الابتلاء وطريق السلامة

tareq

مشتاق للجنة
إنضم
21 ديسمبر 2007
المشاركات
1,234
مستوى التفاعل
23
النقاط
38
[FONT=&quot]الابتلاء وطريق السلامة(*) [/FONT]


[FONT=&quot]أ.د. ناصر العمر [/FONT]

[FONT=&quot]الدنيا دار بلاء، فالناس كل الناس مبتلون فيها بالضراء أو السراء، "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ" [محمد:31]، "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" [الأنبياء]، "إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً" [الكهف:7]، "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" [البقرة:155]، وقال عن السابقين: "وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [لأعراف:168]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.[/FONT]
[FONT=&quot]وكلما نظر صاحب المصيبة إلى حال غيره من المصابين هان عليه ما هو فيه، ورأى لطف الله - تعالى- به. ومن الحكمة المنقولة ما يروى من أن الإسكندر بن فيلبس المعروف بالمقدوني لما حضرته الوفاة بعث لأمه رسالة يقول فيها: إذا بلغك نبأ وفاتي فأقيمي مأدبة، وادعي كل الناس إلاّ من أصابته مصيبة، ففعلت، فلم يحضر أحد، فعلمت أنه أراد أن يعزيها، فإن المصائب إذا علم بأن جنسها يطرق الناس كل الناس، لم يبغت العاقل ثابت الجنان راجح اللب بها، ووجد في الأُسى عزاء للأسى، وأجاد من قال:[/FONT]
[FONT=&quot]ألم تر رزء الدهر من قـبل كونـه = كفاحـاً إذا فكـرت فـي الخلواتِ[/FONT]
[FONT=&quot]فما لك كالمرمِيِّ في مأمـنٍ لــه = بنبـلٍ أتته غير مـرتـقـبـاتِ[/FONT]
[FONT=&quot]فإن قلتَ مكروهٌ أتاني فُـجَاءةً = فما فُوجئتْ نـفْسٌ مع الخَـطـرات[/FONT]
[FONT=&quot]ولاعوفصت(1)نفسٌ لبلوى وقد رأت = عظات من الأيام بـعــد عِظات[/FONT]
[FONT=&quot]إذا بغـتت أشياءُ قد كان مـثُلها = قـديماً فـلا تَعْتَــدَّها بغتـات[/FONT]

[FONT=&quot]والمؤمن أولى الناس بذلك فإنه مهما كان المصاب فهو على غنم، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" رواه مسلم (2)، بل مع الصبر على الضراء تراه يحمد الله أن جعل مصيبته في دنياه لا في دينه، بل ترى بعضهم يشهد في ذلك المقام المنة، فيعلم أنه وإن أعسر شهراً فقد أيسر دهراً، وإن مارس الشدة أياماً، فقد لابس النعمة أعواماً، على ثقة من أن ساعة الضراء تزول، كما أن مدة السراء قد تحول، وكما لم تثبت نوبة المنحة، فلن تلبث نوبة المحنة، فما أعظم طمأنينة قلب من كان هذه حاله، وهنيئاً له الفوز بالدرجات العلى يوم القيامة.[/FONT]

[FONT=&quot]ويعقوب عليه السلام طراز فريد من أولئك، وقد جمع بين الصبر الجميل وبين التعلق بالله القدير، ففر إلى من بيده مفاتيح الفرج سبحانه، لعلمه بأن من آوى إليه كفاه، فالفزع إلى الله -تعالى- عند نزول المصائب يربط على القلب، ويقرِّب من الرب، ويخفف من وطأة المصيبة على النفس، وهو دأب الصالحين في كل زمان. ونبينا - صلى الله عليه وسلم- كان "إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة"(3). وأحسن من قال:[/FONT]
[FONT=&quot]إذا أرهقـتك همـوم الحـياة ومسـك منها عظيم الضرر[/FONT]
[FONT=&quot]و ذُقت الأمرين حتى بكيـت وضج فؤادك حتى انفجـر[/FONT]
[FONT=&quot]وسُدت بوجهك كل الدروب و أوشكت تسقط بين الحفر[/FONT]
[FONT=&quot]فيـمِّـم إلى اللـه في لهفـة و بث الشـكاة لرب البشر[/FONT]
[FONT=&quot]ولا ينافي الصبر والفرار إلى الله بذل الأسباب بل يقتضيها، فهذا يعقوب _عليه السلام_، صاحب الصبر الجميل، قال وهو الصادق فيما يقول: "إنما أشكو بثي وحزني إلى الله"، ومع ذلك لم يغفل قانون الأسباب، "يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"، فأنت تراه يوجه بنيه كل بنيه: يا بَنيَّ، لا تيأسوا من روح الله، فكل عسير إذا يسره الله يهون، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، لا يقعدنكم اليأس، تحركوا وامضوا، فباحثوا عن أخبار من تلوموني في ذكره، وعن أخيه، وفي هذا بيان لقوة نفسه عليه السلام وثبات جنانه، ولك أن تقدر ما يقوله الناس له، وعظيم إنكارهم عليه، وما يتحدثون به في مجتمعه، وخذ مقياساً لذلك كلمة بنيه: "تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين" فإذا كان هذا قول الأبناء المقربين فكيف بالغرباء الأبعدين، بل كيف بمن لم يعرف له مقام نبوة؟ إنك ترى كثيراً من الناس ربما قال بحق في مسألة من المسائل التي بدت له أدلتها، وظهر له برهانها، فيلبث قليلاً فيعظم إنكار بعض الناس عليه، فيخنس! أما الأنبياء.. أما من عرف قدر الحق من أصحاب النفوس القوية فلا، بل يثبتهم اليقين فيصبرون، وعندها يجعل الله منهم أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون. إن يعقوب عليه السلام لقي من الإنكار ما لقي حتى من الأبناء، وربما رأى من لا يبصر بنور الوحي أن رأيهم هو الرأي، إلاّ أن يقين يعقوب وصبره عكسا القضية، فإذا بالمُنْكِرِ المخالفِ منذ قليل يتوجه إلى البحث عما أنكر، لما رأى الصبر واليقين ماثلين أمامه.[/FONT]

[FONT=&quot]إننا بحاجة في واقعنا المعاصر إلى أهل علم راسخين ينظرون بنور الله في[/FONT][FONT=&quot]الأمور، ثم يبصرون بنور الله أهل العمى، ويثبتون فلا تصرفهم عن ذلك شناعة شنعت،[/FONT][FONT=&quot]عندها يجعل الله منهم أئمة وقادة لسفينة الحياة، وعندها يرسى الناس عند شاطئ[/FONT][FONT=&quot]السلامة وبر النجاة. بفضل اتباعهم الذين يعلمون من الله ما لا يعلمون[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]​


[FONT=&quot]* [/FONT][FONT=&quot]مستل من كتاب الشيخ –حفظه الله- آيات للسائلين[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot](1) [/FONT][FONT=&quot]تقبضت وضاقت[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot](2) [/FONT][FONT=&quot]في[/FONT][FONT=&quot]الصحيح 4/2295 (2999[/FONT][FONT=&quot]).[/FONT]​
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

الـ 1000 ــارس

مشرف سابق
إنضم
29 أغسطس 2007
المشاركات
8,398
مستوى التفاعل
55
النقاط
48
الإقامة
ارض الحرمين

يعطيك العافيه
جهد مميز يستحق التقدير
لك احترامي

اخ ـــــــــــــــــــ وك

al1000ars
 
أعلى