بسم:
السلام:
حديثي هذا عن علم من أعلام بجيلة وأمير من أمرائها ووال من ولاة الدولة الأموية .. لن أسترسل في التعريف به ؟!
إنما سأقصر حديثي على
طُرَفٍ !! من سيرته .
إنه الأمير
خالد بن عبدالله القسري ( المالكي ) البجلي رحمه الله تعالى .
وقد جعلت الموضوع عبارة عن فقرات قصيرة لتسهل قراءته .. وليناسب كثيراً من القرّاء !
ــــــــــــــــــــــــــــــ ( 1 ) ـــــــــــــــــــــــــ
* لما أتى رسول ـ الخليفة ـ هشام بن عبد الملك ـ خالد بن عبد الله لتوليه العراق قال: رويداً يجف قميصي !
فقال الرسول : انطلق أيها الرجل فإنك تُدعى إلى قُمص كثيرة !!
ـــــــــــــــــــــــــــــ ( 2 ) ـــــــــــــــــــــــــــ
* عاصم ابن راعي الإبل .. أتى خالداً ومعه ابنان له فوصله ، ومات أحد ابنيه .
فدخل على خالد فقال :
أتيناك ثلاثة ونؤوب اثنين؟!
قال: وما ذاك؟!
قال: مات ابني!
قال : ذاك ما لا أقدر على منعه!
قال : فديته تدفعها إليّ !
قال: نعم. فدفع إليه دية !
فقال:
سننت من الموت الوداء ولم يكن
.................... مقاديره يودى لحيٍّ مثيلها
فما سنّها من حميري متّوجٌ
............. ولا من معدٍّ حيث يلقى فضولها
ولما أتى ابن الراعي خالداً فمات ابنه وأعطاه خالد ديته، قال أبو الجويرية العبدي:
وبدأة مجدٍ لم تكن فاقترحتها
......................... إلى كل أفقٍ فاحتوتها القصائد
ضمنت ابن راعي الإبل أن حان يومه
........................... وشقّ له قبرٌ بأرضك لاحد
خباء لمثوى زائر فوديته
.......................... فدتك الأكفّ طلقها والجوامد
وقد كان مات الجود حتى نشرته
.................... وأذكيت نار الجود والجود خامد
فأعطاه ثمانية آلاف، وقال: أنت أشعر من ابن الراعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ ( 3 ) ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* صعد خالد المنبر فأرتج عليه في خطبته فقال :
(( أيها الناس إن الكلام يجيء أحياناً ويذهب أحياناً، فينطلق اللسان إذا أتى ويعجز إذا أبى، ولم يقصر بنا عن القول عي ، ولا عرض لنا دون بلوغ الإرادة إفحام ، وللجواد كبوة ، وللصارم نبوة، وسنعود فنقول إن شاء الله )).
ــــــــــــــــــــــــــــــ ( 4 ) ـــــــــــــــــــــــــــ
*وحفر خالد النهر المعروف بالمبارك فقال الفرزدق في شعر له :
أعطى خليفته بقوة خالد
............................. نهراً يفيض له على الأنهار
إن المبارك كاسمه يسقى به
.............................. حرث السواد وناعم الجبار
وكأن دجلة حين أقبل مدّها
............................... ... ناب نمد له بحبل قطار
إن كان أجرى ماء دجلة خالدٌ
....................... ..... فلطالما أعيت على الإجرار
يا دجل كنت عزيزة فيما مضى
............................... حتى أصابك خالد بصغار
ولمّا لم يثبه خالد على الأبيات السابقة قال :
أهلكت مال الله في غير حقه
.................... على نهرك المشؤوم غير المبارك
وتضرب أقواماً صحاحاً ظهورهم
.......................... وتترك حق الله في ظهر مالك
أإنفاق مال الله في غير حقه
....................... وتركاً لحق المرملات الضرائك
ــــــــــــــــــــــــــــــ ( 5 ) ــــــــــــــــــــــــــــــ
* خرج خالد يوماً يتصيد فإذا هو بأعرابي على أتان له ومعه عجوز، فقال له خالد : ممن الرجل؟
قال : من أهل المآثر والحسب.
قال: فأنت إذاً من مضر....... !
قال خالد : فما أقدمك هذه البلاد؟!
قال : تتابع السنين وقلة الرافدين!
قال: فمن أردت بهذا البلد ؟!
قال: أميركم هذا الذي ترفعه إمرته، وتضعه أسرته ! قال: وما أردت منه إذ كان كذلك؟!
قال: كثرة دراهمه لا كرم آبائه!
قال: أفتوصلت إليه بشعر؟!
قال: نعم!
قال: فأنشدناه !
فقال: يا أم جحش أنشديه. قالت: هيه .... فأنشدت:
إليك ابن عبد الله للحمد جاوزت
.................. بنا البيد عيسٌ كالقسيّ عياهم
عليهنّ بيضٌ من ذؤابة عامرٍ
................. حدتهم سنونٌ مجحفاتٌ مشائم
يزرن امرأً يعطي على الحمد ما له
....................... تهون عليه للثّناء الدراهم
فإن يعطنا شيئاً فهذا ثناؤنا
................. وإن تكن الأخرى فما لك لائم
فقال خالد : ما أعجب أمرك، تقول فيه ما قلت ثم تمدحه بهذا الشعر!! أفتعرفني؟ !
قال : لا.
قال: أنا خالد وسأعطيك ولا أكافئك.!!
فقال: يا أم جحش اصرفي وجه الأتان راجعةً.
قال: إني مغنيك. قال: ما كنت لأسمع رجلاً مكروها ثم أرزؤه شيئاً. فقال خالد: بمثل صبري على هذا أدرك آبائي من الشرف ما أدركوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ ( 6 ) ــــــــــــــــــــــــــــ
* دخل على خالد بالكوفة شيخ كبير فمثل بين يديه فقال: شيخ كبير ضرير، حدته إليك سنة أبدت العظام وألزمت الغني الإعدام، ذهب ماله، ودعدت آباله، وغيرت أحواله، فإن رأى الأمير أن يجبره بفضله، وينعشه بسجله، ويرده إلى أهله.
فقال خالد: ممن الرجل؟ وإياك أن تكذب فإن الكذب عار لازم وذل دائم. قال: رجل من بني تميم. قال: لا قرب الله دارك، ولا سهل محلك، ولا حيا مزارك. فقال الأعرابي: ما رأيت كاليوم منطقاً أقطع، ولا كلاماً أشنع، ولا رداً أوجع، لقد سمعت قولاً أمر من الحنظل، وأيبس من الجندل، وأحر من المرجل، ما أعطيت من قدرة ولا نعشت من عثرة، ولا أقلت من صرعة.
قال خالد: هل لك في أن أقارعك ( أصارعك ) وإن قرعتك لم أعطك شيئاً ، وإن قرعتني أعطيتك؟.
فقارعه خالد فقرعه!
فقال : أقلني فأقاله !
ثم قارعه فقرعه خالد !
فقال: أقلني فأقاله!
ثم قارعه فقرع خالداً !
فقال: أقلني. قال: لا أقالني الله إذاً.!
قال: أعطوه بدرةً يدخلها في حر أمه !
فقال الأعرابي: وأخرى في استها !!
فضحك وأمر له ببدرتين!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( 7 ) ـــــــــــــــــــــــــــــ
* قال خالد بن عبد الله ـ يعرِّض بعنبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ـ وكان عنبة يستدين : إن الرجل لا يزال يستدين في ماله حتى إذا انقذه استدان في دينه.
فقال عنبة :
إن الرجل يكون ماله أكثر من مروءته فيبقى له ماله ! وتكون مروءته أكثر من ماله !
فيفنى ماله وتبقى له مروءته!
فقال خالد: صدقت وإنك لمنهم. !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ( 8 ) ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* وبعث خالد بن عبدالله القسري .. محمدَ بن عبد الرحمن بن اسعد بن زرارة الأنصاري إلى إسماعيل بن جرير بن عبد الله البجلي , يخطب إليه ابنته أم إسحاق بنت إسماعيل .
فقال إسماعيل : أبلغ الأمير السلام واعلمه أن عمه جريراً أوصى ألا تخرج واحدة من بناته إلا إلى رجل من قريش وهو أحق من لم يثرب وصية عمه ، ولم يحاول نقضها مع أنا أملناه لعيالنا وأعقابنا، فو الله ما كان عنده ما ظننا به ما سهل في أذن ولا رفع من قدر، فلما أتت خالداً رسالته أمسك.
وبلغ الخبر ابن نوفل فقال ( شامتاً ) :
لعمري لقد أصبحت حاولت خطةً
........................ ممنّعةً والدهر يقذف بالعجب
أتخطب جهلاً إن وليت إمارةً
................... بنات جريرٍ في المكارم والحسب
وأنت دعيٌّ ليس يعرف أصله
..................... منوط بقسر كالعلاقة في الحقب
فردّك ردّ العبد إذ جئت خاطباً
................. وهل ينكح الأحرار عبداً إذا خطب
ــــــــــــــــــــــــــــــ ( 9 ) ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كان خالد يزوج أقاربه ويسوق عنهم المهر، فأراد أن يزوج بعضهم فذهبت عنه الخطبة فقال :
إني والله أروي في النكاح كذا وكذا خطبة ، وما يحضرني الآن منها شيء ، فاشهدوا إني قد زوجت فلانا فلانة ، وأصدقتها عنه كذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ( 10 ) ـــــــــــــــــــــــــــ
* كان مصقلة العبدي طويل اللحية عريضها، فدخل على خالد بن عبد الله فقال له:
يا مصقلة، لو أخذت من لحيتك!
فقال: أعزمة فأطيع أم مشورة فأقبل؟!
قال: لا واحدة منهما!
ثم قال: ما فعل ابنك الفضل؟ وكانت - أمه ابنة الغضبان بن القبعثري –
فقال: هلك رحمه الله فقد كان آخذاً لأربع تاركاً لثلاث، كان آخذاً لقلوب الرجال إذا حدث، حسن الاستماع إذا حدث، حسن البشر إذا هو لقي، جميل القول إذا خولف، تاركاً لمداعبة الأحمق ومقارفة المآثم، وإيتان ما يعتذر منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ( 11 ) ــــــــــــــــــــــــــــ
* كان خالد يطعم الأعراب في حطمة أصابتهم في كل يوم ثلاثين ألف إنسان خبزاً وسويقاً وتمراً!
فقيل لأعرابي : لو أتيت خالداً فإنه يطعم الأعراب فأبى وقال:
يقول ابن حجاج تجهز ولا تمت
.................. هزالاً بحرّان تعاوي ذئابها
فأقسم لا أبتاع رغفان خالدٍ
................... بأرواح نجدٍ ما أقام ترابها
وقال الهيثم بن عدي : قال ابن عياش: كانت حطمة خالد، فجاءت قيس وتميم وأسد وكلب وبلي، فكان يطعمهم ثلاث أكلات: أكلة بلحم، وأكلة بعدس، وأكلة بلبن أو بخل وزيت، وكان يحسيهم السمن ويقول: لا تبدأوهم بالطعام فيموتوا فإن الأمعاء تضيق، ثم يحسون بعد السمن المرق، فأنفق عليهم تسعين ألف ألف درهم، وكتب إلى هشام: إني أنفقت على الأعراب من مالك ليكثر لك الدعاء وعليك الثناء ويجب لك الأجر.
فكتب إليه هشام: يا بن أم خالد إياي والخدع !
والله لا أحسبها لك أبدا ؟!
ـــــــــــــــــــــــــ ( 12 ) ــــــــــــــــــــــ
دخل رجل على خالد بن عبد الله فقال :
أصلح الله الأمير، أكلمك بهيبة الآمل أم بجرأة اليائس؟!
قال : بهيبة الآمل، وقضى حوائجه!
ــــــــــــــــــــــ ( 13 ) ـــــــــــــــــ
* أُتِي خالد بن عبد الله برجل تنبأ بالكوفة وقال إنه قد أنزل عليّ قرآن ؟!
فقال له خالد: ما قرآنك؟!
قال: ( إنا أعطيناك القاهر، فصل لربك وجاهر، ولا تطع كل فاجر، مغتر بالله كافر )
ـ فأمر به خالد فضرب حتى أثخن ، ثم أمر به فصلب، فقال له حمزة بن بيض الحنفي وهو يشد على الخشبة
: ( إنا أعطيناك العمود ، فأطل عليه الركود، وصل لربك على عود، وأنا ضامن ألا تعود. ولم يلبث أن مات ) !!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ( 14 ) ــــــــــــــــــــــــ
*أجمع هشام على عزل خالد لأنه اتخذ بالعراق أموالاً، وحفر أنهاراً حتى بلغت غلته عشرين ألف ألف درهم، منها نهر خالد كان يغل خمسة آلاف ألف درهم، وباجوا، وبارمانا والجامع، والمبارك، ولوبة، وسابور، والصلح، وأمواله بالبصرة والبحرين، وكان يقول كثيراً: ابني هذا مظلوم، ما تحت قدمي من شيء إلا وهو له، لأن عمر جعل لبجيلة ربع السواد، ثم صالحهم عنه.
ـــــــــــــــــــــ ( 15 ) ـــــــــــــــــــــــ
وأختم حديثي بهذه الوصايا من كلام خالد بن عبد الله القسري رحمه الله تعالى :
* أيها الناس عليكم بالمعروف فإن فاعل المعروف لا يعدم جوازيه، فمهما ضعف الناس عن أدائه قدر الله على جزائه.
* أيها الناس تنافسوا في المكارم فإنها أعظم المغانم واشتروا الحمد بالجود، ولا تكسبوا بالمطل ذماً.
* أيها الناس عليكم بالمعروف فإن المعروف لو كان رجلاً لرأيتموه حسناً بسناً ذا بشر ومروءة ولا تملوا النعم فتعود نقماً.
* أيها الناس لو رأيتم البخل لرأيتموه مشوهاً قبيحاً تنفر عنه القلوب وتغض دونه الأبصار، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته.
ــــــــــــــــ ( أخوكم جبل عمد ) ــــــــــــ
والبحث من مجموعة من كتب التاريخ والأدب .
السلام:
حديثي هذا عن علم من أعلام بجيلة وأمير من أمرائها ووال من ولاة الدولة الأموية .. لن أسترسل في التعريف به ؟!
إنما سأقصر حديثي على
طُرَفٍ !! من سيرته .
إنه الأمير
خالد بن عبدالله القسري ( المالكي ) البجلي رحمه الله تعالى .
وقد جعلت الموضوع عبارة عن فقرات قصيرة لتسهل قراءته .. وليناسب كثيراً من القرّاء !
ــــــــــــــــــــــــــــــ ( 1 ) ـــــــــــــــــــــــــ
* لما أتى رسول ـ الخليفة ـ هشام بن عبد الملك ـ خالد بن عبد الله لتوليه العراق قال: رويداً يجف قميصي !
فقال الرسول : انطلق أيها الرجل فإنك تُدعى إلى قُمص كثيرة !!
ـــــــــــــــــــــــــــــ ( 2 ) ـــــــــــــــــــــــــــ
* عاصم ابن راعي الإبل .. أتى خالداً ومعه ابنان له فوصله ، ومات أحد ابنيه .
فدخل على خالد فقال :
أتيناك ثلاثة ونؤوب اثنين؟!
قال: وما ذاك؟!
قال: مات ابني!
قال : ذاك ما لا أقدر على منعه!
قال : فديته تدفعها إليّ !
قال: نعم. فدفع إليه دية !
فقال:
سننت من الموت الوداء ولم يكن
.................... مقاديره يودى لحيٍّ مثيلها
فما سنّها من حميري متّوجٌ
............. ولا من معدٍّ حيث يلقى فضولها
ولما أتى ابن الراعي خالداً فمات ابنه وأعطاه خالد ديته، قال أبو الجويرية العبدي:
وبدأة مجدٍ لم تكن فاقترحتها
......................... إلى كل أفقٍ فاحتوتها القصائد
ضمنت ابن راعي الإبل أن حان يومه
........................... وشقّ له قبرٌ بأرضك لاحد
خباء لمثوى زائر فوديته
.......................... فدتك الأكفّ طلقها والجوامد
وقد كان مات الجود حتى نشرته
.................... وأذكيت نار الجود والجود خامد
فأعطاه ثمانية آلاف، وقال: أنت أشعر من ابن الراعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ ( 3 ) ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* صعد خالد المنبر فأرتج عليه في خطبته فقال :
(( أيها الناس إن الكلام يجيء أحياناً ويذهب أحياناً، فينطلق اللسان إذا أتى ويعجز إذا أبى، ولم يقصر بنا عن القول عي ، ولا عرض لنا دون بلوغ الإرادة إفحام ، وللجواد كبوة ، وللصارم نبوة، وسنعود فنقول إن شاء الله )).
ــــــــــــــــــــــــــــــ ( 4 ) ـــــــــــــــــــــــــــ
*وحفر خالد النهر المعروف بالمبارك فقال الفرزدق في شعر له :
أعطى خليفته بقوة خالد
............................. نهراً يفيض له على الأنهار
إن المبارك كاسمه يسقى به
.............................. حرث السواد وناعم الجبار
وكأن دجلة حين أقبل مدّها
............................... ... ناب نمد له بحبل قطار
إن كان أجرى ماء دجلة خالدٌ
....................... ..... فلطالما أعيت على الإجرار
يا دجل كنت عزيزة فيما مضى
............................... حتى أصابك خالد بصغار
ولمّا لم يثبه خالد على الأبيات السابقة قال :
أهلكت مال الله في غير حقه
.................... على نهرك المشؤوم غير المبارك
وتضرب أقواماً صحاحاً ظهورهم
.......................... وتترك حق الله في ظهر مالك
أإنفاق مال الله في غير حقه
....................... وتركاً لحق المرملات الضرائك
ــــــــــــــــــــــــــــــ ( 5 ) ــــــــــــــــــــــــــــــ
* خرج خالد يوماً يتصيد فإذا هو بأعرابي على أتان له ومعه عجوز، فقال له خالد : ممن الرجل؟
قال : من أهل المآثر والحسب.
قال: فأنت إذاً من مضر....... !
قال خالد : فما أقدمك هذه البلاد؟!
قال : تتابع السنين وقلة الرافدين!
قال: فمن أردت بهذا البلد ؟!
قال: أميركم هذا الذي ترفعه إمرته، وتضعه أسرته ! قال: وما أردت منه إذ كان كذلك؟!
قال: كثرة دراهمه لا كرم آبائه!
قال: أفتوصلت إليه بشعر؟!
قال: نعم!
قال: فأنشدناه !
فقال: يا أم جحش أنشديه. قالت: هيه .... فأنشدت:
إليك ابن عبد الله للحمد جاوزت
.................. بنا البيد عيسٌ كالقسيّ عياهم
عليهنّ بيضٌ من ذؤابة عامرٍ
................. حدتهم سنونٌ مجحفاتٌ مشائم
يزرن امرأً يعطي على الحمد ما له
....................... تهون عليه للثّناء الدراهم
فإن يعطنا شيئاً فهذا ثناؤنا
................. وإن تكن الأخرى فما لك لائم
فقال خالد : ما أعجب أمرك، تقول فيه ما قلت ثم تمدحه بهذا الشعر!! أفتعرفني؟ !
قال : لا.
قال: أنا خالد وسأعطيك ولا أكافئك.!!
فقال: يا أم جحش اصرفي وجه الأتان راجعةً.
قال: إني مغنيك. قال: ما كنت لأسمع رجلاً مكروها ثم أرزؤه شيئاً. فقال خالد: بمثل صبري على هذا أدرك آبائي من الشرف ما أدركوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ ( 6 ) ــــــــــــــــــــــــــــ
* دخل على خالد بالكوفة شيخ كبير فمثل بين يديه فقال: شيخ كبير ضرير، حدته إليك سنة أبدت العظام وألزمت الغني الإعدام، ذهب ماله، ودعدت آباله، وغيرت أحواله، فإن رأى الأمير أن يجبره بفضله، وينعشه بسجله، ويرده إلى أهله.
فقال خالد: ممن الرجل؟ وإياك أن تكذب فإن الكذب عار لازم وذل دائم. قال: رجل من بني تميم. قال: لا قرب الله دارك، ولا سهل محلك، ولا حيا مزارك. فقال الأعرابي: ما رأيت كاليوم منطقاً أقطع، ولا كلاماً أشنع، ولا رداً أوجع، لقد سمعت قولاً أمر من الحنظل، وأيبس من الجندل، وأحر من المرجل، ما أعطيت من قدرة ولا نعشت من عثرة، ولا أقلت من صرعة.
قال خالد: هل لك في أن أقارعك ( أصارعك ) وإن قرعتك لم أعطك شيئاً ، وإن قرعتني أعطيتك؟.
فقارعه خالد فقرعه!
فقال : أقلني فأقاله !
ثم قارعه فقرعه خالد !
فقال: أقلني فأقاله!
ثم قارعه فقرع خالداً !
فقال: أقلني. قال: لا أقالني الله إذاً.!
قال: أعطوه بدرةً يدخلها في حر أمه !
فقال الأعرابي: وأخرى في استها !!
فضحك وأمر له ببدرتين!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( 7 ) ـــــــــــــــــــــــــــــ
* قال خالد بن عبد الله ـ يعرِّض بعنبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ـ وكان عنبة يستدين : إن الرجل لا يزال يستدين في ماله حتى إذا انقذه استدان في دينه.
فقال عنبة :
إن الرجل يكون ماله أكثر من مروءته فيبقى له ماله ! وتكون مروءته أكثر من ماله !
فيفنى ماله وتبقى له مروءته!
فقال خالد: صدقت وإنك لمنهم. !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ( 8 ) ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* وبعث خالد بن عبدالله القسري .. محمدَ بن عبد الرحمن بن اسعد بن زرارة الأنصاري إلى إسماعيل بن جرير بن عبد الله البجلي , يخطب إليه ابنته أم إسحاق بنت إسماعيل .
فقال إسماعيل : أبلغ الأمير السلام واعلمه أن عمه جريراً أوصى ألا تخرج واحدة من بناته إلا إلى رجل من قريش وهو أحق من لم يثرب وصية عمه ، ولم يحاول نقضها مع أنا أملناه لعيالنا وأعقابنا، فو الله ما كان عنده ما ظننا به ما سهل في أذن ولا رفع من قدر، فلما أتت خالداً رسالته أمسك.
وبلغ الخبر ابن نوفل فقال ( شامتاً ) :
لعمري لقد أصبحت حاولت خطةً
........................ ممنّعةً والدهر يقذف بالعجب
أتخطب جهلاً إن وليت إمارةً
................... بنات جريرٍ في المكارم والحسب
وأنت دعيٌّ ليس يعرف أصله
..................... منوط بقسر كالعلاقة في الحقب
فردّك ردّ العبد إذ جئت خاطباً
................. وهل ينكح الأحرار عبداً إذا خطب
ــــــــــــــــــــــــــــــ ( 9 ) ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كان خالد يزوج أقاربه ويسوق عنهم المهر، فأراد أن يزوج بعضهم فذهبت عنه الخطبة فقال :
إني والله أروي في النكاح كذا وكذا خطبة ، وما يحضرني الآن منها شيء ، فاشهدوا إني قد زوجت فلانا فلانة ، وأصدقتها عنه كذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ( 10 ) ـــــــــــــــــــــــــــ
* كان مصقلة العبدي طويل اللحية عريضها، فدخل على خالد بن عبد الله فقال له:
يا مصقلة، لو أخذت من لحيتك!
فقال: أعزمة فأطيع أم مشورة فأقبل؟!
قال: لا واحدة منهما!
ثم قال: ما فعل ابنك الفضل؟ وكانت - أمه ابنة الغضبان بن القبعثري –
فقال: هلك رحمه الله فقد كان آخذاً لأربع تاركاً لثلاث، كان آخذاً لقلوب الرجال إذا حدث، حسن الاستماع إذا حدث، حسن البشر إذا هو لقي، جميل القول إذا خولف، تاركاً لمداعبة الأحمق ومقارفة المآثم، وإيتان ما يعتذر منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ( 11 ) ــــــــــــــــــــــــــــ
* كان خالد يطعم الأعراب في حطمة أصابتهم في كل يوم ثلاثين ألف إنسان خبزاً وسويقاً وتمراً!
فقيل لأعرابي : لو أتيت خالداً فإنه يطعم الأعراب فأبى وقال:
يقول ابن حجاج تجهز ولا تمت
.................. هزالاً بحرّان تعاوي ذئابها
فأقسم لا أبتاع رغفان خالدٍ
................... بأرواح نجدٍ ما أقام ترابها
وقال الهيثم بن عدي : قال ابن عياش: كانت حطمة خالد، فجاءت قيس وتميم وأسد وكلب وبلي، فكان يطعمهم ثلاث أكلات: أكلة بلحم، وأكلة بعدس، وأكلة بلبن أو بخل وزيت، وكان يحسيهم السمن ويقول: لا تبدأوهم بالطعام فيموتوا فإن الأمعاء تضيق، ثم يحسون بعد السمن المرق، فأنفق عليهم تسعين ألف ألف درهم، وكتب إلى هشام: إني أنفقت على الأعراب من مالك ليكثر لك الدعاء وعليك الثناء ويجب لك الأجر.
فكتب إليه هشام: يا بن أم خالد إياي والخدع !
والله لا أحسبها لك أبدا ؟!
ـــــــــــــــــــــــــ ( 12 ) ــــــــــــــــــــــ
دخل رجل على خالد بن عبد الله فقال :
أصلح الله الأمير، أكلمك بهيبة الآمل أم بجرأة اليائس؟!
قال : بهيبة الآمل، وقضى حوائجه!
ــــــــــــــــــــــ ( 13 ) ـــــــــــــــــ
* أُتِي خالد بن عبد الله برجل تنبأ بالكوفة وقال إنه قد أنزل عليّ قرآن ؟!
فقال له خالد: ما قرآنك؟!
قال: ( إنا أعطيناك القاهر، فصل لربك وجاهر، ولا تطع كل فاجر، مغتر بالله كافر )
ـ فأمر به خالد فضرب حتى أثخن ، ثم أمر به فصلب، فقال له حمزة بن بيض الحنفي وهو يشد على الخشبة
: ( إنا أعطيناك العمود ، فأطل عليه الركود، وصل لربك على عود، وأنا ضامن ألا تعود. ولم يلبث أن مات ) !!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ( 14 ) ــــــــــــــــــــــــ
*أجمع هشام على عزل خالد لأنه اتخذ بالعراق أموالاً، وحفر أنهاراً حتى بلغت غلته عشرين ألف ألف درهم، منها نهر خالد كان يغل خمسة آلاف ألف درهم، وباجوا، وبارمانا والجامع، والمبارك، ولوبة، وسابور، والصلح، وأمواله بالبصرة والبحرين، وكان يقول كثيراً: ابني هذا مظلوم، ما تحت قدمي من شيء إلا وهو له، لأن عمر جعل لبجيلة ربع السواد، ثم صالحهم عنه.
ـــــــــــــــــــــ ( 15 ) ـــــــــــــــــــــــ
وأختم حديثي بهذه الوصايا من كلام خالد بن عبد الله القسري رحمه الله تعالى :
* أيها الناس عليكم بالمعروف فإن فاعل المعروف لا يعدم جوازيه، فمهما ضعف الناس عن أدائه قدر الله على جزائه.
* أيها الناس تنافسوا في المكارم فإنها أعظم المغانم واشتروا الحمد بالجود، ولا تكسبوا بالمطل ذماً.
* أيها الناس عليكم بالمعروف فإن المعروف لو كان رجلاً لرأيتموه حسناً بسناً ذا بشر ومروءة ولا تملوا النعم فتعود نقماً.
* أيها الناس لو رأيتم البخل لرأيتموه مشوهاً قبيحاً تنفر عنه القلوب وتغض دونه الأبصار، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته.
ــــــــــــــــ ( أخوكم جبل عمد ) ــــــــــــ
والبحث من مجموعة من كتب التاريخ والأدب .