السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الغالي / ابو طارق
كأنك اخي ابو طارق تريد بنا ان نبحر في محيطات الأدب و بحوره ؛ نمخر عباب اليم او نغوص في اعماقه نلتقط لآلئه و درره و كنوزه .
------------------
يشرفني اخي الكريم ان ازور متصفحك هذا ثم أن اضع لي بصمة كتلك التي اضعها غالبا اذا مريت على موضوع اعجبني فاقول هناك ( الأسد مر من هنا ) كـ( لفت نظر للموضوع )ككل او هي كدعابة للصديق صاحب المتصفح .
( اقول هنا ) :
بارك الله فيك وفي جهدك الدائم و عطائك المتجدد الهادف الى تقوية الروح المعنوية في اجيالنا .
--------------------------------------
ابيت( أنا ) الا ان اسجل حظوري هنا ببعض الكلمات الاصيلة في لهجتها مع ارفاقها بشواهدها اللغوية من كتب الادب و اللغة والتاريخ .
وفي الواقع فلهجتنا تحتضن ارث ثمين من المفردات الاصيلة والنادرة على حد سواء .
إنما من سينبري لها فينقب عنها في مناجمها و يستخرج دررها و معادنها الثمينة . ان لم يكن ابو طارق وامثاله من الغيورين والحريصين على ميراث اجدادنا .
اخي الكريم - لن اطيل وساذكر بعض المفردات مدعمة بشواهدها ؛ ولعل هذا هو ماتريد من موضوعك هذا وما ترمي اليه فأقول :-
-------------------------------------
1 - استنكر .
نقول في لهجتنا :- ( استنكر ) ونعني بها استغرب . من الاستنكار و التشكك ؛ فنقول : ( استنكرت كلامك ) بمعنى استغربته و تشككت فيه ؛ واستنكر الرضيع ديس امه اذا فطم منه ثم اعادوه للرضاعة منه ؛ واستنكرت الشاة سخلها اي تشككت فيه بعد ان ابعد عنها فنسيته ؛ والشاة في اللغة تطلق على انثى الضأن وانثى الماعز وفي ديارنا هي انثى الماعز والاشهر في لغة العرب انها انثى الضأن ؛ وسخلها هو وليدها مادام باقي على رضاعة ثديها .
وفي الشعر العربي يقول الشاعر ( الكميت بن معروف الاسدي) :
فإني امرؤ مايخبأ النار موقدي ... بستر ولا تستنكر الضيف اكلبي
-----------------------
2 - احتبى .
احتبى تعني جلس القرفصاء واحتضن ركبتيه بيديه و ذراعيه وقبض بكف على الاخرى . و يقال ( جلس فلان محتبي ) على صفة جلوس ( الحضارم واهل اليمن الجنوبي في مجالسهم ) . وهي من اشهر الاوضاع للجلوس عند بعض ربعنا بني حرب و اهل تهامة وبني عفيف ولازال البعض يفعلها وبخاصة كبار السن .
يقول الكميت ايضاً :
وجدت ابي فيهم وخالي كلاهما ... يطاع ويعطى امره وهو محتبي
--------------------
3 - نقع ( فعل ثلاثي ).
يقول الأسد : الناقع هو الراكد ؛ وهو لكل سائل و مائع اشهر وآكد .. وفي لهجتنا هو البديل لكلمة ( راكد ) فلا نقول ركد بل نقع .
قال سويد بن كراع العكلي :
اذا نابت الدعوى وحورض عندها ... تطول بايدينا السيوف القواطع
بمعترك ثارت عليه ضبابة ... ففيه دم جارٍ وآخر ناقع
ولم نعط قوماً فديةٌ نفتدي بها ... من الموت ان الموت لابد واقع
وقلت ايضاً :
المستنقع هو كل مكان ينقع فيه الماء و يركد ؛ والنقاع بكسر النون هي المستنقعات او الأماكن التي تتجمع بها المياه بعد الامطار عادتا ( اقل من الغدران ) ؛ سواءاً كان بها ماء او كانت جافة .
يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه :
عدمنا خيلنا إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء
يتهدد و يخاطب مشركي قريش قبل فتح مكة ؛ وكداء في البيت بكسر الكاف هي مايعرف في مكة المكرمة اليوم باسم ( ريع الحجون ) . اراد بالنقع ( الارض التي بها تراب ناعم وغبار يستثار لادنى حركة ) وغالبا يكون في الارض المنخفضة التي تتجمع بها مياه وطين ناعم ثم تجف .
و ( النقع ) - بتشديد النون المفتوحة وضم القاف هو بقعة صغيرة ( قد تكون بحجم الكف ) يبقى فيه بعض الماء ؛ وجمعه ( نقوعة ) بضم الحرفين الاولين من الاسم .
والنقعة هي المستنقع الصغير كما اسلفنا ؛ ومنه قولهم نقَع الماء بالفتح و نقَّع .
---------------------------------
3 - انتكس .
عاد له مرضه بعد ان شفي منه ؛ وله تصاريف اخرى سنذكرها لاحقاً .
قال قيس بن الحدادية الخزاعي :
ان الفؤاد قد امسى هائماً كلفاً ... قد شفه ذكر سلمى اليوم فانتكسا
عناه ماقد عناه من تذكرها ... بعد السلو فامسى القلب مختلسا
( قال الأسد ) :
نكس ( فعل ثلاثي ) تعني قلب الشيء فجعل اعلاه اسفله فهو منكوس ؛ وكلمة ( نَكْس ) على وزن عبس ( قبيلة عنترة بن شداد العبسي ) تعني في لهجتنا بهذا الوزن ( اسفل ) ومثلها كلمة ( تحت ) التي تعني هي الاخرى اسفل .
(والفعل الناكس او الانكس ) نعني بها الفعل السيء والذميم .
-----------------------
4 - عدّ . فعل امر مكون من حرفين . الاول منهما مفتوح . ويقال ايضاً ( عدِّي ) .
ويعني ( مُرّ - و أمضي - و أدخل ) والاخيرة ابلغ و اوضح .
انشد الشاعر قيس بن الحدادية الخزاعي ؛ فقال :
فعَدِّ عنك هموم النفس إذ طرقت ... واشدد برحلك مِذ عان السُّرى سُدُسا
واعتقد ايضاً انه عنى بقوله ( اشدد ) في البيت ( الرحيل ) واشدد من الفعل شد اي ارتحل . ولاتزال كلمة ( شد ) مستعملة الى اليوم في لهجتنا اليوم ؛ و تعني رحل و ارتحل الى مكان آخر .
--------------------------
5 - شَبْ .. القَرا .. فارع .. اصطلى .
اربع كلمات لها مدلولاته في لهجتنا جمعها بيت شعر واحد لابن الحدادية الخزاعية ؛ فقال في محبوبته ( ام مالك ) - نعم بنت ذؤيب الخزاعية :
رأيت لها نار تُشَب ودونها ... طويل القرا من راس ذروة فارعُ
فقلت لاصحابي : اصطلوا النار إنها ... قريب ؛ فقالوا : بل مكانك نافعُ
يريدهم ان يبقون في مكانهم حول النار يصطلون وهو يسري الى ام مالك فقالوا : بل مكانك ( احسن لك ) .
وهنا رأى الشاعرنار ام مالك ( محبوبته )من مكان علي في ذروة جبل وهي بعيدة بينها جبال .
و ( شب ) النار اي اوقدها ؛ و ( الشبوبة) في لهجتنا هي النار المشتعلة وقد تعني رائحة النار ان لم نكن نراها فيقول القائل : ( اشم لي ريحةشبوبة) اي رائحة نار .
و ( القرا ) هو اعلى الشيء و يطلق على ما استوى واطمأن من اعلى الجبل فاستوى .
وهو في هذه القصيدة ( من قصائد بني حرب ) التي تقول :
الى سرينا للفنادى ... اعدا القرى بالليل
وروسنا تنادى ... في حشمتك يالهيل
الفنادى : طير بحجم الصقور ( من الطيور النادرة المهاجرة يصاد ليلا .) و يستقر على المواقع الصعبة .
والهيل ( اينما ورد في شعرهم الشعبي ) يريدون به ( الجميل الثمين ) يكنون به في اشعارهم عن ( النساء الفاتنات )- من باب التغزل بهن - فافهم ترشد رعاك الله .
( والفارع) هنا في هذا الموطن هو العالي ؛ و ( الفرعة ) هي في لهجتنا في السراة تعني القمة العالية المستوية وكل فرعة هي كذلك ؛ ومنها التسمية ( فرعت بني حرب ) وفرعة الغلطة و فرعة بجيلة ( مجازاً ) و فراع بني عفيف في تهامة .
--------------------
واكتفي بهذا السرد ( وبتلك النقاط الخمس ) وهي من احد فصول كتابي المخطوط ( لسان السراة الوسطى ) الذي اتلفت جله ولم يبقى منه الا ورقات كانت مفقودة في حينها ( في 14 - 3 - 1411 هـ ) .
وكان عنوان ذاك الفصل هو :
( شواهد الفصاحة و الأصالة في لهجت عرب السراة الوسطى - بني مالك - وبعض من جاورهم )
والسراة الوسطى مصطلح اطلقه بعض الأوائل من المؤرخين ومنهم ( لسان اليمن الهمداني ) على جزء من السراة و هو مايعرف بسراة بجيلة .
الأسد - يستودعك اخي الكرام ( ابو طارق ) من لا تضيع ودائعه ؛ وارجوا ان لا اكون قد اطلت فأمللتكم بإطالتي .
والسلام عليكم ورحمة الله