة أو تكريم.
وباعتزال جرير انتهت حياته العامة، حتى وافاه الأجل سنة إحدى وخمسين الهجرية (671م)، وقيل سنة أربع وخمسين الهجرية ( 5) (673 م)، والأصح أنه توفي سنة إحدى وخمسين الهجرية ( 6) لإجماع كثير من المصادر المعتمدة على ذلك.
لقد كان جرير سيد قومه في الجاهلية والإسلام ( 1)، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه جرير: «إذا أتاكم كريم قوم، فأكرموه ( 2)».
وكان مؤمنا حقا، لم يبدل ولم يغير منذ آمن بالله ورسوله، وقد أخلص للدعوة مجاهدا وداعيا وسفيرا، وسهر على مصالح رعيته حين أصبح واليا، فلما نشب القتال بين المسلمين أيام الفتنة الكبرى وأصبحت سيوف المسلمين عليهم لا على أعدائهم، لم يلطخ يده بدماء المسلمين ولا ضميره بكرههم، بل سعى جاهدا لجمع كلمة الأمة، فلما أخفق في مهمته لا بتقصير منه، بل لأن التيار كان جارفا لا يقوى أي فرد على الوقوف أمامه، ترك الدنيا وما فيها، واعتزل الفتن منزويا في عقر داره في (قرقيسياء).
وكان شاعرا خطيبا لسنا، فقد قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عند سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقال له عمر: " كيف تركت سعدا في ولايته؟ فقال: تركته أكرم الناس مقدرة، وأحسنهم معذرة، هو كالأم البرة، يجمع لها كما تجمع الذرة ( 3)، مع أنه ميمون الأثر، مرزوق الظفر، أشد الناس عند البأس، وأحب قريش إلى الناس ( 4).
قال عمر: (فأخبرني عن الناس فقال جرير: هم كسهام الجعبة ( 5)، منها القائم الرائش ( 6) ومنها العضل ( 7) الطائش، وابن أبي وقاص ثقافها ( 8)، يغمر عضلها، ويقيم ميلها، والله أعلم بالسرائر يا عمر. قال: " أخبرني
عن إسلامهم " قال: " يقيمون الصلاة لأوقاتها، ويؤتون الطاعة لولاتها، فقال عمر: الحمد لله. . إذا كانت الصلاة، أوتيت الزكاة، وإذا كانت الطاعة كانت الجماعة ". وجرير هو القائل: " الخرس خير من الخلابة ( 1)، والبكم خير من البذاء ( 2).
وكان ذكيا محدثا عالما بأمور دينه فقيها، روى مائة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 3)، اتفق البخاري ومسلم على ثمانية، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بستة أحاديث ( 4). وروى عن عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان، وروى عنه أولاده المنذر وعبيد الله وأيوب وإبراهيم، وابن ابنه أبو زرعة بن عمرو، وأنس وأبو وائل وزيد بن وهب وزياد بن علاقة والشعبي وقيس بن أبي حازم وهمام بن الحارث وأبو ظبيان حصين بن جندب وغيرهم ( 5).
كما عده العلماء من أهل الفتيا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم البارزين، وتسلسله الرابع عشر في مراتبهم من كثرة الفتيا ( 6).
وكان كيسا فطنا عاقلا حاضر البديهة وجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مجلسه رائحة من بعض جلسائه، فقال عمر: " عزمت على صاحب هذه الرائحة إلا قام فتوضأ فقال جرير: علينا كلنا يا أمير المؤمنين فاعزم، فقال عمر: عليكم كلكم عزمت، ثم التفت إلى جرير وقال له: ما زلت سيدا في الجاهلية والإسلام " ( 7).
وكان آلفا مألوفا: أحبه النبي صلى الله عليه وسلم قال جرير: «ما حجبني رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم» رواه الشيخان وغيرهما «ولما جالسه النبي صلى الله عليه وسلم بسط له رداءه وقال: إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه ( 1)».
وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خرجت مع جرير في سفر، فكان يخدمني، فقلت له: لا تفعل فقال: إني رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء آليت ألا أصحب أحدا منهم إلا خدمته ( 2)»، وكان جرير أكبر من أنس رضي الله عنهما ( 3).
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: جرير منا أهل البيت ( 4) ومناقبه كثيرة ومن مستطرفاتها أنه اشترى له وكيله فرسا بثلاثمائة درهم، فرآها جرير فتخيل أنها تساوي أربعمائة، فقال لصاحبها: تبيعها بأربعمائة؟ قال: نعم ثم تخيل أنها تساوي خمسمائة، فقال: أتبيعها بخمسمائة، قال: نعم، ثم تخيل أنها تساوي ثمانمائة ثم سبعمائة ثم ثمانمائة، فاشتراها بثمانمائة ( 5).
وبلغ مقدار حبه لقومه بجيلة، أن حصل على وعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمعهم له وكانوا أشتاتا بين القبائل العربية الأخرى، فاستنجز أبا بكر الصديق رضي الله عنه هذا الوعد، إلا أن ظروفه لم تساعده على إنجازه، فطالب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإنجازه، فجمعهم له وسيرهم إلى العراق بقيادته لحرب الفرس.
وكان يثق بنفسه ويعرف لها قدرها ولا يتخلى عن حق من حقوقها، فقد أراد عمر بن الخطاب أن يؤثر عرفجة بن هرثمة البارقي ( 6) على بجيلة ليسيرهم
إلى العراق، باعتبار عرفجة قد خالطهم وعاش بين ظهرانيهم ردحا طويلا، ولكن جريرا غضب وقال لبجيلة: كلموا أمير المؤمنين، فقالوا لعمر: استعملت علينا رجلا ليس منا، فأرسل إلى عرفجة، وقال له: ما يقول هؤلاء؟ قال: صدقوا أمير المؤمنين لست منهم، ولكنني من الأزد، كنا أصبنا في الجاهلية دما من قومنا، فلحقنا ببجيلة، فبلغنا فيهم من السؤدد ما بلغك، فقال عمر: فاثبت على منزلتك فدافعهم كما يدافعونك، فقال: لست فاعلا ولا سائرا معهم فأمر عمر جريرا على بجيلة، فسار بهم إلى العراق ( 1).
وكان شهما كريما وفيا جمع صفات العربي الأصيل ومزايا خلق المسلم الصادق، فلا عجب أن يكون نموذجا كاملا للمؤمن المجاهد الصابر المحتسب، الذي يبذل غاية جهده لخدمة عقيدته وأمته في السلم والحرب، ولا عجب أن يستحوذ على إعجاب الناس بمزاياه، فيقول فيه أحد الشعراء مرددا صدى إعجاب الناس بسجاياه الكريمة:
لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما مدح من هجا قومه ( 2).
ولست أشك في أن الشاعر لم يرد هجاء بجيلة نظرا لماضيها المشرف، ولكنه أراد أن يبرز أثر جرير الشخصي في رفع منزلة بجيلة ومكانتها بين القبائل العربية الأخرى، وإلا لكان هجاء بجيلة يغضب أول من يغضب جريرا قبل غيره من أفراد بجيلة.
لقد كان مخلصا لكل مسلم بدون استثناء، قال جرير: - كما في البخاري ومسلم -: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح
لكل مسلم ( 1)»، فصدق ما عاهد الله عليه في كل حياته، فقد نزل الكوفة ثم تحول إلى قرقيسياء فنزلها وقال: " لا أقيم ببلدة يشتم فيها عثمان " ( 2)، واعتزل عليا ومعاوية ( 3) فلم يقاتل مسلما، فهو تقي نقي، يخاف الله ويحاسب نفسه، فلا يحيد عن تعاليم الدين الحنيف أبدا.
يكنى أبا عمرو، وقيل: يكنى أبا عبد الله ( 4) وكان أولاده: عبد الله، وعبيد الله، والمنذر، وإبراهيم، وبشير ( 5)، وأيوب، وعمرو ( 6).
وكان جميل الصورة، وحين قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه يقدم عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن، وإن على وجهه مسحة ملك، فلما دخل نظر الناس إليه، فكان كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروه بذلك فحمد الله تعالى ( 7)»، وكان عمر يقول: " جرير يوسف هذه الأمة " لجماله وكماله وحسن فعاله ( 8)، وكان طويل القامة يصل إلى سنام البعير، يخضب لحيته بزعفران بالليل ويغسلها إذا أصبح ( 9).
رآه عبد الملك بن عمير فقال: رأيت جريرا كأن وجهه شقة قمر ( 10)، فكان أحد المتعممين بمكة مخافة النساء على أنفسهم من جمالهم ( 11).
وكان أعور ذهبت عينه بهمذان ( 12)، فكان معدودا من العوران
الأشراف ( 1)، وقد ذهبت عينه في ميدان الجهاد.
توفي بقرقيسياء سنة إحدى وخمسين الهجرية ( 2)، وهذا ما نرجحه، لأنه اعتزل في هذه المدينة، فلم يبرحها حتى توفاه الله.
وفي رواية أنه توفي بالسراة ( 3)، وهو جبل مشرف على جبل عرفة ينقاد إلى صنعاء ( 4) والأول أصح.
وهكذا مضى رجل من رجال العقيدة إلى ربه، بعد أن بيض صفحات من التاريخ بأعماله المجيدة.
__________
القائد
لمسنا بوضوح في مزايا جرير الشخصية، بعض الصفات التي تؤهله لتولي قيادة الرجال في أخطر المواقف وأحرج الظروف، فهو قائد يتحلى بعقيدة راسخة، كريم النسب، شجاع مقدام، عالم ذكي، حاضر البديهة. لذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم في حياته المباركة حين وجهه لتحطيم صنم (ذي الخلصة)، هذا الواجب الذي لم يكن سهلا في تلك الأيام، وبخاصة أن جذور الشرك لم تكن قد اجتثت تماما من أصولها، وأن المشركين كانوا يسترخصون أرواحهم وأموالهم في سبيل الذود عن أصنامهم، كما أن هذا الصنم كانت بجيلة قوم جرير تعبده وتقدسه، لهذا لم يوجه النبي صلى الله عليه وسلم لمثل هذا الواجب الخطير غير الصفوة المختارة من أصحابه، أمثال علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وجرير.
وكان من قادة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في حروب الردة وفي فتح بلاد الشام، ومن قادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في معارك فتح العراق، وبلاد فارس، وكان أحد قادة الفتح الإسلامي العظيم.
لقد كانت له قابلية متميزة على إصدار قرار سريع صحيح، نظرا لتجربته العملية الطويلة في الحروب وحدة ذكائه وسعة بديهته، لذلك قادت قرارته الصائبة الحصيفة رجاله إلى النصر.
وكان متميزا بالشجاعة والإقدام، لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه، لذلك اختاره خالد ليكون ضمن المائة الفدائيين الذين حطموا معنويات الروم في معركة اليرموك الحاسمة ببطولاتهم الفذة وإقدامهم المجيد.
وكان يتحلى بالإرادة القوية الثابتة التي لا تعرف التردد والخور، فكان إذا قرر أمرا واقتنع به، أقدم على تنفيذه دون تردد.
وكان يتحمل المسئولية ويحبها، ولا يتهرب منها أو يلقيها على عواتق الآخرين، لذلك أصر على جمع بجيلة وقيادتهم، ولم يرض بقيادة رجل ليس من قومه.
وكانت نفسيته رصينة قوية لا تتبدل في حالتي النصر والاندحار، فلا يغتر بالنصر ويركبه الطيش، ولا يضعف بالاندحار ويرديه الانهيار، فهو صابر في الحالتين.
وكان يتحلى بمزية سبق النظر، فيعالج المشاكل قبل وقوعها بتلافي الأسباب التي تثيرها، ويعد لكل أمر عدته قبل وقت مناسب.
وكان عارفا بنفسيات رجاله وقابلياتهم، لمعايشتهم بتماس شديد في السلم والحرب، فيوكل لكل رجل منهم الواجب الذي يناسب حالته النفسية وقابلياته العقلية والبدنية.
وكان يثق برجاله ويثقون به، وكان موضع ثقة الخلفاء وقادتهم، نظرا لكفايته واستقامته وحسن تدبيره.
وكان يحب رجاله ويبادلونه حبا بحب، وكان محبوبا من الخلفاء وقادتهم ومن الناس كافة، وكان محبوبا من النبي صلى الله عليه وسلم لاستقامته ورجاحة عقله وشجاعته.
وكان يتحلى بشخصية قوية تفرض احترامها على الآخرين، دون ظلم أحد أو استعباد أحد من الناس، ولعل خلقه الكريم فرض احترامه على قومه وغيرهم احتراما نابعا من القلوب.
وكان يتحلى بالقابلية البدنية المتميزة، لذلك استطاع تحمل أعباء القتال صيفا وشتاء وفي جميع الظروف والأحوال.
وكان ذا ماض ناصح مجيد، سيدا في الجاهلية، وسيدا في الإسلام، ثبت على الإسلام وقاتل الذين ارتدوا من قومه بخاصة ومن غيرهم بعامة. كما كان من أصحاب الأيام، أثبت شجاعة وإقداما في المعارك التي خاضها.
وعند تطبيق مزايا قيادة جرير على مبادئ الحرب، نجد أنه كان يطبق مبدأ اختيار المقصد وإدامته، فيضع مقصده من عملياته العسكرية نصب عينيه دوما، ويسعى بكل طاقاته المادية والمعنوية على تحقيقه.
وكان يطبق مبدأ التعرض، فكان قائدا تعرضيا في معاركه داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها، ولم يتخذ خطة الدفاع في تلك المعارك.
وكان يطبق المباغتة، وقد ظهر تطبيقه هذا المبدأ في معاركه التي خاضها في العراق وفارس على الفرس وحلفائهم.
وكان يطبق مبدأ تحشيد القوة، فقد ألح على جمع بجيلة قومه، حتى نجح في مسعاه، فقادهم إلى ميدان الجهاد، وما جمع هذه القبيلة بعد شتات إلا تحشيد القوة في المكان والزمان المناسبين.
وكان يطبق مبدأ الاقتصاد في المجهود، فلم يعرف عنه أنه أسرف في استخدام قوة من قواته دون مسوغ، بل لم يعرف عنه أنه أسرف في استخدام رجل من رجاله دون مسوغ. والحق أن القادة المسلمين تميزوا بتطبيق هذا
المبدأ الحيوي، لأنهم يخافون الله، فلا يبذرون بقطرة واحدة من دم رجل من رجالهم إلا لضرورة قصوى.
وكان يطبق مبدأ الأمن بحماية رجاله من العدو وحرمانه من الحصول على المعلومات الضرورية عنهم، لذلك لم يستطع العدو مباغتة رجال جرير أبدا، لأنه كان حريصا على أمنهم.
وكان يطبق مبدأ المرونة في خططه، وفي تطبيقها، وفي التعاون مع القادة المرءوسين والعامين الآخرين.
وكان يطبق مبدأ التعاون، فقد كان متعاونا تعاونا وثيقا مع القادة الذين عمل بإمرتهم أو الذين عملوا بإمرته فهو يعرف مسئوليته فيؤديها، ويعرف حقوقه على غيره فيطالبه بها.
وكان يطبق مبدأ إدارة المعنويات، فقد كان بشخصيته الفذة وشجاعته النادرة وعقليته الراجحة وإيمانه العميق كتلة من المعنويات العالية ينقلها إلى رجاله بالعدوى وبالأعمال المجيدة والمواقف المشرفة والأقوال الحكيمة.
وكان يطبق مبدأ الأمور الإدارية، فما شكا رجل من رجاله الجوع أو العطش أو العري أو التنقل، وكانت الأمور الإدارية لها الأسبقية الأولى في التطبيق العملي.
وبالإضافة إلى كل ذلك، كان يساوي نفسه برجاله، بل كان يستأثر بالخطر، ويؤثرهم بالأمن.
كما كان يتحلى بمزية الاستشارة، فكان يستشير رجاله، ويعمل بمشورتهم، ويعمل معهم فريقا واحدا متماسكا.
لقد كان جرير قائدا متميزا.
السفير
حين يدرس باحث سيرة جرير (الإنسان) يتمنى أن يكون لدى العرب والمسلمين أمثاله من السفراء. إذا لتبدل الحال في الحال.
فما هي مزاياه التي أهلته ليكون أحد سفراء النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد كان ينتمي بكل جوارحه لأمته الإسلامية ويسترخص في سبيلها روحه وما يملك من مال وعقار، وكان حافزه الأول والأخير لهذا الانتماء العضوي المصيري هو إيمانه العميق بتعاليم الدين الحنيف.
وبالرغم من أن إسلام جرير جاء متأخرا نسبيا قبيل انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، إلا أن إسلامه حسن بسرعة، فكان أكثر الناس أسلموا في أول الأمر، ثم آمنوا بالتدريج، ولكن جريرا آمن بعد إسلامه فورا، لذلك ثبت على الإسلام ثبات الراسيات، بالرغم من ردة أكثر قومه، وهدم ذا الخلصة صنم قومه قبل إسلامهم، وقاتل المرتدين كافة وبدأ بالمرتدين من قومه، وهذا دليل على إيمانه العميق الراسخ الذي جعله يحب لله ويكره لله، ولا دخل لنزوات الجاهليوعلي?بن أبي?طالبة في حبه من يحب وكره من يكره.
تلك هي مزيته الأولى: الانتماء المطلق العضوي لأمته، وإيمانه الراسخ العميق بالإسلام.
أما المزية الثانية التي قادته إلى النجاح في سفارته فهي الفصاحة والعلم وحسن الخلق.
لقد كان جرير شاعرا بليغا، وقد ذكرنا نماذج من أقواله في الحديث عنه إنسانا.
وكان عالما، استطاع أن يروي مائة حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صاحبه مدة قليلة جدا، بينما غيره من الصحابة الكرام لم يرووا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا
العدد الكبير من الأحاديث النبوية الشريفة، وقد صاحبوا النبي صلى الله عليه وسلم مدة أطول بكثير مما صاحبه بها جرير. وهذا دليل على ذكائه الخارق وشدة لهفته على تلقي العلم من منابعه الأصيلة.
كما أن العلماء اعتبروا جريرا من أبرز أصحاب الفتيا من الصحابة، وهم علماء المسلمين من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.
أما حسن خلق جرير فحدث عن البحر ولا حرج، وقد رأيت كيف كان يخدم أنسا خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم إكراما لرسول الله عليه الصلاة والسلام بخاصة والأنصار بعامة.
والأمثلة على حسن أخلاق جرير أكثر من أن تحكى، فقد جمع فضائل العرب ومزايا الإسلام في شخصه بشرا سويا يمشي على الأرض ويعايش الناس.
والمزية الثالثة هي الصبر والحكمة، فقد صبر وصابر في قتال المرتدين، حتى انتصر عليهم، وصبر وصابر في قتال الروم على أرض الشام حتى انتصر عليهم، وصبر وصابر في قتال الفرس على العراق وفارس حتى انتصر عليهم.
وصبر صبرا جميلا في محاولة جمع بجيلة، حتى نجح في محاولته على عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
لقد كان جرير بحق يتحلى بالصبر الجميل، أما حكمته فتظهر واضحة في حديثه مع النبي صلى الله عليه وسلم والشيخين من بعده: أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وفي حواره مع عثمان ذي النورين وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، مما جعله يستحوذ على ثقتهم واحترامهم.
ولا أدل على حكمته من اعتزاله الفتنة الكبرى، فلم يشهر سيفه على مسلم، ولم يكن سببا مباشرا أو غير مباشر في نزف قطرة دم مسلم بسيف أخيه المسلم لا بسيف عدو من أعداء الإسلام والمسلمين، فليس من الحكمة أن يربح المرء هذه الدنيا ويخسر نفسه، وصدق الله العظيم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}
فخسر جرير باعتزاله مستقبله السياسي والإداري والعسكري، ولكنه ربح الآخرة، وما عند الناس لا يبقى، وما عند الله خير وأبقى.
إن اعتزال جرير الفتنة الكبرى كان مسلكا سليما بالنسبة لتعاليم الدين الحنيف الذي ارتضاه جرير لنفسه، وهو عين الحكمة بالنسبة لوجهة نظري وعين الصواب.
والمزية الرابعة التي قادت جريرا إلى النجاح في سفارته النبوية، هي مزية: سعة الحيلة، فقد كان ذكاؤه النادر وعقليته المتزنة الحاضرة وشخصيته القوية وعلمه وفصاحته وحسن تصرفه، هي الأدلة القاطعة على سعة حيلته ونفاذ بصيرته وسيطرته على المفاوضات سيطرة كاملة.
وليس هناك في المصادر المعتمدة نصوص محادثاته في سفارته، ولكن الأثر يدل على الأثير ومزايا جرير إنسانا تدل على سعة حيلته وأفقه أيضا.
والمزية الخامسة التي تحلى بها جرير، فاستحق - أن يتولى سفارة من السفارات النبوية، هي رواء المظهر.
فكما كان يتمتع برواء المخبر، كان يتمتع برواء المظهر، كان جميلا رائع الجمال، يلفت بجماله أنظار الرجال والنساء، كما يلفت طوله الفارع الأنظار إليه، فقد آتاه الله بسطة في الجسم. وكان رئيسا من رؤساء القبائل العربية في الجاهلية والإسلام، فلا بد من أن يهتم بمظهره الخارجي بما تضفي عليه شيئا من الروعة والبهاء.
تلك هي المزايا الخمس الرئيسة التي كان السلف الصالح يحرصون على أن يتمتع بها السفراء المسلمون، لذلك كانت السفارات الإسلامية غالبا نابهة جدا وتأتي بنتائج باهرة لصالح الإسلام والمسلمين.
ولا يتمنى كل عربي ومسلم أكثر من أن يحرص الحكام العرب والمسلمون اليوم على اختيار سفراء الدول العربية والإسلامية بالشروط التي كان السلف الصالح يختارون على هديها سفراءهم، لينجح السفراء العرب والمسلمون الجدد نجاح أسلافهم قبل قرون.
وبالإضافة إلى المزايا التي كان يتمتع بها جرير، فإنه كان رئيسا من رؤساء القبائل اليمانية ومن أهل اليمن ومعروفا في أرجائها، وكانت سفارته إلى ملكين أو حاكمين من حكام اليمن ومن رؤساء القبائل اليمانية أيضا، مما سهل على جرير مهمته في سفارته لمعرفته الوثيقة بالرجلين اللذين أوفد إليهما ولمعرفته الوثيقة باليمن وأهلها أيضا.
ولكن سفارة جرير لم تقتصر على اليمن وحدها، فقد كان القائد قديما يعمل قائدا لرجاله، وسياسيا في مفاوضة سكان البلاد المفتوحة وعقد المعاهدات معهم، وإداريا في إدارة البلاد المفتوحة، فكان جرير مفاوضا وشاهدا في معاهدة خالد بن الوليد أهل بانقيا وبسما في سواد العراق، كما كان مفاوضا وشاهدا في معاهدة النعمان بن مقرن المزني مع أهل (ماه) ( 1) في أرض فارس، كما كان مفاوضا رئيسا في البلاد التي فتحها قائدا مستقلا. لقد كان جرير من ألمع سفراء النبي صلى الله عليه وسلم
__________

جرير في التاريخ
يذكر التاريخ لجرير أنه أسلم متأخرا، فنال شرف الصحبة ولم ينل شرف الجهاد تحت لواء الرسول القائد عليه الصلاة والسلام. ويذكر له أنه كان أحد سفراء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء العرب وغير العرب، فكان سفيره إلى ملكين من ملوك اليمن الخضراء.
ويذكر له أنه هدم صنم ذي الخلصة وحرقه، وكان صنم قومه والقبائل العربية القريبة من قومه نسبا، فاجتث جذور الشرك في تلك المناطق.
ويذكر له أنه ثبت على الإسلام وحارب المرتدين من قومه ومن غيرهم في اليمن، فأعاد الوحدة إلى الصفوف تحت لواء الإسلام.
ويذكر له أنه شهد فتح العراق التمهيدي تحت لواء خالد بن الوليد، وأنه شهد معه اليرموك في أرض الشام، وكان أحد الفدائيين المائة المنتخبين من جيش المسلمين، الذين حطموا معنويات الروم في عملياتهم الفدائية.
ويذكر له أنه سعى لجمع بجيلة قومه، وكانوا أشتاتا في القبائل العربية الأخرى، فنجح في مسعاه، وتولى قيادة قومه في ميدان فتح العراق بعد جمعهم، فقاتل تحت لواء المثنى بن حارثة الشيباني في العراق، وأبلى في فتوح المثنى أعظم البلاء.
ويذكر له أنه قاد بجيلة قومه تحت لواء سعد بن أبي وقاص في القادسية، فكان له ولقومه في النصر أثر عظيم. ويذكر له أنه شهد تحت لواء سعد بن أبي وقاص فتح مدينة (المدائن) عاصمة كسرى، وشهد فتح محور نهر ديالي تحت لواء هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، فكان له في تلك الفتوح شأن كبير.
ويذكر له، أنه فتح مدينة خانقين ومدينة حلوان ومدينة قرميسين ومدينة همذان.
ويذكر له، أنه شهد استكمال فتح الأهواز، كما شهد معركة فتح الفتوح في نهاوند بقيادة النعمان بن مقرن المزني.
ويذكر له، أنه اعتزل الفتنة الكبرى، وأنه اشترى دينه بدنياه، ولم يشتر دنياه بدينه، فاعتزل الناس في داره، غير مكترث بولاية أو قيادة أو جاه أو مال أو سمعة.
رضي الله عن الصحابي الجليل، المحدث الفقيه، المجاهد الصادق، القائد، الفاتح، جرير بن عبد الله البجلي
 

أسيرالشوق

المراقب العام
إنضم
18 أكتوبر 2007
المشاركات
55,079
مستوى التفاعل
48
النقاط
48
الله يعطيك العافية

شكراً لك على الطرح القيم
 

الغريب

Member
إنضم
12 نوفمبر 2008
المشاركات
801
مستوى التفاعل
8
النقاط
18
مشاركه قيّمه شكراً جزيلاً مؤرخنا الكبير جبل عمد
 
أعلى