~* من كنوز الأدب العربي *~

جمانة

مشرفه سابقه
إنضم
10 مارس 2009
المشاركات
1,745
مستوى التفاعل
53
النقاط
48
بسم الله الرحمن الرحيم


[caps]~*[/caps] مدخل ..
ذي المعالي فليعلون من تعالى***هكذا *هكذا *وإلا فلا لا*
شرف ينطح النجوم بروقيه***وعز يقلقل الأجيال*


[]ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[]


إن أدب اللغة ما أثر عن شعرائها وكتابها من بدائع القول المشتمل على تصور الأخيلة الدقيقة ، وتصوير المعاني ، مما يهذب النفس ويرقق الحس ويثقف اللسان .*
وقد يطلق الأدب على جميع ما صنف من كل لغة من البحوث العلمية والفنون الأدبية ، فيشمل كل ما أنتجته خواطر العلماء وقرائح الكتاب والشعراء .
والآداب العربية أغنى الآداب جمعاء لأنها آداب الخليقة منذ طفولة الإنسان إلى اضمحلال الحضارة العربية .*
فما كانت لغة مضر بعد الإسلام لغة أمة واحدة ، وإنما كانت لغة لجميع الشعوب التي دخلت في دين الله أو في كنفه ، أودعوها معانيهم وتصوراتهم ، وأفضوا إليها بأسرار لغاتهم ، ثم جابت أقطار الأرض تحمل الدين والأدب والحضارة والعلم ، فصرعت كل لغة نازلتها ووسعت علوم الأولين وآداب الأقدمين ، من يونان وفرس ويهود وهنود وأحباش ، واستمسكت على عَرْك الخطوب تلك القرون الطويلة ، فشهدت مصارع اللغات حولها وهي مرفوعة الرأس رابطة الجأش ترث نتاج القرائح وثمار العقول من كل أدب ونِحْلة ، فكانت لغات الأمم على اختلافها كالجداول والأنهار ، تتألف ، ثم تتشعب ، ثم تتجمع ، ثم تصب في محيط واحد هو اللغة العربية .​

[]ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ []
~* مخرج ..
وإذا كانت النفوس كبارًا ** تعبت في مرادها الأجسامُ

 
التعديل الأخير:

جمانة

مشرفه سابقه
إنضم
10 مارس 2009
المشاركات
1,745
مستوى التفاعل
53
النقاط
48
1/ ديوان المتنبي .

~* من كنوز الأدب العربي *~

أ- ديوان المتنبي*
يضم قصائد الشاعر في شتى الأغراض الشعرية ، من فخر ، ومديح ، وغزل ، ورثاء ، ووصف ، وعتاب ، وحماسة وما إلى ذلك .*
صحيح إن هذه الأغراض قديمة قدم الأدب العربي نفسه ، ولكن الجديد لدى المتنبي ، أنه اجتاز بهذه الأغراض إلى آفاق أرحب ، سواء في معجمه الشعري وألفاظه وتراكيبه التي جاءت لتناسب الغرض في كل مرة ، أو في معانيه المبتكرة التي يرجع إلى المتنبي فضل توليدها ، وتقديمها للناس في صورة فريدة ومتميزة ، أضف إلى ذلك صورة الرائعة التي تبدو وكأنها تماثيل مجسمة ، أو لوحات فنية تنسكب عليها الألوان والأصباغ ، كلٌ بقدر ، وحسب مواصفات محسوبة .*

• السمة الغالبة على هذا الديوان هي:
طغيان الفخر الشخصي والاعتزاز بالنفس في معظم القصائد تقريبًا . فالمتنبي يمدح سيف الدولة ، أو كافورًا الإخشيدي أو غيرها ، ومع ذلك لا ينسى ذاته ، ولا يغفل عن شخصيته ، فهو دائمًا هناك ، ولعل هذه النزعة هي ما أثار الجدل الكثير حوله وحول شعره . وكيف يكون غير ذلك ، وهو الأبيّ الذي حافظ دوما على كرامته ، وكيف لا يتجادل الكثيرون حول هذه الطريقة ، وهي الجديد الذي لا عهد لهم به من قبل ، لقد سار التقليد بأن يمدح الشاعر فيكيل في صفات المدح للممدوح ، وبتوارى هو من بعيد ، أما المتنبي فقد كان يعامل ممدوحيه معاملة الندّ للندّ ، وليس معاملة العبد للسيد أو طالب النوال للغني .
[] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ []
 

أبومهند

مراقب منتديات التعليم والتطوير
إنضم
21 أغسطس 2007
المشاركات
10,826
مستوى التفاعل
67
النقاط
48
[blur]كتاب العقد الفريد
[/blur]
المؤلف : ابن عبد ربه الأندلسي المتوفي سنة 383هجري.

كتاب العقد الفريد هو من كنوز الأدب العربي ، ومن الكتب المحببة التي يتداولها عشاق الأدب العربي.
ولعل هذا الكتاب الكنز بلغ ما بلغه من الشهرة والذيوع أنه ألف في مدينة قرطبة منارة من منارات العلم والأدب في الأندلس ، وكانت قرطبة في أوج عطائها.
ويشترك كتاب العقد الفريد *في الخصائص التي سادت كتب الأدب العربي الأخرى أنه كتاب أدبي موسوعي ، تتسم مادته بالغزارة والتنوع الأدبي ، وضم بين دفتيه الشعر والنثر ؛ من الخطب والرسائل والوصايا والحكم ، وتناول اللغة والعروض والأخبار ، ومعارف شتى في الفقة والتاريخ والحديث ، ووصف مجالس الطرب واللهو التي شاعت في العصر الأندلسي.
أقوال في هذا الكتاب :
الجدير بالذكر أن اسم الكتاب الذي سماه إياه مؤلفه هو ( العقد ) وإنما ( الفريد ) نعت لحق الكتاب في وقت متأخر ، وأول من نعته بذلك هو الأبشيهي مؤلف كتاب ( المستطرف في كل فن مستظرف ).
ابن خلكان : قال عنه : ( من الكتب الممتعة ، حوى كل شيء ).
ابن كثير : يقول : يدل من كلامه على تشيع فيه.
واختصره أبو إسحاق الوادياشي وابن منظور مؤلف ( لسان العرب ) في وصف مؤلف الكتاب لكتابه بقوله (ألفتُ هذا الكتاب وتخيرت نوادر جواهره من متخير جواهر الآداب ومحصول جوامع البيان وسميته بالعقد لما فيه من مختلف جواهر الكلام مع دقة السلك وحسن النظام وجزأته على خمسة وعشرين كتاباً، كل كتاب منها جزآن، فتلك خمسون جزءاً قد انفرد كل كتاب منها باسم جوهرة من جواهر العقد، فأولها كتاب اللؤلؤة في السلطان) أما الباب الثاني من الكتاب فقد كان الفريدة في الحروب و بعد ذلك الباب الثاني عشر المجنبة في الأجوبة فباب الواسطة في الخطب و بعد ذلك تبدأ أبواب الجانب الآخر بباب المجنبة الثانية فالعسجدة الثانية حتى تنتهي أبواب الكتاب كما بدأت بباب اللؤلؤة الثانية في الفكاهات و الملح و بذلك يكتمل العقد ".
 
التعديل الأخير:

جمانة

مشرفه سابقه
إنضم
10 مارس 2009
المشاركات
1,745
مستوى التفاعل
53
النقاط
48
أخي أبامهنَّد بوركت على هذه المشاركة القيمة ..
وممتنة لتواجدك الكريم ..​
 

أبو نواف الفقيه

مشرف سابق
إنضم
30 نوفمبر 2007
المشاركات
6,161
مستوى التفاعل
186
النقاط
63

يابن الوليد .. ألا سيف توجـــره ...



فرشت فوق ثراك الطاهـر الهدبـا فيا دمشـق... لماذا نبـدأ العتبـا؟

حبيبتي أنـت... فاستلقي كأغنيـةٍ على ذراعي، ولا تستوضحي السببا

أنت النساء جميعاً.. ما من امـرأةٍ أحببت بعدك.. إلا خلتها كـذبا

يا شام، إن جراحي لا ضفاف لها فمسحي عن جبيني الحزن والتعبا

وأرجعيني إلى أسـوار مدرسـتي وأرجعي الحبر والطبشور والكتبا

تلك الزواريب كم كنزٍ طمرت بها وكم تركت عليها ذكريات صـبا

وكم رسمت على جدرانها صـوراً وكم كسرت على أدراجـها لعبا

أتيت من رحم الأحزان... يا وطني أقبل الأرض والأبـواب والشـهبا

حبي هـنا.. وحبيباتي ولـدن هـنافمـن يعيـد لي العمر الذي ذهبا؟

أنا قبيلـة عشـاقٍ بكامـلـها ومن دموعي سقيت البحر والسحبا

فكـل صفصافـةٍ حولتها امـرأةً و كـل مئذنـةٍ رصـعتها ذهـبا

هـذي البساتـين كانت بين أمتعتي لما ارتحلـت عـن الفيحـاء مغتربا

فلا قميص من القمصـان ألبسـه إلا وجـدت على خيطانـه عنبا

كـم مبحـرٍ.. وهموم البر تسكنه وهاربٍ من قضاء الحب ما هـربا

يا شـام، أيـن هما عـينا معاويةٍ وأيـن من زحموا بالمنكـب الشهبا

فلا خيـول بني حمـدان راقصـةٌ زهــواً... ولا المتنبي مالئٌ حـلبا

وقبـر خالد في حـمصٍ نلامسـه فـيرجف القبـر من زواره غـضبا

يا رب حـيٍ.. رخام القبر مسكنـه ورب ميتٍ.. على أقدامـه انتصـبا

يا ابن الوليـد.. ألا سيـفٌ تؤجره؟فكل أسيافنا قد أصبحـت خشـبا

دمشـق، يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا؟

أدمـت سياط حزيران ظهورهم فأدمنوها.. وباسوا كف من ضربا

وطالعوا كتب التاريخ.. واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا؟

سقـوا فلسطـين أحلاماً ملونةً وأطعموها سخيف القول والخطبا

وخلفوا القدس فوق الوحل عاريةً تبيح عـزة نهديها لمـن رغبـا..

هل من فلسطين مكتوبٌ يطمئنني عمن كتبت إليه.. وهو ما كتبا؟

وعن بساتين ليمونٍ، وعن حلمٍ يزداد عني ابتعاداً.. كلما اقتربا

أيا فلسطين.. من يهديك زنبقةً؟ ومن يعيد لك البيت الذي خربا؟

شردت فوق رصيف الدمع باحثةً عن الحنان، ولكن ما وجدت أبا..

تلفـتي... تجـدينا في مـباذلنا.. من يعبد الجنس، أو من يعبد الذهبا

فواحـدٌ أعمـت النعمى بصيرته فانحنى وأعطى الغـواني كـل ما كسبا

وواحدٌ ببحـار النفـط مغتسـلٌ قد ضاق بالخيش ثوباً فارتدى القصبا

وواحـدٌ نرجسـيٌ في سـريرته وواحـدٌ من دم الأحرار قد شربا

إن كان من ذبحوا التاريخ هم نسبي على العصـور.. فإني أرفض النسبا

يا شام، يا شام، ما في جعبتي طربٌأستغفر الشـعر أن يستجدي الطربا

ماذا سأقرأ مـن شعري ومن أدبي؟ حوافر الخيل داسـت عندنا الأدبا

وحاصرتنا.. وآذتنـا.. فلا قلـمٌ قال الحقيقة إلا اغتيـل أو صـلبا

يا من يعاتب مذبوحـاً على دمـه ونزف شريانه، ما أسهـل العـتبا

من جرب الكي لا ينسـى مواجعه ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا

حبل الفجيعة ملتفٌ عـلى عنقي من ذا يعاتب مشنوقاً إذا اضطربا؟

الشعر ليـس حمامـاتٍ نـطيرها نحو السماء، ولا ناياً.. وريح صبا

لكنه غضـبٌ طـالت أظـافـره ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا



بقلم / نزار قباني ...
 

جمانة

مشرفه سابقه
إنضم
10 مارس 2009
المشاركات
1,745
مستوى التفاعل
53
النقاط
48
حياك الله وبياك أخي أبانواف وبوركت على هذه المشاركة القيمة ..
ممتنة​
 

جريح الليالي

Well-Known Member
إنضم
16 سبتمبر 2012
المشاركات
12,453
مستوى التفاعل
32
النقاط
48
الإقامة
السعوديه
[align=center][tabletext="width:100%;"][cell="filter:;"][align=center]اشكرك من الاعماااااااااااااااااااااااااق ع الطرح الرااااااااااااااائع[/align][/cell][/tabletext][/align]
 

جمانة

مشرفه سابقه
إنضم
10 مارس 2009
المشاركات
1,745
مستوى التفاعل
53
النقاط
48
سُمع مني في وقت بمدينة السلام كلامٌ في الصداقة، والعشرة، والمؤاخاة، والألفة، وما يلحق بها من الرعاية، والحفاظ، والوفاء، والمساعدة، والنصيحة، والبذل، والمواساة، والجود، والتكرم، مما قد ارتفع رسمه بين الناس، وعفا أثره عند العام والخاص، وسُئلت إثباته ففعلت، ووصلت ذلك بجملةٍ مما قال أهل الفضل والحكمة، وأصحاب الديانة والمروءة؛ ليكون ذلك كلُّه رسالة تامة يمكن أن يستفاد منها في المعاش والمعاد.*
***
قال أبو سليمان السجستاني: "فأما الملوك فقد جَلُّوا عن الصداقة؛ ولذلك لا تصح لهم أحكامها، ولا توفي بعهودها، وإنما أمورهم جارية على القدرة، والقهر، والهوى، والشائق، والاستحلاء، والاستخفاف.*

وأما خدمهم وأولياؤهم فعلى غاية الشبه بهم، ونهاية المشاكلة لهم؛ لانتشابهم بهم، وانتسابهم إليهم، وولوع طورهم بما يصدر عنهم، ويَرِدُ عليهم.*



وأما التُّنَّاء وأصحاب الضياع فليسوا من هذا الحديث في عير ولا نفير.*

وأما التجار فكسب الدوانيق سدٌّ بينهم وبين كل مروءة، وحاجزٌ لهم عن كل ما يتعلق بالفتوة.*

وأما أصحاب الدين والورع - فعلى قلتهم - فربما خلصت لهم الصداقة؛ لبنائهم إياها على التقوى، وتأسيسها على أحكام الحرج، وطلب سلامة العقبى.*

وأما الكتَّاب وأهل العلم فإنهم إذا خلوا من التنافس، والتحاسد، والتماري، والتماحك - فربما صحت لهم الصداقة، وظهر منهم الوفاء، وذلك قليل، وهذا القليل من الأصل القليل.*

وأما أصحاب المذاب والتطفيف فإنهم رجرجة بين الناس، لا محاسن لهم فتذكر، ولا مخازي فتنشر؛ ولذلك قيل لهم همج، ورعاع، وأوباش، وأوناش، ولفيف، وزعانف، وداصة، وسقاط، وأنذال، وغوغاء؛ لأنهم من دقَّة الهمم، وخساسة النفوس، ولؤم الطبائع على حال لا يجوز معها أن يكونوا في حومة المذكورين، وعصابة المشهورين.*
***
كان سبب إنشاء هذه الرسالة في الصداقة والصديق أني ذكرت شيئاً منها لزيد بن رفاعة أبي الخير، فنماه إلى ابن سعدان الوزير أبي عبد الله سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة قبل تحمله أعباء الدولة، وتدبيره أمر الوزارة، حين كانت الأشغال خفيفة، والأحوال على إذلالها جارية، فقال لي ابن سعدان: قال لي زيد عنك كذا وكذا، قلت: قد كان ذاك، قال: فدوِّن هذا الكلام، وصِلْهُ بصلاته مما يصح عندك لمن تقدم؛ فإنَّ حديث الصديق حلو، ووصف الصاحب المساعد مطرب؛ فجمعت ما في هذه الرسالة، وشُغل عن ردِّ القول فيها، وأبطأت أنا عن تحريرها إلى أن كان من أمره ما كان.*

فلما كان هذا الوقت - وهو رجب سنة أربعمائة - عثرت على المسودة وبيضتها على نحيلها، فإن راقتك فذاك الذي عزمتُ بنيِّتي، وحولي، واستخارتي، وإن تزحلقتُ عن ذلك فللعذر الذي سحبتُ ذيله، وأرسلت سيله.*

***
واسترسال الكلام في هذا النمط شفاءٌ للصدر، وتخفيف من البُرَحاء، وانجياب للحرقة، واطراد للغيظ، وبرد للغليل، وتعليل للنفس، ولا بأس بإمرار كل ما لاءمه، ودخل في حوزته، وإن كان آخره لا يدرك، وغايته لا تملك.*

***

قال صالح بن عبد القدوس:*

بُنيَّ عليك بتقوى الإله * * * فإنَّ العواقب للمتَّقي

وإنك ما تأتِ من وجهه * * * تجدْ بابه غير مُستغلقِ*

عدوك ذو العقل أبقى عليك * * * من الصاحب الجاهل الأخرق*

ذو العقل يأتي جميل الأمور * * * ويعمد للأرشد الأوفقِ*




فأما الذي قال في أصدقائه وجلسائه الخير، وأثنى عليهم الجميل، ووصف جدَّه بهم، ودلَّ على محبته لهم - فغريب!.*



قال بعضهم:*

أنتم سروري وأنتم مُشتكى حَزَني * * * وأنتم في سَواد الليل سُمَّاري

أنتم وإن بَعُدت عنَّا منازلكم * * * نوازلٌ بين أسراري وتذكاري

فإن تكلمتُ لم أَلْفِظْ بغيركُمُ * * * وإن سكتُّ فأنتم عَقْدُ إضماري

الله جارُكُم مما أحاذرُه فيكم * * * وحبي لكم من هجركم جاري*

***



أخبرنا أبو سعيد السِّيرافي، قال: أخبرنا ابن دُريد، قال: قال أبو حاتم السجستاني: "إذا مات لي صديق سقط مني عضوٌ".
***

وقيل لأعرابي: مَنْ أكرمُ الناس عشرة؟ قال: مَنْ إن قَرُبَ مَنَح، وإن بَعُدَ مَدَح، وإن ظُلِمَ صفح، وإن ضويق فسح، فمن ظفر به فقد أفلح ونجح. ***

كان أبو داود السجستاني أيام شبابه وطلبه للرواية قاعداً في مجلس، والمستملي في حدَّته، فجلس إليه فتى، وأراد أن يكتب، فقال له: أيها الرجل استمدُّ من محبرتك؟ قال: لا، فانكسر الرجل، فأقبل عليه أبو داود، وقد أحسَّ بخجله: أما علمت أن من شرع في مال أخيه بالاستئذان، فقد استوجب بالحشمة الحرمان، فكتب الرجل من محبرته، وسمي أبو داود حكيماً.*

***

أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى، أخبرنا ابن دريد، عن عبد الرحمن، عن عمه الأصمعي، قال عبد الله بن جعفر: كمال الرجل بخلال ثلاث:*

معاشرة أهل الرأي والفضيلة، ومداراة الناس بالمخالقة الجميلة، واقتصاد من غير بخل في القبيلة، فذو الثلاث سابق، وذو الاثنين زاهق، وذو الواحدة لاحق، فمن لم تكن فيه واحدة من الثلاث لم يسلم له صديق، ولم يتحنَّن عليه شفيق، ولم يتمتع به رفيق.*


***
قال العتابي لصاحب له: ما أحوجك إلى أخ كريم الأخوة، كامل المروءة، إذا غبت خلفك، وإذا حضرت كنَفَك، وإذا نكرت عرفك، وإذا جفوت لاطفك، وإذا بررت كافأك، وإذا لقي صديقك استزاده لك، وإن لقي عدوك كفَّ عنك غرب العادية، وإذا رأيته ابتهجت، وإذا باثَثْتَهُ استرحت.*

***
وقال الخليل بن أحمد: الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال.*
***
مرض قيس بن سعد بن عبادة فأبطأ إخوانه عنه، فسأل عنهم، فقيل: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدَّين، فقال: أخزى الله ما يمنع الإخوان من العيادة، ثم أمر منادياً فنادى: ألا مَنْ كان لقيس عليه حق، فهو منه في حلٍّ وسعة، فكسرت درجته بالعشي؛ لكثرة من عاده.*
***
قال عمر بن شبَّة: الْتَقَى أخوان في الله، فقال أحدهما لصاحبه: والله يا أخي إني لأحبك في الله، فقال له الآخر: لو علمت مني ما أعلمه من نفسي لأبغضتني في الله.*

***

فقال: والله يا أخي لو علمتُ منك ما تعلمه من نفسك لمنعني من بغضك ما أعلمه من نفسي.*

***
وقال إبراهيم بن أدهم: أنا منذُ عشرين سنة في طلب أخٍ إذا غضب لم يقل إلا الحق فما أجده.*

***
قال بعض السلف: عليك بالإخوان، ألم تسمع قوله - تعالى -: [فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ]*

من كتاب " الصداقة والصديق " لأبي حيان التوحيدي .*
 

أبومهند

مراقب منتديات التعليم والتطوير
إنضم
21 أغسطس 2007
المشاركات
10,826
مستوى التفاعل
67
النقاط
48
أرسل الحارث بن عمرو ملك كندة امرأة من كندة يقال لها : عصام , وهي ذات عقل ولسان , لتخطب له ابنة عوف بن محلَّم الشيباني , فذهبت إلى أمها أمامة بنت الحارث , ولقيت بنتها فرأتها , وأعجبت بها , ثم أتت الملك .
فقال لها : ما وراءكِ يا عصامُ؟
فوصفت الفتاة وصفًا رائعًا.
فخطبها الملك إلى أبيها , فزوجه إياها.

فلما حان أن تُحمل إليه , دخلت أمها أمامة إليها لتوصيها فقالت :
أي بنية . إنَّ الوصية لو تركت لفضل أدب وعقل تُركت لذلك منك , ولكنها تذكرة للغافل , ومعونة للعاقل , ولو أنَّ امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناس عنه , ولكنَّ النساء للرجال خُلقن , ولهنّ خُلق الرجال.
أي بنية. إنك فارقتِ الجوَّ الذي منه خرجتِ , والوكرَ الذي منه درجتِ , إلى وكر لم تعرفيه , وقرين لم تألفيه , فأصبح بملكه عليك عليك رقيبًا ومليكًا , فكوني له أمة يكن لك عبدًا وشيكا.
أي بنية. احفظي عني عشر خصال تكن لك ذخرا وذكرا.

فأما الأولى والثانية : فالصحبة له بالقناعة , والمعاشرة لح بحسن السمع والطاعة.
فإن في القناعة راحة القلب , وفي حسن السمع والطاعة رأفة الرب.

وأما الثالثة والرابعة : فالتعهد لموقع عينه , والتفقد لموضع أنفه , فلا تقع عينه منك على قبيح , ولا يشم منك إلا طيب الريح , واعلمي أن الماء أطيب الطيب المفقود , وانّ الكحلَ أحسن الحُسن الموجود.

وأما الخامسة والسادسة فالتعهد لوقت طعامه ,والهدوَّ عند منامه , فإنّ حرارة الجوع ملهبة , وتنغيص النوم مُغضبة.

وأما السابعة والثامنة: فالاحتفاظ ببيته وماله , والرعاية على نفسه وحشمه وعياله ؛ فإنّ الاحتفاظ بالمال من حسن التقدير ,والإرعاء على الحشم والعيال من حسن التدبير.

وأما التاسعة والعاشرة فلا تفشي له سرًّا , ولا تعصي له أمرًا ؛ فإنك إن أفشيتِ سرّه لم تأمني غدره, وإن عصيت أمره أوغرت صدره.
واتقِّ الفرح لديه إن كان ترِحًا , والاكتئاب عنده إن كان فرحًا ؛ فإن الأولى من التقصير , والثانية من التكدير.

واعلمي أنك لن تصلِ مرادك منه حتى تؤثري رضاه على رضاكِ , وهواه على هواك , فيما أحببت أو كرهتِ ,والله يخير لك ويصنع لك برحمته.

مجمع الأمثال للميداني 3 / 240.
جمهرة الأمثال للعسكري 1 / 570.
المعمرون والوصايا لأبي حاتم السجستاني 119.
 

جمانة

مشرفه سابقه
إنضم
10 مارس 2009
المشاركات
1,745
مستوى التفاعل
53
النقاط
48
الليلة الأولى ( الإمتاع والمؤانسة ) .

وصلت أيها الشيخ - أطال الله حياتك - أول ليلة إلى مجلس الوزير - أعز الله نصره، وشد بالعصمة والتوفيق أزره - فأمرني بالجلوس، وبسط لي وجهه الذي ما اعتراه منذ خلق العبوس؛ ولطف كلامه الذي ما تبدل منذ كان لا في الهزل ولا في الجد، ولا في الغضب ولا في الرضا.
ثم قال بلسانه الذليق، ولفظه الأنيق: قد سألت عنك مراتٍ شيخنا أبا الوفاء، فذكر أنك مراعٍ لأمر البيمارستان من جهته، وأنا أربأ بك عن ذلك، ولعلي أعرضك لشيء أنبه من هذا وأجدى، ولذلك فقد تاقت نفسي إلى حضورك للمحادثة والتأنيس، ولأتعرف منك أشياء كثيرةً مختلفة تردد في نفسي على مر الزمان، لا أحصيها لك في هذا الوقت، لكني أنثرها في المجلس بعد المجلس على قدر ما يسنح ويعرض، فأجبني عن ذلك كله باسترسال وسكون بال؛ بملء فيك، وجم خاطرك، وحاضر علمك؛ ودع عنك تفنن البغداديين مع عفو لفظك، وزائد رأيك، وربح ذهنك؛ ولا تجبن جبن الضعفاء، ولا تتأطر تأطر الأغبياء؛ واجزم إذا قلت، وبالغ إذا وصفت؛ واصدق إذا أسندت، وافصل إذا حكمت، إلا إذا عرض لك ما يوجب توقفاً أو تهادياً؛ وما أحسن ما قال الأول:*
لا تقدح الظنة في حكمـه شيمته عـدلٌ وإنـصـاف
يمضي إذا لم تلقه شـبـهةٌ وفي اعتراض الشك وقاف*
وقد قال الأول:*
أبالي البلاء وإني امرؤٌ إذا ما تبينت لم أرتب
وكن على بصيرة أني سأستدل مما أسمعه منك في جوابك عما أسألك عنه على صدقك وخلافه، وعلى تحريفك وقرافه.
فقلت قبل: كل شيء أريد أن أجاب إليه يكون ناصري على ما يراد مني فإني إن منعته نكلت، وإن نكلت قل إفصاحي عما أطالب به وخفت الكساد، وقد طمعت بالنفاق وانقلبت بالخيبة، وقد عقدت خنصري على المسألة. فقال - حرس الله روحه -: قل - عافاك الله - ما بدا لك، فأنت مجاب إليه ما دمت ضامناً لبلوغ إرادتنا منك، وإصابة غرضنا بك.
قلت: يؤذن لي في كاف المخاطبة، وتاء المواجهة، حتى أتخلص من مزاحمة الكناية ومضايقة التعريض، وأركب جدد القول من غير تقية ولا تحاش ولا محاوبة ولا انحياش.
قال: لك ذلك، وأنت المأذون فيه، وكذلك غيرك، وما في كاف المخاطبة وتاء المواجهة? إن الله تعالى - على علو شأنه، وبسطه ملكه، وقدرته على جميع خلقه - يواجه بالتاء والكاف، ولو كان في الكناية بالهاء رفعةٌ وجلالةٌ وقدر ورتبة وتقديس وتمجيد لكان الله أحق بذلك ومقدماً فيه، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله - عليهم السلام - وأصحابه - رضي الله عنهم - والتابعون لهم بإحسان - رحمة الله عليهم - وهكذا الخلفاء، فقد كان يقال للخليفة: يا أمير المؤمنين أعزك الله، ويا عمر أصلحك الله؛ وما عاب هذا أحد، وما أنف منه حسيب ولا نسيب، ولا أباه كبيرٌ ولا شريف؛ وإني لأعجب من قومٍ يرغبون عن هذا وشبهه، ويحسبون أن في ذالك ضعةً أو نقيصةً أو حطاً أو زرايةً، وأظن أن ذلك لعجزهم وفسولتهم، وانخزالهم وقلتهم وضؤولتهم، وما يجدونه من الغضاضة في أنفسهم، وأن هذا التكلف والتجبر يمحوان عنهم ذلك النقص، وذلك النقص ينتفي بهذا الضلف؛ هيهات، لا تكون الرياسة حتى تصفو من شوائب الخيلاء ومن مقابح الزهو والكبرياء.
فقلت: أيها الوزير، قد خالطت العلماء، وخدمت الكبراء وتصفحت أحوال الناس في أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم، فما سمعت هذا المعنى من أحدل على هذه السياقة الحسنة والحجة الشافية والبلاغ المبين؛ وقد قال بعض السلف الصالح: "ما تعاظم أحد على من دونه إلا بقدر ما تصاغر لمن فوقه". والتصاغر دواء النفس، وسجية أهل البصيرة في الدنيا والدين؛ ولذلك قال ابن السماك للرشيد - وقد عجب من رقته وحسن إصاخته لموعظته وبليغ قبوله لقوله وسرعة دمعته على وجنته -: "يا أمير المؤمنين، لتواضعك في شرفك أشرف من شرفك، وإني أظن أن دمعتك هذه قد أطفأت أوديةً من النار وجعلتها برداً وسلاماً".
قال: هذا باب مفترقٌ فيه، ورجعنا إلى الحديث فإنه شهي، سيما إذا كان من خطرات العقل قد خدم بالصواب في نغمةٍ ناغمة، وحروف متقاومة؛ ولفظٍ عذب، ومأخذٍ سهل؛ ومعرفة بالوصل والقطع، ووفاء بالنثر والسجع؛ وتباعدٍ من التكلف الجافي، وتقاربٍ في التلطف الخافي، قاتلالله ذا الرمة حيث يقول:*
لها بشرٌ مثل الحرير ومنـطـقٌ رخيم الحواشي لا هراءٌ ولا نزر*
وكنت أنشد أيام الصبا هذا بالذال، وكان ذلك من سوء تلقين المعلم؛ وبالعراق رد علي وقيل: هو بالزاي؛ وقد أجاد القطامي أيضاً وتغزل في قوله:*
فهن ينبذن من قول يصـبـن بـه مواقع الماء من ذي الغلة الصادي*
قلت: ولهذا قال خالد بن صفوان حين قيل له: أتمل الحديث? قال: إنما يمل العتيق، والحديث معشوق الحس بمعونة العقل، ولهذا يولع به الصبيان والنساء، فقال: وأي معونة لهؤلاء من العقل ولا عقل لهم? قلت: ههنا عقلٌ بالقوة وعقلٌ بالفعل، ولهم أحدهما وهو العقل بالقوة، وههنا عقلٌ متوسط بين القوة والفعل مزمع، فإذا برز فهو بالفعل، ثم إذا استمر العقل بلغ الأفق؛ ولفرط الحاجة إلى الحديث ما وضع فيه الباطل، وخلط بالمحال ووصل بما يعجب ويضحك ولا يؤول إلى تحصيل وتحقيق، مثل هزار أفسان وكل ما دخل في جنسه من ضروب الخرافات؛ والحسن شديد اللهج بالحادث والمحدث والحديث، لأنه قريب العهد بالكون، وله نصيب من الطرافة. ولهذا قال بعض السلف: "حادثوا هذه النفوس فإنها سريعة الدثور"، كأنه أراد اصقلوها واجلو الصدأ عنها، وأعيدوها قابلةً لودائع الخير، فإنها إذا دثرت - أي صدئت، أي تغطت؛ ومنه الدثار فوق الشعار - لم ينتفع بها؛ والتعجب كله منوطٌ بالحادث؛ وأما التعظيم والإجلال فهما لكل ما قدم: إما بالزمان، وإما بالدهر؛ ومثال ما يقدم بالزمان الذهب والياقوت وما شابههما من الجواهر التي بعد العهد بمبادئها، وسيمتد العهد جداً إلى نهاياتها؛ وأما ما قدم بالدهر، فكالعقل والنفس والطبيعة؛ فأما الفلك وأجرامه المزدهرة في المعانقة العجيبة، ومناطقه الخفية، فقد أخذت من الدهر صورةً إلهية، وأحدثت فيما سلف منها صورةً زمانية.
فقال: بقي أن يتصل به نعت العتيق والخلق، فكان من الجواب أن العتيق يقال على وجهين: فأحدهما يشار به إلى الكرم والحسن والعظمة، وهذا موجودٌ في قول العرب: البيت العتيق؛ والآخر يشار به إلى قدم من الزمان مجهول. فأما قولهم: عبد عتيق، فهو داخل في المعنى الأول، لأنه أكرم بالعتق، وارتفع عن العبودية، فهو كريم. وكذلك وجه عتيق لأنه أعتقته الطبيعة من الدمامة والقبح. وكذلك فرس عتيق.
وأما قولهم: هذا شيء خلق، فهو مضمن معنيين: أحدهما يشار به إلى أن مادته بالية؛ والآخر أن نهاية زمانه قريبة. وكان ابن عباد قال لكاتبه مرة - أعني ابن حسولة - في شيء جرى... نعم، العالم عتيق ولكن ليس بقديم أي لو كان قديماً لكان لا أول له، ولما كان عتيقاً كان له أعول، ومن أجل هذا الاعتقاد وصفوا الله تعالى بأنه قديم، واستحسنوا هذا الإطلاق. وقد سألت العلماء البصراء عن هذا الإطلاق، فقالوا: ما وجدنا هذا في كتاب الله - عز وجل - ولا كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا في حديث الصحابة والتابعين. وسألت أبا سعيد السيرافي الإمام: هل تعرف العرب أن معنى القديم ما لا أول له? فقال: هذا ما صح عندنا عنهم ولا سبق إلى وهمنا هذا منهم، إلا أنهم يقولون: هذا شيء قديم وبنيان قديم ويسرحون وهمهم في زمانٍ مجهول المبدأ.
فقل: قد مر في كلامك شيء يجب البحث عنه، ما الفرق بين الحادث والمحدث والحديث؛ فكان من الجواب أن الحادث ما يلحظ نفسه والمحدث ما يلحظ مع تعلقٍ بالذي كان عنه محدثاً. والحديث كالمتوسط بينهما مع تعلقٍ بالزمان ومن كان منه.
وههنا شيء آخر، وهو الحدثان والحدثان؛ فأما الأول فكأنه لما هو مضارعٌ للحادث، وأما الحدثان فكأنه اسم للزمان فقط، لأنه يقال: كان كذا وكذا في حدثان ما ولي الأمير، أي في أول زمانه، وعلى هذا يدور أمر الحدث والأحداث والحادثات والحوادث. وفلان حدث ملوكٍ كله من ديوان واحد وواد واحد وسبك واحد. قال: ما الفرق بين حدث وحدث? قلت: لا فرق بينهما إلا من جهة أن حدث تابع لقدم، لأنه يقال: أخذه ما قدم وما حدث؛ فإذا قيل لإنسان: حدث يا هذا. فكأنه قيل له: صل شيئاً بالزمان يكون به في الحال، لا تقدم له من قبل.
ثم رجعت فقلت. ولفوائد الحديث ما صنف أبو زيد رسالة لطيفة الحجم في المنظر، شريفة الفوائد في المخبر، تجمع أصناف ما يقتبس من العلم والحكمة والتجربة في الأخبار والأحاديث، وقد أحصاها واستقصاها وأفاد بها، وهي حاضرة. فقال احملها واكتبها، ولا تمل إلى البخل بها على عادة أصحابنا الغثاث. قلت: السمع والطاعة.
ثم رويت أن عبد الملك بن مروان قال لبعض جلسائه: قد قضيت الوطر من كل شيء إلا من محادثة الإخوان في الليالي الزهر، على التلال العفر.
وأحسن من هذا ما قال عمر بن عبد العزيز قال: والله إني لأستري المحادثة من عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود بألف دينار من بيت مال المسلمين. فقيل: يا أمير المؤمنين، أتقول هذا مع تحريك وشدة تحفظك وتنزهك? فقال: أين يذهب بكم? والله إني لأعود برأيه ونصحه وهدايته على بيت مال المسلمين بألوف وألوف دنانير، إن في المحادثة تلقيحاً للعقول، وترويحاً للقلب، وتسريحاً للهم، وتنقيحاً للأدب.
قال: صدق هذا الإمام في هذا الوصف، إن فيه هذا كله.
قلت: وسمعت أبا سعيد السيرافي يقول: سمعت ابن السراج يقول: دخلنا على ابن الرومي في مرضه الذي قضى فيه، فأنشدنا قوله:*
ولقد سئمت مآربـي فكأن أطيبها خبـيث
إلا الحـديث فـإنـه مثل اسمه أبداً حديث*
وقال سليمان بن عبد الملك: قد ركبنا الفاره، وتبطنا الحسناء، ولبسنا اللين، وأكلنا الطيب حتى أجمناه، وما أنا اليوم إلى شيء أحوج مني إلى جليس يضع عني مؤونة التحفظ ويحدثني بما لا يمجه السمع، ويطرب إليه القلب. وهذا أيضاً حقٌ وصواب، لأن النفس تمل، كما أن البدن يكل؛ وكما أن البدن إذا كل طلب الراحة، كذلك النفس إذا ملت طلبت الروح وكما لابد للبدن أن يستمد ويستفيد بالجمام الذاهب بالحركة الجالبة للنصب والضجر، كذلك لابد للنفس من أن تطلب الروح عند تكاثف الملل الداعي إلى الحرج فإن البدن كثيف النفس، ولهذا يرى بالعين، كما أن النفس لطيفة البدن، ولهذا لا توجد إلا بالعقل؛ والنفس صفاء البدن، والبدن كدر النفس. فقال: أحسنت في هذه الروايات على هذه التوشيحات وأعجبني ترحمك على شيخك أبي سعيد، فما كل أحد يسمح بهذا في مثل هذا المقام، وما كل أحد يأبه لهذا الفعل؛ هات ملحه الوداع حتى نفترق عنها، ثم نأخذ ليلة أخرى في شجون الحديث.
قلت: حدثنا ابن سيف الكاتب الراوية، قال: رأيت جحظة قد دعا بناءً ليبني له حائطاً فحضر، فلما أمسى اقتضى البناء الأجرة، فتماكسا وذلك أن الرجل طلب عشرين درهماً؛ فقال جحظة: إنما عملت يا هذا نصف يوم وتطلب عشرين درهماً? قال: أنت لا تدري، إني قد بنيت لك حائطاً يبقى مائة سنة؛ فبينما هما كذلك وجب الحائط وسقط؛ فقال جحظة: هذا عملك الحسن? قال: فأردت أن يبقى ألف سنة? قال: لا، ولكن كان يبقى إلى أن تستوفي أجرتك. فضحك - أضحك الله سنه -.





 
أعلى