بتغير الاهتمامات تتغير الاوضاع

إنضم
27 أغسطس 2007
المشاركات
70
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
:i5: :i5: :i5: :i5: :i5: :i5: :i5: :i5: :i5: :i5: :i5:

الأحد 20شعبان 1428هـ - 2سبتمبر 2007م - العدد 14314 جريدة الرياض

http://www.alriyadh.com/2007/09/02/section.columns.html
بتغيّر الاهتمامات تتغيّر الأوضاع


إبراهيم البليهي
إننا حين نقرأ تاريخ الحضارات المختلفة نجد أن كل حضارة لا تبدع إلا في المجالات التي تهتم بها اهتماماً قوياً وموصولاً كتوجُّه ثقافي عام مستغرق وممتد في الزمان والمكان فلكل حضارة من الحضارات القديمة اهتمام محوري تبدع فيه ولا تبدع في غيره إلا نادراً

ليست أوضاع المجتمعات سوى نتاج اهتماماتها، وليست اهتماماتها سوى نتاج منظومة قيمها، وليست منظومة قيمها سوى القوالب الذهنية التي ورثتها عن أسلافها، فهي مستغرقة باهتمامات محددة لا تخرج عنها إلا إذا هي اكتسبت آلية النقد لفتح القوالب السائدة وتصحيح الأفكار والأوضاع فأجالت بصرها وأنفدت بصيرتها وغربلت موروثها واستنفرت طاقة عقلها واستعادت كامل حقها في المراجعة والفرز والاستبعاد والإبقاء...
إن تاريخ أوروبا هو الأكثر تجسيداً لتغيّر الأوضاع بتغير الاهتمامات، ففي القرن السادس قبل الميلاد اهتم الاغريق في فهم الكون فهماً موضوعياً وسبر أغوار الوجود فاعادوا النظر في الفهم السائد واستخدموا العقل المحض والخبرة الواعية من أجل إدراك الحقيقة وامتلاك معرفة موضوعية فتأسست بذلك الفلسفة ثم في ذروة الحضارة الاغريقية جرى التوسع في الاهتمامات وامتدت لتشمل الإنسان والمجتمع والسياسة والأخلاق والعقل والمعرفة والحقيقة فأسفر ذلك الاهتمام العارم عن إنجاز الفكر الفلسفي المدهش بكل ما يزخر به ذلك الفكر من علم وفن وقانون ورؤى جديدة عن الإنسان والكون والحياة كما أسفر الفكر الفلسفي والانفتاح الحر عن ابتكار النظام الديمقراطي العجيب!! فكل تغير في الاهتمامات ينتج عنه تغير في الأوضاع صعوداً وهبوطاً..
أما بعد فتوح الاسكندر المقدوني للشرق فقد عاد اليونانيون من فتوحهم وقد شابت فكرهم ورؤاهم مؤثرات شرقية فتميزت فلسفة تلك الفترة باهتمامات مختلفة عن اهتمامات العصر اليوناني المجيد، وقد انتقل التراث اليوناني وما خالطه من ثقافات الشرق إلى الثقافة عن اهتمامات العصر اليوناني المجيد وقد انتقل التراث اليوناني وما خالطه من ثقافات الشرق إلى الثقافة الرومانية مما صبغ الفلسفة الرومانية بصبغة خاصة تعبِّر عن الاهتمامات التي كانت سائدة كما تميَّزت الحضارة الرومانية بالاهتمام الشديد بالقانون وأنجز الرومان في مجال القانون إنجازات مهمة جعلتهم المصدر التاريخي للقوانين الأوروبية الحديثة ثم بتأسيس الكنيسة وتصاعد سلطتها تغيرت الاهتمامات في أوروبا تغيراً نوعياً صبغت الأفكار والمؤسسات واستغرقت مجالات الدراسة والبحث والسلوك والأوضاع فغرقت أوروبا في ظلام العصور الوسطى ثم بعودة إحياء الاهتمامات الاغريقية عادت أوروبا إلى الفكر النقدي العقلاني وانجزت نهضتها الظافرة ثم توالت الفتوح العلمية والكشوف الجغرافية والاختراعات التقنية حتى أصبحت الحضارة المعاصرة على النحو المدهش الذي نشهده وكل ذلك هو نتاج ارتقاء الاهتمامات وتنوعها وانفتاح الآفاق لبزوغ المزيد منها إن الدارس لأوضاع الشعوب يستطيع أن يتعرف على واقعها وأن يتنبأ بمستقبلها بالتعرف على الاهتمامات السائدة فيها...
إننا حين نقرأ تاريخ الحضارات المختلفة نجد أن كل حضارة لا تبدع إلا في المجالات التي تهتم بها اهتماماً قوياً وموصولاً كتوجُّه ثقافي عام مستغرق وممتد في الزمان والمكان فلكل حضارة من الحضارات القديمة اهتمام محوري تبدع فيه ولا تبدع في غيره إلا نادراً وإذا حصل هذا النادر فإنه يكون فردياً ويظل هامشياً ولا يجد اهتماماً عاماً ولا قبولاً جماهيرياً فكل حضارة من الحضارات القديمة تتمركز حول اهتمامها المحوري وتصرف جل طاقة مبدعيها فيه لقد تمحور الفراعنة حول ذواتهم واستبدت بهم فكرة التخليد فدفعوا مصر في ذلك الزمن المغرق في القدم إلى الإبداع في مجال تحنيط الموتى وفي تشييد أضخم وأعظم المنشآت الإنسانية في العصور القديمة، فلقد تمكنت مصر قبل آلاف السنين أن تشيد الأهرامات العظيمة لأنها اهتمت بهذا الجانب وركّزت عليه فأبدع فيه ومازالت الأهرامات وستظل معجزتها الكبرى على مر العصور بينما بقيت جوانب الحياة الأخرى بمصر متخلفة بل شديدة التخلف لأنها لم تنل الاهتمام الذي تستحقه، فلا يمكن أن يبدع الفرد ولا أن ينجز المجتمع انجازاً يستحق البقاء أو يضيف جديداً مُهماً إلى المنجزات الإنسانية إلا في المجالات التي تستغرق اهتمامه..
لذلك أنجزت مصر إنجازاً مدهشاً في العهد الفرعوني في المجال الذي اهتمت به ولم تنجز في غيره، لقد كانت سلطة الفكر والفعل في عصر الفراعنة بمصر مستغرقة في ذاتها تمجيداً وتخليداً ولا تعترف بقيمة للشعب ولا تقيم أهمية للإنسان، فهو يجري تسخيره حتى الهلاك إنه مسحوق عقلاً وجسداً وروحاً ووجداناً إنه ليس معترفاً له بكرامة ولا قيمة ولا قدرة سوى قدرته العضلية الهزيلة المحدودة وليس محسوباً له أي حساب بل يجري تسمين الحيوانات والعناية بها لأنها ثروة بينما يظل الإنسان مسخراً جائعاً عارياً مهاناً ومع سلب الكرامة وتكريس المهانة فقد ظلوا يستنزفون طاقته لقطع الحجارة وحمل ورفع أضخم الصخور وتشييد أعظم الصروح ولم يكونوا يهتمون بتغذيته ولا إطعام الشعب البائس فظلت مصادر العيش كما هي شحيحة ومحصورة بفلاحة الأرض ولم يحصل أي تطوير نوعي في المعرفة ولا في وسائل الحياة، فلم يكن التأصيل النظري موضع اهتمام وإنما كانت الإنجازات تعتمد على المحاولة والممارسة العملية كالفلاح الذي يعرف متى وكيف يزرع لكنه لا يعرف الأسباب فليست لديه رؤية علمية، إنما يعتمد على توارث الخبرة العملية لذلك لم تتطور العلوم إلا في الحضارة الاغريقية وامتداداتها لأنها اهتمت بالتأصيل النظري القائم على الفهم الموضوعي واعتنت بفهم الأسباب وتعليل الأحداث تعليلاً موضوعياً...
إن سلطة الفكر والفعل في العصر الفرعوني قد استغرقها مجد حاضرها وخلود ذكرها فلم تهتم اهتماماً كافياً باحتياجات الناس بتوسيع الرقعة الصالحة للزراعة واستثمار مياه النيل الهائلة التي تتدفق وتضيع في البحر ولم تعتن العناية الكافية بإنشاء السدود وإقامة الجسور وشق القنوات ومد التُّرع ولم توجَّه طاقة الإبداع للبحث عن وسائل تيسير الحياة للناس ولا إلى توسيع المعرفة فالاهتمام كان مستغرقاً في مجال تخليد الفرعون لقد كان الفراعنة يتبارون في تضخيم وتجميل قبورهم وتخليد ذكرهم وركزوا اهتمامهم بتأكيد سلطة الفرد وإبقاء آثار خالدة تبرهن على عظمة سلطته لذلك لم تحقق مصر خلال التاريخ الفرعوني الطويل قفزات حضارية كبرى باستثناء هذا الهدف المحوري الذي استغرق اهتمام الفراعنة ووجهوا إليه الطاقة الإبداعية للأمة، فبقيت الأهرام والمسلات والصروح الهائلة والقصور العظيمة ومعجزة التحنيط شواهد حية على التجبُّر والتسلط كما بقيت شواهد أكيدة على أن الإنسان سواء على مستوى الفرد أو المجتمع إذا ركز اهتمامه على شيء فإنه يبدع فيه مهما كانت صعوبة المجال ومهما كانت عظمة الهدف الذي يراد تحقيقه...
لقد جرى تسخير الناس وإمكانات الوطن لخدمة الفرعون المتجبر وأثناء بناء الهرم الهائل كان الناس يموتون بالآلاف من السخرة والمشقة والجوع والمرض والعجز عن التحمل، ولكن كانت الجموع التي تهلك من الكد والمعاناة والجوع تَخءلُفها جموعٌ أخرى وهكذا كانت الأمة كلها مسخرة لا لبناء الوطن ولا لتنمية قدرات الإنسان ولا لتقدم العلم وبناء الحضارة وإنما لبناء هرم هائل ليكون قبراً لإنسان مستبد متأله، فالأهرامات بعظمة بنائها ودقة هندستها دليل على تجبر الفرد واستعباد الناس وتسخير الأمة لتخليد ذكره، فهي شواهد إدانة وليست دليل عظمة، إلا أنه رغم ذلك فإنها برهان حي ناطق على أن الإنسان إذا ركَّز اهتمامه في أي مجال فإنه يبدع فيه مهما بلغت الصعوبات ولو أن ذلك الجهد الجبار جرى توجيهه لتوسيع معارف الإنسان وتحسين حياة البائسين وتطوير وسائل العيش لكانت النتائج عامة لجميع البشر، وإذا كانت هذه الصروح العظيمة قد صارت الآن من وسائل الجذب السياحي وتوفير مورد جديد لمصر، فإن هذا الهدف لم يكن مقصوداً عند إنشائها وإنما هو من ثمار التغيرات النوعية التي طرأت على الحياة الإنسانية..
إن التقدم في أي مجال جيد وفي أي زمان ومكان يتطلب خلق اهتمامات جديدة في المجمع تستثير الطاقة الإنتاجية وتستنفر القدرات الإبداعية وتخرج بالنشاطات الإنسانية من مساراتها الضيقة التليدة وتطلقها في فضاءات واسعة ومتنوعة وجديدة، فالإنسان هو ابن مألوفة وهو يواصل السير على ما اعتاد عليه ومن النادر أن يجرب طرقاً لم يألفها بل إنه في الغالب يقاوم التغيير أقصى مقاومة، لذلك فإنه في الحضارات القديمة كانت الأجيال تتوارث نفس الاهتمامات الرتيبة وتبقى قروناً وهي لا تبرح مكانها بل قد تتآكل وتنضب إمكاناتها وتتراجع وتضيق اهتماماتها بدلاً أن تتسع وتتقدم ولا تختلف المجتمعات ذات الثقافات المغلقة في هذا العصر عن أسلافها رغم أنها تعيش في عصر يمور بالتغيرات العظيمة في الأفكار والعلوم والأوضاع والتقنيات والممارسات ولكن رغم ذلك تبقى حياة الجيل اللاحق مشابهة لحياة الأجيال السابقة في أنواع الاهتمام وفي طريقة التفكير وفي منظومة القيم وفي التراتب الوئيد الراكد، فالإنسان بطبعه يقاوم التغيير مهما كان لصالحه لأنه يكون مبرمجاً بالسائد ومعجوناً به ويرهب ما يخالفه ويمقت من يخرج عنه، وليس أدل على ذلك من استمرار التخلف في القرن الحادي والعشرين في أكثر أقطار الأرض رغم توفر العلوم وكثرة تجارب الازدهار، وقد يقال بأن سبب مقاومة الشعوب والأمم للتغيير في العصور القديمة يعود إلى أنه في القديم لم تكن فتوحات العلوم والتقنيات قد ظهرت ولم يكن التواصل بين الأمم متاحاً ولم يكن التعليم عاماً وإنما كان تعليماً خاصاً ونادراً وفردياً وأن عموم الناس كانوا يبقون أميين ولم يكن التعليم الفردي المتاح يهتم بالأمور الدنيوية العملية وإنما كان يحصر اهتمامه بتنشئة قيادات ثقافية أو سياسية تتأدب بآداب الأسلاف وتواصل تنشئة المجتمع تنشئة دينية أو قومية وفق العقيدة السائدة، وأن أفراداً قلائل فقط كانوا متفرغين للبحث المعرفي والعمل الثقافي وأن أولئك الأفراد القلائل كانوا في الغالب من الكهنة والمهتمين بالمسائل الدينية، وكانت هذه المسائل تستغرق اهتمامهم أما جموع المواطنين فكانوا أميين يقادون بما هو سائد ويبرمجون بما هو متوارث، وكانوا في الغالب يعملون في الزراعة أو في أعمال حرفية ذات صلة بفلاحة الأرض وإنتاج الغذاء وتسويقه، فكانت الاهتمامات محدودة ومتشابهة، وكان الاهتمام المعرفي يدور فقط حول الموضوع المحوري للحضارة السائدة ولم تكن العلوم بمضمونها الحالي معروفة وإنما كانت الحياة الدنيوية تدار وفق التجربة الموروثة وبشكل رتيب ومتكرر.. هكذا يمكن أن يقال عن سبب استمرار الاهتمامات الرتيبة في الحضارات القديمة... لكن هذا الاعتراض ينفيه نفياً قاطعاً استمرار تخلف الكثير من شعوب الأرض في هذا العصر رغم توفر العلوم وكثرة تجارب الازدهار شرقاً وغرباً، والمتخلفون يشهدون هذه التغيرات الظافرة فلا ينتبهون ولا يتعظون ولا يستفيدون!! بل يسخرون من المزدهرين ويحتقرون اهتماماتهم وقيمهم التي حققت لهم كل هذا الازدهار لأنهم مستغرقون ثقافياً في اهتمامات مغايرة تتحرك بتأثير منظومة قيم موروثة راسخة تطبع الفكر والفعل وترفض قيم العصر، ومن هنا صار تفسير التخلف في هذا العصر معضلاً أشد الإعضال حتى تعددت التفسيرات وتنوعت الرؤى إذ كيف تتجسد عوامل الازدهار أمام الجميع كل هذا التجسد ومع ذلك تتخبط الكثير من المجتمعات الإنسانية في أوحال التخلف!! فلقد انفتحت في هذا العصر كل المجالات انفتاحاً هائلاً لتنويع الاهتمامات وتنمية القدرات وتحقيق الازدهار، فالحضارة الحالية عممت التعليم ونوعت الاهتمامات ووسعت مجالات المعرفة ووفرت وسائل التواصل السريع والسهل وصارت العلوم تتدخل تدخلاً مباشراً في إدارة الحياة وغمرت كل الدنيا بمنجزاتها ودخلت كل البيوت بمعارفها وتقنياتها، إلا أن مجتمعات كثيرة لم تتغير اهتماماتها تغيراً ينقلها من ركود واخفاق وانغلاق وانطفاء الفكر القديم إلى حركة ونجاحات وانفتاح وتوقد الفكر الحديث فمازالت مأسورة بنفس الاهتمامات التي كانت سائدة قبل مئات أو آلاف السنين مما جعلها تبقى خارج حركة التاريخ لأنها غير قادرة على الإفلات من أسر اهتماماتها التليدة وعاجزة عن المشاركة الإيجابية في الاهتمامات الحضارية الجديدة وستبقى كذلك مهما عممت التعليم وأكثرت من المدارس وأنشأت من الجامعات حتى تعيد ترتيب منظومة قيمها وتغيِّر اهتماماتها.. لقد مرت أكثر من خمسة قرون على الوثبة الأوروبية الحديثة التي هزت الدنيا كما مر أكثر من قرنين على المجتمعات المتخلفة وهي تحاول أن تنمي ذاتها بتقليد أوروبا غير أن محاولاتها التنموية البائسة انتهت إلى الفشل التام والإخفاق الذريع فما هو الدرس الفاجع الذي يؤكده هذا الإخفاق؟! لقد أصبح التعليم عاماً في كل الأقطار وليس مقصوراً على فئة صغيرة، وفي الكثير من المجتمعات صار التعليم العام إلزامياً وهذه من أهم التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية غير أن المجتمعات المحرومة من الفكر النقدي بقيت اهتماماتها كما كانت من قبل، فلم تستفد كثيراً من تعميم التعليم لأن العلوم الحديثة تأتي لبنية ثقافية مغلقة وتحوم حول عقل اجتماعي جرى احتلاله منذ قرون فتبقى طلاء خارج البنية الذهنية للدارسين، إن عقل المجتمع يستمر في حالة العطالة ولا يخرج المجتمع من حالة القصور الذاتي وينتظم في مسارات التنمية الصاعدة إلا إذا أعيد تشكيل بنيته الثقافية فانفتح عقله على الآفاق وتغيرت اهتماماته وفق معطيات العلوم الحديثة، ولكن ذلك غير ممكن بل إنه محال إلا إذا حرَّكه صراع الأفكار وحَفَزه تنافس الآراء واضطرته تحديات التساؤل والمحاكمات الفكرية، وإلا إذا اضطر إلى المراجعة ووسَّع رؤيته جدل الأفعال والأفكار، فالثقافات المغلقة لا تتطور بمجرد الاستيراد الاضطراري للمعارف العلمية الحديثة وشكليات التعليم لأن هذا كله يبقى في إطار الكم ولا يرتقي إلى مستوى الكيف فلا يحقق أي تغيُّر نوعي إلا إذا اضطرت المجتمعات المتخلفة إلى إعادة تكوين ثقافتها وهذا يستوجب أن تتغيَّر منظومة قيمها واتجاهات اهتمامها وعادات الفكر والفعل في أفرادها ومؤسساتها وهذا يعني أن تتبدل الرؤية السائدة عن الحقيقة وكيفية إدراكها ومعرفة الصوارف الكثيرة التي تحجبها، وعن الإنسان الفرد وقيمته وعلاقاته بالسلطة وبالمجتمع وحقوقه وواجباته ويتغيَّر الموقف من العلم ويعتاد الناس على التحقق ويتوقف المجتمع عن تقديس الموروث وعن الإفراط في التعلق في الأشخاص وينفك من التعصب ويعترف بحق الاختلاف ويكف عن إدعاء الكمال وينتهي من ممارسة الحراسة والوصاية ويتخلى عن أوهام وامتلاك الحقيقة المطلقة وينفتح لتغذية عقله بالأفكار من كل الروافد وإمداد ثقافته بروح العلم النقدية الفاحصة وعدم الاقتصار على استيراد المعلومات الناتجة عن هذه الروح... إن المجتمعات المتخلفة بقيت تزداد تخلفاً رغم تعميم التعليم واستيراد العلوم واستخدام التقنيات لأنها ذات ثقافات مغلقة فهي مازالت تتمحور حول اهتماماتها القديمة لأنها جلبت معلومات واستبعدت روح العلم، فلم تفتح أبواب المراجعة والنقد والمواجهة لما هو سائد فبقيت كما كان أوائلها محرومة من الروح العلمية المحركة للعقل والبانية للعلم والحافزة للعمل. فالتفكير النقدي هو روح الحضارة المعاصرة وهو جوهرها إنه أهم محرك للخيال المبدع وأكبر باعث للتفكير الخلاق وأقوى حافز للتقدم إنه الشرط الضروري لفك قيود العقل وإطلاق طاقاته إنه كاشف الأخطاء ومعري الأوهام وفاضح الزيف، إن استمرار عجز المجتمعات المتخلفة يعود إلى أنها قائمة على الوصاية والحراسة ومحرومة من الشفافية والنقد، فأبواب الشك موصدة وطرح التساؤلات مدان والنقد مرفوض وكشف الأخطاء غير متاح، لذلك فهي مهما جلبت من الشكليات تظل تعيش ضمن نطاق اهتمامات الحضارات القديمة إنها تتلقن علوم الحضارة الحديثة وتستخدم تقنياتها وتبالغ في العناية بمظاهرها ولكنها لا تتجاوز الشكليات وتظل مشغولة بنفس الاهتمامات التي كانت سائدة قبل ظهور العلوم الحديثة، فتبقى بعيدة كل البعد عن الروح المحركة للحضارة، لقد عممت التعليم وأنشأت المدارس وأقامت الجامعات لكنها مع كل هذه المظاهر تبقى معزولة تماماً عن الروح الجياشة للحضارة المعاصرة، إن العقل النقدي ليس مجرد عنصر ضروري ومهم من عناصر الحضارة الحديثة، ولكنه العنصر الجوهري الذي لا فاعلية لأي عنصر آخر بدونه فهو العنصر الأهم أما بدونه فتبقى العناصر الأخرى عديمة الفاعلية مهما تكاثرت الشكليات..
 

&عبدالمجيد أحمد&

مشرف سابق
إنضم
2 أغسطس 2007
المشاركات
3,033
مستوى التفاعل
12
النقاط
38
الإقامة
دار ابو متعب
يعطيك العافيه اخوي فراس على الموضوع الرائع
والاروع كاتب الموضوع لك كل الشكر على موضوعك
المميز
تقبل تحياااتي
 
إنضم
27 أغسطس 2007
المشاركات
70
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
ارق والطف تحيه للجميع ع المرور

اخوي المهاجر اؤكد كلامك بان الاروع هو كاتب الموضوع
والمفروض ان ننقل دائما بامانه لنعطي صاحب المجهود حقه

اخوك ( ابو فراس ) اعيد واكرر للاخ المهاجر ( ابو فراس )
 
إنضم
27 أغسطس 2007
المشاركات
70
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الله يعافي الجميع ع المرور

قلب%20بداخله%20ورده.gif
 
أعلى