كيف نختلف
كلنا نتحدث بهدوء عن أخلاقيات الاختلاف، وقد نضع نظريات جميلة من الناحية اللفظية، لكنَّ القليل منا هم أولئك الذين يستطيعون أن يطبقوا هذه النظريات، ويحولوها إلى واقع في سلوكهم العملي، وفي علاقاتهم مع الآخرين حينما يختلفون معهم، ولعل السر في ذلك أننا نلتمس من الآخرين أن يلتزموا بأخلاقيات الخلاف حينما يختلفون معنا، لكننا لا نلتمس من أنفسنا الالتزام بهذه الأخلاقيات حينما نختلف معهم.
إننا بحاجة إلى تدريس أدب الخلاف في مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا، وتدريب الشباب والفتيات على ممارسته عملياً؛ ليتحول إلى عادة وإلى عبادة في الوقت ذاته.
أهمية أدب الخلاف
الجميع بحاجة إلى مراعاة أدب الخلاف وأخلاقيات الحوار
* يحتاج إليه الحاكم؛ ليحفظ حقوق رعيته، حتى ممن يختلفون معه؛ كما حفظ النبي صلى الله عليه وسلم حقوق الناس كلهم؛ فحفظ حقوق المخالفين بالمدينة من اليهود والمنافقين، أما أصحابه فلا تسأل عن صبره وصفحه وتجاوزه وإنصافه من نفسه عليه الصلاة والسلام، وإعطائه الحق لطالبه، و
* يحتاج إليه المعلم ليحفظ حقوق الطلاب، ويعدل بينهم ويُحسن الظن بأسئلتهم وإشكالاتهم واعتراضاتهم، ويفتح لهم صدره، ويربيهم على المسؤولية المستقلة، وليس على الذوبان في شخصية المعلم ليخرج لنا سادة نبلاء نجباء، وليس مقلدين أتباعاً ضعفاء.
* يحتاج إليه الأب تحبُباً إلى قلوب ولده، وعذراً لهم فيما خالفوه فيه، وإدراكاً أنهم صغار قوم كبار آخرين، فليس المطلوب أن يكون الولد أو أن تكون البنت صورة طبق الأصل عن الوالد، أو الأبوين، بل للولد بصمته الخاصة في فكره وعقله، كما له بصمته في يده، أو في كلمته، أو في عينه، أو في بنانه، أو في نبرة صوته.
* نعم! نحن نتحدث، ويجب أن نتحدث عن أدب الخلاف، لكن نحتاج إلى وضع آليات لإدارة الخلاف، الذي يقع بيننا ولابد أن يقع .
ساحات الحوار
عصرنا عصر انفتاح، تكسرت فيه الحدود والسدود، وتحطمت الحواجز، يحكى عن بشر بن مروان- وكان يُظنُّ به شيء من الغفلة- أنه ضاع له صقر في المدينة؛ فأمر بإغلاق أبوابها لئلا يذهب الصقر، ونسي أنه يطير في الفضاء.
نحن اليوم في عصر الفضاء، وفي عصر الإنترنت، حتى الحكومات أدركت أن أسلوب المنع والحظر والتشويش لم يعد يجدي، وأن الحل الوحيد هو النزول إلى الميدان، ومقابلة الحجة بالحجة.
مجالس الناس أصبحت اليوم عامرة بالمتناقضات، من الآراء والتوجهات والأقاويل، مما يعتقدون وما لا يعتقدون، وما يدركون وما لا يدركون، ولم يعد مُجدياً تسفيه الآخرين مهما تكن ضحالة أفكارهم، أو تفاهة حجج
لقد أصبح الإنترنت وساحات الحوار ـ وهي كثيرة جداً تعد بالمئات باللغة العربية، فضلا عن التعليقات في كل مواقع الإنترنت ـ مرآةً تكشف الخلل الكبير في آلية الحوار، وفي تجاهل الكثيرين لدائرة المتفق عليه أو فيما يتعلق بالمصلحة وإدراكها وتحقيقها، أصبح هناك تجاهل كبير لدائرة المتفق عليه، وعمل واسع على دائرة المختلف فيه، وترتب على ذلك سلبيات في هذا الحوار الإلكتروني كثيرة، منها:
1) إن لم تكن معي فأنت ضدي، أو بمعنى آخر إما صفر أو مائة في المائة؛ فهناك المفاصلة بل والمقاصلة، بمجرد أن أكتشف أن بيني وبينك نوعاً من الاختلاف أو التفاوت ـ حتى لو كان في مسائل جزئية أو صغيرة ـ نتحول إلى أعداء ألداء، بدلاً من أن نكون أصدقاء أوفياء.
2) الخلط بين الموضوع والشخص؛ فيتحول نقاش موضوع معين، أو فكرة، أو مسألة إلى هجوم على الأشخاص، وتجريح واتهام للنيّات، واستعراض لتاريخ هذا الإنسان أو ذاك،
3) تدنّي لغة الحوار، وبدلاً من المجادلة بالتي هي أحسن تتحول إلى نوع من السب والشتم، وفي المثل: العربة الفارغة أكثر جَلَبَةً وضجيجاً من العربة الملأى.
4) القعقعة اللفظية؛ التي نحقق بها أوهام الانتصارات الكاسحة على أعدائنا، ونحرك بها مسيرة التنمية والإصلاح لمجتمعاتنا زعماً وظناً، وقد تسمع من يقول لك: كتب فلان مقالاً قوياً، فتنتظر من هذا المقال أن يكون مقالاً عميقاً، أبدع فيه وأنتج، وخرج بنتيجة جيدة، أو أحصى الموضوع من جوانبه؛ فإذا بك تجده مقالاً مشحوناً بالألفاظ الحادة والعبارات الجارحة ، التي فيها الإطاحة بالآخرين الذين لا يتفقون معه؛ فهذا سر قوة هذا المقال عند بعضهم.
5) الأحادية، وأعني بها: " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" بحيث يدور الشخص حول رأيه ووجهة نظره، التي ليست شرعاً منزلاً من عند الله تعالى، ولا قرآناً يُتلى، ولا حديثاً، ولا إجماعاً، وإنما هو رأي قصاراه أن يكون صواباً.
6) القطعية؛ وأعني بها قولي صواب لا يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب،
7) ثم هناك التسطيح والتبسيط، فالأشياء التي لا نفهمها أو يشق علينا فهمها، أو تحتاج إلى روية وتأمل وتدبر، هي أشياء خاطئة ومخالفة للحق، ومخالفة للسنة، بينما الأشياء البسيطة السطحية السهلة الفهم يُخيل إلينا أن فيها الحق والصواب، وأنها الموافقة للكتاب، وهكذا ما تجده في القنوات الفضائية، فكم من برامج الحوارات التي تُدار, ويتناطح فيها أقوامٌ من كافة الاتجاهات والمذاهب والمشارب
* فلانٌ مفتون في نفسه، وقد يكون أصفى من القائل عقيدة، وأصدق منه مذهباً، وأقوم بالكتاب والسنة.
* فلان من المنافقين، ، وهذا كله يقتضي تزكية النفس، والثناء عليها بشكل مباشر أو غير مباشر؛ فيقول عن نفسه: إنه من الناجين، ومن المؤمنين الصادقين، ومن المخلصين، وإنه أغير على دين الله وأنصح لعباده، وماذا تتوقع أن يكون الحوار إذا اعتقد كل طرف أن ما هو عليه صواب قطعي، وأن ما عليه خصمه خطأ قطعي؟
إن هدوء الإنسان، واستقرار نفسه، وهدوء لغته، وحسن عبارته، وقوة حجته هو الكفيل بأن تنصاع له القلوب، وأن يصل الحق الذي يحمله إلى أفئدة الآخرين، وأن يتغلب على باطله
تحياتي
كلنا نتحدث بهدوء عن أخلاقيات الاختلاف، وقد نضع نظريات جميلة من الناحية اللفظية، لكنَّ القليل منا هم أولئك الذين يستطيعون أن يطبقوا هذه النظريات، ويحولوها إلى واقع في سلوكهم العملي، وفي علاقاتهم مع الآخرين حينما يختلفون معهم، ولعل السر في ذلك أننا نلتمس من الآخرين أن يلتزموا بأخلاقيات الخلاف حينما يختلفون معنا، لكننا لا نلتمس من أنفسنا الالتزام بهذه الأخلاقيات حينما نختلف معهم.
إننا بحاجة إلى تدريس أدب الخلاف في مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا، وتدريب الشباب والفتيات على ممارسته عملياً؛ ليتحول إلى عادة وإلى عبادة في الوقت ذاته.
أهمية أدب الخلاف
الجميع بحاجة إلى مراعاة أدب الخلاف وأخلاقيات الحوار
* يحتاج إليه الحاكم؛ ليحفظ حقوق رعيته، حتى ممن يختلفون معه؛ كما حفظ النبي صلى الله عليه وسلم حقوق الناس كلهم؛ فحفظ حقوق المخالفين بالمدينة من اليهود والمنافقين، أما أصحابه فلا تسأل عن صبره وصفحه وتجاوزه وإنصافه من نفسه عليه الصلاة والسلام، وإعطائه الحق لطالبه، و
* يحتاج إليه المعلم ليحفظ حقوق الطلاب، ويعدل بينهم ويُحسن الظن بأسئلتهم وإشكالاتهم واعتراضاتهم، ويفتح لهم صدره، ويربيهم على المسؤولية المستقلة، وليس على الذوبان في شخصية المعلم ليخرج لنا سادة نبلاء نجباء، وليس مقلدين أتباعاً ضعفاء.
* يحتاج إليه الأب تحبُباً إلى قلوب ولده، وعذراً لهم فيما خالفوه فيه، وإدراكاً أنهم صغار قوم كبار آخرين، فليس المطلوب أن يكون الولد أو أن تكون البنت صورة طبق الأصل عن الوالد، أو الأبوين، بل للولد بصمته الخاصة في فكره وعقله، كما له بصمته في يده، أو في كلمته، أو في عينه، أو في بنانه، أو في نبرة صوته.
* نعم! نحن نتحدث، ويجب أن نتحدث عن أدب الخلاف، لكن نحتاج إلى وضع آليات لإدارة الخلاف، الذي يقع بيننا ولابد أن يقع .
ساحات الحوار
عصرنا عصر انفتاح، تكسرت فيه الحدود والسدود، وتحطمت الحواجز، يحكى عن بشر بن مروان- وكان يُظنُّ به شيء من الغفلة- أنه ضاع له صقر في المدينة؛ فأمر بإغلاق أبوابها لئلا يذهب الصقر، ونسي أنه يطير في الفضاء.
نحن اليوم في عصر الفضاء، وفي عصر الإنترنت، حتى الحكومات أدركت أن أسلوب المنع والحظر والتشويش لم يعد يجدي، وأن الحل الوحيد هو النزول إلى الميدان، ومقابلة الحجة بالحجة.
مجالس الناس أصبحت اليوم عامرة بالمتناقضات، من الآراء والتوجهات والأقاويل، مما يعتقدون وما لا يعتقدون، وما يدركون وما لا يدركون، ولم يعد مُجدياً تسفيه الآخرين مهما تكن ضحالة أفكارهم، أو تفاهة حجج
لقد أصبح الإنترنت وساحات الحوار ـ وهي كثيرة جداً تعد بالمئات باللغة العربية، فضلا عن التعليقات في كل مواقع الإنترنت ـ مرآةً تكشف الخلل الكبير في آلية الحوار، وفي تجاهل الكثيرين لدائرة المتفق عليه أو فيما يتعلق بالمصلحة وإدراكها وتحقيقها، أصبح هناك تجاهل كبير لدائرة المتفق عليه، وعمل واسع على دائرة المختلف فيه، وترتب على ذلك سلبيات في هذا الحوار الإلكتروني كثيرة، منها:
1) إن لم تكن معي فأنت ضدي، أو بمعنى آخر إما صفر أو مائة في المائة؛ فهناك المفاصلة بل والمقاصلة، بمجرد أن أكتشف أن بيني وبينك نوعاً من الاختلاف أو التفاوت ـ حتى لو كان في مسائل جزئية أو صغيرة ـ نتحول إلى أعداء ألداء، بدلاً من أن نكون أصدقاء أوفياء.
2) الخلط بين الموضوع والشخص؛ فيتحول نقاش موضوع معين، أو فكرة، أو مسألة إلى هجوم على الأشخاص، وتجريح واتهام للنيّات، واستعراض لتاريخ هذا الإنسان أو ذاك،
3) تدنّي لغة الحوار، وبدلاً من المجادلة بالتي هي أحسن تتحول إلى نوع من السب والشتم، وفي المثل: العربة الفارغة أكثر جَلَبَةً وضجيجاً من العربة الملأى.
4) القعقعة اللفظية؛ التي نحقق بها أوهام الانتصارات الكاسحة على أعدائنا، ونحرك بها مسيرة التنمية والإصلاح لمجتمعاتنا زعماً وظناً، وقد تسمع من يقول لك: كتب فلان مقالاً قوياً، فتنتظر من هذا المقال أن يكون مقالاً عميقاً، أبدع فيه وأنتج، وخرج بنتيجة جيدة، أو أحصى الموضوع من جوانبه؛ فإذا بك تجده مقالاً مشحوناً بالألفاظ الحادة والعبارات الجارحة ، التي فيها الإطاحة بالآخرين الذين لا يتفقون معه؛ فهذا سر قوة هذا المقال عند بعضهم.
5) الأحادية، وأعني بها: " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" بحيث يدور الشخص حول رأيه ووجهة نظره، التي ليست شرعاً منزلاً من عند الله تعالى، ولا قرآناً يُتلى، ولا حديثاً، ولا إجماعاً، وإنما هو رأي قصاراه أن يكون صواباً.
6) القطعية؛ وأعني بها قولي صواب لا يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب،
7) ثم هناك التسطيح والتبسيط، فالأشياء التي لا نفهمها أو يشق علينا فهمها، أو تحتاج إلى روية وتأمل وتدبر، هي أشياء خاطئة ومخالفة للحق، ومخالفة للسنة، بينما الأشياء البسيطة السطحية السهلة الفهم يُخيل إلينا أن فيها الحق والصواب، وأنها الموافقة للكتاب، وهكذا ما تجده في القنوات الفضائية، فكم من برامج الحوارات التي تُدار, ويتناطح فيها أقوامٌ من كافة الاتجاهات والمذاهب والمشارب
* فلانٌ مفتون في نفسه، وقد يكون أصفى من القائل عقيدة، وأصدق منه مذهباً، وأقوم بالكتاب والسنة.
* فلان من المنافقين، ، وهذا كله يقتضي تزكية النفس، والثناء عليها بشكل مباشر أو غير مباشر؛ فيقول عن نفسه: إنه من الناجين، ومن المؤمنين الصادقين، ومن المخلصين، وإنه أغير على دين الله وأنصح لعباده، وماذا تتوقع أن يكون الحوار إذا اعتقد كل طرف أن ما هو عليه صواب قطعي، وأن ما عليه خصمه خطأ قطعي؟
إن هدوء الإنسان، واستقرار نفسه، وهدوء لغته، وحسن عبارته، وقوة حجته هو الكفيل بأن تنصاع له القلوب، وأن يصل الحق الذي يحمله إلى أفئدة الآخرين، وأن يتغلب على باطله
تحياتي