صله الرحم

إنضم
20 نوفمبر 2013
المشاركات
849
مستوى التفاعل
5
النقاط
18
الإقامة
الرياض
صلة الأرحام





خالد حسن محمد البعداني

الجمعة 28 ديسمبر 2012

صلة الأرحام
الحمد لله رب العالمين، القائل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1], والقائل سبحانه: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: 22].
وأصلى وأسلم على المبعوث رحمه للعالمين سيد الأولين والآخرين، إمام المتقين وسيد الواصلين معلم البشرية لكل خير، البشير النذير القائل في الحديث الذي رواه أبو هريرة-رضي الله عنه-: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه»(1).
فمن هدية -صلى الله عليه وسلم- الأمر بصلة الأرحام، فكان من أول ما أمر به بعد أخلاص العبادة للواحد سبحانه وعدم الإشراك به عدم قطع الأرحام فهذا أبو سفيان صخر بن حرب -رضي الله عنه- يجيب هرقل الروم بعد أن سأله بماذا يأمركم؟ يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: قلت يقول: «اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق والعفاف، والصلة»(2).
وكذلك كان جواب جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- عندما سأله ملك الحبشة عن الدين الذي جاء به النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فقال له: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء.(3)
وهذا الهدى والنور الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- يقوم على أمرين هامين يجب المحافظة عليهما هما حق الله -تبارك وتعالى- وحق الخلق، يقول -صلى الله عليه وسلم: «أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان.»(4).
ومن أهم الحقوق التي على الخلق بعضهم على بعض هي صلة الأرحام من الزيارة لهم أو السلام عليهم، والعطف والمودة لهم، وبالإحسان إليهم بدفع مال لهم أو تقديم الخدمة، أو قضاء الحوائج، أو دفع ضر نزل بهم، والوقوف معهم في الشدائد أو الأفراح إلى غير ذلك مما يدخل في صلة الأرحام كما سيأتي في البحث إن شاء الله تعالى.
فصلة الأرحام من أهم الأعمال الصالحات التي يتقرب بها العبد لينال رضا ربه، ولا شك أن الأعمال الصالحات التي من جملتها صلة الرحم تزيد في الإيمان وتقويه فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والسيئات كما هو معلوم من مذهب أهل السنة والجماعة.
تعريف صلة الأرحام:
هذا المصطلح مكون من شقين الشق الأول: الصلة, والشق الثاني: الأرحام أو الرحم؛ ولذلك سنعرض لتعريف الصلة والرحم في اللغة.
الصلة في اللغة: مادة وصل تأتي لعدة معاني منها ضم الشيء ولامه يقال وَصَلَ الشيءَ بالشيءِ وَصْلاً وصُلَةً بالكسر والضم ووصَّلَهُ: لأَمّهُ.
وتأتي بمعنى بلوغ منتهى الشيء يقال ووصِلَكَ الشيءَ و إليه وُصولاً ووُصْلَةً وصِلَةً: بَلَغَهُ وانتهى إليه.
ومن المعاني عدم الانقطاع يقال أوْصَلَهُ واتَّصَلَ: لم يَنْقَطِعْ، والواصِلَةُ: المرأةُ تَصِلُ شَعَرَها بِشَعَر غيرِها،(5), والوُصْلَةُ بالضم: كلُّ شيءٍ اتَّصَلَ بشيءٍ فما بينَهما يقال وُصْلَةٌ.(6)
فصلة الأرحام هو التواصل معهم وعدم الانقطاع عنهم، والإبقاء على هذه العلاقة متصلة.
الرحم في اللغة: والرحم بالكسر بيت منبت الولد ووعاؤه في البطن فالرحم رحم الأنثى وهى مؤنثة, قال ابن برى: شاهد تأنيث الرحم؛ قولهم: الرحم معقومة, وقول ابن الرقاع:
حرف تشذر عن ريان منغمس *** مستحقب رزأته رحمها الجملا.
قلت: ومنه قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 6], والرحم القرابة تجمع بني أب وبنيهما رحم أي قرابة قريبة.
فالرحم القرابة وأصلها مكان منبت الولد الذي هو رحم الأنثى يقال جزاك الله خيرا والرحم، وفي الحديث: «إن الرحم شجنة معلقة بالعرش تقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني»(7), وفي الحديث من «ملك ذا رحم محرم فهو حر»(8), قال ابن الأثير: "ذو الرحم هم الأقارب، ويطلق على كل من يجمع بينك وبينه نسب، ويطلق في الفرائض على الأقارب من جهة النساء يقال ذو رحم محرم ومحرم وهو من لا يحل نكاحه كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة"(9).
وتجمع الرحم على أرحام لا يكسر على غير ذلك ومنه قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1]قال الأزهري: "من نصب أراد واتقوا الأرحام أن تقطعوها ومن خفض أراد تسألون به وبالأرحام وهو قولك نشدتك الله وبالرحم"(10).
ومادة ر ح م تدل على الرحمة والتعطف والرقة لذلك تكون الرحمة والمودة والتعطف بين من تجمعهم رحم واحدة، وجاء في مختار الصحاح: رحم: الرَّحْمَةُ الرقة والتعطف و المَرْحَمَةُ مثله وقد رَحِمَهُ بالكسر رَحْمَةً و مَرْحَمَةً أيضا و تَرَحَّمَ عليه و تَرَاحَمَ القوم رَحِمَ بعضهم بعضا والرَّحَمُوتُ من الرحمة يقال رهبوت خير من رحموت أي لأن تُرهَب خير من أن تُرحَم و الرَّحِمُ القرابة، والرَّحْمنُ الرَّحِيمُ اسمان مشتقان من الرحمة ونظيرهما نديم وندمان.(11)
في الاصطلاح:
والصلة في الاصطلاح كما يفهم من المعنى اللغوي هي: الرحمة والتعطف والترحم والإحسان بمن تجمعك معهم قرابة، فصلتهم هي الرحمة والرقة لهم، والإحسان إليهم، وهو يختلف بحسب حال الواصل والموصول يقول النووي -رحمه الله- وأما صلة الرحم فهي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول فتارة تكون بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك.(12)
وفي الفتح: وصلة الرحم بالمال ونحو عون على حاجة ودفع ضرر وطلاقة وجه ودعاء والمعنى الجامع إيصال الممكن من الخير ودفع الممكن من شر وهذا إنما يطرد إن استقام أهل الرحم فإن كفروا وفخروا فقطيعتهم في الله صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى.(13)
وأما صلة الله -عز وجل- لمن وصل رحمه فهي كما يقول العلماء وحقيقة الصلة العطف والرحمة فصلة الله -سبحانهوتعالى- عبارة عن لطفه بهم ورحمته إياهم وعطفه بإحسانه ونعمه أوصلتهم بأهل ملكوته الأعلى وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته؟. (14)
والرحم اصطلاحاً:
اختلف أهل العلم في حد الرحم التي تجب صلتها على قولين:
فقيل: هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرا والأخر أنثى حرمت مناكحتهما فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال، واستدل أصحاب هذا القول بما ورد من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه -: «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها»(15), وجواز ذلك في بنات الأعمام والأخوال.
وقال بعضهم: هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي المحرم وغيره، واستدل أصحاب هذا القول بقوله -صلى الله عليه وسلم- «ثم أدناك أدناك»(16).
وهذا ما رجحه الإمام النووي -رحمه الله- واستدل له بقوله -صلى الله عليه وسلم- في أهل مصر «فان لهم ذمة ورحما»(17)،وحديث: «إن أبر البر أن يصل أهل ود أبيه»(18), مع أنه لا محرمية بينهم.(19)
وهذا هو الظاهر لأنه أجمع وأمنع.يقول ابن حجر -رحمه الله-: "والرحم يطلق على الأقارب وهم من بينه وبين الآخر نسب سواء كان يرثه أم لا سواء كان ذا محرم أم لا، وقيل هم المحارم فقط والأول هو المرجح لأن الثاني يستلزم خروج أولاد الأعمام وأولاد الأخوال من ذوي الأرحام وليس كذلك"(20).
وخلاصة الأمر أن صلة الرحم كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم وكذلك إن بعدوا أو أساؤوا، وقطع الرحم ضد ذلك كله يقال وصل رحمه يصلها وصلا وصلة والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر.(21)
حكم صلة الرحم:
لا شك أن صلة الرحم واجبة بالجملة على المسلم، وقطع صلة الأرحام من الكبائر كما بينت الأحاديث النبوية الكثيرة الواردة في ذلك وسيأتي الحديث عنها إن شاء الله في ثنايا هذا البحث.
قال القاضي عياض -رحمه الله-: "ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة قال والأحاديث في الباب تشهد لهذا ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحب لووصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلا"(22).
والرحم عامة وخاصة, فالرحم العامة تشمل كل المسلمين وهي رحم الإسلام والدين، ورحم خاصة وهي رحم القرابة يقول العلامة القرطبي-رحمه الله-: والرحم عامة وخاصة فالعامة رحم الدين ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله ونصرتهم والنصيحة وترك مضارتهم والعدل بينهم والنصفة في معاملتهم والقيام بحقوقهم الواجبة كتمريض المرضى وحقوق الموتى من غسلهم والصلاة عليهم ودفنهم وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم، وأما الرحم الخاصة وهي رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة كالنفقة وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب.(23)
فضل صلة الرحم:
فقد ورد في النصوص الشرعية ما يدل على أن قطعية الرحم معصية كبيرة، ومرتكبها مرتكب لأثم فضيع، فالوعيد فيها شديد في الدنيا والآخرة، وكذلك ورد من النصوص ما يدل على فضل صلة الأرحام وما له من الأجر والثواب فيعجل له الخير في الدنيا، وينال المكارم في اليوم الآخر وقد ورد من الفضائل لهذا العمل أحاديث كثيرة ولعل من أهم هذه الفضائل هي أن صلة الرحم من أسباب القرب من الجنة والبعد عن النار: مصداق ذلك ما رواه أبو أيوب -رضي الله عنه- أن أعرابيا عرض لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال: يا رسول الله أو يا محمد أخبرني بما يقربني من الجنة وما يباعدني من النار قال فكف النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم نظر في أصحابه ثم قال: «لقد وفق أو لقد هدي, قال: كيف قلت»؟ قال: فأعاد, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم دع الناقة.»(24).
فقوله: وتصل الرحم أي تحسن إلى أقاربك ذوى رحمك بما تيسر على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيادة أو طاعتهم أو غير ذلك.(25)
وفي هذا الحديث جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- صلة الأرحام من أسباب القرب من الجنة، وقد قرنها -صلى الله عليه وسلم- بعدم الإشراك بالله تعالى وقرنها بالصلاة والزكاة مما يدل على فضلها وأهميتها.
ولا شك أن كل عمل يقرب من الجنة ويباعد من النار أنه من الأعمال التي تقوي الإيمان وتزيده، فالإيمان يزيد بالطاعات والقربات كما هو معلوم.
وصله الأرحام من أحب الأعمال إلى الحق تبارك وتعالى فعن رجل من خثعم قال أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في نفر من أصحابه فقلت أنت الذي تزعم أنك رسول الله قال: نعم، قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله قال: «الإيمان بالله»، قال قلت يا رسول الله ثم مه قال«ثم صلة الرحم»، قال قلت يا رسول الله ثم مه قال «ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أبغض إلى الله قال «الإشراك بالله»، قال قلت يا رسول الله، ثم مه قال «ثم قطيعة الرحم...»(26).
وهذا عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال لقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخذت بيده فقلت يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال فقال يا عقبة: «صل من قطعك وأعط من حرمك وأعرض عمن ظلمك»(27). وهذا يدل على أن صلة الرحم من أفضل الأعمال.
الرحم مشتقة من اسم الحق تبارك وتعالى "الرحمن":
ومما يدل على فضل الرحم وفضل واصلها ما ورد عن عائشة-رضي الله- عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله»(28).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الرحم شجنة(29) من الرحمن فقال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته»(30).
قوله: من الرحمن أي أخذ اسمها من هذا الاسم ويؤيد هذا ما ورد من حديث عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «قال الله أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشقت لها من اسمي فمن وصلها وصلتا ومن قطعتها بتته»(31).
والمعنى أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها فالقاطع لها منقطع من رحمة الله، وقال الإسماعيلى معنى الحديث أن الرحم اشتق اسمها من اسم الرحمن فلها به علقة وليس معناه أنها من ذات الله تعالى الله عن ذلك.(32)
عظيم إثم قاطع الرحم:
ومما يدل على عظم صلة الرحم وتعظيم أمرها وأن صلتها مرغب فيه، وأن قطعها من الكبائر لورود الوعيد الشديد في قطعها ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى قال فذاك لك»ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-«اقرؤا إن شئتم» ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 22- 24].(33)
قال القاضي عياض -رحمه الله-: الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني ليست بجسم وإنما هي قرابة ونسب تجمعه رحم والدة ويتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الاتصال رحما والمعنى لا يتأتى منه القيام ولا الكلام فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك والمراد تعظيم شأنها وفضيلة واصليها وعظيم أثم قاطعيها بعقوقهم لهذا سمي العقوق قطعا والعق الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل، قال: ويجوز أن يكون المراد قام ملك من الملائكة وتعلق بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله تعالى(34). قد يكون هذا من باب ضرب المثل، وقد يكون على الحقيقة والله على كل شيء قدير سبحانه.
والمقصود عظيم أثم قاطع الرحم يقول القرطبي: "وسواء قلنا إنه يعني -القول المنسوب إلى الرحم- على سبيل المجاز أو الحقيقة أو أنه على جهة التقدير والتمثيل كأن يكون المعنى لو كانت الرحم ممن يعقل ويتكلم لقالت كذا فمقصود هذا الكلام الإخبار بتأكد أمر صلة الرحم وأنه تعالى أنزلها منزلة من استجار به فأجاره فأدخله في حمايته وإذا كان كذلك فجار الله غير مخذول"(35).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن للرحم لسانا يوم القيامة تحت العرش يقول يا رب قطعت ظلمت يا رب أسىء إلى فيجيبها ربها ألا ترضين أن أصل من وصلك واقطع من قطعك»(36).
قوله: أصل من وصلك وأقطع من قطعك قال بن أبي جمرة الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه وإنما خاطب الناس بما يفهمون ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب منه وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده قال وكذا القول في القطع هو كناية عن حرمان الإحسان.(
تم نقله لما يعانيه مجتمعنا من كثره قاطعي رحمهم ولتعم الفائده
خالد حسن محمد البعداني

الجمعة 28 ديسمبر 20123
 

أسيرالشوق

المراقب العام
إنضم
18 أكتوبر 2007
المشاركات
55,084
مستوى التفاعل
48
النقاط
48
الله يعطيك العافية

شكراً لك على نقل المقال المميز
 
إنضم
20 نوفمبر 2013
المشاركات
849
مستوى التفاعل
5
النقاط
18
الإقامة
الرياض
[quot
e=احمد بن شويل المالكي;2728282]جزاك الله خير على هذا الاختبار المبارك[/quote]

ولك بالمثل اخي احمد شاكرا مرورك الكريم
 

AbDoO

New Member
إنضم
24 يناير 2015
المشاركات
11
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
مصر
الله يعطيك العافية على هذه المشاركة القيمة
 
أعلى