اسد بنكرز البجلي
المنتدى عريني
( قبل
أن تتهور وتصطاد أسداً ؛ وتهديه لها .. تعلم أولاً من أسامة كيف تصطاد أسامة )
السلام عليكم اينما كنتم ورحمة الله وبركاته .
اخوتي وابنائي . في هذا العرين .
الأسد بنكرز يطل عليكم من جديد بعد غياب ويحييكم
.. ويقول للجميع صبحكم الله بالخير ؛
اليوم نطالعكم بمشيئة الله بموضوع مختصر عن ( الأسود والضواري ) أبناء عمومتنا .. وصلت تلك الضواري ببني البشر ؛ وبخاصة اشير الى تلك المقابلات الغير ودودة عبر التأريخ ؛ حيث كانت تلك الضواري تستفحل على بني البشر في غياب السلاح الفعال الذي يوقفها عند حدودها ؛ ورحم الله اجدادنا في الجزيرة العربية رحمة واسعة نظير جهودهم الخيرة والمباركة عندما طاردوها في الفيافي والقفار والشعاب الأوجار بالبنادق ونالوا منها بثار اجدادنا وصنعوا سبل سلام احفادنا .
ووالله لو انها بقيت تجوب اصقاع بلادنا ونوائفها إلى اليوم لما تمكنا من اسقاط شعرة من اذيالها بسبب ما تفرضه الأمم المتحدة من سبل ووسائل حمايتها ( لا حمايتنا منها ) . فلله الحمد والمنة ولاجدادنا الشكر والتقدير .
وبما ان البحث هذا قد يكبر ويتوسع ( وهو قابل للتوسع والتفرع ) فقد سعيت إلى حصره في مرجع واحد عندما استقيت مادته ؛ وهو مرجع لأسد من اسود امتنا العربية ؛ عاصر الحروب الصليبية في دياره بلاد الشام (نواحي حماه ) وجنوب تركيا وسواحل البحر الابيض المتوسط الشرقية ( العربية ) وبيت المقدس . وهو امير وشاعر ومن مشاهير شجعان العرب ومن المعمرين في المجد والسؤدد والجهاد . وهو الامير / اسامة بن منقذ (488 – 584 ).
وقد كان مجاهداً للصليبيين الغاصبين الحاقدين ( يضرب هام الجنود ويصطاد الأسود ويذكر الشجعان بمجد الجدود ) فأخترت لكم من صنائعه في السباع ما تسر به الاعين وتشتهيه القرائح والمطامح . وفي هذا مندوحة لمريد ومن اراد ان يستزيد فاليستزيد من كل خبر اكيد .
وقد كان من دواعي رغبتي لتأليف هذه الأسطر والمشاركة بها في هذا المنتدى انني اتيت بها بناءاً على رغبة اخ عزيز و( أسد من ليوث هذا المنتدى وسباعه ) وهو أخي الألمعي الطيب ( جبل عمد ) .. ولا اراني أوفيت هذا العمل في هذه العجالة وقدمته لاخوتي وربعي الطيبين الذين سيتصفحون هذه المشاركة بصورة ترضيني ؛ ولذا فأنا اعتذر عن القصور يا حضور .
( اخوتي الأفاضل ) – مرجعي هنا هو ( كتاب الاعتبار ) للأمير / اسامة بن منقذ الكناني .( 488 – 584 )هـ .
احد الامراء الشجعان في نواحي حلب ببلاد الشام ؛ ومن أبناء القرنين الخامس والسادس الهجريين .
واسرته ( بنو منقذ ) : ذكرهم ابن خلكان في (2/155 ) ؛ وهي أسرة مجيدة ؛ نشأ فيها رجال كبار ، كلهم فارس شجاع وكلهم شاعر اديب ؛ وكانوا ملوكاً في اطراف حلب ( بالقرب من قلعة شيزر ؛ وكانوا يترددون إلى حماة وحلب وتلك النواحي ولهم بها الدور النفيسة والأملاك المثمنة وذلك قبل ان يملكوا قلعة شيززر ؛ وكان ملوك الشام يكرمونهم ويجلون اقدارهم ) وحصن شيزر قلعة قريبة من حماة على بعد ( 15 ) ميلاً منها ؛ ولم يزل قائماً إلى اليوم . معروف باسم سيجر ( تصحيف شيزر ) . وقد كانوا امراء حصن شيزر المذكور .
( ابوه هو : مرشد بن علي بن منقذ – كان فارساً شجاعاً ثابت الجنان عند البأس ، لا يرتاع ، صالحاً دائباً على مرضاة ربه ، وهو صائم الدهر ؛ مواظب على تلاوة القرآن ونسخه ؛ نسخ اكثر من (40) مصحفاً بخطه وكان مغرماً بالصيد جداً . ليس له شغل سوى الحرب وجهاد الافرنج ،حضر وقائع كثيرة وفي بدنه جراح هائلة ؛ وأخيراً مات على فراشه ) .
كانت امارة حصن شيزر لعمه سلطان بن على الذي لم يرزق اولاداً في اول امره فاصطفى لنفسه ابن اخيه هذا ( فارسنا الامير اسامة بن منقذ ) وكان يوليه المهام الجليلة والخطيرة ويعده لخلافته في امارة الحصن الا انه انقلب عليه وعلى ابيه وتنكر لهما بعد ان رزق بابناء بل انه عاداهم واخرجهم من الحصن بالاكراه في العام 532 هـ ؛ وكان هذا من فضل الله عليهم ؛ حيث نجوا من الموت تحت انقاض الحصن في سنة 552 هـ .
اما اسامة فقد تربى على يدي ابيه وعمه وجدته افضل واكرم تربية ؛ ونال تدريباً عسكرياً جهادياً . ولم يكتف ابوه بتربيته الحربية بل كان يحضر له الشيوخ في علوم الدين والادب كلها . وكان شاعرا واديباً إلى كونه من كبار الشجعان المجاهدين . ومن المعمرين .
من اقواله : ( فكم لقيت من الاهوال ؛ وتقحمت المخاوف الاخطار ؛ ولاقيت الفرسان ؛ وقتلت الاسود ؛ وضُرِبْت بالسيوف ؛ وطُعِنت بالرماح ؛ وجرحت بالسهام – وانا من الاجل في حصن حصين إلى ان بلغت التسعين . وصار عند بلوغه الثمانين من جلساء ( صلاح الدين الايوبي ) رحمهما الله . و توفاه الله وهو ابن السادسة والتسعين خريفاً في ليلة الثلاثاء 23 رمضان من العام 584 هـ . فرحمه الله رحمة واسعة .
والآن نترككم مع شذرات من امجاد الامير ودلائل شجاعته واقدامه ؛ ونبذ من اخبار السباع ؛ مع سبعنا الهمام الامير / اسامة بن منقذ الكناني . رحمه الله . وستجدون حتماً صورٌ مشرفة من صور الشجاعة والرجولة والإقدام .
الأسود الضواري ومصارعاتها وقتالها مع الرجال الأشاوس
يقول الأمير أسامة بن منقذ رحمه الله تعالى : ( رأيت أبي رحمه الله وقد خرجنا يوماً لقتال أسد ظهر على الجسر . فلما وصلناه حمل علينا من أجمة كان فيها ، فحمل على الخيل ثم وقف وأنا وأخي ( بهاء الدولة منقذ) رحمه الله بين الأسد وبين موكب فيه أبي وعمي رحمهما الله ومعهما جماعة من الجند ؛ والاسد قد ربض على حرف النهر يضرب بصدره على الارض ويهدر .. فحملت عليه ؛ فصاح علىَّ أبي رحمه الله : ( لا تستقبله يامجنون فيأخذك ) !!! فطعنته ؛ فلا والله ما تحرك من مكانه ومات موضعه . فما رأيته نهاني عن قتال غير ذلك اليوم ) .
(الامير / اسامة بن منقذ – الإعتبار ص 98)
ويقول أسامة : ( ولقد خرجت يوماً من الأيام مع الوالد رحمه الله إلى الصيد ، وكان مشغوفاً بالصيد ، عنده من البزاة والشواهين والصقور والفهود والكلاب الزغارية ما لا يكاد يجتمع عند غيره ، ويركب في اربعين فارساً من اولاده ومماليكه كل منهم خبير بالصيد عارف بالقنص ، وله بشيزر مصيدان : يوماً يركب إلى غربي البلد إلى ازوار وانهار فيتصيد الدراج وطير الماء والأرانب والغزلان ويقتل الخنازير .. ويوماً يركب إلى الجبل قبلي البلد يتصيد الحجل والارانب . فنحن في الجبل يوماً وقد حانت صلاة العصر ، فنزل ونزلنا نصلي فرادى ، وإذا غلام قد جاء يركض ، قال : ( هذا الاسد ) .. فسلمت قبل الوالد رحمه الله لكيلا يمنعني من قتال الأسد ، وركبت ومعي رمحي فحملت عليه فاستقبلني وهدر ، فحاص بي الحصان ووقع الرمح من يدي لثقله ، وطردني شوطاً جيداً ، ثم رجع إلى سفح الجبل وقف عليه وهو من اعظم السباع كأنه قنطرة جائع وكلما دنونا منه نزل من الجبل وطرد الخيل وعاد إلى مكانه ، وما ينزل نزلة إلا يؤثر في اصحابنا .
ولقد رأيته ركب مع رجل من غلمان عمي يقال له ( بستكين ) غرزة على وركي حصانه وخرق بمخالبه ثيابه وراناته وعاد إلى الجبل ، فما كان لي فيه حيلة إلا أن صعدت فوقه في سفح الجبل ، ثم حدرت حصاني عليه فطعنته ونفدت الرمح فيه وتركته في جانبه ، فتقلب إلى اسفل الجبل والرمح فيه ، فمات الاسد وانكسر الرمح والوالد رحمه الله واقف يرانا ومعه اولاد اخيه عز الدين يبصرون ما يجري وهم صبيان .
وحملنا الأسد ودخلنا البلد العشاء ، وإذا جدتي لأبي رحمهما الله قد جاءتني في الليل وبين يديها شمعة وهي عجوز كبيرة قد قاربة من العمر مائة سنة . فما شككت أنها جاءت تهنئني بالسلامة وتعرفني مسرتها بما فعلت . فلقيتها وقبلت يدها فقالت لي بغيض وغضب : ( يابني أيش يحملك على هذه المصائب التي تخاطر فيها بنفسك وحصانك وتكسر سلاحك ويزداد قلب عمك منك وحشة ونفور ) ؟ .. قلت : ( ياستي إنما اخاطر بنفسي في هذا ومثله لأتقرب إلى إلى قلب عمي ) ، قالت : ( لا والله ما يقربك هذا منه ، وإنه يزيدك منه بعداً ويزيده منك وحشة ونفوراً ) . فعلمت أنها رحمها الله نصحتني في قولها وصدقتني ، ولعمري انهن امهات الرجال . ) .
(الامير / اسامة بن منقذ – الإعتبار ص 115)
( قلت انا – اسد بنكرز : رحمك الله ياأسامة ورحم جدتك ، فوالله لقد صدقت العجوز في ضنها وتوقعاتها ، ومن يعرف سيرتك وما خبأته لك الليالي والأيام بعد ذلك يتعجب لحسن فراستها ورجاحة عقلها فرحمها الله.)وقال أسامة أيضاً : ( وشاهدت من الأسد ما لم اكن لأظنه ، ولا اعتقدت ان الأُسْدَ كالناس فيها الشجاع وفيها الجبان . وذلك ان ( جوبان ) الخيل – وجوبان كلمة تركية تعني راعي الخيل – جاءنا يوماً يركض وقال : ( في أجمة تل التلول ثلاثة سباع ) فركبنا فخرجنا اليها ، وإذا لبوءة وخلفها اسدان ؛ فدرنا في تلك الأجمة فخرجت علينا اللبوءة فحملت على الناس و وقفت فحمل عليها اخي ( بهاء الدولة ابو المغيث منقذ ) رحمه الله وطعنها فقتلها وتكسر رمحه فيها .
ورجعنا إلى الأجمة فخرج علينا احد السبعين فطرد الخيل ؛ ووقفت انا واخي بهاء الدولة في طريقه عند عودته من طرد الخيل ، ( فإن الأسد إذا خرج من موضع لا بد له من الرجوع إليه بلا شبهة ) ، وجعلنا اعجاز خيلنا اليه . ، ورددنا رماحنا نحوه ونحن نعتقد انه يقصدنا فننشِب الرماح فيه فنقتله ، فما راعنا إلا وهو عابر علينا كالريح إلى رجل من اصحابنا يقال له سعد الله الشيباني فضرب فرسه فرماها ، فطعنته وسطت القنطارية فيه فمات مكانه .
ورجعنا إلى الأسد الآخر ومعنا نحو من عشرين رجلاً من الأرمن الأجياد رماه ، فخرج السبع الآخر وهو اعظمها خلقة يمشي وعارضه الأرمن بالنشاب ، وأنا معارض الارمن انتظره يحمل عليهم يأخذ واحداً منهم فاطعنه وهو يمشي ، وكلما وقعت فيه نشابة قد هدر ولوح بذنبه فاقول : ( الساعة يحمل ) ثم يعود يمشي . فما زال كذلك إلى ان وقع ميتاً ، فرأيت من ذلك الأسد شيئاً ما ضننته . )
وقال ايضاً : ( ثم شاهدت من الاسد اعجب من ذلك .. كان بمدينة دمشق جرو اسد قد رباه سَبَّاع معه حتى كبر وصار يطلب الخيل . وتأذى الناس به . فقيل للأمير معين الدين رحمه الله وأنا عنده : ( هذا السبع قد آذى الناس ، والخيل تنفر منه وهو في الطريق ) ، وكان على مصطبة بالقرب من دار معين الدين في النهار والليل . فقال : ( قولوا للسباع يجيء به ) . وقال ( للخوان سلار ) – والخوانسلار بالتركية تعني مدير المطبخ - : ( اخرج من ذبايح المطبخ خروفاً اتركه في قاعة الدار حتى نبصر كيف يكسره السبع ) .. فاخرج خروفاً إلى قاعة الدار ، ودخل السَّبَّاع ومعه السبْع ، فساعة رآه الخروف ، وقد ارسله السباع من السلسلة التي في رقبته حمل عليه فنطحه ، فانهزم السبع وجعل يدور حول البركة والخروف خلفه يطرده وينطحه ، ونحن قد خلبنا الضحك عليه . فقال الامير معين الدين رحمه الله : ( ذا سبع منحوس ! اخرجوه .. اذبحوه .. واسلخوه وهاتوا جلده ) . فذبحوه وسلخوه واعتق ذاك الخروف من الذبح . ) .
وقال ايضاً : ( ومن عجيب امور السباع ان اسدا ظهر عندنا في ارض شيزر ، فخرجنا اليه ومعنا رجالة من اهل شيزر فيهم غلام للمعبد الذي كان يطيعه اهل الجبل ويكاد ان يعبد . ومع ذلك الغلام كلب له . فخرج الاسد على الخيل فجلت قدامه جافلة ودخل في الرجالة ، فأخذ ذلك الغلام وبرك عليه ، فوثب الكلب على ظهر الاسد فنفر (الاسد) عن الرجل وعاد إلى الاجمة . فخرج الرجل إلى بين يدي والدي رحمه الله يضحك وقال : (يامولاي وحياتك ما جرحني ولا آذاني ) . وقتلو الاسد .. ودخل الرجل فمات في تلك الليلة من غير جرح اصابه إلا انقطع قلبه . فكنت اعجب من اقدام ذلك الكلب على الاسد ، وكل الحيوان ينفر من الاسد ويتجنبه . ) .
وقال ايضاً : ( ولقد رأيت رأس الاسد يحمل إلى بعض دورنا فترى السنانير تهرب من تلك الدار وترمي نفوسها من السطوحات ، وما رأت الاسد قط . وكنا نسلخ الاسد ونرميه من الحصن ( حصن شيزر ) إلى سفح الباشورة فلا يقربه الكلاب ولا شيء من الطير . وإذا رأت القيقان اللحم نزلت اليه ثم دنت منه صاحت وطارت . وما اشبه هيبة الاسد على الحيوان بهيبة العقاب على الطير فإن العقاب يبصره الفروج الذي ما رأى العقاب قط فيصيح وينهزم .. هيبة القاها الله تعالى في قلوب الحيوان لهذين الحيوانين . ) .
ويقول أسامة : ( وظهر عندنا بأرض ( شيزر ) سبع ؛ فركبنا اليه فوجدنا غلاما للأمير سابق بن وثاب بن محمود بن صالح في ذلك المكان يرعى فرسه اسمه ( شماس) ؛ فقال له عمي : ( اين الاسد ؟ ) . قال : ( في تلك الغلفاء ) . قال : ( سر قدامي اليها ) . قال : ( انت مقصودك ان يخرج الأسد يأخذني ) . ومشى قدامه ؛ فخرج الأسد كأنه مرسل إلى شماس فأخذه فقتله دون الناس وقُتِل الأسد . ) .
وقال ايضاً : ( وعلى ذكر السباع ، كان عندنا اخوان من اصحابنا يقال لهما بنو الرعام رجالة يترددان من شيزر على اللاذقية ( واللاذقية لعمي عز الدولة ابي المرهف نصر ؛ وفيها اخوه عز الدين ابو العساكر سلطان رحمهما الله . ) بالكتب بينهما قالا : خرجنا من اللاذقية فاشرفنا من عقبة المندة وهي عقبة عالية تشرف على ما تحتها من الوطا ، فرأينا السبع وهو رابض على نهر تحت العقبة ، فوقفنا مكاننا ما نجسر على النزول من خوف الاسد ، فرأينا رجلاً قد اقبل فصحنا عليه ولوحنا بثيابنا اليه نحذره من الاسد فما سمعنا ، وأوتر قوسه وطرح فيه نشابة ومشى . فرآه الاسد فوثب اليه فضربه ما اخطأ قلبه فقتله ، ومشى اليه فتمم قتله ، وأخذ نشابته وجاء إلى ذلك النهر فنزع زربوله – كلمة تعني الحذاء باليونانية – وقلع ثيابه ، ونزل اغتسل في الماء ، ثم طلع لبس ثيابه ونحن نراه ، وجعل ينفض شعره لينشفه من الماء ، ثم لبس فردة زربوله واتكى على جنبه وطول في الاتكاء ، فقلنا : ( والله ما قصر ، ولكن على من يتيه ؟ ) ونزلنا اليه وهو على حاله فوجدناه ميتاً ما ندري ما اصابه ،
فنزعنا فردة الزربول من رجله وإذا فيه ( عقرب صغيرة ) قد لسعته في ابهامه فمات لوقته ، فعجبنا من ذلك الجبار الذي قتل الاسد وقتلته عقرب مثل الاصبع ، فسبحان الله القادر النافذ المشيئة في الخلق . ) .
(الامير / أسامة بن منقذ – الإعتبار ص 102)
(كيف تصطاد الأسد أو تقتله )
وقال ايضاً : ( قلت : قاتلت السباع في عدة مواقف لا احصيها ، وقتلت عدة منها ما شركني في قتلها أحد سوى ما شركني فيه غيري ؛ حتى خبرت منها وعرفت من قتالها ما لم يعرفه غيري . فمن ذلك ان الاسد مثل سواه من البهائم يخاف ابن آدم ويهرب منه .. وفيه غفلة وبله ما لم يُجْرَح فحينئذ هو الأسد ، وذلك الوقت يخاف منه ، وإذا خرج من غاب او اجمة وحمل على الخيل فلا بد له من الرجوع إلى الاجمة التي خرج منها ، ولو ان النيران في طريقه .
وكنت انا قد عرفت هذا بالتجربة ، فمتى حمل على الخيل وقَفْت في طريق رجوعه قبل ان يُجْرَح ، فإذا رجع تركته إلى ان يتجاوزني وطعنته فقتلته . ) .
(الامير / أسامة بن منقذ – الإعتبار ص 99 - 102)
(مواقف من رباطة الجأش والثبات في الملمات وبخاصة بين ذراعي الأسد )
الموقف الأول :
يقول أسامة : ( كان في (حصن الجسر) رجل من أصحابنا من بني كنانة يعرف بابن الأحمر ركب فرسه من حصن الجسر يريد (كفر طاب) لشغل له ؛ فاجتاز ب(كفر نبوذا ) وقافلة عابرة على الطريق فرأوا الأسد ومع ابن الأحمر حربة تلمع ، فصاح اليه اهل القافلة : [ ياصاحب الخشب البراق دونك الاسد ] !! فحمله الحياء من صياحهم ان حمل على الاسد . فحاصت به الفرس فوقع وجاء (الاسد فبرك عليه ) . وكان لما يريد الله من سلامته (أن ) الاسد شبعان ؛ فالتقم وجهه وجبهته ، فجرح وجهه وصار يلحس الدم وهو بارك عليه لا يؤذيه !! .
قال : ففتحت عيني فأبصرت لهاة الاسد ؛ ثم جذبت نفسي من تحته ورفعت فخذه عني وخرجت وتعلقت بشجرة بالقرب منه وصعدت فيها ، فرآني وجاء خلفي ، فسبقت وطلعت في الشجرة ؛ فنام الاسد تحت الشجرة وعلاني من الذر شيء عظيم على تلك الجراح ( والذر يطلب جريح الأسد كما يطلب الفأر جريح النمر ) . قال : فرأيت الاسد قد قعد وأنصب آذانه كأنه يتسمع ؛ ثم قام يهرول .. فإذا قافلة قد أقبلت على الطريق (كأنه سمع حسها) . فعرفوا الرجل وحملوه إلى بيته ؛ وكان اثر أنياب السبع في جبهته وخديه كوسم النار ) .
(الامير / اسامة بن منقذ – الإعتبار ص82 )
الموقف الثاني :
يقول أسامة : ( ركبنا في بعض الأيام من (شيزر ) إلى الصيد وعمي رحمه الله معنا وجماعة من العسكر ؛ فخرج علينا السبع من قصباء دخلناها لصيد الدراج . فحمل عليه رجل من الجند كردي يقال له ( زهر الدولة بختيار القبرصي ) سمي بذلك للطف خلقته ، وكان رحمه الله من فرسان المسلمين .. فاستقبله السبع – أي الاسد - فحاص به الحصان فرماه ، وجاء السبع وهو ملقيٌّ ، فرفع – الرَّجُل - رِجْلَه فتلقمها السبع وبادرناه فقتلنا السبع واستخلصناه وهو سالم . فقلنا له : ( يازهر الدولة لم رفعت رجلك إلى فم السبع ؟؟ ) .. قال : ( جسمي كما ترون ضعيف نحيف ، وعلي ثوب وغلالة . وما فيَّ أكسى من رجلي .. فيها الرانات والخف والساق موزا . فقلت اشغله بها عن اضلاعي او يدي او رأسي إلى ان يفرج الله تعالى ) . فهذا حضره العقل في موضع تزول فيه العقول .
(الامير / اسامة بن منقذ – الإعتبار ص84)
قلت :
1 - ( حصن الجسر ) و ( كفر طاب ) و ( كفر نبوذا ) و ( شيزر ) . كلها مواقع في بلاد الشام لاتزال معروفة هناك .
2 - قوله ( والذر يطلب جريح الأسد كما يطلب الفأر جريح النمر ) . معلومة عجيبة .
********************
(و الآن . مع أخبار النمور والفهود وبعض السباع )
(و الآن . مع أخبار النمور والفهود وبعض السباع )
يقول أسامة : ( فاما النمور فقتالها اصعب من قتال الاسود لخفتها وبُعْد وثبتها ، وهي تدخل في المغارات والمجاحر كما تدخل الضباع ؛ والأُسْد ما تكون إلى في الغابات والآجام .. وقد كان ظهر عندنا نمر في قرية يقال لها ( معرزف ) – قال اسد بنكرز : وهي قرية معروفة اليوم بقرب حماه - من اعمال شيزر . فركب اليه عمي عز الدين رحمه الله وأرسل إليَّ فارساً وانا راكب في شغل لي يقول : ( الحقني إلى معرزف ) ، فلحقته وجئنا إلى الموضع الذي زعموا ان النمر فيه ، فما رأيناه ، وكان هناك ( جُبْ ) ، فنزلت عن حصاني ومعي قنطارية وجلست على فم الجب وهو قصير نحو القامة وفي جانبه خرق كالمجحر ، فحركت القنطارية في ذلك الخرق الذي في الجب فخرج النمر برأسه من ذلك الخرق ليأخذ القنطارية .. فلما علمنا انه في ذلك الموقع نزل معي بعض اصحابنا ، وصار بعضنا يحرك ذلك الموضع بالمح ، فإذا خرج طعنه الآخر . وكلما اراد الصعود الجب اوثقناه بالرماح حتى قتلناه ، وكان خلقة عظيمة ، إلا انه كان قد اكل من دواب القرية حتى عجز عن نفسه . وهو دون سائر الحيوان يقفز إلى فوق اربعين ذراع .
وقد كان في كنيسة ( حُناك ) طاقة في ارتفاع اربعين ذراعاً ، فكان ياتيها نمر في الهاجرة يثب اليها ينام فيها إلى آخر النهار ويثب منها ينزل ويمضي ومُقْطِعْ حناك ذلك الوقت فارس افرنجي يقال له (سير آدم ) من شياطين الافرنج فاخبروه خبر النمر فقال : إذا رأيتموه اعلموني . فجاء النمر كعادته ووثب إلى تلك الطاقة . فجاء بعض الفلاحين واخبر السير آدم ، فلبس درعه وركب حصانه وأخذ ترسه ورمحه وجاء إلى الكنيسة وهي خراب ؛ انما فيها حائط قائم فيه تلك الطاقة . فلما رآه النمر وثب من الطاقة عليه وهو على حصانه ، فكسر ظهره وقتله ومضى . فكان فلاحوا حناك يسمونه النمر المجاهد .
ومن خواص النمر انه إذا جرح الإنسان وبالت عليه (أي بالت على الإنسان ) فأرة مات (الإنسان ) . ولا ترتد الفارة على جريح النمر ، حتى انه يعمل له سرير يجلس في الماء ويربط حوله السنانير خوفاً عليه من الفأر .
والنمر لا يكاد يألف بالناس ولا يستأنس بهم . وقد كنت مرة مجتازاً بمدينة حيفا من الساحل وهي للافرنج . فقال لي افرنجي منهم : ( تشتري مني فهداً جيداً ) ؟ .. قلت : ( نعم ) .. فجاءني بنمر قد رباه حتى صار في قد الكلب . قلت : ( لا ما يصلح لي ، هذا نمر ماهو فهد ) ، فعجبت من إنسه وتصرفه مع الافرنجي .
والفرق بين النمر والفهد ان وجه النمر طويل مثل وجه الكلب ، وعيناه زرق .. والفهد وجهه مدور وعيناه سود . وقد كان بعض الحلبيين أخذ نمراً وجاء به في عِدْل إلى صاحب القدس وهو لبعض بني محرز وهو يشرب ، ففتح العدل فخرج النمر على من في المجلس . فأما الامير فكان عند طاقة في البرج دخل منها وغلق عليه الباب . وجال النمر في البيت قتل بعضهم وجرح بعضهم إلى ان قتلوه . )
(الامير / اسامة بن منقذ – الإعتبار ص 102)
(استراحة الأسد )
بعد أن رأينا صور الرجولة والثبات فإننا سنقف قليلاً للراحة ؛ ونرى نماذج أخرى لرجال يقفون في المعسكر المقابل .. ونتابع رحلتنا مع الأمير .
يقول أسامة : ( خلق الله عز وجل خلقه اطواراً مختلفي الخلق والطبائع .. الابيض والاسود ؛ والجميل والقبيح ؛ والطويل والقصير ؛ والقوي والضعيف ؛ والشجاع والجبان .. بمقتضى حكمته وعموم قدرته .
رأيت بعض اولاد الامراء التركمان الذين كانوا في خدمة الملك الامراء ( اتابك زنكي ) رحمه الله وقد اصابته نشابة مادخلت في جلده ( إلا ) بمقدار شعيرة فاسترخى وانحلت أعضاؤه وانقطع كلامه وغاب ذهنه .. وهو رجل مثل الاسد ، اجسم ما يكون من الرجال ؛ فاحضروا له الطبيب والجرائحي . فقال الطبيب : ( ما به بأس . بل متى ما جرح ثانية مات ) . فهدأ و ركب وتصرف كما كان ، ثم اصابته نشابة أخرى بعد مدة احقر من الاولة واقل نكاية ، فمات ) .
(الامير / اسامة بن منقذ – الإعتبار ص 98)
( نصيب ديار بني مالك من تلك الضواري )
قلت : لعل الأسد كان له وجود في اعالي (وادي بوى ) في السراة وغيره من اوديتنا في السراة ولكن الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب ( ص 268 ) انكر وجود الأسود في ارض السراة والعروض وديار نجد و المشرق كله . ويعزي قول من ذكر انها شوهدت في شرقي جبال السروات وفيما انحدر من اودية السراة إلى نجد والمشرق بانها فقط تعني انه ( ربما صعد من تهامة الاسد والاسدين إلى السراة ) وادلهمت في اودية السراة إلى ان ماتت او قتلت هناك . وملخص القول ان ( الأسود من حيوان ارض تهامة وساحل البحر الاحمر ) . ويعظم ضني انها عين الصواب وبالاخص إلى نظرنا إلى نظرية اتصال آسيا بافريقيا وكونهما ارضا واحدة قبل انشطارهما إلى ( آسيا وافريقيا ) وظهور البحر الاحمر على الخارطة . فبقي في ارض تهامة مابقي من الأسود وغيرها (من حيون المناطق الصحراوية ) مثل النعام والنحام وحمار الوحش الذي كان له وجود في عصر الرسالة والعصر الراشدي ومابعده .( اما النمر )- فلدينا النمر العربي الأشهب وهو اصغر بمراحل من الآسيوي المخطط والافريقي . ويوجد تقريباً في جبل بثرة مع الفهد العربي والوشق وأيضاً في جبال( سيلان )ومنحدرات ( ابا التلياني )الغربية في فرعت بني حرب والجبال الجنوبية هناك .
وفي سفوح بثرة الشرقية واسافل كيد ونواحي شوقب والملقاة وجبال تربة كان لها وجود وذكر لي ابي رحمه الله انها كانت في جبال تربة تطارد الوعول هناك في قمم الجبال ؛ ورشاهدها هناك قبل نصف قرن عندما كان يذهب إلى القنص هناك مع اصحابه .
ولا ابعد وجودها عن جبل بيضان وجبال ثقيف فالدلائل ترجح هذا الاعتقاد .
وفي جبل (عفف) قيل لي بانه موجود إلى اليوم ؛ وعموماً فاعدادها قليلة ايضاً ؛ اينما وجدت في الحجاز وتهامة .
ومن الجدير بالذكر ان تلك الضواري تتواجد اينما تواجدت الغزلان والظباء لأنها تعد مصدر طعامها المؤكد (حيث تهرب الضواري والطرائد تلك إلى حيث لا يصل البشر ) سواء في الفلوات او قنن الجبال النايفات .
اما بالنسبة للذئاب فهي موجودة في كل زمان ومكان في اودية السراة وتهامة ؛ ولا تزال تزور الرعاة وقطعانهم ( زيارات مأسوية وغير ودية ) .
و الظباع ( الجعار) هي الأخرى لازالت تجوب اطراف قرانا في السراة إلى هذا اليوم تبحث بين اكوام الزبائل عن بقايا الاطعمة والعضام والحيوانات النافقة . وفي الأسبوع الماضي رأيت احدها خلف المنازل في قريتنا بعد الواحدة ليلاً والكلاب تطارده وهو يكشر عن انيابها ويدور بينها مدافعاً عن نفسه . وعندما اصابه نور الكشاف كانت عينيه مثل شرارتين حمراوتين في ليل السراة الدامس .
ختاماً – لا يسعني الا ان اتلطف واقدم لكم خالص شكري على سعت الصدر التي تعاملتم بها مع هذا النص الممل قليلاً واستميحكم العذر والسماح ؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
( اسد بن كرز البجلي)
من على القِمَمْ الشُّم- من سقف الجزيرة - من ارض السراة .
( في 2 رجب 1429 هـ )
من على القِمَمْ الشُّم- من سقف الجزيرة - من ارض السراة .
( في 2 رجب 1429 هـ )