كتاب الصحافة وحمار الحكيم توما

أبو نواف الفقيه

مشرف سابق
إنضم
30 نوفمبر 2007
المشاركات
6,161
مستوى التفاعل
186
النقاط
63



بسم الله الرحمن الرحيم​



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد : فقد اعتاد علماء أصول الفقه عند كلامهم على العلم والجهل، أن يقسموا الجهل إلى قسمين:

1 – جهل بسيط، وهو عدم الإدراك .

2 – جهل مركب، وهو تصور الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع .

والفرق بين القسمين: أن الجاهل البسيط يعترف بعدم الإدراك وجهله، أما الجاهل المركب، فقد جمع بين جهلين: عدم إدراك للشيء، وعدم إدراك أنه لا يدرك، فهو يدرك الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع، ويجزم بأن إدراكه هذا صحيح، وأنه هو لوحده العالم الأوحد، والمثقف الممجد، ولذلك كان جهله مركباً، وعادة ما يضرب علماء الأصول مثالاً توضيحياً للجاهل المركب في قصة ذلك الجاهل المركب الذي كان يظن نفسه «حكيماً» مع حماره في بيتين من الشعر، وهما :

قال حمار الحكيم توما



لو أنصف الناس كنت أركب



فأنا جاهل بسيط



وصاحبي جاهل مركب




وقد ابتلينا في هذه الأزمان ببعض كُتّاب الصحف من أدعياء العلم والحكمة والثقافة ممن يعيشون واقع الحكيم الجاهل «توما»، وذلك يما يلقونه بصريف الأقلام، وقذائف الكلام، من كفر وزندقة وضلال، وهوى وإباحية وانحلال، وفسق وتجاوز وإجرام.

فهم يطرحون الحوارات، ويكتبون المقالات والتحقيقات، ويثيرون النقاشات في أصول الدين وفروعه، باسم الحرية الفكرية والاعتقادية، ولو سُئل أحدهم في بعض مسائل الطهارة والصلاة وباقي العبادات والمعاملات، لكان فيها أضلّ من حمار أهله، فكيف يا ترى يكون إذاً في أصول الدين العظيمة .

سبحان الله باسم الفكر والحرية، تستباح علوم الدين المتخصصة، ليلغ في دقائقها، ويخوض في تفاصيلها، من لا جمل له فيها ولا ناقة، ولا علم ولا دراية، ولا استقامة ولا ديانة، غير أن له قلماً في صحافة، أو انحرافاً في العقيدة، أو تنقصاً للشريعة، أو عداوة لأهل الخير والفضيلة، أو إعجاباً وتبعية للبلاد الكافرة .

التحرر عند هؤلاء هو التمرد على أحكام الإسلام، والتقدم في فهمهم هو محاكاة الكفار، والفن والثقافة في مصطلحهم هو الاستكثار من الأغاني الماجنة، والمسلسلات الهابطة، والمسرحيات المختلطة، والندوات الحداثية، والمعارض المشبوهة.

يُبارك هؤلاءُ الكتابُ الحفلاتِ الغنائية، والمؤتمرات المختلطة، والقنوات الفضائية المنحلة، ويحاربون ويحذرون من المحاضرات الشرعية والمعارض الإسلامية، والمخيمات الدعوية والحلقات القرآنية والمراكز الصيفية، والقصد من ذلك كله تهميش الإسلام، ومبادئه العظام، وعلمائه الأعلام، ودعاته الأخيار.

وإن المتأمل في القرآن والسنة ليتضح له أن المؤمنين يفرحون بذكر الله وتطمئن به قلوبهم ويحبون تعطير مجالسهم دائماً بذكر الله وما ينفعهم في الآخرة، كما قال الله تعالى: ] الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [، وقال تعالى: ] وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ .. .

وأما المنافقون والذين لا يؤمنون بالآخرة، فإنهم ينفرون من ذكر الله أشد النفور، كما قال تعالى في شأن المنافقين : ] إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [، وقال تعالى: ] وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [ . قال ابن كثير في تفسيره: إذا قيل لا إله إلا الله «اشمأزت». قال مجاهد: انقبضت، وقال السدي نفرت، وقال زيد بن أسلم استكبرت، ] وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [ أي يفرحون ويسرون، انتهى كلامه رحمه الله.

وقد روى ابن إسحاق – رحمه الله – عن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم «بعد قدومه المدينة أردفه وانطلق به فمر بقوم خليط من المسلمين والمشركين، فسلم ثم نزل فذكر وبشر ووعد وأنذر، فقال المنافق عبدالله بن أبي بن سلول – ولم يكن أظهر الإسلام بعد : يا هذا إن كان ما تقول حقاً فاجلس في بيتك وليأتك من يريدك، ولا تغمنا الناس به، فقال عبدالله بن رواحة – رضي الله عنه - : بلى يا رسول الله لتغشنا في مجالسنا، فإنا نحب أن تغشانا في مجالسنا وتذكرنا بربنا عز وجل».

وخلاصة القول: أن هؤلاء الكُتّاب يهذون بما لا يدرون، ويتكلمون فيما لا يعون، ويفصّلون فيما لا يفقهون، ويحكمون فيما لا يفهمون ولا يتقنون، ويحاولون استغلال الظروف والأحداث الطارئة، والاصطياد في المياه العكرة، ولمز العلماء والدعاة والمصلحين كلما سنحت لهم الفرصة، والقدح في المشاريع الدعوية والإصلاحية في كل قضية وحادثة.

ولست ها هنا أريد مناقشة كُتّاب «حمار الحكيم توما» عن شرعية المحاضن الدعوية والمشاريع الخيرية، ومصالحها العظيمة، وثمارها اليانعة، وذلك لأن شرعيتها ومصالحها وفوائدها أوضح من ضوء النهار، وأمرها كما قال الأول:

وليس يصح في الأذهان شيء



إذا احتاج النهار إلى دليل


ولن أناقش هؤلاء الكُتّاب، لأنهم ليسوا أهلاً للمناقشة ولا للمناظرة، ولا للاكتراث بأمرهم؛ لأنهم أصحاب جهل مركب، ومنهج محرّف.

لكني أقول لكُتّاب «حمار الحكيم توما»: اخسؤوا فلن تعدو قدركم، ولن تحركوا بمقالاتكم ساكناً، ولن تغيروا من الأمر شيئاً بإذن الله، وذلك لأن الناس لمقالاتكم لا يسمعون، ولطلباتكم لا يستجيبون، وبأمركم لا يأتمرون، وها أنتم بمقالاتكم تنعقون، ولأصواتكم تبحون، وعلى طلباتكم لا تحصلون، وإنما أمركم كما قيل «القافلة تسير والكلاب تُنبح».

وإذا أردتم التأكد من كلامي هذا، فانظروا في هذه الأيام إلى المساجد والمدارس النسائية والمخيمات الدعوية والمراكز الصيفية، لتروا من الإقبال المنقطع النظير «رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً» ما يسوؤكم، ويضيق صدوركم، ويكدر خواطركم، ويسر قلوب المؤمنين ويشرح صدورهم. وستبقى هذه المحاضن الدعوية والإصلاحية بإذن الله شجى في حلوق الحاقدين والمنافقين، وسيبقى المسلمون في هذه البلاد محترمين لعلمائهم، ودعاتهم، واثقين بهم، مقبلين على محاضراتهم ومخيماتهم، مطمئنين على أولادهم في محاضنهم، مستمعين لنصائحهم، متقبلين لتوجيهاتهم، صادرين عن علمهم وفتاويهم، فموتوا غيظاً وحنقا أيها الأفّاكون.

وأخيراً، فإن مثل من يريد تنقص العلماء والدعاة والمصلحين في هذه البلاد ويشكك الناس في محاضنهم الدعوية، كمثل ما قيل:

كناطح صخرة يوماً ليوهنها



فلم يضرها وأوهى قرنه الوعلُ




] وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ[ ] وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ[.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وكفانا شر كل زنديق ومنافق وحاقد وناعق، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
 

ابو هااجر

المراقب العام
إنضم
31 أغسطس 2007
المشاركات
30,700
مستوى التفاعل
188
النقاط
63
الإقامة
الرياض
وخلاصة القول: أن هؤلاء الكُتّاب يهذون بما لا يدرون، ويتكلمون فيما لا يعون، ويفصّلون فيما لا يفقهون، ويحكمون فيما لا يفهمون ولا يتقنون، ويحاولون استغلال الظروف والأحداث الطارئة، والاصطياد في المياه العكرة، ولمز العلماء والدعاة والمصلحين كلما سنحت لهم الفرصة، والقدح في المشاريع الدعوية والإصلاحية في كل قضية وحادثة.

قللهم الله وكفانا الله شرورهم
شكر الله لك على هذا النقل الموفق وحسن الاختيار
لاحرمك الله الاجر
تقبل مروري
 

ابو محمد البجلي

ديني افديه بدمي
إنضم
7 يناير 2007
المشاركات
4,022
مستوى التفاعل
36
النقاط
48
الإقامة
جــدهـ
اشكرك اخي حصن خريص

واشكر لك مقالك الكريم العظيم

اشكر لك اناملك التي دغدغت هذا الموضوع وسطرته

اشكر لك عقلك وقلمك وفكرك

اشكرك كلما قمت اوقعت
اشكرك مع كل صباح ومساء فأنت فارس الكلمه في هذا المنتدى
 

أبو نواف الفقيه

مشرف سابق
إنضم
30 نوفمبر 2007
المشاركات
6,161
مستوى التفاعل
186
النقاط
63
أحبتي يامن تشرفت بمروركم بمتصفحي

اشكر لكم هذا المرور وهذا التشجيع بارك الله فيكم وفي مشاعركم الجميله
 
إنضم
26 نوفمبر 2007
المشاركات
11,083
مستوى التفاعل
88
النقاط
48
الإقامة
الرياض
فعلا موضوع في الصميم
بارك الله فيك أبا نواف على ماقدمت
وتقبل مروري واحترامي ...
 
إنضم
10 مايو 2008
المشاركات
484
مستوى التفاعل
12
النقاط
18
الحمد لله الحمد لله الحمد لله
الذي اظهره على الدين كله
وجعل افئدة الناس تهوي إليه
وجعل أولياء الشيطان هم الخاسرون الأرذلون

((((((((( حصن خريص ))))))))))))))
جزاك الله خير الجزاء على النقل

وحعله في موازين حسناتك
 

أبو نواف الفقيه

مشرف سابق
إنضم
30 نوفمبر 2007
المشاركات
6,161
مستوى التفاعل
186
النقاط
63
هلا اخي الغالي ابو خير ... ولك تحية معطره بالورد الطائفي والريحان المالكي

على مرورك الزاهي
 
أعلى