البشاشة

إنضم
31 أغسطس 2007
المشاركات
196
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
الرياض
معنى البشاشة

البَشَاشَة هي: طلاقة الوجه، مع الفرح، والتَّبسُّم، وحسن الإقبال، واللُّطف في المسألة
أما طلاقة الوجه: وهو إشراقه حين مقابلة الخلق، وهو ضدُّ العبوس.
وهي أيضاً: السُّرور بمن تلقاه.

الفرق بين البِشْر والبَشَاشَة

هناك فرق بين البِشْر والبَشَاشَة، وعن هذا الفرق قال أبو هلال العسكري: (أنَّ البِشْر أول ما يظهر من السُّرور بلُقي من يلقاك، ومنه البِشَارة، وهي أول ما يصل إليك من الخبر السَّار، فإذا وصل إليك ثانياً،لم يُسَمَّ بشارة، ولهذا قالت الفقهاء: إنَّ من قال: "من بشَّرني بمولود من عبيدي فهو حرٌّ"، أنه يُعتق أول من يخبره بذلك، والنَّغْيَة: هي الخبر السار وصل أولاً، أو أخيراً. وفي المثل: البِشْر علم من أعلام النَّجح.
والهَشَاشَة هي الخفَّة للمعروف، وقد هَشِشْت يا هذا، بكسر الشين، وهو من قولك: شيء هَشٌّ، إذا كان سهل التَّناول، فإذا كان الرَّجل سهل العطاء، قيل: هو هَشٌّ بَيِّنُ الهَشَاشَة .
والبَشَاشَة: إظهار السُّرور بمن تلقاه، وسواء كان أولاً أو أخيراً


الآيات الواردة في معنى البَشَاشَة

وردت آيات في القرآن الكريم مدح الله تعالى فيها البَشَاشَة وطلاقة الوجه؛ لكونه سبحانه جعلها هي صفة أهل الجنَّة، وهيئتهم التي يكونون عليها في أفضل أحوالهم، فدلَّ دلالة واضحة على أنَّ هذا الوصف ممدوح، وأنَّ هذه الهيئة محمودة، ومن هذه الآيات:

- قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22-23].

قال ابن كثير: (قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ من النَّضارة، أي حسنة بَهِيَّة مشرقة مسرورة،) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ( أي: تراه عياناً).

- وقال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس:38-39]
وفى هذه الآية قال الإمام ابن كثير: (أي: يكون النَّاس هنالك فريقين )وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (أي: مستنيرة، )ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (أي: مسرورة فرحة، من سرور قلوبهم، قد ظهر البِشْر على وجوههم، وهؤلاء أهل الجنَّة ).

الأحاديث الواردة في الحثِّ على البَشَاشَة وطلاقة الوجه

وردت أحاديث من السُّنَّة النَّبويَّة، تحثُّ على البَشَاشَة وطلاقة الوجه، ومن هذه الأحاديث نذكر ما يلي:
- عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال: قال لي النَّبي صلى الله عليه وسلم))لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق))
وفي رواية((لا يحقرنَّ أحدكم شيئاً من المعروف، وإن لم يجد، فليَلْق أخاه بوجه طَلِيق، وإن اشتريت لحماً، أو طبخت قدراً، فأكثر مرقته، واغرف لجارك منه))
وفي رواية((لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً، فإن لم تجد، فلاين النَّاس ووجهك إليهم منبسط))
قوله صلى الله عليه وسلم
(( ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق))، روي (طَلْق) على ثلاثة أوجه: إسكان اللام وكسرها، وطليق، بزيادة ياء، ومعناه: سهل منبسط. فيه الحثُّ على فضل المعروف، وما تيسَّر منه وإن قلَّ، حتى طلاقة الوجه عند اللِّقاء .
- عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم))كلُّ معروف صدقة، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك))
قال المناوي: ("وإنَّ من المعروف" أي: من جملة أفراده، "أن تلقى أخاك" أي: المسلم، "بوجهٍ" بالتنوين، " طَلْق" تقدم ضبطه، ومعناه: يعني تلقاه منبسط الوجه متهلِّله. "وأنْ تفرغ" من الإفراغ، أي: تصبَّ، "من دلوك" أي: عند استقاءك، "في إناء أخيك" لئلَّا يحتاج إلى الاستقاء، أو لاحتياجه إلى الدَّلو)
وقال في))دليل الفالحين)):((أي بوجه ضاحك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره، وبذلك يحصل التَّأليف المطلوب بين المؤمنين))
وقال أيضاً: (أي: متهلِّلٌ بالبِشْر والابتسام؛ لأنَّ الظَّاهر عنوان الباطن، فلُقْيَاه بذلك يشعر لمحبَّتك له، وفرحك بلُقْيَاه، والمطلوب من المؤمنين التوادُّ والتحابُّ).

- عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرَّجل في أرض الضَّلال لك صدقة، وبصرك للرَّجل الرَّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشَّوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)).
"تبسُّمك في وجه أخيك" أي: على وجه الانبساط، "صدقة" أي: إحسان إليه، أو لك، فيه ثواب صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، والصَّدقات مختلفة المراتب.


قال المناوي: ("تبسُّمك في وجه أخيك" أي في الإسلام "لك صدقة" يعني: إظهارك له البَشَاشَة، والبِشْر إذا لقيته، تؤجر عليه كما تؤجر على الصَّدقة. قال بعض العارفين: التبسُّم والبِشْر من آثار أنوار القلب، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ [عبس: 38-39] قال ابن عيينة: والبَشَاشَة مصيدة الموَّدَّة، و البِرُّ شيء هيِّن، وجه طليق، وكلام ليِّن. وفيه رَدٌّ على العالم الذي يصَعِّر خدَّه للناس، كأنَّه معرض عنهم، وعلى العابد الذي يعبِّس وجهه ويقطِّب جبينه، كأنَّه منزَّهٌ عن النَّاس، مستقذر لهم، أو غضبان عليهم. قال الغزَّالي: ولا يعلم المسكين أنَّ الورع ليس في الجبهة حتى يُقَطَّب، ولا في الوجه حتى يُعَفَّر، ولا في الخدِّ حتى يُصَعَّر، ولا في الظَّهر حتى ينحني، ولا في الذَّيل حتى يُضَمَّ، إنَّما الورع في القلب).

- وعن جرير رضي الله عنه قال: ((ما حجبني النَّبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي)

قال ابن بطَّال: (فيه أنَّ لقاء النَّاس بالتَّبسُّم، وطلاقة الوجه، من أخلاق النُّبوة، وهو مناف للتكبُّر، وجالب للمودَّة ).


أقوال السَّلف والعلماء عن البَشَاشَة وطلاقة الوجه

- عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: (مكتوب في الحكمة: ليكن وجهك بسطاً، وكلمتك طيبة، تكن أحبَّ إلى النَّاس من الذي يعطيهم العطاء)

- قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (إنَّ المسلمين إذا التقيا، فضحك كلُّ واحد منهما في وجه صاحبه، ثم أخذ بيده، تَحَاتَّتْ ذنوبهما كتحات ورق الشجر)

- قال عبد الله بن المبارك: (حسن الخلق طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكفُّ الأذى)

- قال ابن القيِّم: (طلاقة الوجه والبِشْر المحمود وسط بين التَّعبيس والتَّقطيب، وتصعير الخدِّ، وطيِّ البِشْر عن البَشَر، وبين الاسترسال مع كل أحد بحيث يذهب الهيبة، ويزيل الوقار، ويطمع في الجانب، كما أنَّ الانحراف الأوَّل يوقع الوحشة، والبغضة، والنُّفرة في قلوب الخَلْق، وصاحب الخُلُق الوسط: مهيب محبوب، عزيز جانبه، حبيب لقاؤه. وفي صفة نبيِّنا: من رآه بديهة هابه، ومن خالطه عشرة أحبَّه).

- قال بعض الحكماء: (الْق صاحب الحاجة بالبِشْر، فإنْ عدمت شكره، لم تعدم عذره).

- قيل للأوزاعي رضي الله عنه: ما كرامة الضَّيف؟ قال: طلاقة الوجه، وطيب الحديث.

- قال ابن حبان: (البَشَاشَة إدام العلماء، وسجيَّة الحكماء؛ لأنَّ البِشْر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي).

- وقال أبو جعفر المنصور: (إنْ أحببت أنْ يكثر الثَّناء الجميل عليك من النَّاس بغير نائل، فالْقَهُمْ ببِشْر حسن ).

- قال سفيان بن عيينة:


بُنيَّ إنَّ البِرَّ شيء هيِّن = وجه طليق وكلام ليِّن




فوائد البَشَاشَة وطلاقة الوجه

-1طلاقة الوجه تبشر بالخير، ويقبل على صاحبها النَّاس، والوجه العبوس سبب لنفرة النَّاس. والطلاقة والبِشْر من المعروف الذي أمر به النَّبي صلى الله عليه وسلم أمَّته.

-2 طلاقة الوجه من مكارم الأخلاق في معاملة النَّاس.

-3 طلاقة الوجه عنوان ما في النَّفْس، فقلَّ أن تجد شخصاً هشوشاً بشوشاً إلا وهو يحمل نفساً طيبة، وروحاً نقيَّة.

-4 البَشَاشَة من صفات المتواضعين، حيث قيل عنهم: أنَّهم (لا يلعنون شيئاً، ولا يؤذونه، ولا يحقرونه، ولا يتطاولون عليه، ولا يحسدون أحداً، ولا يحرصون على الدُّنيا، هم أطيب النَّاس خيراً، وألينهم عريكة، وأسخاهم نفساً. علامتهم السَّخاء، وسجيتهم البَشَاشَة، وصفتهم السَّلامة. ليسوا اليوم في خشية، وغداً في غفَّلة، ولكن مدامين على حالهم الظاهر، وهم فيما بينهم وبين ربِّهم لا تدركهم الرِّياح العواصف، ولا الخيل المجراة. قلوبهم تصعد ارتياحاً إلى الله، واشتياقاً إليه، وقُدُماً في استباق الخيرات، أولئك حزب الله، ألا إنَّ حزب الله هم المفلحون).

-5 ((من فوائدها محبَّة الله عزَّ وجلَّ لقوله عليه السَّلام: ((إنَّ الله يحبُّ الطَّلْق الوجه، ولا يحبُّ العبوس)).

-6طلاقة الوجه من إكرام الضَّيف، مع طيب الحديث عند الدُّخول، والخروج، وعلى المائدة .

-7 قيل: (من آداب المضيف: أن يخدم أضيافه، ويظهر لهم الغنى، والبسط بوجهه، فقد قيل: البَشَاشَة خير من القِرَى).

-8 تكلُّفُ البِشْر والطَّلاقة، وتجنُّب العبوس والتَّقطيب من الوسائل المعينة على اكتساب الأخلاق الحميدة.

-9 الهَشَاشَة وطلاقة الوجه تثمر المحبَّة بين المسلمين، والتآلف بينهم.

موانع اكتساب البَشَاشَة
-1خبث النَّفس، وتغلغل الصِّفات القبيحة فيها من الحسد والغلِّ والحقد، والتي ترسم الجهامة على وجه صاحبها، وتجعل البَشَاشَة تفارق مُحَيَّاه.
-2 عدم اتباع هدي النَّبي صلى الله عليه وسلم ، والذي حثَّ على هذه الصِّفة بخلقه وقوله صلَّى الله عليه وسلم.
-3 بغض النَّاس، وكراهية الخير لهم.
-4 عدم استشعار الأجر المترتِّب على التَّحلِّي بهذه الصِّفة.

الوسائل المعينة على اكتساب البَشَاشَة

-1 استشعار الأجر الذي رتَّبه الشرع على البَشَاشَة وحسن ملاقاة المسلمين.
-2 اتِّباع هدي النَّبي صلى الله عليه وسلم ، والذي كانت البَشَاشَة خلقه، وعلمها لأمته بقوله عليه الصَّلاة والسلام.
-3 حُبُّ النَّاس يجعلك تَبَشُّ في وجوههم.
-4 التَّخلُّص من الصِّفات الذَّميمة كالحسد والحقد، التي تجعل المرء يمقت من حوله ويكره لهم الخير، ويلاقيهم بجهامة ووجه عبوس.
-5 التعوُّد على رسم الابتسامة على الوجه، ومحاولة أن تكون سمة دائمة للشَّخص.

البَشَاشَة وطلاقة الوجه في واحة الشِّعر

قال الشَّاعر:


وإنَّ محمداً لرسول حقٍّ = حسيب في نبوَّته نسيب


أمين صادق بَرٌّ تقيٌّ = عليم ماجد هاد وَهُوب


يريك على الرِّضا والسَّخط وجهاً = تروق به البَشَاشَة والقطوب


يضيء بوجهه المحراب ليلاً = وتظلم في النَّهار به الحروب


وقال آخر يعاتب صديقه:


وكنت إذا ما جئت أدنيت مجلسي = ووجهك من تلك البَشَاشَة يقطر


فمن لي بالعين التي كنت مرة = إلي بها في سالف الدَّهر تنظر


قال ابن أبى الدُّنيا: حدَّثني أبو عبد الله محمد بن خلف التَّيمي، قال: (كان سعيد بن عبيد الطائي يتمثَّل::


اتَّق بالبِشْر من لقيت من النَّا = س جميعاً ولاقهم بالطَّلاقة


ودع التِّيه والعبوس عن النَّا = س فإنَّ العُبُوس رأس الحماقة


كلما شئت أن تعاد عادي = ت صديقاً وقد تعزُّ الصداقة


وقال ابن عبد البر، ولبعض أهل هذا العصر:


أزور خليلي ما بدا لي هشَّه = وقابلني منه البَشَاشَة والبِشْر


فإن لم يكن هشٌّ وبشٌّ تركته = ولو كان في اللُّقْيَا الوِلَايَة والبِشْر


وحقُّ الذي ينتاب داري زائراً = طعام وَبِرٌّ قد تقدَّمه بِشْر





وقال البحتري:


يا سعيد والأمر فيك عجيب = أين ذاك التَّأهيل والتَّرحيب


نَضَبَت بيننا البَشَاشَة والوُدُّ = وغارا كما يغور القَلِيب


وقال إيليا أبو ماضي:


قال البَشَاشَة ليس تسعد كائناً = يأتي إلى الدُّنيا ويذهب مرغماً


قلت ابتسم مادام بينك والرَّدى = شبر, فإنَّك بعد لن تتبسَّما


وقال آخر:


إنَّ حسن اللِّقاء والبِشْر ممَّا = يزرع الوُدَّ في فؤاد الكريم


وهما يزرعان يوماً فيوماً = أسوأ الظنِّ في فؤاد اللَّئيم

وقال الشَّاعر:


إذا كان الكريم عبوس وجهٍ = فما أحلى البَشَاشَة في البخيل
 
أعلى